أين سنة الرسول ؟!! وماذا فعلوا بها / الصفحات: ١ – ٢٠
المقدمة
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم، على رسول الله محمد صاحب السنة الأمين، وعلى آله الطيبين الطاهرين، الذين اصطفى من عباده المسلمين أما بعد:
فبعد أن أنهيت كتابي الرابع عشر (الاجتهاد بين الحقائق الشرعية والمهازل التاريخية) قمت بزيارة أخ كريم، وسيد فاضل، وهو سماحة السيد محمد الموسوي، مد الله تعالى في عمره، ونفع المسلمين بعلمه، فاستقبلني بوجهه الطلق، وغمرني بعواطفه النبيلة، وأحاطني بتواضعه الجم فأخبرته بما أنجزت، ولأنني أثق به، وبعمق إيمانه بعدالة قضية أهل بيت النبوة، وبإخلاصه التام لها، وخبرته الطويلة بها، فقد سألته ماذا يقترح علي أن أكتب؟ فأجابني على الفور، كأنه كان يتوقع مني هذا السؤال (أقترح عليك أن تجيب على السؤال التالي: أين سنة الرسول؟)!! فاستهواني الموضوع، واستقر في نفسي فقلت للسيد: ما رأيك لو أضفنا إلى هذا السؤال سؤالا آخر (وماذا فعلوا بها؟
فيكون عنوان الكتاب الجديد (أين سنة الرسول؟! وماذا فعلوا بها؟!) فتهلل وجه السيد، وأيد الفكرة، وصممت على أن أعنون كتابي الخامس عشر بهذا العنوان، وأفصحت للسيد عما صممت عليه فبارك الفكرة، وذكر لي أسماء بعض المراجع، ووضعنا الخطوط العريضة لمخطط البحث، والأبواب التي سألج منها إلى الموضوع، كان الموضوع ميسرا تماما، وكأننا والله قد أعددنا له
ولو أن الخلفاء لم يمنعوا رواية وكتابة سنة الرسول طوال مائة عام ونيف ولم يحرقوا المكتوب منها، لوصلتنا سنة الرسول كاملة باللفظ والمعنى، ولشكلت مع القرآن الكريم أعظم منظومة حقوقية عرفتها البشرية، ولما اختلف اثنان في أي نص من نصوص سنة الرسول الشريفة، الذين أحرقوا سنة رسول الله المكتوبة ومنعوا رواية وكتابة سنة الرسول طوال عام ونيف يتحملون وزر هذا الخلط الذي أصاب سنة الرسول!!!
كنت أعرف أن سنة الرسول قد تعرضت لمحنة رهيبة، ولكن قبل كتابة هذا البحث لم أكن أعلم بأن محنة سنة الرسول بهذا الحجم!!!
أين سنة الرسول!! وماذا فعلوا بها!!؟
لقد أجبت على هذين السؤالين في كتابي هذا الذي اتخذ من هذين السؤالين عنوانا له، وقدمت الجواب من خلال ثمانية أبواب، فتحت في كل باب نوافذ متعددة، تظافرت جميعا، فصبت في خانة الإجابة، وقد اشتمل الباب الأول على مكانة السنة في الإسلام، أما الباب الثاني، فقد غطى موضوع من يبلغ سنة الرسول بعد موته، أما الباب الثالث، فقد كشف المخططات التي رمت إلى نسف الإسلام وتدمير سنة الرسول بعد موته، وفي الباب الرابع، كشفت حالة سنة الرسول بعد موته مباشرة، وكيف.
أنا لا أدعي الكمال، حتى أنني كعادتي لم أقرأ ما كتبت، لكنني على يقين بأن هذا الكتاب هو الأول في موضوعه من حيث الشمول على الأقل وهو الأحدث في منهجيته وأسلوب عرضه، وغني عن البيان بأنني لا أطمع بجائزة من أحد على هذا الكتاب، إنما أردت أن أضعه تحت تصرف أولياء أهل بيت النبوة ليزدادوا يقينا بسلامة خط أهل بيت النبوة، كذلك فإني أضع ما فيه من حقائق موضوعية تحت تصرف الحائرين الذين وصلوا إلى مرحلة الشك، ولا يدرون أي خط ينبغي أن يسلكوه!!
وإن أريد إلا الاصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله والحمد لله رب العالمين.
أحمد حسين يعقوب.
الفصل الأول
معنى سنة الرسول
تعني سنة الرسول: كل ما صدر عن الرسول بالذات من قول، أو فعل أو تقرير، إطلاقا. فأقوال الرسول هي السنة اللفظية أو القولية، وتعرف بحديث النبي، وأفعال الرسول هي سيرته أو سنته العملية، وتشمل سنة الرسول أيضا تقريره، ومعنى التقرير أن يرى الرسول عملا من مسلم أو أكثر، فلا ينهى عنه، فيكون سكوت الرسول بهذه الحالة إقرارا منه بصحة ذلك الفعل. ولا خلاف بين اثنين من أتباع الملة حول مضمون وحدود هذا المعنى.
التلازم والتكامل بين القرآن الكريم وسنة الرسول
التلازم والتكامل بين القرآن وسنة الرسول ثمرة طبيعة لحالتي التلازم والتكامل بين القرآن الكريم وبين الرسول بالذات، فمن غير المتصور عقلا وشرعا بأن ينزل الله تعالى كتابا سماويا أو تعليمات إلهية إلا على رسول، أو أن يرسل رسالة لبني البشر بدون رسول، فالكتاب والرسول وجهان متكاملان لأمر واحد، وإذا أردنا أن نلخص دين الإسلام تلخيصا دقيقا، فلا نعدو القول بأنه يتكون من مقطعين رئيسيين: أولهما كتاب الله المنزل، وثانيهما نبي الله المرسل، فلا غنى للكتاب عن النبي، ولا غنى للنبي عن الكتاب، فالكتاب لا يفهم فهما يقينيا بدون نبي، والنبي لا برهان له ولا حجة إن لم يكن معه كتاب ضاق مضمونه أو اتسع. ثم إن الإيمان والإسلام لا يتحققان إلا بالاثنين معا، كتاب الله المنزل، ونبيه المرسل، فالإيمان.
التأكيد الإلهي على مكانة الرسول، وأهمية سنة الرسول
الله تعالى هو الذي أوجد التكامل والتلازم بين كتاب الله المنزل، ونبيه المرسل، وهو الذي فرض الإيمان بالاثنين معا، وهو الذي خص رسوله بهذه المرتبة العالية حتى صار الإيمان بالرسول جزءا لا يتجزأ من الإيمان بالله، والله جلت قدرته هو الذي أبرز أهمية سنة الرسول بفروعها الثلاثة حتى صارت جزءا لا يتجزأ من دين الإسلام، وفصلا جوهريا متداخلا تداخلا عضويا مع الشريعة الإلهية المكونة حصرا من كتاب الله وسنة رسوله.
فهو جلت قدرته الذي اختار نبيه للرسالة، فأعده، وأهله وعصمه، وكلفه بالإمامة والولاية، وأمر المسلمين والمؤمنين أن يأتمروا بأمره وأن ينتهوا بنهيه: (… وما ءاتكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله إن الله شديد العقاب) (١) فأمر الرسول كأمر الله، ونهي الرسول كنهي الله.
وقال تعالى مخاطبا المكلفين: (فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته واتبعوه) (٢) فالإيمان بالله والرسول لا ينفصلان عن
وتأكيدا من الله تعالى لعمق التكامل بين الكتاب المنزل والنبي المرسل وعمق الصلة بين الله ورسوله أمر الله رسوله بأن يعلن للمؤمنين والمسلمين خاصة ولأبناء الجنس البشري عامة هذا الاعلان الذي يعبر بدقة عن مضامينه الوارفة فقال تعالى مخاطبا رسوله: (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم) (٥) فاتباع الرسول هو الطريق إلى محبة الله، وهو الطريق إلى المغفرة.
(٣) سورة الأعراف، الآية ٢٠٣.
(٤) سورة الأحقاف، الآية ٩.
(٥) سورة آل عمران، الآية ٣١.
(٣) سورة المائدة، الآية ٩٢.
(٤) سورة النساء، الآية ٦٤.
شهادات على صحة ما ذهبنا إليه حول التكامل والتلازم بين القرآن وسنة الرسول
قلنا: إن القرآن والسنة وجهان لعملة واحدة، فلا يمكن فهم القرآن فهما يقينيا أو تطبيقه دون وجود السنة المطهرة بفروعها الثلاثة القول والفعل والتقرير لأن المهمة الأساسية لرسوله صلى الله عليه وآله وسلم تتمحور حول بيان ما أنزل الله من القرآن، والقرآن والسنة متكاملان، ولا غنى لأحدهما عن الآخر وتقريبا للذهن، وإبرازا للمقصود، فإن القرآن كالدستور في اللغة القانونية المعاصرة، والسنة كالقانون، فوجود الدستور لا يغني عن وجود القانون، ووجود القانون لا يغني عن وجود الدستور، لأن أي واحد منهما يشكل ركنا أساسيا من أركان المنظومة الحقوقية النافذة في المجتمع، وهذا حال القرآن والسنة لأنهما هما المنظومة الحقوقية النافذة في المجتمع الإسلامي فالقرآن يشتمل على المبادئ الرئيسية والقواعد الكلية حيث أجمل ما يتغير وترك للرسول الأعظم أمر تفصيل ذلك على ضوء توجيهات الوحي الإلهي،