الرئيسية / الاسلام والحياة / أين سنة الرسول ؟!! وماذا فعلوا بها

أين سنة الرسول ؟!! وماذا فعلوا بها

أين سنة الرسول ؟!! وماذا فعلوا بها / الصفحات: ١٦١ – ١٨٠

لقد كنا نرى حق ابن أبي طالب لازما لنا وفضله مبرزا علينا…) لقد هيج ذلك النفر مشاعر المسلمين ضد الترتيبات الإلهية، وجرأ الناس على انتهاكها!!وما يعنينا في هذا المقام هو التأكيد على أن عمر بن الخطاب الذي افتعل الصدمة والفجيعة عندما سمع بوفاة الرسول، وأبا بكر وذلك النفر من أبناء بطون قريش المهاجرين لم يشاركوا بتجهيز الرسول ولم يحضروا دفنه قال ابن سعد: (ولي وضع رسول الله في قبره هؤلاء الرهط الذين غسلوه العباس وعلي والفضل وصالح مولاه، (وخلى أصحاب رسول الله بين رسول الله وأهله فولوا أجنانه) (١).

وقال ابن عبد ربه: (ودخل القبر علي والفضل وقثم ابنا العباس وشقران مولاه ويقال أسامة بن زيد وهم تولوا غسله وتكفينه وأمره كله) (٢).

وأن أبا بكر وعمر لم يشهدا دفن الرسول (٣).

وقالت عائشة: ما علمنا بدفن الرسول حتى سمعنا صوت المساحي من جوف الليل ليلة الأربعاء) (٤).

هم يقولون: إنه صلى الله عليه وآله وسلم قد مرض في بيت عائشة، ومات فيه فأين كانت عائشة أم المؤمنين طالما أنها لم تعلم بدفن الرسول!!

 

 

(١) الطبقات الكبرى لابن سعد ج ٢ ف ٢ ص ٧٠، وفي البدء والتاريخ قريب منه، وكنز العمال ج ٤ ص ٥٤ و ٦٠ وهذه عبارته: (ولي دفنه وأجنانه أربعة من الناس) ثم ذكر الذين ذكرناهم معالم المدرستين ج ١ ص ١٢١.(٢) العقد الفريد ج ٣ ص ٦١، وقريب منه تاريخ الذهبي ج ١ ص ٣٢١ و ٣٢٤ و ٣٢٦.

(٣) كنز العمال ج ٣ ص ١٤٠.

(٤) سيرة ابن هشام ج ٤ ص ٣٤٤، وتاريخ الطبري ج ٢ ص ٤٥٢ و ٤٥٥ وط أوروبا ج ١ ص ١٨٣٣ و ١٨٣٧، وابن كثير ج ٥ ص ٢٧٠، وابن الأثير في أسد الغابة ج ١ ص ٣٤ في ترجمة الرسول، ومعالم المدرستين ج ١ ص ١٢١.

 

١٦١
وقال ابن سعد: (ولم يله إلا أقاربه، ولقد سمعت بنو غنم صريف المساحي حين حضر، وإنهم لفي بيوتهم) (١).هذه الروايات رواها أولياء الخلفاء وهي تدل ضمنا على أنهم تركوا رسول الله جنازة في أيدي أهله وأقاربه، وذهبوا يستولون على ملك النبوة، ويتقاسمونه في غياب أهله الشرعيين!!

إذا كان هذا تعاملهم مع الرسول شخصيا صاحب الرسالة والسنة، فكيف يكون تعاملهم مع سنته!!

 

 

(١) الطبقات الكبرى لابن سعد ج ١ ف ٢ ص ٧٨. 

١٦٢

سنة الرسول بعد موت الرسول

 

ربط الموضوع

رأينا في الفصل السابق بعض أفاعيل القوم مع رسول الله عندما أمرهم بالخروج في جيش أسامة، ورأينا نماذج من معاملتهم الغاشمة لرسول الله أثناء مرضه، ومعصيتهم له، واستهانتهم التامة بمقام النبوة المقدس (١) وإساءتهم البالغة لرسول الله وتماديهم بإيذائه، وافتعالهم للغو والاختلاف والتنازع بين يديه، وكيف كسروا بخاطره الشريف، وهو يجود بآخر أنفاسه الطاهرة، فكان آخر ما قاله لهم النبي، كما وثقنا (… إنهن – أي النساء – خير منكم) (٢) (ما أنا فيه خير مما تدعوني إليه) (٣) (قوموا عني فلا ينبغي عندي تنازع) (٤).

وبعد أن نجحت زعامة القوم بتثبيط الناس عن الخروج في جيش أسامة، وتشكيك الناس في شرعية تأمير الرسول لأسامة، وبعد أن نجا بالحيلولة بين الرسول وبين كتابة وصيته وتوجيهاته النهائية، غادرت منزل

 

(١) كقولهم للنبي: (أنت تهجر!!) أي لا تعي ما تقول.(٢) الطبقات الكبرى لابن سعد ج ٢ ص ٢٤٣ – ٢٤٤.

(٣) راجع المراجع التي ذكرتها تحت عنوان تدخل النسوة… والعنوان الذي يليه في الصفحات العشرة السابقة.

(٤) المصدر السابق.

 

١٦٣
الرسول، وتركته يلفظ آخر أنفاسه، وأخذت تستعد للخطوة الثالثة وهي الاستيلاء على ملك النبوة، وبعد أقل من ساعة من خروج زعامة القوم من منزل النبي، بلغها أن النبي قد مات، فافتعلت الصدمة، وتصنعت الفجيعة، لتشغل الناس، وتلهيهم، حتى يتكامل جمع تلك الزعامة لتمضي قدما بتنفيذ مخططها المرسوم. 

١٦٤

١٦٥

الباب الرابع
سنة الرسول بعد موت النبي

 

١٦٦

١٦٧

الفصل الأول
نقض أول عروة من عرى الإسلام وهي نظام الحكم

 

استنكار الترتيبات التي أعلنها الرسول لعصر ما بعد النبوة!

عند معالجتنا لموضوع من يخلف النبي، ومن يبين القرآن، ويبلغ السنة بعد موت النبي أو قتله قلنا: إن هذا الموضوع قد نال عناية الله تعالى والجزء الأكبر من اهتمام الرسول لأن من يخلف النبي هو حجر الأساس لنظام الحكم الإسلامي، وقد أثبتنا بالدليل القاطع والبرهان الساطع، بأن الله تعالى قد اختار الإمام علي بن أبي طالب ليكون أول إمام يخلف النبي بعد موته، واختار أحد عشر إماما آخرين من ذرية النبي ومن صلب علي ليتعاقبوا على خلافة الإمام علي بعد موته أو قتله، يتولى كل واحد منهم الإمامة بعهد ممن سبقه، وأمر الله رسوله أن يبين ذلك للمسلمين خاصة، وللناس عامة، فصدع الرسول بأمر ربه، وطوال عهد النبوة الزاهر وهو يبين ذلك بمختلف وسائل البيان، ويؤكده بكل طرق التأكيد، ويثبت صواب هذا الترتيب الإلهي بمختلف وسائل الإثبات، لأن هذا الموضوع هو العمود الفقري للأحكام الإلهية، وتمكن الرسول من إقناع المسلمين بصواب

١٦٨
كتاب أين سنة الرسول ؟!! للمحامي أحمد حسين يعقوب (ص ١٦٩ – ص ١٩٢)

١٦٩
أولها نقضا الحكم وآخرها نقضا الصلاة (١) وسيلي الأمر من بعده رجال يطفئون السنة ويحدثون البدعة (٢).بعد عودة الرسول إلى المدينة، مرض كما أخبر، ومات في مرضه دون أن تتبدل هذه الترتيبات أو تتغير، وكان الناس على يقين بأن الإمام والخليفة من بعد النبي هو علي بن أبي طالب!! وبما أن الإمام أو الرئيس العام هو أس النظام السياسي وحجر أساسه كما أوضحت السنة النبوية بفروعها الثلاثة القول والفعل والتقرير، فإن سلطة النبي ستنتقل سلميا إلى الإمام علي بعد وفاة النبي، حيث يتولى هذا الإمام المؤهل قيادة الأمة، وتبليغ السنة، وبيان القرآن وبالكيفية التي أعده الله ورسوله لتحقيقها، ولهذا الإمام الاستعانة بمن يراهم من أهل القوة والأمانة، وعصمة الإمام علي، أي اعتصامه المؤكد بالله، والتزامه التام بطاعته، هي الضمانة الإلهية بعدم الانحراف أو إساءة استعمال السلطة أو الصلاحيات الهائلة المعطاة له، بمعنى آخر فإن الإمام شأنه شأن كل الأئمة الشرعيين محصن أو (مطعم) إلهيا ضد الخطأ والانحراف، تماما كما (حصن الرسول وطعم) لأن الإمام هو القائم مقام النبي وهو المؤدي عنه كافة الأحكام الشرعية، وقد تولت السنة النبوية المباركة بيان هذه الناحية وإثباتها.

لذلك لم تكن هنالك مشكلة بموت النبي، لأن الإمام عليا قد تم تتويجه وتمت مبايعته حال حياة النبي كولي وكإمام وكخليفة شرعي للنبي، فهو ولي عهده شرعيا أو رسميا، فإن تأكدت وفاة النبي بأية لحظة فسيحل محله آليا ولي عهده، كانت الترتيبات الإلهية التي أعلنها الرسول وأكدها طوال عصر النبوة الزاهر محكمة تماما، وقد حرص الرسول على إقناع

 

(١) صحيح البخاري كتاب الحج ج ١ ص ٣٢٢، وصحيح مسلم ج ٧ ص ١٨، راجع نماذج من تحذيرات الرسول.(٢) رواه أحمد الفتح الرباني ج ٢٩ ص ٢٣ وقال حديث صحيح.

 

١٧٠
المسلمين بسلامتها وصوابها، ونجح بالفعل في إقناعهم بذلك والحصول على رضاهم التام بها فحتى أبو سفيان إمام الكفر سابقا وولداه معاوية ويزيد وهم من قادة جبهة الشرك كانوا راضين ومقرين بسلامة وصواب هذه الترتيبات الإلهية، أما الفئة الصادقة المؤمنة فقد كانت ترى أن هذه الترتيبات المتعلقة بمن يخلف النبي أحكام إلهية أساسية، ملزمة، ولا تستقيم أمور الدين والدنيا إلا بها، والقوى التي حاربت وقاومت رسول الله قبل نصر الله والفتح كانت ترى أن هذه الترتيبات من القوة والأحكام بحيث لا يمكن نقضها، لذلك كانت أعناق تلك القوى خاضعة لهذه الترتيبات، لأنها قد اعتبرت أن القبول بهذه الترتيبات جزء لا يتجزأ من الإسلام، وأن الله هو الذي أمر بها، فهي أحكام إلهية، وأن مهمة الرسول كانت مقصورة على بيان هذه الأحكام، فالتفكير العام والقناعة الظاهرة لكافة القوى التي حاربت الرسول وقاومته ثم اضطرت لدخول الإسلام مشابه تماما لتفكير وقناعة القلة المؤمنة في هذه الناحية بالذات!! 

١٧١

الذين تجاهلوا سنة الرسول وخرجوا على الترتيبات الإلهية، وتجرأوا على نقض أول عرى الإسلام (نظام الحكم)

طالما أن الرسول الأعظم قد استطاع أن يقنع المسلمين بوجاهة الترتيبات الإلهية المتعلقة بمن يخلف النبي، وأن يحملهم بالرضا على مبايعة الإمام علي بن أبي طالب في غدير خم ليكون أول إمام يخلف النبي، وطالما أن المسلمين قاطبة بمن فيهم أبو سفيان وولداه يزيد ومعاوية وهم ألد أعداء الله السابقين قد قبلوا بهذه الترتيبات، وأقروا بصوابها ووجاهتها وشرعيتها واعتبروها جزءا من صفقة الإسلام التي قبلوها، ولم يجرؤ أي واحد من الناس على إظهار رفضه لهذه الترتيبات!! فما الذي حدث ومن الذي حرض الناس على الخروج على هذه الترتيبات الإلهية؟ ومن الذي جرأهم على نقض أول عروة من عرى الإسلام وهي نظام الحكم وتجاهل بيان الرسول أو نصوص السنة النبوية التي عالجت موضوع نظام الحكم أو من يخلف النبي بعد موته!!؟ ومن الذي قاد المسلمين في مسيرتهم نحو تجاهل نصوص سنة الرسول، ونقض أو عروة من عرى الإسلام، من الذي قام بهذه الأعمال المدمرة التي ما زلنا حتى يومنا هذا ندفع ضريبة سكوت أجدادنا عليها أو ممالأتهم لفاعليها؟ هل هم شياطين قد خرجوا من البحر، أو هبطوا من الجو، وهل هم قوى خفية من الجن، كانت تتحرك

١٧٢
وتدمر دون أن يشاهدها أحد من المسلمين؟!!الحقيقة المرة أن الذين حرضوا المسلمين على الخروج على الترتيبات الإلهية وهيجوا الناس ضدها، وجرأوا المسلمين على نقض أول عروة من عرى الإسلام وهي نظام الحكم، كانوا نفرا من المسلمين، المحسوبين على القلة المؤمنة والذين نالوا شرف صحبة النبي، لقد كانت أفعالهم فتنة، وأشخاصهم فتنة أيضا، وقد كشفتهم تحركاتهم المشبوهة، ووسمتهم تلك التحركات بمياسم لا تخفى على محايد أبدا.

لقد رأيت ما فعله ذلك النفر من مهاجري بطون قريش عندما أمر رسول الله الناس بالخروج في جيش أسامة، كما رأيت أيضا ما فعلوه برسول الله وهو على فراش الموت، ثم رأيت كيف افتعلوا الشعور بالصدمة والفجيعة عندما علموا بوفاة الرسول، وفجأة كأن لم يكونوا في صدمة شبكوا أيديهم معا وتركوا رسول الله جنازة بين أيدي أهله، دون أن يشتركوا بتجهيزه، أو يشاركوا في دفنه، وذهبوا ليستولوا على ملك النبوة أثناء انشغال أصحابه الشرعيين بتجهيز النبي ودفنه، ليضعوا المسلمين في ما بعد أمام أمر واقع لا مجال لدفعه!! متجاهلين بالكامل كافة الترتيبات الإلهية المتعلقة بمن يخلف النبي، وقافزين قفزا كاملا عن النبي وعن بيانه، أو عن نصوص السنة النبوية المطهرة، التي عالجت هذه الناحية وتركت الناس على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك!!

كان الرسول الأعظم قد حذر من ذلك النفر بقوله: (ليردن علي قوم أعرفهم ويعرفونني ثم يحال بيني وبينهم يوم القيامة) (١) وفي رواية أخرى:

(فأقول يا رب أصحابي!! فيقال لي: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك) (٢)

 

(١) صحيح البخاري ج ١ ص ١٤١، وصحيح مسلم كتاب الفضائل ج ٥ ص ١٥٩، وكنز العمال ج ١٤ ص ٤١٨ رواه أحمد والبيهقي.(٢) صحيح البخاري كتاب الدعوات ج ١ ص ١٤١، وصحيح مسلم كتاب الفضائل ج ١٥ ص ١٥٩.

 

١٧٣
ويوضح الرسول الصورة في رواية ثالثة فيقول: (… فيقال لي لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم) (١) ووضح الرسول الصورة أكثر فقال:(… فقلت ما شأنهم؟ فيقال لي أنهم ارتدوا بعدك على أدبارهم القهقرى، فلا يخلص منهم إلا مثل همل النعم) (٢).

لقد سلط رسول الله بهذه الأحاديث الصحيحة الضوء الكاشف على نفر من أصحابه، قريب منه، ومحسوب عليه، فأكد وبكل طرق التأكيد، بأن هذا النفر لن ينال شرف رفقة الرسول يوم القيامة، ولن يكون حيث يكون الرسول، بل سيكون هذا النفر في مكان آخر مع أشخاص من أمثالهم، والعلة بهذا الطرد من الرحمة الإلهية تلك الأحداث التي أحدثها ذلك النفر بعد وفاة الرسول، فمنذ اللحظة التي صعدت فيها روح النبي الطاهرة إلى بارئها ارتد ذلك النفر على أعقابه، (لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم، إنهم ارتدوا بعدك على أدبارهم القهقرى…) والارتداد والردة لهما معنى محدد باللغة والشرع، والارتداد أسوأ وأقبح عاقبة ونهاية، والمرتد إنسان مطرود من رحمة الله، لأنه عرف وتيقن، ثم جحد وأنكر!! ولا ينفع ذلك النفر المرتد ادعاءهم بأنهم قد آمنوا بالإسلام، ولكنهم لا يقبلون أو كفروا بالأحكام الإلهية المتعلقة بنظام الحكم لأنها ليست مناسبة حسب اجتهاداتهم المريضة لقد عالج القرآن الكريم هذه الناحية، فقال الله تعالى كأنه يوجه كلامه العزيز لمثل هذا النفر: (أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحيوة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب).

ولتكون على يقين من صحة وصواب ما ذهبنا إليه، فهل كان بوسع أحد من المسلمين أن يتجرأ فيقول للرسول في منزله أنت تهجر، ولا حاجة

 

(١) صحيح البخاري تفسير سورة الأنبياء ج ٣ ص ١٦٠، وصحيح مسلم ج ١٧ ص ٩٤.(٢) صحيح البخاري كتاب الدعوات ج ٤ ص ١٤٢ باب الصراط.

 

١٧٤
لنا بوصيتك، ولا بتوجيهاتك النهائية، لأن عندنا القرآن وهو يغنينا عنك.لو لم يفتح عمر بن الخطاب هذا الباب فيواجه النبي بهذا اللفظ النابي!! فهل يتجرأ أبو سفيان أو أي زعيم من زعماء بطون قريش أو أي كهف من كهوف المنافقين وأركانهم على التلفظ بمثل هذا القول في حضرة رسول الله لو لم يجرئهم عمر على ذلك فيستعمل هذا اللفظ الفاحش!! لقد اقتصر دور الذين اتبعوه عندما اقتحم حجرة النبي على اللازمة التي وضعها عمر فكانوا يقولون: (القول ما قال عمر) ما له أهجر، استفهموه إنه يهجر!!

فماذا بقي من الإسلام بربك عندما يقول المسلم لرسول الله (اسكت أنت لا تعي ما تقول، حسبنا كتاب الله، ولا حاجة لنا بوصيتك!! إذا كان والد زوجة النبي وأحد المهاجرين يقول مثل هذا الكلام الفظ، فما الذي يمنع أعرابيا من أولئك الذين هم أشد كفرا ونفاقا من أن يقول هذا الكلام لأنه يردد ترديدا ما قاله الصاحب!!!

وهل كان بوسع أحد من المسلمين أن يشغب على الإمام علي أو أن يطعن بشرعية ولايته، أو أن يطالب بالخلافة من بعد النبي مع وجود صاحبها الشرعي لولا ما فعله ذلك النفر من المهاجرين!! لكن عندما يرى المسلمون صهري النبي أبا بكر وعمر، وعثمان وأبا عبيدة يشغبون على ولاية الإمام عليها ويطعنون بشرعيتها، ويطالبون بالخلافة متجاهلين وجود الخليفة الشرعي، فلا تثريب على المسلم العادي لو تاه في هذه الظروف، وعندما يرى المسلمون ذاك النفر من المهاجرين يتنكرون تنكرا كاملا لبيان الرسول أو سنته المتعلقة بنظام الحكم أو من يخلف النبي، ولا يقيمون لهذه السنة أي وزن، لأنها بحكم المعدومة في نظرهم فكيف ترجو من المسلمين البسطاء وحديثي العهد بالإسلام أن يلتزموا بالسنة أو أن يقيموا لها أي وزن!! بل كيف تحملهم على ذلك!!

لقد فتحوا أبواب الفتن كلها، وجرأوا المسلمين على الاستهانة

١٧٥
برسول الله، والاستهانة بسنة الرسول، وبكافة الترتيبات الإلهية التي أعلنها رسول الله والمتعلقة بنظام الحكم أو بمن بخلف الرسول!! لقد أوجد ذلك النفر المناخ الملائم لنقض عرى الإسلام كلها عروة بعد عروة، بل وقادوا بأنفسهم كما سنرى عملية نقض عرى الإسلام خطوة خطوة!لقد استنفر ذلك النفر من المهاجرين كافة أعداء الله ورسوله السابقين، كما أيقظ المنافقين من غفلتهم، وهيجهم ضد الترتيبات الإلهية، واستعان بهم لنقض عرى الإسلام عروة عروة، وجعل لهم مصلحة في هذا النقض حيث استعان بهم، وأشركهم معه بالأمر، قال ابن حجر في فتح الباري:

(والذي يظهر من سيرة عمر في أمرائه الذين كان يؤمرهم في البلاد أنه كان لا يراعي الأفضل في الدين… فلأجل ذلك استخلف معاوية والمغيرة بن شعبة وعمرو بن العاص مع وجود من هو أفضل منهم في أمر الدين والعلم) (١).

قال حذيفة – أمين سر رسول الله على المنافقين – لعمر بن الخطاب يوما عندما رأى الفجار والمنافقين يتولون المناصب الحساسة في الدولة: (يا عمر إنك تستعين بالرجل الفاجر) (٢) وقال حذيفة نفسه مرة أخرى لعمر:

(والله يا عمر إنك تستعمل من يخون وتقول ليس عليك شئ وعاملك يفعل كذا وكذا) (٣).

وكان عمر يعلم أن الذين يستعين بهم ويعينهم أمراء، وولاة وقادة فجار أو منافقون أو خونة لله ولرسوله، ولكنه كان يبرر استعماله لهم واستعانته بهم بالقول: (نستعين بقوة المنافق وإثمه عليه) (٤).

 

 

(١) فتح الباري كتاب الأحكام ج ١٣ ص ٩٨.(٢) كنز العمال ج ٥ ص ٧٧.

(٣) راجع تاريخ الطبري ج ٥ ص ٣١.

(٤) رواه ابن أبي شيبة والبيهقي راجع كنز العمال ج ٤ ص ٦١٤.

 

١٧٦
وهكذا وحسب هذه السياسة المخالفة لكتاب الله وسنة رسوله، ولتحذيرات الرسول المتكررة صار تأمير الفاسقين والمنافقين والفجار والاستعانة بهم هو الأصل، وهو المبدأ العام، فأينما وجدت هذه القوة المزعومة استعانوا بها بغض النظر عن دين صاحبها أو سابقته أو جهاده أو علمه أو ماضيه، أو عداوته السابقة لله ولرسوله، أو تحذير الرسول منه، والقوة بهذا المعنى تعني الالتزام بسياسة ذلك النفر، والولاء لهم، وكراهية أعدائهم، وحرمان أولئك الأعداء من كافة الوظائف العامة!! والكارثة حقا أن الذين يعتبرهم ذلك النفر أعداء هم آل محمد وقرابته الأدنون ومن والاهم من القلة المؤمنة ممن قامت دولة الإسلام بسيوفهم وعلى أكتافهم!فالمقداد بن عمرو، وسعد بن عبادة، وعمار بن ياسر، وأبو ذر وأمثالهم يتأخرون أو يؤخرون بحجة أن القوة لا تتوفر بهم، ويقدم عليهم معاوية والوليد بن عتبة (١)، وابن أبي سرح (٢)، والحكم بن العاص (٣)، ومروان ابنه (٤)، والأعور السلمي (٥)، ويعلى بن منبه (٦)، وأياس بن صبح (٧)، وطليحة بن خويلد (٨) وأمثالهم.

 

 

(١) كان يسكر علنا، وصلى الصبح بالناس وهو سكران وكان أحد أمراء عمر، الإصابة ج ٣ ص ٣٦٣.(٢) هو الذي افترى على الله الكذب بنص القرآن، وقد أباح الرسول دمه، تاريخ الطبري ج ٥ ص ٥٩، والبداية والنهاية لابن الأثير ج ٨ ص ٢١٤.

(٣) وثقنا في البحوث السابقة لعن الرسول للحكم بن العاص ولابنه مروان وتحذيراته منهما ومن نسلهما.

(٤) المصدر السابق.

(٥) شهد حنين مشركا، الإصابة ج ٢ ص ٥٤٠، وأسد الغابة ج ٦ ص ١٦، وقد لعنه رسول الله وكان من أشد المبغضين لعلي لكن عمر أمره وجعله على مقدمة جيش، الإصابة ج ١ ص ٥٤١.

(٦) كان يعلى من الحاقدين على علي بن أبي طالب فقد أعان الزبير في ما بعد بأربعمائة ألف عندما خرج على علي واشترى لعائشة جملها عسكر وجهز ٧٠ رجلا من قريش، الاستيعاب لابن عبد البر ج ٦ ص ٦٦٢ – ٦٦٣.

(٧) كان بسر بن أرطأة من أصحاب مسيلمة الكذاب أسلم وولاه عمر القضاء على البصرة، الاستيعاب ج ١ ص ١٢٠.

(٨) ادعى النبوة بعد النبي، فأعجب به عمر وطلب من أمر الله أن يشاوروه، البداية والنهاية ج ٧ ص ١٣٠.

 

١٧٧
لقد تجاهل ذلك النفر تحذيرات الرسول من بني أمية (١) والتاريخ الأموي الأسود فعين يزيد بن أبي سفيان قائدا عاما لجيش الشام، ولما مات يزيد ورثه أخوه معاوية كقائد عام ووال على بلاد الشام (٢) وأطلق عمر بن الخطاب يد معاوية في بلاد الشام وأعطاه الحرية الكاملة ليفعل ما يشاء، وليجمع كما يشاء وليتصرف على الوجه الذي يريد بلا رقيب ولا حسيب فقد قال يوما لمعاوية: (… لا آمرك ولا أنهاك) (٣) وكان عمر يوطد لمعاوية بين الناس فيقول أمام علية القوم وأركان دولته: (إنه فتى قريش وابن سيدها) (٤) وكان يقول لعلية القوم: (تذكرون كسرى وعندكم معاوية) (٥) وكان عمر يعد معاوية للخلافة ومواجهة الإمام علي في ما بعد لقد خاطب عمر أهل الشورى بقوله: (إذا اختلفتم دخل عليكم معاوية بن أبي سفيان من الشام) (٦) وكان عمر يعرف أن معاوية يعد أهل الشام للخروج وأنه سيخرج ذات يوم فقد صرح عمر في يوم من الأيام قائلا: (يا أهل الشام استعدوا لأهل العراق) (٧) ومع هذا لم يتعرض له عمر، إنما تركه ليكمل استعداداته وعدته ويخرج في الوقت المناسب المتفق عليه، وكان وراء تأمير عمرو بن العاص ليكون عونا لمعاوية ذات يوم فقد أعلن عمر أمام أركان دولته قائلا: (لا ينبغي لأبي عبد الله – أي عمرو بن العاص – أن يمشي على الأرض إلا أميرا) (٨) وأتمها عمر على بني أمية ووضع الأساس المتين 

(١) راجع نصوص سنة الرسول التي سقناها تحت عنوان (الرسول يحذر من الخطر الماحق).(٢) البداية والنهاية لابن الأثير ج ٨ ص ١١٨، وتاريخ الطبري ج ٥ ص ٦٩، والاستيعاب ج ٣ ص ٥٩٦، وكنز العمال ج ١٣ ص ٦٠٦.

(٣) البداية والنهاية ج ٨ ص ١٢٥، وتاريخ الطبري ج ٦ ص ١٨٤.

(٤) البداية والنهاية ج ٨ ص ١٢٥، والاستيعاب ج ٨ ص ٣٩٧.

(٥) تاريخ الطبري ج ٦ ص ١٨٤.

(٦) الطبقات الكبرى لابن سعد ج ٥ ص ٥٣٥.

(٧) الدلائل لابن سعد وكنز العمال ج ١٢ ص ٣٥٤.

(٨) الإصابة ج ٥ ص ٣.

 

١٧٨
لحكمهم عندما عهد بالخلافة لعثمان المشهور بتعصبه لهم.ولما آلت الخلافة إلى عثمان بعهد من عمر رفع شعار (صلة الرحم) بدلا من شعار (القوة) الذي رفعه عمر، فعمر كان يبحث عن الأقرباء حتى لو كانوا من المنافقين والفجار ليستعين بقوتهم!! أما عثمان فقد كان يبحث عن الأرحام ليصلها.

ومن نافذة الأرحام وبابها الواسع، دخل الأمويون كلهم، ودخل معهم أولياؤهم إلى ولايات الدولة، وأعمالها ومناصبها الحساسة، ووظائفها العامة فما من مصر من الأمصار، وما من عمل من الأعمال إلا وواليه أموي أو موالي لبني أمية، وكان أول الداخلين من هذا الباب عمه الحكم بن العاص طريد رسول الله وعدو الله ورسوله، فلما تولى عثمان الخلافة أدخل الحكم بن العاص معززا مكرما، ومع الحكم دخل ابنه مروان، قالت عائشة لمروان: (أما أنت يا مروان فأشهد أن رسول الله قد لعن أباك وأنت في صلبه) (١) وكان مروان من أسباب قتل عثمان في ما بعد (٢).

ومع أن مروان ملعون على لسان رسول الله، ومع أن الرسول قد حذر منه ومن أبيه بالذات ومن ذريتهم ومن بني أمية عامة إلا أن مروان قد تدرج بمناصب الدولة حتى تولى الخلافة ولقب (بأمير المؤمنين) والاهم أن أولاده وأحفاده الأساس المتين لحكمهم يوم عهد عمليا بالخلافة لعثمان، مع علمه بأن عثمان كهف الأمويين الصالح منهم والطالح، ومع أنه قد سمع تحذيرات الرسول من بني أمية، وتأكيدات الرسول القاطعة (بأنهم أكثر بطون قريش بغضا لمحمد ولآل محمد) (٣) وسمع رسول أيضا وهو يتحدث عن الأمويين وعن رؤياه لهم وهم ينزون فوق منبره نزو القردة، وأنهم

 

(١) قد وثقنا ذلك مرات متعددة في البحوث السابقة راجع شذرات الذهب لابن عماد ج ١ ص ٩٩.(٢) الإصابة لابن حجر ج ٦ ص ١٥٧.

(٣) المستدرك على الصحيحين للحاكم، وحلية الأولياء، راجع كنز العمال ج ١١ ص ١٦٩.

 

١٧٩
الشجرة الملعونة (١) وسمع عمر رسول الله وهو يحذر من الحكم بن العاص وذريته، ويلعنهم، كما سمع عمر رسول الله وهو يلعن أبا سفيان ومعاوية ويزيد (٢)، وكان لعن الرسول لأبي سفيان ويزيد ومعاوية مشهورا بين المسلمين، أنظر إلى قول محمد بن أبي بكر في رسالة لمعاوية (… وأنت اللعين ابن اللعين، لم تزل أنت وأبوك تبغيان الغوائل لرسول الله…) ومع أن معاوية قد رد على رسالة محمد بن أبي بكر ردا بليغا إلا أنه لم ينف بأنه اللعين ابن اللعين على لسان رسول الله (٣)…ولما مات عمر بن الخطاب كانت ولايات الدولة وأعمالها ومناصبها العليا وكافة وظائفها العامة، غاصة بأصحاب القوة من الفاسقين والمنافقين والفجار الذين استخدمهم الخليفة عمر ليستعين بقوتهم كما وثقنا قبل قليل!!! قد توارثوا ملك النبوة، مع أنه عدو لله ولرسوله، وقد وصف مروان بن الحكم وضع دولة الخلافة بآخر أيام عثمان وصفا دقيقا حين قال لجموع الصحابة الذين احتشدوا حول دار عثمان مطالبين بالإصلاحات: (ما شأنكم قد اجتمعتم كأنكم قد جئتم لنهب، شاهت الوجوه، كل إنسان آخذ بإذن صاحبه إلا من أريد، جئتم تريدون أن تنزعوا ملكنا من أيدينا!!!

ارجعوا إلى منازلكم، فإنا والله ما نحن بمغلوبين على ما في أيدينا) (٤) والخلاصة أن دولة الخلافة قد تحولت إلى ملك أموي خالص، وأن الأمويين قد غلبوا على كل شئ، وأن الأكثرية الساحقة من العوام مع بني

 

(١) رواه الحاكم في المستدرك ج ٣ ص ٧٤ وأقره الذهبي وقال ابن كثير في البداية والنهاية رواه الترمذي وابن جرير والحاكم والبيهقي.(٢) وقعة صفين ص ٢١٧ و ٢٢٠ وص و ١١٨ و ١١٩ من وقعة صفين لنصر بن مزاحم ط القاهرة ١٣٨٢ ه‍ ص ١٠٢، ومروج الذهب للمسعودي ط ١٣٨٥ ج ٣ ص ١١.

(٣) راجع تحذيرات الرسول التي سقناها في هذا الكتاب تحت عنوان (الرسول الأعظم يحذر من الخطر الماحق ويكشف قادة التآمر) وراجع كتابنا الاجتهاد بين الحقائق الشرعية والمهازل التاريخية.

(٤) تاريخ الطبري ج ٥ ص ١١٠.

 

شاهد أيضاً

الجاهل القاصر والجاهل المقصر

الجاهل القاصر والجاهل المقصر الجاهل القاصر: هو الذي يعتقد جازما أن هذا الفعل الذي يفعله ...