أين سنة الرسول ؟!! وماذا فعلوا بها / الصفحات: ١٦١ – ١٨٠
وقال ابن عبد ربه: (ودخل القبر علي والفضل وقثم ابنا العباس وشقران مولاه ويقال أسامة بن زيد وهم تولوا غسله وتكفينه وأمره كله) (٢).
وأن أبا بكر وعمر لم يشهدا دفن الرسول (٣).
وقالت عائشة: ما علمنا بدفن الرسول حتى سمعنا صوت المساحي من جوف الليل ليلة الأربعاء) (٤).
هم يقولون: إنه صلى الله عليه وآله وسلم قد مرض في بيت عائشة، ومات فيه فأين كانت عائشة أم المؤمنين طالما أنها لم تعلم بدفن الرسول!!
(٣) كنز العمال ج ٣ ص ١٤٠.
(٤) سيرة ابن هشام ج ٤ ص ٣٤٤، وتاريخ الطبري ج ٢ ص ٤٥٢ و ٤٥٥ وط أوروبا ج ١ ص ١٨٣٣ و ١٨٣٧، وابن كثير ج ٥ ص ٢٧٠، وابن الأثير في أسد الغابة ج ١ ص ٣٤ في ترجمة الرسول، ومعالم المدرستين ج ١ ص ١٢١.
إذا كان هذا تعاملهم مع الرسول شخصيا صاحب الرسالة والسنة، فكيف يكون تعاملهم مع سنته!!
سنة الرسول بعد موت الرسول
ربط الموضوع
رأينا في الفصل السابق بعض أفاعيل القوم مع رسول الله عندما أمرهم بالخروج في جيش أسامة، ورأينا نماذج من معاملتهم الغاشمة لرسول الله أثناء مرضه، ومعصيتهم له، واستهانتهم التامة بمقام النبوة المقدس (١) وإساءتهم البالغة لرسول الله وتماديهم بإيذائه، وافتعالهم للغو والاختلاف والتنازع بين يديه، وكيف كسروا بخاطره الشريف، وهو يجود بآخر أنفاسه الطاهرة، فكان آخر ما قاله لهم النبي، كما وثقنا (… إنهن – أي النساء – خير منكم) (٢) (ما أنا فيه خير مما تدعوني إليه) (٣) (قوموا عني فلا ينبغي عندي تنازع) (٤).
وبعد أن نجحت زعامة القوم بتثبيط الناس عن الخروج في جيش أسامة، وتشكيك الناس في شرعية تأمير الرسول لأسامة، وبعد أن نجا بالحيلولة بين الرسول وبين كتابة وصيته وتوجيهاته النهائية، غادرت منزل
(٣) راجع المراجع التي ذكرتها تحت عنوان تدخل النسوة… والعنوان الذي يليه في الصفحات العشرة السابقة.
(٤) المصدر السابق.
الفصل الأول
نقض أول عروة من عرى الإسلام وهي نظام الحكم
استنكار الترتيبات التي أعلنها الرسول لعصر ما بعد النبوة!
عند معالجتنا لموضوع من يخلف النبي، ومن يبين القرآن، ويبلغ السنة بعد موت النبي أو قتله قلنا: إن هذا الموضوع قد نال عناية الله تعالى والجزء الأكبر من اهتمام الرسول لأن من يخلف النبي هو حجر الأساس لنظام الحكم الإسلامي، وقد أثبتنا بالدليل القاطع والبرهان الساطع، بأن الله تعالى قد اختار الإمام علي بن أبي طالب ليكون أول إمام يخلف النبي بعد موته، واختار أحد عشر إماما آخرين من ذرية النبي ومن صلب علي ليتعاقبوا على خلافة الإمام علي بعد موته أو قتله، يتولى كل واحد منهم الإمامة بعهد ممن سبقه، وأمر الله رسوله أن يبين ذلك للمسلمين خاصة، وللناس عامة، فصدع الرسول بأمر ربه، وطوال عهد النبوة الزاهر وهو يبين ذلك بمختلف وسائل البيان، ويؤكده بكل طرق التأكيد، ويثبت صواب هذا الترتيب الإلهي بمختلف وسائل الإثبات، لأن هذا الموضوع هو العمود الفقري للأحكام الإلهية، وتمكن الرسول من إقناع المسلمين بصواب
لذلك لم تكن هنالك مشكلة بموت النبي، لأن الإمام عليا قد تم تتويجه وتمت مبايعته حال حياة النبي كولي وكإمام وكخليفة شرعي للنبي، فهو ولي عهده شرعيا أو رسميا، فإن تأكدت وفاة النبي بأية لحظة فسيحل محله آليا ولي عهده، كانت الترتيبات الإلهية التي أعلنها الرسول وأكدها طوال عصر النبوة الزاهر محكمة تماما، وقد حرص الرسول على إقناع
الذين تجاهلوا سنة الرسول وخرجوا على الترتيبات الإلهية، وتجرأوا على نقض أول عرى الإسلام (نظام الحكم)
طالما أن الرسول الأعظم قد استطاع أن يقنع المسلمين بوجاهة الترتيبات الإلهية المتعلقة بمن يخلف النبي، وأن يحملهم بالرضا على مبايعة الإمام علي بن أبي طالب في غدير خم ليكون أول إمام يخلف النبي، وطالما أن المسلمين قاطبة بمن فيهم أبو سفيان وولداه يزيد ومعاوية وهم ألد أعداء الله السابقين قد قبلوا بهذه الترتيبات، وأقروا بصوابها ووجاهتها وشرعيتها واعتبروها جزءا من صفقة الإسلام التي قبلوها، ولم يجرؤ أي واحد من الناس على إظهار رفضه لهذه الترتيبات!! فما الذي حدث ومن الذي حرض الناس على الخروج على هذه الترتيبات الإلهية؟ ومن الذي جرأهم على نقض أول عروة من عرى الإسلام وهي نظام الحكم وتجاهل بيان الرسول أو نصوص السنة النبوية التي عالجت موضوع نظام الحكم أو من يخلف النبي بعد موته!!؟ ومن الذي قاد المسلمين في مسيرتهم نحو تجاهل نصوص سنة الرسول، ونقض أو عروة من عرى الإسلام، من الذي قام بهذه الأعمال المدمرة التي ما زلنا حتى يومنا هذا ندفع ضريبة سكوت أجدادنا عليها أو ممالأتهم لفاعليها؟ هل هم شياطين قد خرجوا من البحر، أو هبطوا من الجو، وهل هم قوى خفية من الجن، كانت تتحرك
لقد رأيت ما فعله ذلك النفر من مهاجري بطون قريش عندما أمر رسول الله الناس بالخروج في جيش أسامة، كما رأيت أيضا ما فعلوه برسول الله وهو على فراش الموت، ثم رأيت كيف افتعلوا الشعور بالصدمة والفجيعة عندما علموا بوفاة الرسول، وفجأة كأن لم يكونوا في صدمة شبكوا أيديهم معا وتركوا رسول الله جنازة بين أيدي أهله، دون أن يشتركوا بتجهيزه، أو يشاركوا في دفنه، وذهبوا ليستولوا على ملك النبوة أثناء انشغال أصحابه الشرعيين بتجهيز النبي ودفنه، ليضعوا المسلمين في ما بعد أمام أمر واقع لا مجال لدفعه!! متجاهلين بالكامل كافة الترتيبات الإلهية المتعلقة بمن يخلف النبي، وقافزين قفزا كاملا عن النبي وعن بيانه، أو عن نصوص السنة النبوية المطهرة، التي عالجت هذه الناحية وتركت الناس على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك!!
كان الرسول الأعظم قد حذر من ذلك النفر بقوله: (ليردن علي قوم أعرفهم ويعرفونني ثم يحال بيني وبينهم يوم القيامة) (١) وفي رواية أخرى:
(فأقول يا رب أصحابي!! فيقال لي: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك) (٢)
لقد سلط رسول الله بهذه الأحاديث الصحيحة الضوء الكاشف على نفر من أصحابه، قريب منه، ومحسوب عليه، فأكد وبكل طرق التأكيد، بأن هذا النفر لن ينال شرف رفقة الرسول يوم القيامة، ولن يكون حيث يكون الرسول، بل سيكون هذا النفر في مكان آخر مع أشخاص من أمثالهم، والعلة بهذا الطرد من الرحمة الإلهية تلك الأحداث التي أحدثها ذلك النفر بعد وفاة الرسول، فمنذ اللحظة التي صعدت فيها روح النبي الطاهرة إلى بارئها ارتد ذلك النفر على أعقابه، (لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم، إنهم ارتدوا بعدك على أدبارهم القهقرى…) والارتداد والردة لهما معنى محدد باللغة والشرع، والارتداد أسوأ وأقبح عاقبة ونهاية، والمرتد إنسان مطرود من رحمة الله، لأنه عرف وتيقن، ثم جحد وأنكر!! ولا ينفع ذلك النفر المرتد ادعاءهم بأنهم قد آمنوا بالإسلام، ولكنهم لا يقبلون أو كفروا بالأحكام الإلهية المتعلقة بنظام الحكم لأنها ليست مناسبة حسب اجتهاداتهم المريضة لقد عالج القرآن الكريم هذه الناحية، فقال الله تعالى كأنه يوجه كلامه العزيز لمثل هذا النفر: (أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحيوة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب).
ولتكون على يقين من صحة وصواب ما ذهبنا إليه، فهل كان بوسع أحد من المسلمين أن يتجرأ فيقول للرسول في منزله أنت تهجر، ولا حاجة
فماذا بقي من الإسلام بربك عندما يقول المسلم لرسول الله (اسكت أنت لا تعي ما تقول، حسبنا كتاب الله، ولا حاجة لنا بوصيتك!! إذا كان والد زوجة النبي وأحد المهاجرين يقول مثل هذا الكلام الفظ، فما الذي يمنع أعرابيا من أولئك الذين هم أشد كفرا ونفاقا من أن يقول هذا الكلام لأنه يردد ترديدا ما قاله الصاحب!!!
وهل كان بوسع أحد من المسلمين أن يشغب على الإمام علي أو أن يطعن بشرعية ولايته، أو أن يطالب بالخلافة من بعد النبي مع وجود صاحبها الشرعي لولا ما فعله ذلك النفر من المهاجرين!! لكن عندما يرى المسلمون صهري النبي أبا بكر وعمر، وعثمان وأبا عبيدة يشغبون على ولاية الإمام عليها ويطعنون بشرعيتها، ويطالبون بالخلافة متجاهلين وجود الخليفة الشرعي، فلا تثريب على المسلم العادي لو تاه في هذه الظروف، وعندما يرى المسلمون ذاك النفر من المهاجرين يتنكرون تنكرا كاملا لبيان الرسول أو سنته المتعلقة بنظام الحكم أو من يخلف النبي، ولا يقيمون لهذه السنة أي وزن، لأنها بحكم المعدومة في نظرهم فكيف ترجو من المسلمين البسطاء وحديثي العهد بالإسلام أن يلتزموا بالسنة أو أن يقيموا لها أي وزن!! بل كيف تحملهم على ذلك!!
لقد فتحوا أبواب الفتن كلها، وجرأوا المسلمين على الاستهانة
(والذي يظهر من سيرة عمر في أمرائه الذين كان يؤمرهم في البلاد أنه كان لا يراعي الأفضل في الدين… فلأجل ذلك استخلف معاوية والمغيرة بن شعبة وعمرو بن العاص مع وجود من هو أفضل منهم في أمر الدين والعلم) (١).
قال حذيفة – أمين سر رسول الله على المنافقين – لعمر بن الخطاب يوما عندما رأى الفجار والمنافقين يتولون المناصب الحساسة في الدولة: (يا عمر إنك تستعين بالرجل الفاجر) (٢) وقال حذيفة نفسه مرة أخرى لعمر:
(والله يا عمر إنك تستعمل من يخون وتقول ليس عليك شئ وعاملك يفعل كذا وكذا) (٣).
وكان عمر يعلم أن الذين يستعين بهم ويعينهم أمراء، وولاة وقادة فجار أو منافقون أو خونة لله ولرسوله، ولكنه كان يبرر استعماله لهم واستعانته بهم بالقول: (نستعين بقوة المنافق وإثمه عليه) (٤).
(٣) راجع تاريخ الطبري ج ٥ ص ٣١.
(٤) رواه ابن أبي شيبة والبيهقي راجع كنز العمال ج ٤ ص ٦١٤.
(٣) وثقنا في البحوث السابقة لعن الرسول للحكم بن العاص ولابنه مروان وتحذيراته منهما ومن نسلهما.
(٤) المصدر السابق.
(٥) شهد حنين مشركا، الإصابة ج ٢ ص ٥٤٠، وأسد الغابة ج ٦ ص ١٦، وقد لعنه رسول الله وكان من أشد المبغضين لعلي لكن عمر أمره وجعله على مقدمة جيش، الإصابة ج ١ ص ٥٤١.
(٦) كان يعلى من الحاقدين على علي بن أبي طالب فقد أعان الزبير في ما بعد بأربعمائة ألف عندما خرج على علي واشترى لعائشة جملها عسكر وجهز ٧٠ رجلا من قريش، الاستيعاب لابن عبد البر ج ٦ ص ٦٦٢ – ٦٦٣.
(٧) كان بسر بن أرطأة من أصحاب مسيلمة الكذاب أسلم وولاه عمر القضاء على البصرة، الاستيعاب ج ١ ص ١٢٠.
(٨) ادعى النبوة بعد النبي، فأعجب به عمر وطلب من أمر الله أن يشاوروه، البداية والنهاية ج ٧ ص ١٣٠.
(٣) البداية والنهاية ج ٨ ص ١٢٥، وتاريخ الطبري ج ٦ ص ١٨٤.
(٤) البداية والنهاية ج ٨ ص ١٢٥، والاستيعاب ج ٨ ص ٣٩٧.
(٥) تاريخ الطبري ج ٦ ص ١٨٤.
(٦) الطبقات الكبرى لابن سعد ج ٥ ص ٥٣٥.
(٧) الدلائل لابن سعد وكنز العمال ج ١٢ ص ٣٥٤.
(٨) الإصابة ج ٥ ص ٣.
ومن نافذة الأرحام وبابها الواسع، دخل الأمويون كلهم، ودخل معهم أولياؤهم إلى ولايات الدولة، وأعمالها ومناصبها الحساسة، ووظائفها العامة فما من مصر من الأمصار، وما من عمل من الأعمال إلا وواليه أموي أو موالي لبني أمية، وكان أول الداخلين من هذا الباب عمه الحكم بن العاص طريد رسول الله وعدو الله ورسوله، فلما تولى عثمان الخلافة أدخل الحكم بن العاص معززا مكرما، ومع الحكم دخل ابنه مروان، قالت عائشة لمروان: (أما أنت يا مروان فأشهد أن رسول الله قد لعن أباك وأنت في صلبه) (١) وكان مروان من أسباب قتل عثمان في ما بعد (٢).
ومع أن مروان ملعون على لسان رسول الله، ومع أن الرسول قد حذر منه ومن أبيه بالذات ومن ذريتهم ومن بني أمية عامة إلا أن مروان قد تدرج بمناصب الدولة حتى تولى الخلافة ولقب (بأمير المؤمنين) والاهم أن أولاده وأحفاده الأساس المتين لحكمهم يوم عهد عمليا بالخلافة لعثمان، مع علمه بأن عثمان كهف الأمويين الصالح منهم والطالح، ومع أنه قد سمع تحذيرات الرسول من بني أمية، وتأكيدات الرسول القاطعة (بأنهم أكثر بطون قريش بغضا لمحمد ولآل محمد) (٣) وسمع رسول أيضا وهو يتحدث عن الأمويين وعن رؤياه لهم وهم ينزون فوق منبره نزو القردة، وأنهم
(٣) المستدرك على الصحيحين للحاكم، وحلية الأولياء، راجع كنز العمال ج ١١ ص ١٦٩.
ارجعوا إلى منازلكم، فإنا والله ما نحن بمغلوبين على ما في أيدينا) (٤) والخلاصة أن دولة الخلافة قد تحولت إلى ملك أموي خالص، وأن الأمويين قد غلبوا على كل شئ، وأن الأكثرية الساحقة من العوام مع بني
(٣) راجع تحذيرات الرسول التي سقناها في هذا الكتاب تحت عنوان (الرسول الأعظم يحذر من الخطر الماحق ويكشف قادة التآمر) وراجع كتابنا الاجتهاد بين الحقائق الشرعية والمهازل التاريخية.
(٤) تاريخ الطبري ج ٥ ص ١١٠.