أوضاع المرأة المسلمة ودورها الاجتماعي من منظور إسلامي / الصفحات: ١٢١ – ١٤٠
والحقوق الإنسانية والواجبات الإنسانية ، ولكنّهما يختلفان في كيفية الجسم ، وهذا أمر واضح لا حاجة للخوض فيه ، قال تعالى : {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْس وَاحِدَة وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالا كَثِيراً وَنِسَاء}(١) .
وقال تعالى : {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَر أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}(٢) .
وذكرت السنّة النبوية : “إنّ طلب العلم فريضة على كلّ مسلم ومسلمة” ، كما تقدّم منّا جواز تقلّد المرأة أي عمل مهني وعلمي وحكومي (إذا كان خالياً من القضاء والحكم في التنازع)(٣) ، وقد صرّح بذلك العلاّمة الطباطبائي (قدس سره) فقال :
“يتقاسم كلّ من الرجال والنساء حصصاً متساوية من مواهب التفكير والإرادة التي تكون الأساس في حرية الاختيار ، لذا يجب أن تكون المرأة حرة بشكل متساو مع الرجل في تفكيرها وإرادتها ، ويجب أن تكون لها حرية الاختيار .
وبتعبير آخر : يجب أن تكون المرأة حرة في إدارة شؤون حياتها اليومية والاجتماعية ، إلاّ إذا كان هناك سبب يفرض العكس . وقد أعطاها الإسلام هذه الحرية وهذا الاستقلال بكلّ معاييره ، وبذلك فقد أصبحت للمرأة بنعمة الله شخصيتها المستقلّة ، ولم تعدّ مقيدة في إرادتها وأفعالها بما يريده الرجال ، أو بما يريده من له الولاية عليها ، وقد نالت ما أنكره العالم عليها على طول وجودها على هذه الأرض منذ بدء الخليقة بما لم يكن له مثيل في تاريخ المرأة يقول الله تعالى : {فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيَما فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ}(٤) .
١- النساء : ١ .
٢- النحل : ٩٧ .
٣- كما سوف يأتي الدليل على ذلك فيما بعد .
٤- البقرة : ٢٣٤ .
ومع أنّ المرأة تقاسم الرجل في هذه الصفات الأساسية ، إلاّ أنّها تختلف عنه من طرائق اُخرى ، فمتوسط المرأة يختلف عن متوسط الرجل في التركيبة الجسمانية وفي وظيفة أعضاء الجسم ، كالدماغ والقلب والأوردة والأعصاب والطول والوزن ، وتفاصيل هذه الحقيقة يمكن ملاحظتها في أيّ كتاب مختصّ بعلم التشريح .
ونتيجة لذلك فإنّ جسم المرأة هو أرق وأئنق من جسم الرجل الذي يكون عادة أمتن وأخشن .
أمّا العواطف الرقيقة كالحب والحنان والميل للجمال وللزينة ، فهي عند المرأة أكثر مما هي عند الرجل . ومن جهة أخرى ، فإنّ القوة العقلية عند الرجل أبرز ممّا هي عليه عند المرأة . تعيش المرأة حياة عاطفية ويعيش الرجل حياة عقلية”(١) .
٦ ـ أليس وجوب ستر البدن على المرأة يكون وسيلة لحرمانها من مناصب معينة؟ أو يكون تأكيداً على أنّ المرأة هي رمز الإغراء في المجتمع وأنّها لا تتمتع بنفس الحقوق التي يتمتع بها الرجل؟
الجواب :
أ ـ أنّ وجوب ستر البدن ـ كما قلنا ـ ليس مختصاً بالمرأة ، بل يشمل الرجل أيضاً ، ولكن بمساحة تختلف عن مساحة المرأة ، فالستر هو حقّ عام على الجنسين ; لأنّه رمز للعفة والكرامة .
ب ـ نعم ، إنّ النساء يغرين الرجال ـ غالباً ـ ويجلبن انتباههم ويسهّل عملية إغرائهم ، بخلاف الرجال فإنّهم نادراً ما يغرّون النساء ، لذا فإنّ من الحكمة أن لا يترك الإغراء والإغواء الهدام يعبث في المجتمعات المسلمة ويرمي سمومه فيها ،
١- بحث الشيخ علي الحكيم/الحجاب/ النظرية القرآنية : ١٦ نقلاً عن الميزان في تفسير القرآن للعلاّمة الطباطبائي ، الترجمة الانجليزية ٧٥ : ٤ ـ ٧٨ ، ترجمة سيد سعيد أختر رضوي .
ومن الواضح أنّ اللباس المحتشم يكشف القِيَم التي يحملها صاحب اللباس المحتشم ، كما أنّ التعرّي يكشف عن قيم صاحبه ، فالأول يصرّح بعدم أيّ علاقة بالجنس ومقدّماته خارج نطاق الأُسرة والزوج ، والثاني يصرح ويغري بالعكس ـ وإن كان صاحب التعرّي لا يقصد ذلك ـ ولذلك صرّح علماء النفس والتربية بأنّ المرأة المتعرّية هي المعينة على نفسها إذا اغتصبت من قبل الرجال ، كما تقدّم ذلك .
ج ـ ليس لستر البدن أيّ صلة أو تعبير عن حرمان المرأة من حريّتها في حياتها الاجتماعية والعملية والسياسية .
٧ ـ قال الغرب : إنّ ستر البدن يحمل معاني متعدّدة :
منها : أنّها تدعوا النساء الاُخريات لدينها ، وهذه الدعوة لا تتحمل في النظام الذي فصل بين الكنيسة والدولة ـ كنظام فرنسا ـ فكلّ شيء ياخذ طابعاً ديناً لابدّ أن يحظر ، فيكون لمثل هذه الدول الحقّ في منع ستر البدن بالكيفية التي تكون عليها المرأة المسلمة .
ومنها : ما قاله “جافيير تيرتيسيان” : إنّه يحمل معنى جبر المرأة المسلمة على الحجاب ، بينما يريد لها المشرّع الفرنسي أن تكون حرّة .
ومنها : أنّه معنى سياسياً وليس واجباً دينياً .
ومنها : أنّه يساء استخدامه من قبل الاُصوليين الإسلاميين ، فيهدّدون الجمهورية الفرنسية العلمانية(١) .
والجواب :
١ ـ نعم ، لاننكر أنّ ستر البدن فيه دعوة للاقتداء به ; لأنّه الأمر الذي تفضّله
١- راجع المصدر نفسه : ١٧ نقلاً عن جلسة سؤال وجواب عقدها الموقع الالكتروني الإسلامي العربي (اسلام اونلاين) في ١٢/٧/٢٠٠٤م استضاف فيها “جافيير تيرتيسيان” الذي يمتلك عموداً في الشؤون الدينية في صحيفة “لوموند” الفرنسية .
المرأة من الستر ، وهو أيضاً يحمل معنى سياسياً . إلاّ أنّه لا يهدد مبادئ فرنسا ولا يهدد العلمانية ، فالعلمانية مبدأ خلاف الدين ، والدين مبدأ خلاف العلمانية ، والفرد الحرّ مختار في تبنّيه لأيّ من الفلسفتين ، فإذا كانت فرنسا عندها مبدأ الحرية في الاختيار فلابدّ أن تسمح للنساء باختيار الدين أو اختيار العلمانية ، وأمّا مسألة ستر البدن فهي لاربط لها بتهديد مبادئ فرنسا العلمانية .
بالإضافة إلى أنّ ستر البدن للمرأة واجب ديني ، وهو موجود قبل قيام الثورة الفرنسية ومبادئها بقرون ، ولو كان يتعارض ـ كواجب ديني ـ مع العلمانية ومبادئ فرنسا ، فلماذا غاب هذا عن المشرّعين الفرنسيين في بادئ الأمر والتفت إليه الآن؟!! ولماذا لم تلتفت إليه الدول العلمانية الاُوربية الاُخرى ، حيث تسمح بالحجاب في الجامعات وفي المؤسسات الرسمية للدولة؟!!
٢ ـ وأمّا بالنسبة لإجبار المرأة المسلمة على ستر البدن ، فلو كانت هذه الدعوى صحيحة فلماذا تتظاهر المرأة في الغرب احتجاجاً ضدّ هذا التشريع ، فهل أجبرنَ على التظاهر ضدّ قانون منع الحجاب أيضاً؟!!
وإذا كان إجبار المرأة لا يجوز على ستر البدن فلماذا تجبر على العهر؟!!
تقول “بيت هرتز فيلد” في مقالة(١) : إنّه حينما تذكر العبودية ، فإنّه يتبادر إلى ذهن كثير من الناس تلك الصور المأساوية القديمة لتجارة العبيد عبر الأطلسي ، والتي كانت تعتمد على بيع وشراء الناس . ويبدو أنّ العالم الحديث قد ترك هذا السلوك خلف ظهره . وتصرّ “هرتزفيلد” على أنّ العبودية ليست موجودة حالياً فحسب ، بل إنّها في توسع ، وهذه حقيقة .
١- راجع المصدر نفسه : ١٨ نقلاً عن المقالة التي نشرت في مجلة “فبدراند دفلوبمنت” (الجنس والتطور) : ٥٠ ـ ٥٥ من المجلد العاشر/ العدد الأول الصادر في ١ آذار ٢٠٠٢ م .
وتتنبأ الكاتبة أنّ هناك حالياً حوالي سبعة وعشرين مليون امرأة وطفل ورجل يتم استعبادهم في العالم ، فنساء أُوربا الشرقية يتم استعبادهم ليمارسن البغاء في أوربا الغربية ، والعبودية المعاصرة تقبل بأيّ إنسان مهما كان عمره أو جنسه أو عرقه في كلّ قارات العالم وفي أكثر الدول تقدّماً صناعياً ، ثمّ تعطي الكاتبة أمثلة على الطريقة التي يمكن من خلالها للآمال المبنية على البناء الاجتماعي أن تزيد من قابلية النساء للسقوط في ممارسات تشبه العبودية .
ومن المؤسف أنّه لم يتخذ أيّ إجراء قانوني أو لم يسنّ أي قانون لمنع حدوث هذه الظاهرة ، وكم نسمع من صيحات حول هذا الأمر ، ولكن لانرى أي فعل .
وقد عقد في موسكو في العام ١٩٩٧م مؤتمر دولي حول تجارة تسفير النساء الروسيات خارج البلد من أجل البغاء ، وقد كتب “فرانسين بيكب” مقالة حول هذه الآفة الاجتماعية تحت عنوان : “ما أكثر الكلام وما أقل الفعل! الهجرة القسرية والاتجار بالنساء” .
وتبحث المقالة في وجهات النظر المختلفة الكثيرة حول قضية الاتجار بالنساء والسياسات المختلفة المرتبطة بهذه القضية(١) .
وفي تقرير نشرية المنظمة العالمية للهجرة حول الهجرة غير المنتظمة من جورجيا إلى اُوربا ، نشر في أول أيلول عام ٢٠٠١م تحت عنوان “أما المشقة خارج الوطن أو الجوع في الوطن” يشير هذا التقرير إلى أنّ المهرّبين في جورجيا كانوا يتاجرون بالنساء الجورجيات ، حيث يرتّبون لهن مستلزمات الهجرة إلى عدد كبير من دول غربية ، أكثرها شعبية هي المانيا وبلجيكا والولايات المتحدة .
وفي مورد آخر من نفس التقرير نقرأ ما يلي : “إنّ حوالي نصف ضحايا الاتجار
١- المصدر نفسه : ٤٤ ـ ٥١ من المجلد السادس العدد الأول الصادر في ١/ اذار/ ٢٠٠٢م .
بالنساء حسب المقابلة التي أجرتها معهن منظمة الهجرة العالمية (حيث استجابت ٥٨ امرأة من بين ١٢١ وهو العدد الكلي للمستجيبات) اُجبرن إما على العمل في النوادي الليلية ، أو على التعرّي أمام النظارة (السترتبيز) ، أو ممارسة البغاء ، وفي أكثر الحالات لم توضح أولئك النسوة طبيعة النشاطات التي كنّ يقمن بها ، لأنّ أكثرهن فضّلن وصف عملهن كمادة للترفيه بدلاً من استخدام تعابير أكثر تحديداً . فالنساء الجورجيات أجبرن على ممارسة أعمال الجنس في كلّ البلدان التي ذهبن إليها ، كما جاء في التقرير .
ويبدو واضحاً من تلك المقابلات . أنّ الولايات المتحدة (حسب ما قالت ١٢ من تلك النساء التي اُجريت معهن المقابلة) وتركيا (حسب ما قالت ٨ من تلك النساء) احتلتا المركز الأول من بين الدول التي انتهى المطاف بتلك النسوة إليها والتي أُجبرن فيها على ممارسة أعمال الجنس ، ثمّ تأتي بعد ذلك فرنسا وأسبانيا واليونان ، حسب ما قالت ستة من تلك النساء التي اُجريت معهن المقابلة” .
وفي تقرير آخر تحت عنوان “تقرير الاتجار بالأشخاص لعام ٢٠٠٣م” نشر في ١١/٦/٢٠٠٣ حيث كانت فرنسا هي مادة التقرير الذي نشر تحت رعاية وزارة الخارجية الأمريكية ، أنّ فرنسا هي المحطة الأخيرة للضحايا ، ومعظمهم من النساء اللواتي تمّ الاتجار بهن من أفريقيا ومن وسط وشرق أوروبا ومن دول الاتحاد السوفيتي السابق لغرض ممارسة البغاء والخدمة المنزلية . وتقدّر الشرطة الفرنسية بأنّ تسعين بالمائة من الخمس عشرة ألف مومس اللواتي يعملن في فرنسا هنّ من ضحايا الاتجار بالنساء ، وإنّ من ثلاثة إلى ثمانية آلاف طفلة تم إجبارهم على العمل في سلك البغاء والأعمال العسيرة بما في ذلك التسوّل . . .(١) .
وأمّا إساءة استخدام ستر البدن من قبل الاُصوليين الإسلاميين فيهدّدون فرنسا ، فهو إنّما يصح لنوع خاص من ستر البدن كالعباءة العربية والجادر الإيراني ، أمّا ستر البدن بواسطة المانتو وستر الساقين بواسطة البنطرون وستر الرأس بواسطة المقنعة ، فهو مما لا إساءة فيه لتهديد فرنسا إطلاقاً .
المرأة في المجتمعات الإسلامية
إنّ المرأة(١) في العالم الإسلامي تعاني من التخلّف والقيود غير المشروعة بسبب الجهل بالشريعة الإسلامية التي شرّعت لها حقوقها وجعلتها مساوية للرجل في الإنسانية والكرامة والحقوق والواجبات الفطرية التي تهدي إليها الشريعة ، وبسبب سيطرة التقاليد والأعراف الجاهلية الموروثة والدخيلة الطارئة من المجتمعات التي دخلت في الإسلام .
بل إنّ المرأة في المجتمعات الإسلامية قد لا تعرف وظيفتها الخاصة في الأُسرة كزوجة وأُمّ ، فهي تدخل الحياة الزوجية ولا تعرف شيئاً عن هذه الاُمور الخاصة بها .
إذن لابدّ من قيام حركة إصلاحية لوضع المرأة على أساس الإسلام بحيث تعاد كرامة المرأة ويعاد دورها الفاعل في بناء المجتمع ، ولابدّ من تربية المرأة وتعليمها وتأهيلها لما يناسب وظيفتها العامة في المجتمع ، وما يناسب وظيفتها الخاصة في الأُسرة ، ولا نهمل العناية في الجانب الخاص لحساب الجانب العام الاجتماعي .
هذا ، ولكنّ الذي حصل : أنّ بعض المتأثرين بالفكر الغربي من المسلمين وغيرهم نادوا بتحرير المرأة في المجتمعات الإسلامية ومساواتها بالرجل ، ونقدوا حكم الشريعة الإسلامية في جملة من التشريعات التي هي متفرّعة على اختلاف
١- بل وحتى الرجل الشاب والطفل يعانون من التخلّف وعدم الوعي في وظائفهم العامة والخاصة التي ذكرتها الشريعة لهم وأوجبت عليهم القيام بها ، فالتخلّف والظلم عام للمرأة وغيرها أهداها لنا الاستعمار ، ولابدّ لنا من نهضة دينية علمية يصلح بها الوضع السيء الذي مني به المسلمون لو ترك لنا الغرب الفرصة في هذه النهضة ولم يعمل على إفشالها .
وظيفة الرجل والمرأة “كوجوب ستر الجسد ، وقواميّة الزوج ، والطلاق ، والميراث ، والشهادة” فدعوا إلى إلغاء هذه الأحكام الشرعية التي ادّعوا أنّها سبب تمييز بين الرجل والمرأة ، وسيأتي الكلام حول هذه الوظائف في ثنايا البحث .
ولكننا نقول :
١ ـ إنّ المساواة التي ينادي بها الإسلام تكمن في الإنسانية والحقوق والواجبات الفطرية الطبيعية والقيم ، وليس المماثلة في جميع الجهات . أمّا الاختلاف بين الرجل والمرأة في الشكل الذي يكون موضوعاً للاختلاف في الوظيفة الخاصة لكلّ من الرجل والمرأة ، والذي يقتضي توزيع المسؤوليات والأدوار في الأُسرة والجميع ، فهو أمر واقعي لابدّ منه ، كالاختلاف بين الرجال في اختصاصاتهم وعلمهم الذي يقتضي توزيع المسؤوليات والأدوار نتيجة هذا الاختلاف .
٢ ـ رأينا فيما تقدّم : أنّ قواميّة الزوج الناشئة من عقد الزواج تعني المحافظة على الزوجة والاهتمام بها وتدبير شؤونها ، فهو امتياز لها لا يجوز سلبه عنها بحجة حقوقها ، أي إنّه حقّ لها لا عليها . كما أنّ حقّ الطاعة ـ الذي أوجبه الإسلام على الزوجة للزوج ـ لا يعدو أن يكون حكماً احترامياً للزوج ، ولا يحدّ من حرية المرأة وكرامتها وإنسانيتها وتصرّفاتها وأعمالها ، وكذا خروجها من البيت بإذن الزوج ، فهو لاحترام الزوج وقيمومته على تسيير سفينة البيت الزوجي إلى شاطئ السلامة ، بدون أن يدخل المتطفّلون في بيت الزوجية لتخريبه وإفساده .
وأمّا الميراث : فهو ليس كما يصوّره غير العارفين بالشريعة الإسلامية من كون حصة المرأة في الميراث نصف حصة الذكر ، فهو ظلم للمرأة ; لأنّ بعض النساء يكون لهنّ نصيب من الإرث أكثر من الرجل ، كما فيما إذا ترك الميّت أباً وأماً وبنتاً ، فإنّ البنت قد فرض الله لها في هذا الفرض نصف التركة ، أمّا الأب فله السدس وكذا الأمّ ، والباقي وهو السدس يقسّم أخماساً ، فتأخذ البنت ثلاثة أخماس ، ويأخذ الأب خمساً ، وكذا الاُم ، فتكون البنت قد أخذت ضعفي الذكر .
وكذا يكون للمرأة أكثر من الذكر فيما إذا كان للميت بنتان وأب ، فإنّ للبنتين الثلثين ، لكلّ واحدة ثلث التركة ، أمّا الأب فله السدس ، والباقي وهو السدس يقسم على خمسة أقسام ، كلّ بنت تأخذ خمسين ، ولكن الأب يأخذ خمساً واحداً ، فتكون كلّ بنت قد أخذت ضعف الأب .
والسؤال هنا : لماذا لم تتصاعد الأصوات للدفاع عن الرجل في هاتين الصورتين وأمثالهما الذي يكون للاُنثى أكثر من الذكر؟! أين من ينادي بالمساواة من هذه الفروض؟
ولماذا لم يعترض على وجوب النفقة على الزوج ، ووجوب إعطاء المهر للزوجة من قبل الزوج في عملية جنسية وإنشاء بيت ينتفع به الطرفان؟!
نعم ، هناك إشكالات ثلاثة في سهم الإرث يكون للذكر فيها ضعف الاُنثى :
الإشكال الأول : في سهم الزوجين الذي ذكره القرآن الكريم ، فإنّ الزوجة إن لم يكن للزوج ولد فإنّها ترث منه الربع ، وإن كان له ولد فإنّها ترث منه الثمن ، أمّا الزوج فإن لم يكن للزوجة ولد فله النصف ، وإن كان لها ولد فله الربع قال تعالى : {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّهُنَّ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِن بَعْدِ وَصِيَّة يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْن وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّكُمْ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الُّثمُنُ مِمَّا تَرَكْتُم مِّن بَعْدِ وَصِيَّة تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْن وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلاَلَةً أَو امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِد مِّنْهُمَا السُّدُسُ فَإِن كَانُوَاْ أَكْثَرَ مِن ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاء فِي الثُّلُثِ مِن بَعْدِ وَصِيَّة يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْن}(١) .
فيقال : لماذا هذا التفريق؟ أليس هذا ظلماً للزوجة؟
١- النساء : ١٢ .
الإشكال الثاني : وهو ما إذا كان أولاد الميت ذكوراً واناثاً ، فيأخذ الولد ضعف الاُنثى كما قال تعالى : {يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ}(١) .
الإشكال الثالث : يتوجّه على مسلك الإمامية من حرمان الزوجة من الأرض عيناً وقيمة إذا مات الزوج ، بخلاف ما إذا ماتت الزوجة فإنّ الزوج يرث من زوجته كلّ شيء حتى من الأرض .
والجواب : ويجاب عادة عن الإشكال الأول والثاني : بأنّ الرجل ـ سواء كان زوجاً أو ابناً ـ فهو الذي يتحمّل مسؤولية الإنفاق على الزوجة والأطفال دون الزوجة ، فهو يحتاج إلى المال أكثر من حاجة الزوجة .
وهو بحاجة إلى المهر إذا أراد الزواج ثانياً ، بخلاف الزوجة إذا تزوجت بعد وفاة زوجها فإنّها تستلم المال والمهر ولا تدفع مالاً .
والأولاد الذكور أيضاً بحاجة إلى المهر عند زواجهم ، بخلاف البنت حيث يُدفع إليها المهر ، وهم بحاجة إلى النفقة ، بخلاف البنت التي تزوجت فإنّها تُكفى المؤونة من قبل الزوج ، لهذا جعل الله حصة الذكر (الزوج ، والولد) أكثر من حصة الاُنثى (الزوجة والبنت) ، فالعدالة موجودة في هذا التقسيم ، فلا إشكال على الآية الكريمة .
ويُجاب عن الإشكال الثالث بما ذكرته الروايات الكثيرة من عدم إرثها من الأرض ثمناً وقيمة حيث قالت يخشى من هذه الزوجة أن تدخل على أولاد الرجل رجلاً غريباً عنهم ، فإنّها إذا أرادت الزواج وكان لها حصة من الأرض فيحقّ لها إدخال زوجها في البيت وهو غريب عن الأولاد ، بينما إذا لم يكن لها نصيب في الأرض فسوف تذهب هي إلى بيت زوجها الجديد ، ولا يزاحَم الأولاد في إدخال عنصر غريب عليهم .
١- النساء : ١١ .
أقول :
١ ـ لا معنى للإشكال على النصّ القرآني لو كنّا مسلمين ، إذ يقول الله تعالى : {أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنكُمْ}(١) ومعنى الإطاعة هو العمل بما ثبت في القرآن والسنّة الكريمة عن أحكام الله تعالى .
وقال تعالى : {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِن وَلاَ مُؤْمِنَة إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ . . .}(٢) فإذا ثبت لدينا أنّ التشريع فيه نصّ قرآني أو نبوي ، فتكمُّ الألسن ولا يحقّ الاعتراض على ما ثبت من الدين حقيقة إن كنّا مسلمين .
٢ ـ لا يرد الاعتراض بالظلم في هذه الموارد الثلاثة المتقدّمة ، كما لا يرد الاعتراض بالظلم على صورة أخذ الاُنثى أكثر من الذكر في بعض الموارد التي ذكرناها سابقاً ; لأنّ الظلم هو عبارة عن أخذ الحقّ من صاحب الحقّ والتعدّي عليه ، وهنا لا يوجد لأيّ وارث حقّ في مال أبيه أو مال من مات ممن له علاقة معه ; لأنّ التركة التي تركها الميت هي ملك من مات ، وقد حصل عليها نتيجة عمله ونماءات أعيانه ، وقد مات ، فلا يوجد أيّ حقّ للورثة في تركة الميت .
وحينئذ إذا شرّع الله هذا التشريع فيكون قد وزّع المال الذي لا يستحقه الورثة بالكيفية التي أرادها المالك الحقيقي لكلّ ما في الوجود ، وهو الله تعالى ، دون حقّ مسبق فيها للورثة ، فهل يمكن أن يقال لهذا : إنّه ظلم للورثة؟
مثلاً إذا كان عندي كمية من المال وأردت أن اُقسّمه على جماعة في سبيل الله ، فأعطيت إلى واحد نصف المال ، وإلى آخر ربعه ، وإلى ثالث ثمنه ، وإلى رابع ثمنه الآخر ، مع عدم وجود حقّ لهم عندي ، فهل يصح أن يقال للمقسم : إنّه ظلم الثاني والثالث والرابع ; لأنّه أعطاهم أقلّ ممّا أعطى الأول؟!
١- النساء : ٥٩ .
٢- الاحزاب : ٣٦ .
والجواب : لا يمكن اتصاف هذا العمل بالظلم ، بل هو إحسان ، غاية الأمر الإحسان على الأول أكثر من الباقي .
فهكذا نقول في قضية الإرث .
وأمّا التستر عن الأجنبي ـ الذي فرضه القرآن على الإناث ، كما فرض التستر على الرجل ولكن بمساحة أقلّ ممّا فرضه على المرأة ـ فهو لا يعتبر قيداً على المرأة بمقدار ما يكون وقاراً واحتراماً لها ، ومنعاً من إثارة الرجل بالتعرّي وبكلّ ما من شأنه إثارة الرجل من دون إشباع لهذه الإثارة عن طريق الزواج ، فلايجوز أن تكون المرأة آلة يتفرّج عليها المتسولون ، وقد تصل الحاجة إلى التحرّش والاعتداء والاغتصاب المهين الذي تتعرّض له النساء عادة بإثارة الرجل . ولا يجوز أن يتحوّل المجتمع إلى دار مجون ومتعة وجنس بلا ضوابط .
بل نريد من المرأة ـ التي هي نصف المجتمع ـ أن تقوم بدورها في الأُسرة والحياة الاجتماعية العامة بطهارة وإخلاص إذا سنحت لها الفرصة في العمل الاجتماعي وكانت قادرة على ذلك ومؤهلة له ، فتجلب للمجتمع السعادة والرقي ، وهذا هو المنسجم تماماً مع التستر والعفّة ، والإنسانية والكرامة الذي يسعى الإسلام للحفاظ عليها ، ولا يكون ستر البدن مانعاً من عملها العام في المجتمع ; لأننا لانوجب عليها العباءة والجادر وإن كان هذا أفضل لباس محتشم لها ، إذ يكفي ستر البدن بأيّ ساتر كان كالمانتو العريض والمقنعة الساترة للرأس .
ثمّ إنّ الملاحظ عند من يهاجم الإسلام في وجوب التستر عن الأجنبي ، التعبير بأنّ الحجاب للمرأة يسلب حرّيتها وهو تقييد وظلم لها .
ولكن نحن نقول :
١ ـ إنّ الواجب على المرأة هو ستر بدنها عن الأجانب وعدم إظهار زينتها للأجانب ، قال تعالى : {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاّ
لِبُعُولَتِهِنَّ . . .} فلا يوجد حجاب للمرأة عن الرجل ، وعلى فرض وجوب الحجاب على المرأة ، فهو حجاب عن الأجانب لا احتجاب عنهم ، فكم فرق بين ستر البدن والحجاب والاحتجاب .
٢ ـ إذا كان التستر حدّاً لحرية المرأة ، فإنّ الرجل أيضاً قد حدّد بذلك ، حيث أوجب الله عليه الغض من بصره للنساء الأجانب ، وأوجب الله عليه التستر بمساحة أقل ، حيث لا يجوز له المشي عارياً في الأماكن التي يوجد فيها إنسان محترم .
٣ ـ إنّ التستر على المرأة بمساحة أوسع من الرجل وعدم إظهار زينتها للأجانب مبتني على الفوارق الجسمية (الفسيولوجية والسيكولوجية) بين الجنسين ، فالمرأة مثار للشهوة ، والإثارة بدون إشباع صحيح وشرعي يؤدّي إلى كوارث بشرية واعتداءات فاضعة واغتصاب مهين للمرأة .
ولهذا فقد حرّم الإسلام على الرجل النظر إلى الأجنبية ; لأنّه يؤدي إلى إثارة شهوته بدون إشباع لها بطريق محلل . كما حرّم الإسلام على المرأة والرجل كلّ ما يثير الشهوات ، كالصوت الرقيق ، والخضوع بالقول ، والإشارات والأعمال المنافية للعفة ، وكلّ ما يثير الشهوات ، فإنّ في إثارة الشهوات بدون إشباع لها بالزواج يؤدي إلى ما لا تحمد عقباه ، فاحتياطات الشارع المقدّس بتحريم الرقص والغناء والخضوع بالقول والإشارة المغرية والابتسامة والخلوة بالأجنبية ، كلّ هذه لأجل أن لا تحصل إثارات بدون إشباع .
إذن ، لا يمكن لنا أن نصف المجتمع الإسلامي بالتخلّف نتيجة هذه الأحكام الشرعية المتفرّعة على اختلاف الصنف ، الذي هو يقتضي اختلافاً في الوظيفة الخاصة وفي المجتمع ; لأنّ المعيار في التخلّف الحضاري والتقدّم الحضاري لابدّ أن
يستند إلى خصوصيات هذه التشريعات وفلسفتها والنظرة الكلية للكون والحياة والإنسان في الحضارة الإسلامية ، فالتقدّم والتأخّر مرتبط بنظام القيم والحقوق والواجبات ، لا بالنظر إلى ، بعض الأحكام الشرعية المستندة إلى موضوعات مختلفة في الصنف .
تعدّد الزوجات
قد جعل الإسلام للرجل جواز تعدد زوجاته دون المرأة ، وقد يعبّر البعض بأنّ الإسلام قد حدّد تعدّد الزوجات الذي كان سابقاً بدون حدّ ، فهل هذا الحكم ـ سواء كان تجويزاً لتعدّد الزوجات أو تحديداً لتعدّد الزوجات الذي كان موجوداً ; لأنّه لا فرق بين تشريع شيء جديد أو تحديد لما كان جائزاً ـ يخالف الوجدان ويكون ظلماً للمرأة؟ أي هل يحكم العقل العملي بقبح صدور هذا العمل من قبل الزوج؟
الجواب : إنّ الإسلام لم ير أيّ ظلم في مسألة تعدّد الزوجات ، والسرّ في ذلك : هو أنّ ما يمكن أن يفترض أن يكون تعدّد الزوجات ظلماً هو أحد أُمور ثلاثة :
الأمر الأول : حالة الغيرة (غيرة الرجال على النساء والعرض والناموس) فكما أنّ الرجل يغار على امرأته حينما يُنظر اليها وتُلاعَب من قبل غيره ، فكذا هذه الغيرة موجودة في المرأة ، فإنّها تغار حينما تجد امرأة اُخرى تتعامل مع زوجها بالملاطفة والملاعبة .
ولكن يمكن القول بأنّ عامل الغيرة ليس عاملاً أصيلاً وتكوينياً في البشر ، وإنّما هو عامل تربوي ، فحينما يتربّى الرجل في مجتمع على خلاف الغيرة فهو لا يغار . والإسلام له تربيته الخاصّة ، وقد رأى أن يربي الرجال على الغيرة دون النساء .
وقد رأينا أنّ السيدة خديجة سلام الله عليها عندما طلب منها رسول الله (صلى الله عليه وآله)بأنّها إذا دخلت الجنة فلتقرأ السلام على ضرائرها (زوجات رسول الله (صلى الله عليه وآله) في الجنة) وهنّ : مريم بنت عمران ، وكلثم اُخت موسى ، وآسية بنت مزاحم (امرأة فرعون) ، فأجابت النبي (صلى الله عليه وآله) فقالت : بالرفاء يا رسول الله(١) .
وقد وردت روايات كثيرة تدلّ على أنّ النساء ليس من حقهنّ الغيرة ، منها صحيحة جميل بن دراج عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه قال : “لا غيرة في الحلال” بعد قول رسول الله (صلى الله عليه وآله) : “لا تحدثا شيئاً حتى أرجع اليكما” (خطاب إلى زوجاته) فلمّا أتاهما أدخل رجليه بينهما في الفراش(٢) .
الثاني : حالة الحسد ، فإنّ هذه الحالة أصيلة في طبيعة الإنسان ، والزوجة تحسد الزوجة الاُخرى وتتوهم أنّها تزاحمها ويجب أن تحصر زوجها في نفسها .
ولكن الحسد وإن كان أمراً أصيلاً في طبيعة الإنسان ، إلاّ أنّ هناك شيئاً آخر أيضاً هو أصيل في الإنسان ، وهو العقل والوجدان الذي يحكم بأنّ الحسد قبيح .
والإسلام أخذ بجانب العقل العملي وحارب هذه الحالة الموجودة في الإنسان وربّاه ضدّ الحسد ، وأكدّ على عدم تطبيق الحسد والجري العملي عليه وترتيب أثره على الأقل إن لم يتمكّن من القضاء عليه في قرارة نفسه . اذن لا يكون الزواج الثاني قبيحاً من هذه الناحية ، بل الحسد هو القبيح بعد حصول التعدّد .
١- من لا يحضره الفقيه للشيخ الصدوق ١ : ١٣٦ ، والرواية هي : دخل رسول الله (صلى الله عليه وآله) على خديجة وهي لما بها ، فقال لها : “بالرغم منّا ما نرى بك يا خديجة ، فإذا قدمت على ضرائرك فاقرئيهن السلام” فقالت : من هنّ يا رسول الله؟ فقال (صلى الله عليه وآله) : “مريم بنت عمران ، وكلثم اُخت موسى ، وآسية امرأة فرعون” فقالت : بالرفاء يا رسول الله .
٢- وسائل الشيعة ١٤ : باب ١٣٥ من مقدّمات النكاح ، الحديث الوحيد في هذا الباب .
الثالث : إنّ الحبّ والود والوئام المنشود من الزواج ، قد لاحظه الإسلام وشرّع الحياة الزوجية لملاكات ، من أهمها إشباع الجانب الروحي المتعطش إلى المودة ، وتعدّد الزوجات ينافي ذلك ; لأنّ القلب لا يتقسم ، والعواطف بين الزوجين لا يمكن تقسيمها على زوجات متعدّدة . فيكون تعدّد الزوجات منافياً للوّد والحبّ المنشود من الزواج ، فيكون تشريعه مخالفاً لهذا الملاك المهم من تشريع الزواج ، فيكون مخالفاً للوجدان وقبيحاً .
والجواب : إنّنا لانعترف بأنّ الحبّ والود والعواطف القلبية وما إليها تتنافى مع تعدّد الزوجات ، فإنّ الروح الإنسانية تتسع لحب أكثر من زوجة ، وذلك لمشاهدتنا بكلّ وضوح أنّ الأب قد يكون له عشرة أولاد أو أكثر ، ومع ذلك فهو يحبّ كلّ واحد منهم حباً مفرطاً إلى درجة التفاني ، فليكن الأمر كذلك بالنسبة للزوج مع زوجاته .
نعم ، إنّنا نرى أحياناً أنّ تعدّد الزوجات يولّد نقصاً في الحبّ المتبادل بين الزوجين ، ولكنّ هذا إنّما يحصل لأجل عوامل اُخرى كعامل الغيرة والحسد أو عدم تحقيق العدالة وما شابهها ممّا حاربه الإسلام ونهى عنه .
إذن ، بعد ردّ كلّ ما يمكن أن يجعل تعدّد الزوجات مخالفاً للوجدان ، لم نجد أيّ مشكلة في تعدّد الزوجات .
نعم ، الشيء الوحيد الذي قد ينتج من تعدّد الزوجات عبارة عن عدم تحقّق العدالة والمساواة العملية بين الزوجات ، وقد حسب الإسلام لهذه المشكلة حساباً ، فأمر أمراً إلزامياً بدرجة من العدالة ، وهي التي قد نهى عن تركها وقال : {فَلاَ تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ} ، وأمّا سائر الدرجات من العدالة فقد جعلها مستحبة بعد إعطاء كلّ زوجة حقّها .
وعلى هذا فسيكون الزواج الثاني مكروهاً عند الخوف من عدم العدالة بدرجة ملحوظة عند العرف ، وتوضيح ذلك : قال الله تعالى في كتابه الكريم : {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً}(١) .
وقال تعالى : {وَلَن تَسْتَطِيعُوا أَن تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاء وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلاَ تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ}(٢) .
والمستفاد من الآيتين هو :
١ ـ النهي عن ترك العدالة بحيث تجعل المرأة كالمعلّقة ، فلا هي بلا زوج حتى تتمكن أن تتزوّج ، ولا هي عندها زوج كبقية الأزواج ، فالزوج موجود ولكنّه تارك لها وظالم لها لا تتمكن من الزواج وهي تحتاج إلى زوج ، وهذا مستفاد من ذيل الآية الثانية {فَلاَ تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ} .
٢ ـ كراهة تعدّد الزوجات عند الخوف من عدم العدالة بدرجة عرفية ، وهذا مستفاد من ذيل الآية الاُولى : {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً} أمّا صدر الآية الثانية القائلة : {وَلَن تَسْتَطِيعُوا أَن تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاء وَلَوْ حَرَصْتُمْ . . .} فإنّها تشير إلى العدالة الحقيقية في الحبّ وما يتفرّع عليه من أعمال فإنّها غير ممكنة للزوج ، ولكن إذا أعطى كلّ زوجة حقّها ، وكان خائفاً من الميل إلى إحداهن والعمل لها أكثر من حقّها ، بحيث يكون عند العرف غير عادل ، ففي هذه الصورة يكون الزواج مكروهاً .
٣ ـ جواز تعدّد الزوجات : وهو مستفاد من صدر الآية {فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء} وإنّما قلنا بالجواز لا بالاستحباب من باب أنّ تعليق الحكم على رغبة المكلّف يعطيها ظهوراً في الإباحة .
١- النساء : ٣ .
٢- النساء : ١٢٩ .
إذن ، الخوف الوحيد من تعدّد الزوجات هو عدم تحقيق العدالة والمساواة العملية بين الزوجات ، وقد حلّه الإسلام بما تقدّم .
ولكن قد توجد ملاكات لتعدّد الزوجات ، مثل احتياج النساء للزواج عند زيادتهن على الرجال ، فلأجل أن لا تبقى امرأة بلا زوج شرّع تعدّد الزوجات .
ومثل عدم شبع الرجل بزوجة واحدة ، أو الاشتياق إلى الأولاد وحبّهم ، كلّ هذا أدّى إلى تشريع تعدّد الزوجات مع الكراهة ، حيث لا يمكن إعطاء مقياس مفهوم لدى الناس من أجل إعمال مصالح الزواج ومفاسده ، فجعل الشارع الزواج الثاني جائزاً مع كراهته عند خوف عدم العدالة ، وهذه الكراهة لا تمنع من التعدّد للزوجات عند وجود ملاك آخر للتعدّد ، حيث إن الاحكام الكراهتية حيثية .
إذن ، يمكن القول بأنّ الإسلام إنّما سمح بتعدّد الزوجات لأمرين :
الأمر الأول : لم يجد ما يمنع من تعدّد الزوجات كما تقدّم ذلك .
الأمر الثاني : وحتى لو كان هناك ما يمنع من تعدّد الزوجات للرجل ، إلاّ أنّه توجد عوامل عديدة توجب تعدّد الزوجات وتحكم بضرورته من قبيل حاجة الرجل الجنسية أحياناً إلى زوجات عديدة ، ومن قبيل حبّه للأولاد ، ومن قبيل غلبة النساء المفتقرات إلى الزواج على الرجال المفتقرين إليه من الناحية الكمية(١) .
لماذا لم يشرّع تعدّد الأزواج للزوجة الواحدة؟
وهذا السؤال كثيراً ما يذكره بعض من يدافع عن المرأة وحقوقها فيقول : كما أجاز الإسلام تعدّد الزوجات للزوج الواحد ، فلماذا لم يجز للمرأة تعدّد الأزواج ، فإنّها أيضاً قد تحتاج إلى أكثر من زوج إذا كان زوجها الأول ضعيفاً من الناحية الجنسية ، أو كان غائباً عنها ، أو معانداً لها مضاراً بحالها؟!
١- راجع الملحق رقم (٢ ).