جريمة حرب بشهادة دولية
عقب عمليات القوات الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة، وقتل وإصابة السكان بجروح خطيرة، وتدمير منازلهم وبنيتهم التحتية، وتهجير الآلاف بشكل تعسفي، ترقى إلى مستوى الانتهاكات الصارخة للقانون الدولي والمعايير المتعلقة باستخدام القوة بما يشكل أبشع جريمة حرب، قال المتحدث الأوروبي خلال تفقده آثار الدمار في مخيم جنين مع 30 دبلوماسيا، مؤخراً، بتنظيم من وكالة الغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين التي تعرف بـ “الأونروا”، إن القوات الإسرائيلية دمرت عشرات المنازل في إطار 9 كم، وجرى تدمير أنابيب الشرب والصرف الصحي، في انتهاكات صارخة للقانون الدولي والمعايير المتعلقة باستخدام القوة وتشكل جريمة حرب بشهادة دولية.
وفي الوقت الذي دعا فيه ممثل الاتحاد الأوروبي إلى ضرورة الضغط على تل أبيب لحل النزاع وإلا فوقف العنف مستحيل على حد تعبيره، طالب بورغسدوف سلطات الاحتلال الإسرائيلي بأن تمتنع بشكل مباشر وواضح عن القيام بأي عمل يضر بالمدنيين وتكون له تبعات عليهم ما يعني أن كل ما تفعله يقوم على هذا الأساس، وأن تحترم القانون الدولي خلال أي عملية عسكرية تجريها، وأن تقوم بالتحقيق بشكل علني في حال وجود أي تجاوزات من قبل المستوطنين –المدعومين أساساً من شرطة الاحتلال-، وأن تقوم بمحاسبة من يقوم بالاعتداء، رغم أن الجلاد والقاضي هما جهة واحدة.
وجاءت الزيارة لممثل الاتحاد الأوروبي إلى “جنين” تحت ذريعة التضامن مع السكان المدنيين في المخيم المنكوب، والتي يجب أن تتم حمايتهم بشكل كبير تحت كل الظروف، وخاصة الأطفال والعائلات التي تضررت بشكل كبير، وللاطلاع على الأضرار التي أوقعتها الآلة العسكرية الإسرائيلية، والعمل على رفع تقارير لكل عواصم البعثات الدبلوماسية حول ما حدث في مخيم جنين، على حد تعبير بورغسدورف، بعد أن شنت قوات الاحتلال الإسرائيلي عدوانا كبيرا على مدينة جنين ومخيمها فجر الإثنين الفائت، واستمر عنفهم وجرائمهم على مدار يومين، وأسفر عن استشهاد ما يزيد على 12 مواطنا بينهم خمسة أطفال وأكثر من 140 مصابا، بينهم 30 بجروح خطيرة للغاية، إضافة إلى تدمير البنى التحتية بشكل كبير في المخيم، وإلحاق أضرار جسيمة بمنازل السكان وممتلكاتهم، الشيء الذي أفرز تنديدا دوليا، ومطالبات بمحاسبة قادة كيان الاحتلال الإسرائيلي على الجريمة.
وفي ظل تلك التصريحات، لم تخف الأمم المتحدة أن الهجمات الإسرائيلية كانت الأعنف في الضفة الغربية منذ تدمير مخيم جنين عام 2002، وسلطوا الضوء في تقارير متعددة حول منع سيارات الإسعاف من الوصول إلى مخيم جنين لإجلاء الجرحى، ما أعاق حصولهم على المساعدة الطبية، و ورد أن حوالي 4000 فلسطيني فروا من مخيم جنين للاجئين بعد الضربات الجوية القاتلة، وقال الخبراء: “إنه لأمر مفجع أن نرى آلاف اللاجئين الفلسطينيين قد نزحوا أصلاً منذ 1947-1949، وأجبروا على الخروج من المخيم في خوف مدقع مع حلول الظلام”، مستنكرين ما تسمى عمليات “مكافحة الإرهاب” التي تقوم بها القوات الإسرائيلية، وقالوا إن الهجمات لم تجد أي مبرر بموجب القانون الدولي، وتشكل عقابا جماعيا للسكان الفلسطينيين، الذين وصفتهم السلطات الإسرائيلية بكل دموية وأمام العالم بأنهم” تهديد أمني جماعي”.
ويشار إلى أن خبراء الأمم المتحدة عبروا عن قلقهم البالغ إزاء الأسلحة والتكتيكات العسكرية التي نشرتها قوات الاحتلال الإسرائيلي مرتين على الأقل خلال الأسبوعين الماضيين ضد سكان جنين، معتبرين أن الفلسطينيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة هم أشخاص محميون بموجب القانون الدولي، ومكفولون في جميع حقوق الإنسان، ولا يمكن للسلطة القائمة بالاحتلال أن تعاملهم على أنهم تهديد جماعي لأمن الاحتلال، وخاصة في الوقت الذي تقوم فيه بضم الأراضي الفلسطينية المحتلة وتشريد سكانها الفلسطينيين وسلبها، وقد شاهد تداول الأرض الجريمة البشعة بحق أبرياء جنين، الشيء الذي دعا هؤلاء الخبراء الأمميين إلى محاسبة تل أبيب بموجب القانون الدولي على احتلالها غير الشرعي وأعمالها لتكريس العنف، مذكرين بأنه من أجل إنهاء هذا العنف المستمر، يجب إنهاء الاحتلال الإسرائيلي غير القانوني.
عنفٌ إسرائيليّ متصاعد
يتصاعد العنف الإسرائيلي يوما بعد آخر ظنًا من تل أبيب أن العنف يولد الانتصار للمحتلين الغزاة، لكن التجربة برهنت على أن العنف لا يولد إلا مثله، وإن استمرار الاعتداءات الإسرائيليّة الممنهجة والمتصاعدة بحق أهالي الضفة الغربيّة المحتلة وبالأخص مخيم جنين، منذ أكثر من خمسة عقود، لا يولد سوى الرغبة الفلسطينية بالتحرر والمقاومة، نتيجة لمواصلة سياسة الاستيطان السرطاني والقتل المروعين ضد الأبرياء بما يخالف القوانين الدوليّة والإنسانيّة، لدرجة أن العالم أجمع بات يشاهد تفاصيل إجرام وتمادي قوات المحتل العسكرية ضد الفلسطينيين في ديارهم.
وإن الإفلات من العقاب –حسب ما يظن الصهاينة- هو ما يدفع قادة الاحتلال الدمويين وآلتهم العسكرية الفاشية إلى تصعيد أعمال العنف، ليضيفوا صفحات جديدة إلى الجرائم التي ارتكبوها على مدى عقود الاستعمار، وهذا بالأمر لا يؤدي إلا إلى تأجيج وتكثيف دورة العنف المتكررة، والتي ستصل يوما إلى رقاب من يعطون الأوامر بتصفية الفلسطينيين، كما أن إقدام الكيان الإرهابي على خطوات تصعيديّة كثيرة كان آخرها ارتكاب أبشع الجرائم الوحشية في قتل وإعدام وتدمير منازل الفلسطينيين، يؤدي إلى إصرار فلسطيني أكبر للتخلص من هذا الورم الخبيث الاحتلالي، وهل بات الإسرائيليون ساذجون إلى هذا الحد ليعتقدوا أن جرائمهم ستمر مرور الكرام دون محاسبة من الفلسطينيين؟.