الرئيسية / المرأة في الإسلام / آداب الإسرة في الإسلام

آداب الإسرة في الإسلام

أحكام النظر

النظر إلى الجنس الآخر من قِبل أحد الجنسين تترتب عليه آثار عملية عديدة ، ومواقف سلوكية متباينة ، قد تؤدي إلى إثارة الشهوة والوقوع في الفتنة .
قال الإمام جعفر الصادق ( عليه السلام ) : ( النظرة بعد النظرة تزرع في القلب الشهوةَ ، وكفى بها لصاحبها فتنة ) (1) .
والنظر يؤدّي في أغلب الأحيان إلى الوقوع في شباك إبليس ، فتعقب صاحبها الندامة والحسرة ، قال الإمام جعفر الصادق ( عليه السلام ) : ( النظرة سهم من سهام إبليس مسموم ، وكم من نظرة أورثت حسرةً طويلة ) (2) .
والنظر قد يكون مقصوداً وبشهوة فيكون إحدى مقدمات الزنا ، قال الإمامان محمد الباقر وجعفر الصادق ( عليهما السلام ) : ( ما من أحد إلاّ وهو يصيب حظّاً من الزنا ، فزنا العينين النظر ، وزنا الفم القُبلة ، وزنا اليدين اللّمس ، صدّق الفرج ذلك أم كذّب ) (3) .
ولأجل الحفاظ على المجتمع من الانحراف ، والابتذال ، والسقوط ، دعا الإسلام المؤمنين والمؤمنات إلى غض البصر ، وتجنّب النظر إلى الجنس الآخر ، قال تعالى : ( قُلْ لِلمؤمِنينَ يَغُضُّوا من أبصَارِهِم ويَحفظُوا فُرُوجَهم ذلكَ أزكَى لَهُم إنَّ اللهَ خَبيرٌ بما يَصنَعُونَ * وَقُل لِلمؤمِناتِ يَغْضُضْنَ مِن أَبصارِهِنَّ ويَحفظنَّ فُرُوجَهُنَّ ولا يُبدِينَ زِينتَهُنَّ إلاّ ما ظَهَرَ مِنها وليَضرِبنَ بِخُمُرِهِنَّ على جيُوبهِنَّ … ) (4) .
وفي هذه الآية أمر الله تعالى الجنسينِ بغض البصر ، وأمر المرأة بالحجاب بتغطية رأسها ورقبتها ، وحفظ مواضع الزينة إلاّ ما ظهر منها كالوجه والكفينِ (5) .
أمّا إظهار الزينة بنفسها فحرام ، ولكن المقصود هو مواضع الزينة عند أغلب المفسّرين .
عن مسعدة بن زياد قال : سمعت جعفراً ( عليه السلام ) ، وسُئل عمّا تظهر المرأة من زينتها ، قال : ( الوجه والكفيّن ) (6) .
والنظر الجائز هو النظرة الأُولى ، قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ( لا تُتبع النظرة النظرة ، فليس لك إلاّ أَوّل نظرة ) (7) .
والجمع بين الأدلة في جواز النظر وحرمته ، يقيّد بجواز النظرة الأُولى غير المقصودة وغير المتعمدة .
ومعاودة النظر حرام ( ولا ينظر الرجل إلى المرأة الأجنبية إلاّ مرةً من غير معاودة … ) (8) .
وإنّه لا خلاف في ( تحريم نظر المرأة إلى الأجنبي أعمى كان أو مبصراً ) (9) .
والنظرة الأُولى مهما كانت أسبابها ودوافعها مقيّدة بعدم التلذّذ والريبة ، كأن تقع مصادفةً ، أو لضرورة ، أو غير ذلك ، فالنظرة بتلذّذ وريبة حرام (10) .
المستثنى في جواز النظر إلى غير الوجه والكفين :
هنالك مستثنيات لحرمة النظر يجوز فيها النظر لأشخاص معيّنين مطلقاً ، ولحالات ومواقف معيّنة ، وجميع هذا الجواز مقيّد بعدم التلذّذ والريبة إلاّ في ( الزوجين ) (11) .
أَوّلاً : استثناء بعض الأشخاص :
جوّزت الآية المتقدمة لبعض الأشخاص النظر إلى الجنس الآخر كما جاء في قوله تعالى : ( … وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ ) (12) .
تقدم أنّ المراد هو موضع الزينة وليست الزينة نفسها ، وموضع الزينة هو الوجه والكفان ، فيجوز لأشخاص معيّنين النظر إلى أكثر من الوجه والكفيّن ، كالشعر وباقي أجزاء الجسد عدا العورة ، وهم :
1 ـ الزوج والأب وأبو الزوج .
2 ـ الابن وابن الزوج من زوجة ثانية .
3 ـ الأخ وأبناء الأخ وأبناء الأخت .
ويجوز للرجل النظر إلى زوجته وأُمّه ، وأمّ زوجته وبنته ، وبنت زوجته من زوج ثانٍ ، وأُخته وبنات أخيه وبنات أخته ، أي يجوز النظر إلى مطلق المحارم (13) ، وبمعنى آخر لا يتوجب على المذكورات لبس القناع ، وتغطية الرأس ، وعدم وجوب الحجاب مخصوص بما ذكرته الآية الشريفة .
أمّا ما تعارف عليه عند البعض ، وهو عدم الحجاب من أخ الزوج ، أو زوج الخالة ، أو زوج العمة ، أو ابن العم ، وابن الخال ، ومَن بدرجتهما ، أو عدم تحجّب أخت الزوجة ، أو زوجة ابن الأخ ، أو زوجة ابن الأخت ، فهذا لا جواز له ؛ لأنّ هذه الأصناف ليست من المحارم ، وعدم وجوب الحجاب مخصوص بالمحارم فقط .
ويحرم على المرأة المسلمة أن تتجرّد أمام اليهودية ، أو النصرانية ، أو المجوسية ، إلاّ إذا كانت أَمَةً ، أي مملوكةً (14) .
ويجوز تعمّد النظر دون ريبة من قِبل ( أولي الإربة ) ، وهو كما قال الإمام جعفر الصادق ( عليه السلام ) : ( الأحمق الذي لا يأتي النساء ) (15) ، وليس له حاجة جنسية في النساء .
ويجوز النظر للأطفال الذين لم يعرفوا عورات النساء ، ولم يقووا عليها ؛ لعدم شهوتهم ، وكذلك جواز التبرّج أمامهم ، قال الإمام الرضا ( عليه السلام ) : ( لا تغطّي المرأة رأسها من الغلام حتى يبلغ ) (16) .
ويجوز إدامة النظر إلى البنت الصغيرة ، والعجوز المسنّة (17) دون تلذّذ وريبة .
ثانياً : استثناء بعض النساء من غير المحارم :
إنّ علة تحريم النظر الدائم والمتواصل ، هو منع مقدمات وأسباب الانحراف ، والأمر بعدم النظر موجّه للرجل والمرأة على حدٍّ سواء ، ولكنّ الإسلام استثنى بعض النساء ، وجوّز النظر إليهنّ دون تلذّذ ؛ مراعاةً للأمر الواقع .
فجوّز النظر إلى وجوه وأيدي وشعور نساء أهل الكتاب وأهل الذمة (18) .
قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ( لا حرمة لنساء أهل الذمة أن ينظر إلى شعورهنّ وأيديهنّ ) (19) .
ويجوز النظر إلى كلِّ متبرّجة غير متقيّدة بالحجاب الإسلامي ، ويجوز النظر غير المتعمّد إلى المجنونة .
قال الإمام جعفر الصادق ( عليه السلام ) : ( لا بأس بالنظر إلى رؤوس أهل تهامة ، والأعراب ، وأهل السواد ، والعُلُوج لأنّهم إذا نُهوا لا ينتهون ) .
وقال ( عليه السلام ) : ( والمجنونة والمغلوبة على عقلها ، ولا بأس بالنظر إلى شعرها وجسدها ما لم يتعمد ذلك ) (20) .
والنظر الجائز مختصّ بنظر الرجال إلى الأصناف المذكورة من النساء ، وأن لا يكون نظر شهوة وتلذّذ ، ولا يجوز تعميم الحكم للنساء المسلمات بأن ينظرنَ إلى رجال أهل الكتاب .
ثالثاً : استثناء بعض الحالات :
المحرّم في الشريعة يصبح جائزاً عند الضرورة ، فالنظر المتبادل بين الرجل والمرأة ـ سواء كان متوالياً أو متقطعاً ـ يكون جائزاً في حال الضرورة (21) .
والضرورة قد تكون حاجةً مخفّفةً ، وقد تكون ضرورةً شديدة ، وجواز النظر عند الحاجة يكون مختصاً بالنظر إلى الوجه واليدين ، والحاجة مثل الشهادة للمرأة أو عليها ، فلابدّ من رؤية وجهها ليعرفها (22) .
وجواز النظر للحاكم والقاضي من أجل ؛ التعرّف عليها للمثول أمامه ، أو الحكم عليها (23) .
وجواز النظر لمَن أُريد التعامل معها ، في بيع ، وشراء ، وإجارة ، وغير ذلك من أنواع المعاملات (24) .
والضرورة تبيح جميع المحظورات حتى النظر إلى جسد المرأة ، وأفضل مصداق للضرورة ، هو حالات العلاج التي قد تكون على أيدي الرجال في حال الاضطرار ، أو عدم وجود المِثل ـ أي المرأة ـ التي تقوم بنفس دور الطبيب من الرجال ، ويشمل ذلك جميع حالات العلاج وما يتوقف عليه من ( فصد ، وحجامة ، ومعرفة نبض العروق ، ونحو ذلك ) (25) .
وعند الضرورة يجوز النظر إلى أي موضع لا يمكن العلاج إلاّ بعد الوقوف عليه (26) .
روى أبو حمزة الثمالي ، عن الإمام محمد الباقر ( عليه السلام ) ، قال : سألته عن المرأة المسلمة يصيبها البلاء في جسدها ، إمّا كسر ، أو جِراح ، في مكان لا يصلح النظر إليه ، ويكون الرجال أرفق بعلاجه من النساء ، أيصلح له أن ينظر إليها ؟ قال : ( إذا اضطرت إليه فيعالجها إن شاءت ) (27) .
وهذا يعني جواز إجراء العمليات الجراحية من قِبل الرجال للنساء ، ومنها عملية الولادة حيث يطّلع الطبيب فيها على عورة المرأة ، وهذا الجواز مشروط بالضرورة ، والضرورة تأتي بعد عجز النساء عن علاج المرأة في الولادة ، أو عدم توفّر القابلة من النساء .
والقاعدة الكلية في النظر أنّه ( يجوز نظر الرجل إلى مِثله ما خلا العورة ، والمرأة إلى مِثلها كذلك ، والرجل إلى محارمه ما عدا العورة ، كل ذلك مقيّد بعدم التلذّذ والريبة إلاّ في الزوجين ) (28) .
وشرط عدم التلذّذ والريبة نافذ الحرمة في جميع الحالات ، حتى في النظر إلى المحارم كالأخت والخالة ، والعمة وزوجة الأب ، وبعكسها في النساء أيضاً ، كنظر الأخت والخالة ، والعمة وزوجة الأب ، إلى مقابلها من الرجال .
ويُكره النظر إلى أدبار النساء من خلف الثياب ، وإذا كان هذا النظر مصحوباً بالتلذّذ والريبة فهو حرام .
سُئل الإمام جعفر الصادق ( عليه السلام ) عن هذا النظر فقال : ( أَما يخشى الذين ينظرون في أدبار النساء أن يبتلوا بذلك في نسائهم ) (29) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) مَن لا يحضره الفقيه / الصدوق 4 : 18 / 4970 ، جماعة المدرّسين ، ط2 ، قم 1404 هـ .
(2) الكافي / الكليني 5 : 559 ، دار الكتب الإسلامية ، طهران 1403 هـ .
(3) الكافي 5 : 559 .
(4) سورة النور : 24 / 30 ـ 31 .
(5) مجمع البيان / الطبرسي 4 : 138 ، مطبعة العرفان ، صيدا 1355 هـ . وجواهر الكلام 29 : 75 .
(6) الكافي 5 : 522 .
(7) وسائل الشيعة 20 : 193 .
(8) اللمعة الدمشقية / محمد مكي العاملي : 183 ، دار الناصر ، ط1 ، طهران 1406 هـ . وجامع المقاصد 12 : 32 .
(9) الحدائق الناضرة / يوسف البحراني 23 : 65 . وجامع المقاصد 12 : 41 ـ 42 .
(10) المقنعة : 521 . والحدائق الناضرة 23 : 61 .
(11) الحدائق الناضرة 23 : 61 .
(12) سورة النور : 24 / 31 .
(13) الحدائق الناضرة 23 : 61 . وجامع المقاصد 12 : 33 .
(14) مجمع البيان 4 : 183 .
(15) مجمع البيان 4 : 138 .
(16) الكافي 5 : 533 . وجامع المقاصد 12 : 33 .
(17) الحدائق الناضرة 23 : 64 .
(18) المقنعة : 521 . وجامع المقاصد 12 : 31 .
(19) الكافي 5 : 524 .
(20) الكافي 5 : 524 .
(21) اللمعة الدمشقية : 183 . وجواهر الكلام 29 : 89 .
(22) المبسوط 4 : 161 . والحدائق الناضرة 23 : 63 .
(23) المبسوط 4 : 161 .
(24) المبسوط 4 : 161 . والحدائق الناضرة 23 : 63 . وجامع المقاصد 12 : 34 .
(25) الحدائق الناضرة 23 : 63 .
(26) راجع المبسوط 4 : 161 .
(27) الكافي 5 : 534 .
(28) الحدائق الناضرة 23 : 61 .
(29) الكافي 5 : 520 .

شاهد أيضاً

كامل الزيارات

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله أهل الحمد ووليه، والدال عليه والمجازي به، والمثيب عنه، ...