الرئيسية / المرأة في الإسلام / آداب الأسرة في الإسلام

آداب الأسرة في الإسلام

كراهية العزوبة :

حكم الإسلام بكراهية العزوبة ؛ لأنّها تؤدي إلىٰ خلق الاضطراب العقلي والنفسي والسلوكي الناجم عن كبت الرغبات وقمع المشاعر ، وتعطيل الحاجات الأساسية في الإنسان ، سيّما الحاجة إلىٰ الاشباع العاطفي والجنسي ، والعزوبة تعطيل لسنة من سنن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذي قال : « من سنتي التزويج ، فمن رغب عن سنتي فليس مني » (٣) .

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « إنّ أراذل موتاكم العزاب » (٤) ، وفي رواية : « شرار موتاكم العزاب » (٥) .

وقد أثبت الواقع أن العزاب أكثر عرضةً للانحراف من المتزوجين ، فالمتزوج اضافة إلىٰ إشباع حاجاته الأساسية ، فإنّ ارتباطه بزوجة وأُسرة يقيّده بقيود تمنعه عن كثير من الممارسات السلبية ، حفاظا علىٰ سمعة أُسرته وسلامتها ، مما يجعله أكثر صلاحاً وأداءً لمسؤوليته الفردية والاجتماعية .

_______________

١) تهذيب الاحكام ٧ : ٢٤٠ / ٤ كتاب النكاح باب ٢٢ .

٢) من لا يحضره الفقيه ٣ : ٣٨٣ .

٣) مستدرك الوسائل ١٤ : ١٥٢ .

٤) من لا يحضره الفقيه ٣ : ٣٨٤ .

٥) جامع المقاصد ١٢: ٩ . والمقنعة : ٤٩٧ .

 

١٤

 

وتزداد الكراهية حينما يعزب الإنسان عن الزواج مخافة الفقر، قال الإمام جعفر الصادق عليه‌السلام : « من ترك التزويج مخافة الفقر ، فقد أساء الظنّ بالله عزَّ وجلَّ » (١) .

ومن الحلول الوقتية التي سنّها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للتخفيف من وطأة العزوبية أن أمر الشباب أمراً ارشادياً بالالتجاء إلىٰ الصوم ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « يا معشر الشباب ، من استطاع منكم الباه فليتزوّج ، ومن لم يستطع فَليُدمِنِ الصوم ، فإنّ الصوم له وجاء » (٢) .

هذا الحديث يجعل الزواج في مقابل الصوم كأحد الوسائل الرادعة لجميع أسباب الانحراف وتأثيراتها السلبية . فبالصوم يستطيع الشاب أن يهذب غرائزه ، ويخفف من تأثيراتها السلبية ، النفسية والعاطفية والسلوكية دون قمع أو كبت ، إضافة إلىٰ إدامة العلاقة مع الله تعالىٰ التي تمنعه من كثير من ألوان الانحراف والانزلاق النفسي والسلوكي ، وبالزواج أيضاً يستطيع أن يحقق عين الآثار المتمثلة بتهذيب السلوك ومقاومة أسباب الانحراف .

استحباب السعي في النكاح :

حث الإسلام علىٰ السعي في النكاح ، والمساهمة في الترويج له وإقراره في الواقع بالجمع بين رجل وامرأة لتكوين اُسرة مسلمة، فمن يسعى فيه يعوضه الله تعالىٰ عن سعيه في الآخرة ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « … ومن عمل

_______________

١) من لا يحضره الفقيه ٣ : ٣٨٥ .

٢) المقنعة : ٤٩٧ .

 

١٥

 

في تزويج بين مؤمنين حتىٰ يجمع بينهما زوّجه الله عزَّ وجلَّ ألف امرأة من الحور العين .. » (١) .

قال الإمام الصادق عليه‌السلام : « أربعة ينظر الله إليهم يوم القيامة : من أقال نادماً ، أو أغاث لهفان ، أو أعتق نسمة ، أو زوّج عزباً » (٢) .

وقال الإمام موسى بن جعفر الكاظم عليه‌السلام : « ثلاثة يستظلون بظل عرش الله يوم القيامة يوم لا ظلّ إلّا ظلّه : رجل زوّج أخاه المسلم ، أو أخدمه ، أو كتم له سرّاً » (٣) .

وجعله الإمام علي عليه‌السلام من أفضل الشفاعات فقال : « أفضل الشفاعات أن تشفع بين اثنين في نكاح حتىٰ يجمع الله بينهما » (٤) .

والروايات المتقدمة تحثّ الناس إلىٰ السعي في الجمع بين الرجل والمرأة لتكوين أسرة مسلمة ، فيستحب جميع ما يؤدي إلىٰ ذلك ، من السعي في الخطبة ، أو بذل المال لتوفير مستلزمات الزواج أو التشجيع عليه أو غير ذلك .

استحباب الدعاء للنكاح :

الدعاء بنفسه من العبادات المستحبة ، لذا حثّ الإسلام عليه في سائر شؤون الإنسان ، ومن بينها النكاح ، لتكون جميع أعمال الانسان متجهة إلىٰ الله تعالىٰ في سيرها ، طلباً لمرضاته .

_______________

١) وسائل الشيعة ٢٠ : ٤٦ .

٢) وسائل الشيعة ٢٠ : ٤٦ .

٣) وسائل الشيعة ٢٠ : ٤٥ .

٤) الكافي ٥ : ٣٣١ .

 

١٦

 

وقد أكدت الروايات علىٰ استحباب الدعاء لمن أراد النكاح ، قال الإمام جعفر الصادق عليه‌السلام : « فإذا همّ بذلك فليصلِّ ركعتين ويحمد الله ، ويقول : اللهمّ إني أُريد أن أتزوج ، اللهمّ فاقدر لي من النساء أعفهنَّ فرجاً ، وأحفظهنَّ لي في نفسها وفي مالي ، وأوسعهنَّ رزقا ، وأعظمهنَّ بركة ، وأقدر لي منها ولداً طيباً تجعله خلفاً صالحاً في حياتي وبعد موتي » (١) .

واللّه تعالىٰ يجيب الإنسان إذا دعاه بقلب مخلص ونيّة صالحة ، كما تظافرت علىٰ ذلك الآيات والروايات ، وهو نعم العون في اختيار صالح الأعمال لعبده المؤمن المخلص ، وخصوصا في مثل هذه القضية المهمة التي تكون مقدمة لسعادته في الدنيا والآخرة .

اختيار الزوجة :

العلاقة الزوجية ليست علاقة طارئة أو صداقة مرحلية ، وإنّما هي علاقة دائمة وشركة متواصلة للقيام بأعباء الحياة المادية والروحية ، وهي أساس تكوين الاُسرة التي ترفد المجتمع بجيل المستقبل ، وهي مفترق الطرق لتحقيق السعادة أو التعاسة للزوج وللزوجة وللأبناء وللمجتمع ، لذا فينبغي علىٰ الرجل أن يختار من يضمن له سعادته في الدنيا والآخرة .

عن إبراهيم الكرخي قال : قلت لأبي عبدالله عليه‌السلام : إنّ صاحبتي هلكت رحمها الله ، وكانت لي موافقة وقد هممت أن أتزوج ، فقال لي : « اُنظر أين تضع نفسك ، ومن تشركه في مالك ، وتطلعه علىٰ دينك وسرّك ، فإن كنت فاعلاً فبكراً تنسب إلىٰ الخير وحسن الخلق ، واعلم :

_______________

١) تهذيب الاحكام ٧ : ٤٠٧ .

 

١٧

 

 

ألا إنّ النساء خلقن شتىٰ 

فمنهنَّ الغنيمة والغرام 

ومنهنَّ الهلال إذا تجلّىٰ 

لصاحبه ومنهنَّ الظلام 

فمن يظفر بصالحهنَّ يسعد 

ومن يعثر فليس له انتقام » (١) 

وراعىٰ الإسلام في تعاليمه لاختيار الزوجة ، الجانب الوراثي ، والجانب الاجتماعي الذي عاشته ومدىٰ انعكاسه علىٰ سلوكها وسيرتها .

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « اختاروا لنطفكم ، فإنّ الخال أحد الضجيعين » (٢) .

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « تخيروا لنطفكم ، فإنّ العرق دسّاس » (٣) .

وروي أنّه جاء إليه رجل يستأمره في النكاح ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « نعم انكح ، وعليك بذوات الدين تربت يداك » (٤) .

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « من سعادة المرء الزوجة الصالحة » (٥) .

فيستحب اختيار المرأة المتدينة ، ذات الأصل الكريم ، والجو الاُسري السليم (٦) .

وبالاضافة إلىٰ هذه الاُسس فقد دعا الإسلام إلىٰ اختيار المرأة التي

_______________

١) من لا يحضره الفقيه ٣ : ٣٨٦ ، وتهذيب الاحكام ٧ : ٤٠١ .

٢) تهذيب الاحكام ٧ : ٤٠٢ .

٣) المحجة البيضاء ، الفيض الكاشاني ٣ : ٩٣ ، ط ٣ ، دار التعارف ، ١٤٠١ هـ .

٤) تهذيب الاحكام ٧ : ٤٠١ .

٥) الكافي ٥ : ٣٢٧ .

٦) اُنظر : الوسيلة إلىٰ نيل الفضيلة : ٢٩٠ . والسرائر ٢ : ٥٥٩ . وجامع المقاصد ١٢ : ١١ .

 

١٨

 

تتحلىٰ بصفات ذاتية من كونها ودوداً ولوداً ، طيبة الرائحة ، وطيبة الكلام ، موافقة ، عاملة بالمعروف إنفاذاً وإمساكاً (١) .

وفضّل تقديم الولود علىٰ سائر الصفات الجمالية ، قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « تزوجوا بكراً ولوداً ، ولا تزوجوا حسناء جميلة عاقراً ، فاني أُباهي بكم الاُمم يوم القيامة » (٢) .

ولم يلغِ ملاحظة بعض صفات الجمال لاشباع حاجة الرجل في حبه للجمال ، قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « إذا أراد أحدكم أن يتزوج ، فليسأل عن شعرها كما يسأل عن وجهها ، فان الشعر أحد الجمالين » (٣) .

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « تزوجوا الأبكار ، فانهنَّ أطيب شيء أفواهاً » (٤) .

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « أفضل نساء أمتي أصبحهنَّ وجهاً ، وأقلهنَّ مهراً » (٥) .

ويستحب أن تكون النية في الاختيار منصبّة علىٰ ذات الدين ، فيكون اختيارها لدينها مقدّماً علىٰ اختيارها لمالها أو جمالها ، لأنَّ الدين هو العون الحقيقي للانسان في حياته المادية والروحية ، قال الامام جعفر الصادق عليه‌السلام : « إذا تزوج الرجل المرأة لمالها أو جمالها لم يرزق ذلك ، فإنّ

_______________

١) الوسيلة إلىٰ نيل الفضيلة : ٢٩٠ . ونحوه في : جواهر الكلام ٢٩ : ٣٦ وما بعدها .

٢) الكافي ٥ : ٣٣٣ .

٣) من لايحضره الفقيه ٣ : ٣٨٨ .

٤) الكافي ٥ : ٣٣٤ .

٥) تهذيب الاحكام ٧ : ٤٠٤ .

 

١٩

 

تزوجها لدينها رزقه الله عزَّ وجلَّ جمالها ومالها » (١) .

ويكره اختيار المرأة الحسناء المترعرعة في محيط أُسري سيء ، والسيئة الخلق ، والعقيم ، وغير السديدة الرأي ، وغير العفيفة ، وغير العاقلة ، والمجنونة (٢) ، لأنّها تجعل الرجل في عناء مستمر تسلبه الهناء والراحة ، وتخلق الأجواء الممهّدة لانحراف الاطفال عن طريق انتقال الصفات السيئة إليهم ، ولقصورها عن التربية الصالحة .

عن الإمام جعفر الصادق عليه‌السلام قال : « قام النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خطيباً ، فقال : أيُّها الناس إياكم وخضراء الدمن . قيل : يا رسول الله ، وما خضراء الدمن ؟ قال : المرأة الحسناء في منبت السوء » (٣) .

وحذّر الإسلام من تزوج المرأة المشهورة بالزنا ، قال الإمام الصادق عليه‌السلام : « لا تتزوجوا المرأة المستعلنة بالزنا » (٤) ، وذلك لأنّها تخلق في أبنائها الاستعداد لهذا العمل الطالح ، إضافة إلىٰ فقدان الثقة في العلاقات بينها وبين زوجها المتدين ، إضافة إلىٰ إنعكاسات انظار المجتمع السلبية اتجاه مثل هذه الاُسرة .

وكما نصح بتجنّب الزواج من الحمقاء لامكانية انتقال هذه الصفة إلىٰ الاطفال ، ولعدم قدرتها علىٰ التربية ، وعلىٰ الانسجام مع الزوج وبناء الاُسرة الهادئة والسعيدة ، قال الامام علي عليه‌السلام : « إيّاكم وتزويج الحمقاء ،

_______________

١) من لا يحضره الفقيه ٣ : ٣٩٣ .

٢) الوسيلة إلىٰ نيل الفضيلة : ٢٩٠ .

٣) تهذيب الأحكام ٧ : ٤٠٣ . وجواهر الكلام ٢٩ : ٣٧ .

٤) مكارم الأخلاق ، الطبرسي : ٣٠٥ ، منشورات الشريف الرضي ، قم ١٤١٠ هـ .

 

٢٠

فإنّ صحبتها بلاء ، وولدها ضياع » (١) .

وكذا الحال في الزواج من المجنونة ، فحينما سُئل الإمام الباقر عليه‌السلام عن ذلك أجاب : « لا ، ولكن إن كانت عنده أمة مجنونة فلا بأس أن يطأها ، ولا يطلب ولدها » (٢) .

شاهد أيضاً

كامل الزيارات

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله أهل الحمد ووليه، والدال عليه والمجازي به، والمثيب عنه، ...