الرئيسية / المرأة في الإسلام / آداب الأسرة في الإسلام

آداب الأسرة في الإسلام

الفصل الخامس الاُسرة والمجتمع

الاُسرة هي اللبنة الاُولىٰ لتكوين المجتمع ، وهي الخلية التي تقوم بتنشئة العنصر الإنساني وتشكيل دعائم البناء الاجتماعي ، وهي نقطة البدء المؤثرة في جميع مرافق المجتمع ، وفي جميع مراحل حياته إيجاباً وسلباً ، ولهذا أبدىٰ الإسلام عناية خاصة بالاُسرة ، فوضع القواعد الأساسية في تنظيمها وضبط شؤونها من حيث علاقات أفرادها في داخلها ، وعلاقاتهم مع المجتمع الكبير الذي يعيشون فيه .

وقد عني الفصل السابق بموضوع العلاقات بين أفراد الاُسرة الواحدة ، فيما يختص هذا الفصل ببحث علاقات الاُسرة بالمجتمع الذي تبحث فيه .

وقد تطرقنا إلىٰ هذه المواضيع لابتلاء غالب الاُسر باحكامٍ من هذا القبيل ، ولأنّ الاُسرة وحدة اجتماعية لا تنفصل عن المجتمع بشكل أو بآخر .

١٠١

وعلىٰ هذا الصعيد تتصدر في المنهاج الإسلامي ثلاثة عناوين بارزة ، وهي : صلة الأرحام ، وحقوق الجيران ، وحقوق المجتمع .

أولاً : صلة الأرحام

من السنن الالهية المودعة في فطرة الإنسان هي الارتباط الروحي والعاطفي بأرحامه وأقاربه ، وهي سُنّة ثابتة يكاد يتساوىٰ فيها أبناء البشر ، فالحب المودع في القلب هو العلقة الروحية المهيمنة علىٰ علاقات الإنسان بأقاربه ، وهو قد يتفاوت تبعا للقرب والبعد النسبي إلّا أنّه لا يتخلّف بالكلية .

ولقد راعىٰ الإسلام هذه الرابطة ، ودعا إلىٰ تعميقها في الواقع ، وتحويلها إلىٰ مَعلَم منظور ، وظاهرة واقعية تترجم فيه الرابطة الروحية إلىٰ حركة سلوكية وعمل ميداني .

فانظر كيف قرن تعالىٰ بين التقوىٰ وصلة الأرحام ، فقال : ( … وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ) (١) .

وذكر صلة القربىٰ في سياق أوامره بالعدل والاحسان ، فقال : ( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ) (٢) .

وبالاضافة إلىٰ الصلة الروحية دعا إلىٰ الصلة المادية ، وجعلها مصداقاً للبرّ، فقال تعالىٰ : ( … وَلَٰكِنَّ الْبِرَّ مَنْ … آتَى الْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَىٰ

_______________

١) سورة النساء : ٤ / ١ .

٢) سورة النحل : ١٦ / ٩٠ .

١٠٢

وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ) (١) .

وجعل قطيعة الرحم سبباً للعنة الالهية فقال : ( فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَٰئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَىٰ أَبْصَارَهُمْ ) (٢) .

صلة الأرحام في الأحاديث الشريفة :

لقد دعا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأهل البيت عليهم‌السلام إلىٰ صلة الأرحام في جميع الأحوال ، وأن تقابل القطيعة بالصلة حفاظاً علىٰ الأواصر والعلاقات ، وترسيخاً لمبادىء الحب والتعاون والوئام .

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « إنّ الرحم معلقة بالعرش ، وليس الواصل بالمكافىء ، ولكن الواصل من الذي إذا انقطعت رحمه وصلها » (٣) .

وقال أبو ذر الغفاري رضي‌الله‌عنه : (أوصاني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن أصل رحمي وإن أدبَرَت) (٤) .

وقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : « صلوا أرحامكم وإن قطعوكم » (٥) .

_______________

١) سورة البقرة : ٢ / ١٧٧ .

٢) سورة محمد : ٤٧ / ٢٢ ـ ٢٣ .

٣) جامع الأخبار / السبزواري : ٢٨٧ ـ مؤسسة آل البيت عليهم‌السلام ـ قم ـ ١٤١٤ هـ ط ١ .

٤) الخصال / الصدوق ٢ : ٣٤٥ / ١٢ ـ جماعة المدرسين ـ قم ـ ١٤٠٣ هـ .

٥) بحار الانوار ٧٤ : ٩٢ .

١٠٣

ومما جاء في فضل صلة الأرحام في الحديث الشريف أنها خير أخلاق أهل الدنيا والآخرة ، وأنها أعجل الخير ثواباً ، وأنها أحبّ الخطىٰ التي تقرب العبد إلىٰ الله زلفىٰ ، وتزيد في ايمانه .

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « ألا أدلكم علىٰ خير أخلاق أهل الدنيا والآخرة ؟ من عفا عمن ظلمه ، ووصل من قطعه ، وأعطىٰ من حرمه » (١) .

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « أعجل الخير ثواباً صلة الرحم ، وأسرع الشر عقاباً البغي » (٢) .

وقال الإمام علي بن الحسين عليه‌السلام : « ما من خطوة أحبّ إلىٰ الله عزَّ وجلَّ من خطوتين : خطوة يسدّ بها المؤمن صفّاً في سبيل الله ، وخطوة إلىٰ ذي رحم قاطع » (٣) .

وقال الإمام موسىٰ الكاظم عليه‌السلام : « صلة الارحام وحسن الخلق زيادة في الايمان » (٤) .

ولقد رتّب الإمام علي بن الحسين عليه‌السلام حقوق الأرحام تبعاً لدرجات القرب النسبي ، فيجب صلة الأقرب فالأقرب ، فقال : « وحقوق رحمك كثيرة متصلة بقدر اتصال الرحم في القرابة ، فأوجبها عليك حقّ أُمك ، ثم حقّ أبيك ، ثم حقّ ولدك ، ثم حقّ أخيك ، ثم الأقرب فالأقرب ، والأول

_______________

١) جامع الأخبار : ٢٨٧ .

٢) جامع الاخبار : ٢٩٠ .

٣) الخصال ١ : ٥٠ / ٦٠ .

٤) جامع الاخبار : ٢٩٠ .

١٠٤

فالأول » (١) .

وتتجلىٰ مظاهر الصلة بالاحترام والتقدير والزيارات المستمرة وتفقد أوضاعهم الروحية والمادية ، وتوفير مستلزمات العيش الكريم لهم ، وكفّ الأذىٰ عنهم .

ولقد دعا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام إلىٰ تفقّد أحوال الأرحام المادية وإشباعها ، فقال : « ألا لا يعدلنَّ أحدكم عن القرابة يرىٰ بها الخصاصة أن يسدّها بالذي لا يزيده إن أمسكه ، ولا ينقصه إن أهلكه ، ومن يقبض يده عن عشيرته ، فإنّما تقبض منه عنهم يد واحدة ، وتقبض منهم عنه أيدٍ كثيرة ، ومن تلن حاشيته يستدم من قومه المودة » (٢) .

وأدنىٰ الصلة هي الصلة بالسلام ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « صلوا أرحامكم ولو بالسلام» (٣) .

وأدنىٰ الصلة المادية هي الاسقاء ، قال الإمام جعفر الصادق عليه‌السلام : « صل رحمك ولو بشربة ماء… » (٤) .

ومن مصاديق صلة الأرحام كفّ الأذىٰ عنهم ، قال الإمام جعفر الصادق عليه‌السلام : « عظّموا كباركم ، وصلوا أرحامكم ، وليس تصلونهم بشيء أفضل من كفّ الأذىٰ عنهم » (٥) .

_______________

١) تحف العقول : ١٨٣ .

٢) نهج البلاغة : ٦٥ ، الخطبة : ٢٣ ، تحقيق صبحي الصالح .

٣) تحف العقول : ٤٠ .

٤) بحار الأنوار ٧٤ : ٨٨ .

٥) الكافي ٢ : ١٦٥ .

شاهد أيضاً

كامل الزيارات

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله أهل الحمد ووليه، والدال عليه والمجازي به، والمثيب عنه، ...