عدم خروج الزوجة من البيت إلاّ بإذن الزوج
هناك حكم شرعي يقول : المرأة الزوجة لا يجوز لها الخروج من بيتها إلاّ بإذن الزوج في غير ما يجب فيه الخروج عقلاً وشرعاً ، وهذا المنع ليس متفرّعاً على وجوب التمكين ، وإنّما هو تكليف مستقلّ ، فلا يجوز لها الخروج من البيت إلاّ بإذن الزوج وإن لم يستلزم من ذلك تفويت حقّ الزوج في الاستمتاع ، وقد دلّ على هذا الدليل الشرعي من النصوص الصحيحة.
وهنا نبحث هذا الحكم ، وهل يعتبر مخالفاً لكون الزوجية سكناً ومعاشرة بالمعروف؟
وهل يكون هذا الحكم تقييداً للزوجة الإنسانة وحدّاً من حريتها؟
وهل يكون هذا الحكم مخالفاً لسلطنة المرأة الزوجة على نفسها وأفعالها؟
والجواب : أوّلاً : يجب علينا أن نفهم أنّ هذا الحكم لا يشمل الخروج الواجب من البيت ، كما إذا كان الخروج لمراجعة الطبيب أو للمداواة أو لأداء واجب كأداء فريضة الحج ، كما أنّه لا يشمل الخروج الضروري الذي يحكم به العقل ، فالخروج الواجب الشرعي والعقلي لا يتوقّف على إذن الزوج بحال من الأحوال.
ثانياً : لابدّ من معرفة حدود هذا الحكم ، فهل يشمل هذا الحكم صورة تحكّم الزوج في منعه الزوجة من الخروج من البيت؟
قال البعض : لا يجوز تحكّم الزوج في منع زوجته من الخروج من البيت ; لأنّ ولايته عليها في هذا الشأن وتسلّطه (إن جعلناه تسلّطاً) إنّما هو لتكميل نقص
الزوجة المولّى عليها ، فيكون المنع دائماً في صالحها. أمّا في صورة التحكّم فليس المنع في صالحها ، فتسقط ولاية الزوج عليها في منعها من الخروج من البيت.
ولكن هذا التصوّر باطل ; لأنّنا لانعترف بنقص المرأة ، بل هي كاملة في إنسانيتها وخلقتها وعقلها وفي أداء وظيفتها ، ولو كانت ولاية الزوج عليها في المنع من خروجها من البيت لنقص فيها للزم جعل هذا الحقّ قبل زواجها للأب أو للأخ ، وبما أنّه لا توجد ولاية على المرأة البالغة الرشيدة قبل زواجها للأب ، بل الولاية جعلت للزوج فقط ، فيفهم أنّ الولاية للزوج في منع زوجته من الخروج من البيت ليس لتكميل نقص المرأة المدعّى.
والجواب الصحيح أن نقول :
١ ـ إنّ هذا الحكم محدود بحدود تبجيل واحترام وتعظيم الزوج ، فهو حكم خاص بالزوج ، ويكشف عن هذا الأمر الكلمات الموجودة في بعض الروايات ، كعنوان الطاعة وعنوان عدم العصيان ، فيكون الحكم بعدم خروجها من بيت الزوج إلاّ بإذنه هو تعبير ثان عن إطاعة الزوجة للزوج ، وهذه الإطاعة واجبة في عدم خروجها إلاّ بإذن الزوج ، فلو خرجت بدون إذنه عدّ ذلك مخالفاً لاحترام الزوج ، ولذا جاز لها الخروج لأداء واجب أو للضرورة حيث يكون الخروج في هاتين الصورتين منسجماً مع احترام الزوج.
وعلى هذا سيكون الرضى الباطني لخروج الزوجة من البيت كافياً لخروجها ، بمعنى أنّ الزوجة لو كانت تعلم بأنّها لو سألت الزوج في خروجها من البيت لوافق على ذلك فيجوز لها أن تخرج حينئذ ; لأنّ الاحترام للزوج المنسِّق للحياة الزوجية موجود بينهما.
وأيضاً لو سافر الزوج سفرة طويلة ، وعند سفره لم ينهها عن الخروج من البيت لزيارة صديقاتها ، ثمّ أصبح منقطعاً عن أجواء زوجته وبيته ، بحيث لو سُئل عن
إجازته لتصرّف زوجته بالخروج لزيارة صديقة معينة ، فلايتمكّن أن يجيب بنعم أو لا ، ففي مثل هذه الصورة لانقول بأنّ خروج الزوجة من البيت لهذا الأمر متوقّف على إجازة الزوج ; لأنّ الزوج محترم ، سواء خرجت لهذا الأمر أو لم تخرج.
وكذا لو نشز الزوج (كما إذا ترك الحقوق الواجبة للزوجة) فهنا لانقول بأنّ خروجها من البيت منوط بإذن الزوج ; لسقوط احترامه بنشوزه.
وكذا لو كان منع الزوج لزوجته من الخروج من البيت تحكّماً صارخاً وعناداً محضاً ، فهنا أيضاً لانقول بأنّ الخروج منوط بإذن الزوج.
ثمّ إنّه إذا تحدّد خروج الزوجة من بيت زوجها في حدود احترام الزوج احتراماً واجباً ، فحينئذ لانفرّق بين أن يكون تصرّفها منوطاً بإذن الزوج لها أو بمنع الزوج لها ، فإنّ عدم الإذن أو المنع المعيّن إذا كان يجعل خروجها من البيت هتكاً للزوج ومخالفاً لاحترامه فهما على حدٍّ سواء.
وكذا يتحدّد هذا الحكم في حدود احترام الزوج لنفسه ، فان كان ظالماً في منعه أو عدم اذنه للخروج أو متحكماً أو مخالفاً للشرع ، فلايكون الخروج متوقّفاً على إذنه أو عدم نهيه ومنعه ; لأنّ من يظلم الآخرين ويتعدّى عليهم فلايحترم أيضاً.
ولهذا ورد في روايات صحيحة أنّه : «لا يمين للزوجة مع زوجها» (١) ، وهذا أيضاً محدّد بحدود احترام الزوج ، وأن لا يكون يمين الزوجة في مورد هتكاً للزوج ومخالفاً لاحترامه ، ونحن نتمكّن أن نقول إذا لم ياذن الزوج في يمين ، أو اذا نهى عن يمين معينة ، فإن اليمين لا ينعقد للزوجة في هذه الصورة حيث يكون يمين الزوجة هتكاً للزوج فلا يجوز.
ولذا نتعدّى من اليمين إلى النذر والعهد فنقول : إنّ النذر والعهد من الزوجة بدون إذن الزوج أو مع نهيه لا يكون صحيحاً ; لأنّه يكون خلاف احترام الزوج الذي دلّت
__________________
(١) وسائل الشيعة ١٦ : باب ١٠ من كتاب الايمان ، حديث ٢.
الروايات على وجوب احترامه هنا.
٢ ـ توجد نكتة اُخرى ـ غير احترام الزوج ـ وهي أنّ الإسلام رأى أنّ قيادة البيت إلى شاطئ السلامة وعدم الانحراف بيد الزوج ، والزوج قد يشكّ في مدى قدرة زوجته على حفظ نفسها من غير المحارم ، أو يشكّ في مدى قدرتها على عدم التميّع عند خروجها من البيت ، أو قد يرى الزوج أنّ هذا الخروج يستوجب دخول بعض الأشخاص في العلاقات الشخصية لحياتهم الزوجية ، وهذا كلّه يوجب عدم إسعاد الحياة المشتركة بين الزوجين ، ففي هذه الحالات يجوز له أن يمنع الزوجة من الخروج من البيت أو من دخول بعض البيوت المعيّنة التي يراها تؤثّر سلباً في إسعاد حياتهم الزوجية.
وكذا إذا خاف الزوج على زوجته من خطر يهدد حياتها ، أو من خطر تسيّب الأطفال الذي يجب على الأب تربيتهم تربية صالحة ، فكلّ هذه الاُمور يُعقل فيها منع الزوج زوجته من الخروج خارج البيت مثلاً.
ولكن حتى مع هذه النكتة الإضافية لاحترام الزوج في ولايته المنطقيّة نقول : يخرج الزوج عن ولايته على زوجته في منعها الخروج من البيت إذا علمنا أنّه يتحكّم في أعمال الولاية ; لأنّ هذا الحكم كان بملاك احترام الزوج وقيادته لبيت الزوجية إلى شاطئ السلامة والأمن ، فالتحكّم ينافي الاحترام كما ينافي قيادة البيت إلى شاطئ السلامة والأمن والسعادة الزوجية ، حيث تواجه المرأة هذا التصرّف بتصرّف معاكس ما يؤدي إلى السلبيات الكثيرة في بيت الزوجية.
ملاحظة :
عندما نقول : إنّ الإسلام أراد للمرأة أن تحترم زوجها في طاعتها له وفي عدم خروجها من بيته إلاّ باذنه ، فليس معنى ذلك أنّ الرجل لا يكترث باحترام الزوجة والمرأة ، بل وردت الروايات الحاثّة للزوج على تكريم الزوجة واحترامها ، وهذه
بعض الإشارات إلى ذلك :
١ ـ الإنفاق والإحسان إلى النساء : فقد قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : «من كان له ثلاث بنات ، فأنفق عليهن وأحسن إليهن حتى يغنيهن الله عنه ، أوجب الله تعالى له الجنة البتة ، إلاّ أن يعمل عملاً لا يغفر الله له» (١).
والإنفاق والإحسان نوع احترام للمرأة.
٢ ـ احترام المرأة مقياس للتفاضل : فقد ورد عن الرسول صلىاللهعليهوآله أنّه قال : «خياركم خيركم لنسائه وأنا خيركم لنسائي» (٢).
وهذا من فروع التقوى الذي فيه تفاضل ، وهو نوع احترام للمرأة.
٣ ـ إدخال الفرح على المرأة : فقد قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : «ما من رجل يدخل فرحة على امرأة وبينه وبينها حرمة إلاّ فرّحه الله يوم القيامة» (٣).
وإدخال الفرح نوع احترام وتقدير.
٤ ـ سعة الصدر في المواقف المتشنّجة : فقد روي عن رسول الله صلىاللهعليهوآله أنّه قال : «من صبر على سوء خلق امرأته أعطاه الله من الأجر مثل ما أعطى أيوب على بلائه» (٤).
وهذا أيضاً نوع احترام وتقدير لها عند سوء خلقها وعدم مقابلتها بالمثل.
٥ ـ تحريم أساليب القوّة المحرّمة : فقد قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : «من ضرب امرأة بغير حقّ فأنا خصمه يوم القيامة ، لا تضربوا نساءكم ، فمن ضربهن بغير حقّ فقد عصى الله ورسوله» (٥).
__________________
(١) سنن أبي داود ٢ : ٦٣٠.
(٢) مجمع الزوائد ٤ : ٣٠٣.
(٣) المحجة البيضاء ٣ : ١١٩.
(٤) مكارم الأخلاق : ٢٤٥.
(٥) تحف العقول : ١٧٥.
٦ ـ حفظ سرّ المرأة : فقد قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : «إنّ أعظم الأمانة عند الله يوم القيامة : الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه ثمّ يفشي سرّها» (١).
٧ ـ الوصايا بالنساء : فقد قال رسول الله صلىاللهعليهوآله في آخر وصية له : «الله الله في النساء ، فإنهن عوان عندكم وفي أيديكم ، أخذتموهن بعهد الله» (٢).
وهذا التوصية بها هو نوع احترام لها كما هو واضح.
وقال صلىاللهعليهوآله : «ما أكرم النساء إلاّ كريم ، ولا أهانهن إلاّ لئيم» (٣).
وقال صلىاللهعليهوآله : «أوصاني جبرائيل بالمرأة حتى ظننت أنّه لا ينبغي طلاقها إلاّ من فاحشة مبيّنة» (٤).
إذاً اتضح ما تقدّم ، فسيكون المفهوم هو أنّ احترام الزوج أقوى وأهم من احترام الزوجة ، كالاحترام بين الابن والأب ، فكلّ منهما محترم إلاّ أنّ احترام الأب أكثر وأقوى من احترام الابن ، كما أنّ العطف على الابن والصغير والمرأة يكون أقوى من العطف على الأب الكبير والرجل.
ولهذا الاحترام للزوج الذي أقوى وأهم من الاحترام للزوجة نرى أنّ الشارع المقدّس قد جعل استحباب إطاعة الزوجة لزوجها في اُمور منها :
١ ـ إطاعة الزوجة زوجها في التصرّف بمالها في الصدقة والعتق والهبة والتدبير والنذر ، فليس لها التصرّف بهذه الاُمور لغير الآخرين إلاّ برضى الزوج.
٢ ـ ليس لها أن تصوم تطوّعاً إلاّ باذن الزوج. (٥)
__________________
(١) صحيح مسلم ٤ : ١٧٥.
(٢) السيرة النبوية ، لابن هشام ٢ : ٦٠٤.
(٣) مختصر تاريخ دمشق ٧ : ٥٠.
(٤) وسائل الشيعة ١٤ : ١٢١ ، حديث ٤.
(٥) ذكر البعض أنّ الأحوط عدم صوم الزوجة بدون إذن الزوج وإن كان الأقوى الجواز إذا لم يمنع من حقّه ، ولا يترك الاحتياط بتركها الصوم إذا نهاها زوجها عنه. راجع منهاج الصالحين / للسيد الخوئي / ج ١ / ص ٢٨٨ كتاب الصوم.
وبما أنّ الزوج ليس له ولاية على أموال الزوجة وتصرفاتها فيها ، وليس له ولاية على أفعالها العبادية كالصوم والصلاة إذا لم تنافِ حقّ الاستمتاع ، فهي ليست خادمة أو مملوكة للزوج ، فحينئذ ستكون أفعالها هذه إمّا مستحبة أو جائزة أو مكروهة أو محرّمة أو واجبة.
أمّا المحرمة فلايجوز أن تفعلها ، منع منها الزوج أو أجازها.
وكذا التصرّفات الواجبة ، كما لو كانت قد حلفت بإذن الزوج أن تنفق على طفل معيّن ، وأجاز لها الزوج ، فيجب عليها الانفاق عليه ، سواء وافق على ذلك أو امتنع منه.
وحينئذ تبقى أنّ هذه الأفعال إمّا جائزة أو مستحبة أو مكروهة ، وستكون القاعدة الأولية هو جواز فعلها للزوجة ، إلاّ أنّ احترام الزوج ـ الذي إن لم يكن واجباً فهو مستحب ـ يجعل الميزان يتحرّك إلى احترام الزوج عند تعارض احترام الزوج وإجازته ، مع أفعال المرأة المستحبة والجائزة والمكروهة من باب أنّ المستحب يتقدّم على الجائز والمكروه ، وأنّ استحباب إطاعة الزوج تكون أقوى من استحباب هذه الأفعال للمرأة.