هل يشترط الذكورة في القاضي؟
نعم ، لقد اشترط الفقهاء في القاضي الذكورة ، وذلك لعدة أدلة ، أهمها هو موثقة أبي خديجة التي يرويها الصدوق محمّد بن علي بن الحسين بإسناده عن أحمد بن عائذ ، عن أبي خديجة (سالم بن مكرّم الجمّال) (وأبو خديجة سالم بن مكرّم ثقة بشهادة النجاشي قدسسره) عن الإمام الصادق عليهالسلام أنّه قال : «إياكم أن يحاكم بعضكم بعضاً إلى أهل الجور ، ولكن انظروا إلى رجل منكم يعلم شيئاً من قضايانا فأجعلوه بينكم ، فإنّي قد جعلته قاضياً فتحاكموا اليه» (١).
وقد ذكر السيد الخوئي قدسسره : إنّ هذا الحديث راجع إلى قاضي التحكيم (لا القاضي المنصوب) لأنّ قوله عليهالسلام «قد جعلته قاضياً» متفرّع على «فاجعلوه بينكم» وهو القاضي المجعول (٢).
ولكن الصحيح أنّه وارد في القاضي المنصوب ; لأنّ «فاجعلوه بينكم» هو أمر بالجعل للرجل أن يكون حكماً بينهم وإلزام بذلك ، وقد علّل هذا الإلزام بأنّه قد جعله قاضياً ، وهذا يعني ثبوت النصب في المرتبة السابقة على جعل الرجل بينهم قاضياً ، وأنّ جعل الرجل بينهم واجب على أساس النصب السابق.
__________________
(١) وسائل الشيعة ١٨ : باب ١ من صفات القاضي حديث ٥.
(٢) راجع مباني تكملة المنهاج ١ : ٨.
وعلى كلّ حال ، فإنّ حمل هذا الحديث على قاضي التحكيم ، ثبتت الرجولة في القاضي المنصوب بطريق أولى ، وإن حمل على القاضي المنصوب «كما هو الظاهر منه» ثبت في القاضي المنصوب اعتبار الذكورة.
ويؤيّد هذا الحكم برواية الإمام الباقر عليهالسلام عن آبائه عليهمالسلام في وصية النبي صلىاللهعليهوآله لعلي عليهالسلام قال : «يا علي ليس على المرأة جمعة ـ إلى أن قال ـ ولا تولّى القضاء» (١) ; لضعف الرواية ، مع إمكان حملها على عدم الوجوب ، لا شرط الذكورية في القاضي بحيث يكون جعلها قاضياً باطلاً.
وهناك دليل آخر يستفاد من مسيرة المسلمين من أول رسالة الرسول مروراً بالأئمة سلام الله عليهم والصحابة والتابعين ، حيث كانت هناك نساء في أعلى مراتب الكمال والفضل ولم تجعل واحدة منهن قاضية لإنهاء التخاصم والتنازع ، وهذا العمل من المسلمين يكشف عن رأي الشريعة.
وبعبارة أُخرى : إنّ الجوّ التشريعي في ذلك الزمان الذي لم يجعل للمرأة صلاحية إمامة الرجال في الصلاة يمنع من انعقاد الإطلاق في أدلة القضاء الشامل للنساء لوكان هناك إطلاق وقلنا : إنّ كلمة «الرجل» في معتبرة سالم بن مكرّم هى من باب الغلبة لا التعبّد ، وإذا منع الإطلاق في ذلك الجوّ التشريعي فحينئذ لا يكون عندنا إطلاق يدلّ على صحة قضاء المرأة.
وعلى كلّ حال ، فاحتمال وجود ارتكاز متشرعي على أنّ القاضي يجب أن يكون رجلاً ، يمنع من التمسك بإطلاق أدلّة القضاء للرجل وللمرأة ; لأنّ احتمال ما يصلح للقرينة يبطل الإطلاق كما حقّق ذلك في الاُصول. وحينئذ لا يوجد عندنا دليل على جواز تولّي المرأة القضاء.
__________________
(١) وسائل الشيعة ١٨ : باب ٢ من صفات القاضي حديث ١.
هل حرمان المرأة من منصب القضاء يعدّ توهيناً وظلماً لها؟
الجواب :
١ ـ أنّ الإسلام بعد أن اعترف بمساواة المرأة للرجل في الإنسانية والكرامة والحقوق والواجبات الفطرية ، آمن أنّ المرأة تضعف عن مقاومة الضغوط والمشاكلّ ، وأنّ عاطفتها غالبة على الجانب العقلي فيها ، فأعفاها عن القضاء والجهاد لما فيهما من مشاكلّ كثيرة لا تتحملهما المرأة. وهذا الإعفاء عن المخاطر لا يعدّ توهيناً ولا ظلماً ، بل احتراماً وتوقيراً.
٢ ـ أنّ من يتربّى بتربية الإسلام لا ينظر إلى الجهاد والقضاء على أنّه مغنم من المغانم ، بل ينظر إليهما كمسؤولية عظمى ، كثيراً ما تزل فيها الأقدام ، وقد يخرج منهما الداخل مهزوزاً منكسراً ، فاُعفيت المرأة من هذه المسؤوليات والأعباء ، غاية الأمر الإعفاء في الجهاد رخصة وفي القضاء عزيمة.
هل للمرأة أن تكون مرجعاً للأُمّة؟
إن تسلّم منصب المرجعية وقيادة الاُمة (الخلافة العامة) هل يمكن أن تكون للمرأة؟
الجواب :
١ ـ أنّ هناك أدلّة ذكرت لفظ «الرجل» في من يحكم بين المتنازعين ، مثل معتبرة سالم بن مكرم الجمال (١). ومن المعلوم أنّ منصب الإفتاء والمرجعية العامة هو أرقى وأعلى من منصب القضاء ، وأنّ القضاء حكم شخصي بين اثنين أو بين جماعة رفعاً للتخاصم ، والفتوى من المرجع هي حكم كلّي يبتلي به عامة المسلمين ، بالإضافة إلى قيادة الاُمّة التي يقوم بها المرجع ، فإذا ثبتت الرجولة في باب القضاء كانت الرجولة معتبرة في باب المرجعيّة بطريق أولى.
٢ ـ لو كانت كلمة «رجل» في معتبرة سالم بن مكرّم الجمّال قد أخذت من باب الغلبة في الرواية ، لا من جهة التعبّد وحصر القضاء في الرجال ، فنقول : إنّ الجوّ التشريعي الذي صدرت فيه الروايات المطلقة التي تقول : أما لكم من مفزع تستريحون إليه (أي أمالكم من عالم في الشريعة ترجعون إليه في أخذ أحكامكم منه) لا يمكن المصير إليها وإلى إطلاقاتها ; لأنّ احتمال أن يكون ارتكاز متشرعي يقول : إنّ المراد ممّن يرجع إليه في الفتوى هو الرجل فقط كان موجوداً في ذلك
__________________
(١) وسائل الشيعة ١٨ : باب ١ من صفات القاضي حديث ٥.
الجو الذي منع أن تكون المرأة امامه لجماعة الرجال ، وهذا الارتكاز المتشرّعي يمنع من التمسك بالإطلاقات ، أي أنّ الإطلاق في ذلك الجو التشريعي والارتكاز المتشرعي عند المتشرعة لا ينعقد ، وحينئذ نبقى فاقدين للدليل على جواز أن تتصدّى المرأة لمنصب الخلافة العامة وإن كانت مجتهدة تعمل برأيها.
وبعبارة أُخرى : إنّ احتمال وجود ارتكاز متشرعي لاشتراط الرجولة في المقلَّد في زمن الأئمة سلام الله عليهم يخرّب ظهور الإطلاقات في رجوع الجاهل إلى العالم ، فيسقط الإطلاق ، ويبقى احتمال إرادة إمكان أن تكون المرأة مرجعه في التقليد ، لكن لا دليل عليه.
٣ ـ إذا نظرنا واستقرأنا حالة لحالة الديانات السماوية قبل الإسلام وفي زمن الإسلام وبعد زمن النبي صلىاللهعليهوآله نرى أنّ الأنبياء كلّهم من الرجال والأوصياء كلّهم من الرجال ، ولا يوجد حالة واحدة تصدّت فيها المرأة لذلك المنصب العظيم.
وبما أنّ منصب الخلافة العامة والمرجعية العليا هو وكالة عن منصب الأوصياء ، ويكون المرجع مبيّناً لأحكام الشريعة ، كما كان يبينها النبي صلىاللهعليهوآله أو الوصي مع فارق واضح في إصابة النبي والوصي لأحكام الشريعة ومطابقتها للواقع ، فيكون قولهم وعملهم وإقرارهم حجة.
بخلاف المرجع الذي قد يصيب الواقع وقد يخطؤه ، إلاّ أنّه مع ذلك هو وكيل عن الوصي في رئاسة هذه الاُمة ، فيكون هذا المنصب كمنصب الأنبياء والأوصياء مختصاً بالرجال ، لوجود السيرة المتشرعية على ذلك ، التي تكشف عن وجودها عند أصحاب الشرائع الكاشف عن إقرار الشرائع لها ، ولهذا يثبت الدليل على اعتبار الذكورة ويكسر الإطلاق اللفظي أو الناشيء من السيرة العقلائية على رجوع الجاهل إلى العالم (الشامل للعالم الذكر والاُنثى).
ديّة المرأة نصف ديّة الرجل
إنّ ما ثبت في الشريعة الإسلامية من كون ديّة المرأة نصف ديّة الرجل ، هل يدلّ على أنّ المرأة في الإسلام لم تكن في حقّ الحياة وفي حقّ السلامة بمستوى الرجل؟
والجواب : هو أنّ الحكم بنقصان ديّة المرأة عن ديّة الرجل لا يدلّ على أن حقّ الحياة والسلامة للمرأة دون حقّ الرجل ; وذلك لأنّ الإسلام أعطى حقّ المرأة القصاص كاملاً من الرجل ولكن مع دفع نصف الديّة ، فالإسلام لم يحرم المرأة من القصاص والتنزل إلى نصف الديّة ، وهذا يدلّ على أنّ النكتة في باب الديّة ليست هي حقّ الحياة والسلامة ، بل النكتة في الديّة تكمن في الجانب الاقتصادي والفوارق الفسيولوجية والسيكولوجية بين الرجل والمرأة ، حيث يقوم نوع الرجل بأكثر ممّا تقوم نوع المرأة به ، والأحكام تنظر إلى الغالب حتماً وإن وجدت امرأة ما تقوم بعمل أكثر من الرجل.
حقّ الطلاق للرجل
إنّ الإسلام أعطى سلطة الطلاق والولاية عليه بيد الزوج ، فهل هذا يدلّ على أنّ الزوج أكمل من المرأة؟
الجواب : إنّ إعطاء سلطة الطلاق بيد الزوج لا يدلّ على أنّه أكمل من الناحية الإنسانية ، بل من أجل أنّ الطلاق إجراء خطير جداً يؤدي إلى حلّ كيان الأُسرة من العلاقة الزوجية ، وهو إجراء مكروه اشدّ الكراهة في الشريعة في غير حالات الضرورة الانفصالية بين الزوجين.
فالاُسرة مؤسسة يكون الزوج مسؤول فيها وعنها ، وهي لا تخلو من خلافات في المسلك الاختياري ، وخلافات خارجة عن إرادتهما كالعقم أو المرض أو العجز الجنسي مثلاً.
فجعل الطلاق بيد الزوج هو أسلم من جعله بيد الزوجة فقط أو بيد كلّ منهما. وتوضيح ذلك :
١ ـ إذا جعلنا الطلاق بيد الزوجة فقط على نحو الاستقلال ، فهو إجراء فاسد ; لأنّ المرأة لها تكوين نفسي عاطفي ، وهو حالة صحيّة وجيّدة وفضيلة لها إذا كان مجالها الأُسرة الأبوية أو الزوجية حيث تكون هذه العاطفة سبباً للتلاحم والاستقرار.
أمّا التكوين النفسي والعاطفي إذا كان في مجال سلطة الطلاق ، فإنّه سوف يؤدي إلى تفكيك الأُسرة الزوجية وحلّها ، فتكون العاطفة هنا عاملاً سلبياً ضارّاً يهدد الأُسرة بالتفكيك والانحلال ; لأنّ سرعة التأثر العاطفي عند المرأة تدفع المرأة إلى
الاستجابة باستخدام سلطة الطلاق عند أيّ خلاف بين الزوجين.
بالإضافة إلى أنّ المرأة تنظر إلى أنّها قد استلمت المهر من الزوج الأول ، فما هو المانع من حلّ هذه العلاقة واقتران بزوج جديد بمهر جديد؟ ما دام أنّ الزواج الثاني يوفّر لها أجواء جديدة ومهراً جديداً ، فهي قد تقدم على هدم هذا البيت الزوجي التي لم تساهم في إنشائه.
فإنّ الزوج هو الذي دفع المهر إلى الزوجة ، وهو الذي دفع نفقات العرس والزفاف ، وهو الذي أوجد البيت ، وهو الذي أثّثه ، وهو المنفق على الزوجة والأولاد ، وهو الذي يدفع نفقة الزوجة أثناء عدّتها بعد الطلاق ، والزوجة هي المستفيدة من كلّ هذه الاُمور ، فإن جعلنا الطلاق بيدها يعني ذلك أننا قد سلّطنا المرأة على تدمير مؤسسة البيت الزوجي من دون أن تتحمل في تكوينها أيّ نفقات ، وبهذا سوف نعرّض الزواج إلى نكبة اقتصادية من دون أن يكون له أي اختيار في ذلك.
٢ ـ إذا جعلنا سلطة الطلاق بيد طرف ثالث (كالمحكمة) فهو أمر فاسد أيضاً ; وذلك لأنّه يجعل أسرار الحياة الزوجية (الجنسية وغيرها) عرضة للهتك والتداول بين الناس ، وقد تنمو الاتهامات وتتحول إلى حقائق تمسّ شرف الزوجين وعفتهما ، وحينئذ يستعصي الحلّ لهذه الخلافات والأسرار الزوجية ، وهذا ما يؤدي إلى الطلاق أو شلّ الحياة الزوجية وتعطيلها من دون طلاق.
إذاً لم يبق لدينا إلاّ أن يكون الطلاق بيد الزوج مستقلاً فهو الحل الأنجع ; لأنّ الزوج هو الذي أقام هذه المؤسسة الزوجية بتقديم المهر ونفقات الزواج وتهيئة البيت والأثاث والنفقة ، فإن أراد أن يهدم هذه المؤسسة فهو المتضرّر الأول والأخير من الطلاق ، وهو الذي سيتحمّل نفقات ومهراً جديداً لبناء بيت زوجي جديد ، ولهذا فسوف يفكّر كثيراً في الطلاق ولا يقدم عليه إلاّ في حالات نادرة.
ومع هذه فقد جعل الشارع شروطاً للطلاق الصحيح لعلّ المقصود منها زيادة التفكير في قرار الطلاق ، ومن هذه الشروط أن يقع الطلاق في طهر لم يواقعها فيه ، وأمام شاهدين عادلين (على مذهب الإمامية) ، ولا تحصل البينونة بمجرّد الطلاق اللفظي ، بل لابدّ من اعتداد الزوجة في بيت الزوجية بثلاث حيضات ، وهذه الاُمور كثيراً ما تدفع الزوج إلى مراجعة قراره السابق بالطلاق وإعادة العلقة الزوجية.
ثمّ إنّه تتمكن الزوجة أن تكون وكيلة عن الزوج (في عقد زواجها) في طلاق نفسها في موارد معيّنة ، كحبس الزوج لمدة طويلة ، أو إذا ثبت اعتياده على المخدرات ، أو إذا قصّر في القيمومة الملقاة على عاتقه ، فإذا حصل أحد هذه الاُمور فهي تطلّق نفسها عن الزوج وكالة عنه (وهذه الوكالة غير قابلة للعزل) (١).
كما أنّ الزوجة لها الحقّ في رفع أمرها إلى الحاكم الشرعي طالبة منه الطلاق في حالة عدم انفاق الزوج على زوجته ، أو في حالة عدم الانسجام التام بين الزوجين بحيث تحولّت حياتهما الزوجية إلى جحيم دائم ، ولم يوافق الزوج على الانفاق واتخذ طريق العناد والاضرار بالزوجة. ولم يوافق على قبول الخلع لأجل طلاق زوجته منه الكارهة له التي لا تتمكن من الحياة معه ، ففي هذه الصور ، إذا ثبت عند الحاكم الشرعي معاندة الزوج لزوجته وإصراره على أذيّتها فينذره بالطلاق الاختياري أو يطلّق هو عنه ، فإن لم يطلّق اختياراً طلّق الحاكم الشرعي هذه الزوجة في هذه الحالة.
__________________
(١) وقد أفتى بعض الفقهاء ومنهم السيد الخوئي فقال : «كما يجوز «للمرأة» أن تشترط الوكالة على طلاق نفسها عند ارتكابه (الزوج) بعض الاُمور من سفر طويل أو جريمة موجبة لحبسه أو غير ذلك ، فتكون حينئذ وكيلة على طلاق نفسها ، ولا يجوز له عزلها ، فإذا اطلّقت نفسها فصحّ طلاقها» راجع منهاج الصالحين ٢ : كتاب الطلاق مسألة ١٣٥٩.
وطلاق الزوجة نفسها هنا ليس كما في صورة إعطاء حقّ الطلاق للزوجة استقلالاً ; لأن الزوج في صورة جعلها وكيلة عنه في طلاق نفسها في موارد معينة مثلاً يكون قد مارس حقّه في الطلاق بتفويض زوجته ، فهو الذي أعطاها هذه السلطة باختياره عن وعي منه.
شهادة المرأة في القضاء
قال تعالى : (وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ من رِّجَالِكُمْ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاء أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى) (١).
وهنا قد يقال بأنّ شهادة المرأة تكون نصف شهادة الرجل ، فهذا ظلم لها وتوهين لمقامها.
أقول :
١ ـ إنّ شهادة المرأة في القضاء ليست مرتبطة بحقوق المرأة ، بل هي مرتبطة بأدوات الإثبات الجنائي.
٢ ـ ذكر المفسّرون بأنّ المراد من الضلال في الآية هو النسيان الذي يصيب أكثر النساء نتيجة مزاجها الخاص وعلاقاتها الخاصة ، ولسان الآية هو لسان التعليل لاعتبار التعدّد الهادف إلى التذكير في حالة النسيان (٢). وكأنّ هذه الحالة التي تطرأ على أكثر النساء توجب تحرّزاً لحقوق الناس من الضياع ، فاعتبرت الشريعة التعدّد في شهادة المرأة وعدم الاكتفاء بشهادة المرأة الواحدة في بعض الموارد.
٣ ـ إذا كان هذا السبب ـ وهو النسيان ـ حالة عند بعض الذكور بحيث كان يؤثّر على ضبطه لخصوصيات الموضوع المشهود عليه ويعرّضه لنسيان بعض التفاصيل والخصوصيات المحيطة بالموضوع ، فإنّه لا يصلح للشهادة ، ولا تكفي شهادته أيضاً ; لوجود هذا العامل الموضوعي.
__________________
(١) البقرة : ٢٨٢.
(٢) راجع التبيان للطوسي ٢ : ٣٧٣ ، وابن كثير ١ : ٣٣٥ ، والفخر الرازي ٧ : ١١٤ ـ ١١٥ ، والقرطبي ٣ : ٣٩٧ ، والمراغي ٣ : ٧٤ والطبرسي في تفسيرهم.
إذاً تعدّد شهادة النساء ليس لنقص في الكرامة والأهلية والإنسانية ، ويؤكّد هذا هو قبول شهادة المرأة وحدها فيما يختصّ بشؤون النساء ممّا لا يطلع عليه ـ غالباً ـ سوى النساء من قبيل البكارة والثيبوبة والولادة والعاهات والعيوب الجنسية في المرأة وما شابهها ممّا يعود لشؤون النساء ، وهذا يثبت إنّ تعدّد الشهادة في بعض الموارد ليس لنقص في الإنسانية أو الكرامة «أو الأهلية» ، كما أنّ ذلك ليس ظلماً لها ; لأنّه ليس مرتبطاً بحقوق المرأة كما تقدّم.
٤ ـ لقد ثبت بالدليل الشرعي أنّ شهادة المرأة لوحدها في الوصية تكون مقبولة تثبت بها ربع الوصية ، وهذا ليس موجوداً في الرجل إذا شهد على الوصية لوحده أنّه لا يثبت به شيء من الوصية (١).
ملاحظة : إنّ ما ذكر من الفوارق بين الرجل والمرأة في الأحكام الإسلامية إنّما يمثّل مصالح وحكم التشريعات في الإسلام بحسب فهمنا وقناعتنا وإقناعاً لبعض أفراد المجتمع ، ولكن الحقيقة هي أنّ أحكام الشريعة الإسلامية تقبل تعبّداً بعد ثبوت الخالق والنبوة والقرآن (كمعجزة خالدة) ، وثبوت السنّة النبوية بأنّها وحي يوحي ، كما صرح بذلك القرآن الكريم ، فإنّ هذه الاُمور الثابتة بالعقل تلزمنا بالتعبّد بما جاءت به شريعة السماء ، على أنّ الإنسان لا يعرف ما يصلحه وما يفسده بالشكل الذي يعرفه خالق الكون وخالق الإنسان المطلّع على ماضي الإنسان وحاضره ومستقبله والمطلع على كلّ شيء من عالمنا والكون أجمع.
قال تعالى : (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِن وَلاَ مُؤْمِنَة إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ) (٢).
__________________
(١) وكذا ثبت هذا الأمر في الإرث ، إذا شهدت على مولود تحرّك فمات ، فإنّه يثبت بشهادتها لوحدها ربع الميراث له. وكذا إذا شهدت على رجل قتل رجلاً ، فيثبت بشهادتها ربع الدية.
(٢) الأحزاب : ٣٦.