المرأة مع النبي (صلى الله عليه واله) في حياته وشريعته – الشهيدة بنت الهدى
يومين مضت
المرأة في الإسلام
15 زيارة
فاستضحكوا وجعل بعضهم يميل على بعض وأنا قائم أنظر، لو كانت لي منعة لطرحته عن ظهره، والنبي ساجد لا يرفع رأسه حتى أنطلق إنسان فأخبر فاطمة فجاءت وطرحته عنه ثم أقبلت عليهم تؤنبهم على ذلك.
هذه إحدى الروايات التي تدل على منزلة الصديقة في قلب أبيها ومحلها من دعوته ورسالته وكأنها قد شعرت مع حداثة سنها بأنها مسؤولة عن أن تكون المرأة الخامسة في حياة رسول الله (ص) فقد واكبت سيره بكل شجاعة وإقدام.
ونحن الآن لا نكاد نتصور مدى ما كانت تتطلبه من شجاعة، هي وجميع المسلمات في ذلك العصر.
فنحن الآن، وبعد أن عمت كلمة الإسلام جميع الأقطار الإسلامية والحمد لله، لا تكاد تجرؤ إحدانا أن تجهر بالكلمة الإسلامية صريحة واضحة. وكانت الزهراء صلوات الله عليها قد انصهرت بأفكار الإسلام روحيا وفكريا فقد كانت وهي بنت أعظم رجل عرفه التاريخ وريحانته الغالية والتي كان النبي يدعوها بأم أبيها ويقول: فاطمة بضعة مني من أرضاها فقد أرضاني ومن أغضبها فقد أغضبني. وكان يقول حينما يقبلها إني أشم منها رائحة
(٣٩)
الجنة، وهي الحوراء الإنسية، وكانت عنده بمنزلة ما فوقها منزلة. فكانت آخر من يراه عند سفره وأول من يلقاه عند رجوعه من السفر. وكانت هي من انحصر فيها نسله صلوات الله عليه ولم يكن رسول الله (ص) يجهل ذلك.
نعم كانت هي هكذا وكانت أكثر من هذا ولكنها ومع كل هذه المميزات الروحية والمعنوية كانت بسيطة في أسلوب حياتها لا تكاد تختلف عن أي امرأة فقيرة، فبيتها متواضع للغاية لا يحوي إلا النزر القليل من الأثاث الضروري الذي لا يمكن الاستغناء عنه.
فهي مثال المرأة المسلمة المترفعة عن المواد الدنيوية والصاعدة بروحها وروحياتها إلى أفق الكمال وسماء العصمة والفضيلة. فإن النفس البشرية إذا استنارت بنور الإسلام وإذا نفذت إلى مكنوناتها تعاليمه وحكمه استغنت بمعنوياتها عن كل ما تحتاج إليه النفوس الضعيفة من مقومات لشخصيتها.
نعم هكذا كانت فاطمة الزهراء وهي ريحانة النبوة وزهرة الهاشميين فتاة ترعرعت في أحضان الأبوة الرحيمة، وهكذا كانت هي عروس تزف إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب
(٤٠)
عليه السلام. فقد خطبت إلى أبيها من قبل كثيرين كان منهم أكابر الصحابة والرسول يردهم بشتى الحجج والمعاذير ويقول لهم أنه ينتظر فيها أمر السماء فقد كان صلوات الله عليه يعلم أن نسله قد انحصر في فاطمة، وأن فاطمة وبعلها وأبناءها هم الذين سوف يكونون الامتداد لرسالته ولدعوته السماوية. ولهذا فقد كان ينتظر الرجل الجدير بتحمل هذه المسؤولية فلم يكن يتوخى في زواجها مالا ولا ثراء ولكنه كان ينتظر لها الكفء.
وفي يوم مبارك، وبعد أن كان النبي صلى الله عليه وآله قد رد كل من تقدم لخطبة الزهراء وبما فيهم أبو بكر وعمر، أقبل علي أمير المؤمنين عليه السلام إلى رسول الله (ص) كما كان يقبل، فيحييه ويجلس إليه كما كان يجلس، ولكن الرسول يحس أن أبن عمه قادم لأمر هام وقد عرف ذلك بفراسته الشخصية وبالإيجاء النبوي. فيقبل عليه وهو يسأله متلطفا مشجعا وكله حب وحدب على الشاب العزيز الجالس أمامه. هذا الشخص الغالي الذي آخاه واصطفاه والذي فتح له قلبه رضيعا ومهد له بيته صبيا.
وها هو الآن يوشك أن يسلمه أغلى شيء عنده وأعز
(٤١)
مخلوقة عليه، ثم يقول: ما حاجة ابن أبي طالب وما الذي يشغل فكرك يا ابن العم؟
وكانت هذه الكلمات الرحيمة هي التي شجعت أبن عم الرسول على أن يقول بصوت خفيض وهو يغض بصره أمام رسول الله صلى الله عليه وآله.
قال: ذكرت فاطمة بنت رسول الله، ثم يسكت ولا يقوى على الإفاضة أكثر مما قال، فيجيبه الرسول وهو على ما عليه من بشر ورقة لا متناهية مرحبا وأهلا. ويسكت لحظة ليعود فيسأله حدبا مشفقا وهل عندك شيء؟ فيجيبه علي وهو لا يزال مغض ببصره إلى الأرض، لا يا رسول الله. فيمسك الرسول لحظة ثم يتذكر أن عليا أصاب درعا من مغانم بدر فيعود ليسأله أين درعك الذي أعطيتك إياه يوم كذا؟ فيجيب علي وقد غلبه التأثر لما يلقى من بر النبي ورعايته وما يلمس من روح ابن عمه وصفائها وهو يعلم أنه جاء يخطب إلى النبي (ص) فاطمة التي هي أعز مخلوقة عند رسول الله، فيجيب: هي عندي يا رسول الله. فيقوم النبي صلوات الله عليه ثم يدخل على أبنته الغالية ليرى رأيها فيما يطلبه أبن عمه وأخوه ويقول لها متلطفا رفيقا بارا: يا عزيزة أبيها الغالية لقد ذكرك أبن
(٤٢)
عمك علي فما رأيك في هذا يا بنتاه. والزهراء كانت تعرف ابن عمها عليا، وتعرفه كما لا يعرفه غيرها من الناس.
فهو سيف أبيها ودرعه والفادي له بنفسه، والبائت على فراشه، وحامل لوائه. هذا عدا أنها كانت تسمع دائما مدحه والإعجاب فيه من رسول الله (ص). وكانت تشعر دائما وأبدا أن أبن عمها عليا هو أقرب المسلمين للرسول وأحبهم إليه وهي الآن على ثقة من أن رسول الله (ص) راغب في هذا محبذ له، وإلا فما كان ليسألها عن رأيها فيه، فما أكثر ما خطبت إلى أبيها قبل اليوم وكان يردهم دون أن يسألها عن رأيها في الخطاب.
وعلى هذا ولكونه جاء ليرى رأيها في علي بن أبي طالب، عرفت الزهراء صلوات الله عليها رأي أبيها في علي وفي هذه الخطبة، ولكنها مع هذا تسكت ولا تتمكن أن تجيب، فما عساها أن ترد على رسول الله (ص) وحياؤها العذري يمنعها من التصريح بما تريد، ورضاؤها بهذا الخاطب وقبولها لهذه الخطبة يمنعانها من الرفض فتطرق إلى الأرض ولا تجيب. والرسول (ص) في كل هذا يتطلع إليها ويقرأ ما ينطبع على ملامحها من أحاسيس وانفعالات
(٤٣)


2025-03-24