الرئيسية / القرآن الكريم / آراء المستشرقين حول القرآن الكريم وتفسيره

آراء المستشرقين حول القرآن الكريم وتفسيره

بسم الله الرّحمن الرّحيم

المقدمة

الحمد لله رب العالمين ، الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره الكافرون.

قال الله تعالى : (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ).

كان الإسلام على مر الحقب والأزمان الماضية مشعل الهداية للمسلمين وأساسا لتقدمهم العلمي والحضاري وفي كل المجالات فأقاموا به دولة ، وأشادوا على أسسه حضارة أثرت على غيرهم من المجتمعات الإنسانية.

ونظرا لقوة الإسلام الذاتية ، وملاءمته لفطرة الإنسان ، دخلت كثير من الشعوب فيه ، وبسطت الدولة الإسلامية نفوذها على كثير من الأقطار ، مما جعل الغرب يفكر جديا في مواجهة هذا الدين بكافة الوسائل فشن حروبا شعواء على ديار الإسلام عرفت في التاريخ بالحروب الصليبية فلما فشلوا في الوصول إلى غاياتهم انصرفوا إلى وسيلة أخرى ، وهي التشكيك في الإسلام العظيم حيلة الضعيف العاجز أمام القوي المنتصر ، وذلك ليحولوا بين الإسلام وبين شعوبهم وبينه وبين اعتزاز أهله به وتمسكهم به وعملهم بهداياته.

وكان من أضخم المؤسسات التي تنبت حرب الإسلام بهذا السبيل التبشير والاستشراق المؤسستان المكملتان لبعضهما في الأهداف والغايات والقريبتان في الوسائل.

وبما أن دراستي عن الاستشراق فسيكون حديثي مقتصرا عليه فالاستشراق

٥

مؤسسة علمية في جوهرها وحقيقة أمرها وجدت لحرب الإسلام والكيد له.

كيف لا ، والاستشراق حركة ولدت في أحضان التبشير ، وشبت ورضعت وترعرعت من الاستعمار ، وأخيرا لبست مسوح رهبان العلم.

ولا أحد ينكر أن الاستشراق نجح في مهمته نجاحا كبيرا ، وحقق كثيرا من أهدافه التي كان لها أعظم الأثر على العالمين العربي والإسلامي من جهة والغربي من جهة أخرى.

ففي المجتمعات العربية والإسلامية سبب الاستشراق ردة فكرية عن الإسلام ونجح المستشرقون في إيجاد طبقة من المسلمين مخدوعة بأفكارهم وآرائهم ، وذلك باستقطاب الآلاف من شباب المسلمين للجامعات الغربية طمعا في الألقاب العلمية ، فرجع هؤلاء الطلاب متأثرين بثقافة الغرب ومناهجه وأساليب تفكيره.

كما كتب الغرب آلاف الكتب ، وعشرات الآلاف من الأبحاث والمقالات والتي ما زال كثير من أساتذتنا ومفكرينا يعتمدون عليها ، ذاكرين ذلك صراحة في بعض الأحيان ، وكاتمين لها في معظم أوقاتهم.

هذا بمجموعه أدى لإيجاد ردة فكرية في عالمنا الإسلامي كما ذكرت وحال دون تطبيق شريعة الإسلام وأحكامها في المجتمعات الإسلامية.

أما تأثيره على العالم الغربي فهو الحيلولة بين الغربيين وبين الإسلام العظيم ، وذلك بتشويه صورة الإسلام في نظر الغربيين الذين لا يعرفونه إلا عن طريق مؤلفات المستشرقين وكلامهم عنه.

فلما كانت الحركة الاستشراقية لها مثل هذا الأثر على المجتمعين العربي الإسلامي من جهة ، والغربي من جهة أخرى ، ولما كنت في مرحلة اختيار الموضوع لرسالة الدكتوراة ؛ صممت أن تكون أطروحتي حول هذا الموضوع ، ووفقت في ذلك ولله الحمد وسجلت رسالتي وهي بعنوان (آراء المستشرقين حول القرآن الكريم وتفسيره دراسة ونقدا). ولكني واجهت مشاكل عدة للنجاح بمهمتي.

٦

كان من أعظمها : قلة المراجع في الدول العربية لهذا البحث ، وصعوبة الوقوف على أفكار المستشرقين باتجاه الإسلام ؛ وذلك لأنها مكتوبة بعدة لغات عالمية ولقلة المترجم منها ، وعظم النفقات للحصول والوقوف عليها. ولكنني تغلبت عليها ولله الحمد فسافرت إلى بريطانيا وأحضرت عدة مراجع هامة لبحثي ، وقمت بترجمة بعضها كاملة وأجزاء من بعضها حسب الحاجة كان على رأسها مقدمتا القرآن الكريم لريتشارد بل ، ومونتجمري واط وهما من الإنجليزية ، ومقدمة القرآن الكريم لريجي بلاشير ، وهو من الفرنسية ، وأجزاء من كتاب (تاريخ القرآن الكريم) لتيودور نولديكه ، وهي من الألمانية وغيرها من الكتب.

وبعد الإحاطة بما ورد في هذه الكتب وغيرها ؛ كانت خطتي في البحث على الوجه التالي : التمهيد وتحته ستة مباحث وبابان وتحت كل باب عدة فصول فيما يلي التفصيل :

تناولت في المبحث الأول منه تعريف الاستشراق ، ونشأته ، وتناولت في المبحث الثاني دوافع المستشرقين وأهدافهم. أما المبحث الثالث فتناولت فيه وسائل المستشرقين ، وأما المبحث الرابع فخصصته لعلاقة اليهود بالحركة الاستشراقية ، ثم تناولت في المبحث الخامس طوائف المستشرقين ، أما المبحث السادس فجعلته لمناهج المستشرقين وميزان البحث عندهم.

ومن خلال دراستي لنقاط هذا الباب التمهيدي توصلت إلى ما يلي من الملاحظات :

١ ـ لاحظت أن أبحاث المستشرقين والمبشرين تكاتفت على تشويه الإسلام والتحيز ضده.

٢ ـ لاحظت أن كثيرا من الشخصيات الاستشراقية كانت ذات مسوح كنسية تخصصت بالشرقيات عامة ، وبالإسلاميات خاصة ، بالإضافة إلى اللاهوت المسيحي ، فاستحوذ عليهم التنصير الكنسي والاستشراق المعرفي.

٣ ـ لاحظت الأثر الكبير للفكر النصراني عامة والكاثوليكي خاصة في

٧

فكر المستشرقين وكتاباتهم.

٤ ـ لاحظت أن التحصيل الكنسي يسبق التحصيل الاستشراقي ، ولم نسمع أن مستشرقا علمانيا مثلا أتم تحصيله الاستشراقي ثم عاد إلى الكنيسة للتعلم.

٥ ـ من الناحية التحصيلية فإنه لا يسهل أن نجد شخصيات استشراقية استطاعت بتفوق قدراتها أن تجمع المعارف الغزيرة في علوم شتى وبلغات عدة.

٦ ـ لاحظت أن تأثير الكنيسة على المستشرقين كان أشد وأقوى من العمل الاستشراقي المعرفي عندهم حتى إن طابع البحث عندهم غلبت عليه الروح التنصيرية سواء كان في الموضوعات أو في الطريقة.

٧ ـ أن المستشرق المنصّر لا يمكن أن يتحرر من بصمات المعارف والبواعث الكهنوتية في دراساته مهما حاول أن يعلن خلافهما أو مهما تظاهر بالمنهجية (١).

٨ ـ كما لاحظت وضوح البصمات اليهودية في أبحاث المستشرقين اليهود كمحاولة جعل اليهودية مصدر الإسلام ، وصاحبة الفضل عليه.

٩ ـ وكذلك لاحظت عدم النزاهة ، والتجرد ، والدقة لكثير من المستشرقين في أبحاثهم ، لذا جاءت أبحاثهم فجة ، مليئة بالأخطاء.

أما الباب الأول فقد خصصته لعرض بعض كتابات المستشرقين وهو بعنوان (المستشرقون وكتاباتهم حول القرآن الكريم) وهو يحتوي على فصلين وملحق.

الفصل الأول : مستشرقون أفردوا مؤلفات حول القرآن الكريم :

تناولت مؤلفاتهم (ثلاثة عشر) مؤلفا. وقد أفردت كل مؤلف منها بمبحث عرفت فيه بالمؤلف وبكتابه وبأبرز القضايا التي تناولها كتابه.

__________________

(١) في الغزو الفكري ص ١٦٠ ـ ١٦١.

٨

الفصل الثاني : مستشرقون كتبوا حول القرآن الكريم من خلال مؤلفاتهم تناولت من مؤلفاتهم (سبعة) مؤلفات.

وقد خصصت كل واحد منها بمبحث عرفت فيه بالمؤلف وبما كتبه حول القرآن في كتابه بإيجاز.

ثم ختمت هذا الباب بملحق لأسماء مجموعة من كتب المستشرقين حول القرآن الكريم سردا وذلك إتماما للفائدة.

أما الباب الثاني : فقد خصصته لآراء المستشرقين حول القرآن الكريم ومناقشتها ، حيث استخلصت أقوال المستشرقين وشبهاتهم حوله وحول علومه ، فحصرتها ووزعتها على الفصول السبعة التالية :

الفصل الأول :

شبهات المستشرقين حول مصادر القرآن الكريم.

وفي هذا الفصل بينت أن المستشرقين يعتبرون مصدر القرآن بشريا لفقه محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ من عدة مصادر وهي :

١ ـ الوسط الوثني الذي بدأت فيه دعوة الإسلام. وذلك للتشابه بين هدايات القرآن والوسط الجاهلي في بعض القضايا كالعقائد ، والأخلاق وبعض العبادات وبعض العادات كالزواج والطلاق وغير ذلك. زاعمين أن محمدا تلقاها بمعلم أو قرأها بنفسه من مراجعها.

٢ ـ الحنفاء حيث اعتبر المستشرقون الحنفية المصدر الثاني من مصادر القرآن للتوافق والتشابه بين بعض أحكام القرآن وبين ما كان يدعو إليه الحنفاء من ترك عبادة الأصنام ، والوعد بالجنة للموحدين والوعيد بالنار للمكذبين إلى غير ذلك.

٣ ـ الصابئة والزرداشتية والهندية القديمة :

اعتبر المستشرقون هذه المذاهب كذلك مصدرا من مصادر القرآن للتوافق

٩

بينها وبين بعض الآداب التي دعا إليها القرآن كبعض العبادات والأخلاق إلى غير ذلك.

٤ ـ اليهودية والنصرانية المحرفة.

اعتبر المستشرقون هاتين الديانتين عمدة مصادر القرآن الكريم ؛ وذلك لنقاط التشابه بين الإسلام وبين هاتين الديانتين كالدعوة للتوحيد وبعض العبادات والأخلاق إلى غير ذلك.

وقد وقفت مع هذه المصادر طويلا مبينا شبهاتهم فيها رادا عليها ، مبينا الحقيقة الثابتة في أن القرآن تنزيل من رب العالمين وحده دون سواه. وما محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ في ذلك إلا مبلغ فحسب. وأن أي تشابه بين هدايات القرآن وبين هذه المذاهب والأديان إما لوحدة المصدر من حيث كونها منزلة من الله سبحانه أو لتأثرها بهذا المصدر لا غير.

الفصل الثاني :

شبهاتهم حول نص القرآن الكريم.

حيث حضرت الشبهات التي أثارها المستشرقون حول ظاهرة الوحي الإلهي والتي عدوها واحدة من الظواهر التالية :

فمنهم : من عدّها وحيا نفسيّا أو إلهاما سمعيا.

ومنهم : من عدها نتيجة انفعالات عاطفية طاغية على نفس محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ نتج عنها هذا القرآن.

ومنهم : من زعم أنها تعود لأسباب طبيعية عادية كباعثة التنويم الذاتي.

ومنهم : من زعم أنها كانت نتيجة تجربة ذهنية فكرية تحصل نتيجة طول تأمل وتفكر.

ومنهم : من زعم أنها حالة كالحالة التي تعتري الكهنة والمنجمين.

١٠

ومنهم : من زعم أنها حالة من حالات الصرع والهستريا.

وقد رددت على هذه الافتراءات والتخبطات عند هؤلاء المستشرقين مطولا مبيّنا سذاجتها وتفاهتها ومقررا الحق في هذا الأمر أن ظاهرة الوحي في تلقي محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ القرآن : ربانية المنشأ ، ملائكية النقل ، بشرية التلقي (إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى).

كما بينت موقف المستشرقين من النص القرآني من حيث التوثيق ، وتشكيكهم في حفظه عن الزيادة والنقصان مدّعين أن الوسائل الأولية التي كتب عليها تدعو للريبة في بقائه سليما دون ضياع أو نقص.

وكذلك أثاروا مسألة اختلاف مصاحف الصحابة واعتبروا كل مصحف خاص منها نسخة أخرى من نسخ القرآن تؤكد اضطرابه وتناقضه ، إلى غير ذلك من الشبه التي مرجعها اعتبارهم القرآن الكريم بشري المصدر ، غير محفوظ من الله رب العالمين ، ومعتمدين في كثير منها على روايات واهية مردودة.

وقد أسهبت في إبطال كل هذه الشبه في مواطنها من الرسالة.

شاهد أيضاً

السيد رئيسي افتتح معرض القدرات التصديرية: قوة الإنتاج لا تقلّ عن القوة العسكرية

لفت رئیس الجمهوریة الإسلامية في إيران السید إبراهیم رئیسي إلى أنّ الحظر شكل من أشكال ...