الرئيسية / زاد الاخرة / الإنفاق في سبيل الله \عز الدين بحر العلوم

الإنفاق في سبيل الله \عز الدين بحر العلوم

الصورة السادسة من التشويق :

للصدقة مزايا عديدة

ومن ثنايا الأخبار نرى كثيراً منها تشوق المنفقين ، وتذكر للصدقات والاحسان إلى المحتاجين خصائص كثيرة البعض منها تصرح بفوائد تعود على المنفق في الدنيا ، والبعض الآخر تنفع المنفق فيما يخص آخرته :

فمن القسم الأول : ما جاء عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قوله :

« استنزلوا الرزق بالصدقة » (١).

وفي حديث عن الإمام الباقر عليه‌السلام :

« أن البر ، والصدقة ينفيان الفقر ، ويزيدان في العمر ويدفعان عن صاحبهما سبعين ميتة من السوء » (٢).

وعنه عليه‌السلام في حديث آخر :

__________________

(١) البحار ـ ١٩/ ١١٨.

(٢) الخصال ـ ١ / ٢٥.

٨٧

« وان الله يعطي بالواحدة عشرة إلى مائة الف فما زاد » (١).

ويقول الإمام الصادق عليه‌السلام :

« إن الصدقة تقضي الدين وتخلّف البركة » (٢).

وعنه عليه‌السلام ايضاً :

« ما أحسن عبد الصدقة في الدنيا الا أحسن الله الخلافة على ولده من بعده » (٣).

وعن الإمام الرضا عليه‌السلام :

« انه كان في بني اسرائيل قحط شديد سنين متواترة ، وكان عند امرأة لقمة خبز فوضعتها في فيها لتأكلها فنادى سائل : يا أمة الله الجوع فقالت المرأة : أتصدق في مثل هذا الزمان فأخرجتها من فيها فدفعتها إلى السائل ، وكان لها ولد صغير يحتطب في الصحراء فجاء الذئب فحمله فوقعت الصيحة فعدت الأم في أثر الذئب فبعث الله تبارك وتعالى جبرائيل فأخرج الغلام من فم الذئب فدفعه إلى أمه ، فقال جبرائيل : يا أمة الله أرضيت ؟ لقمة بلقمة » (٤).

ويقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله :

« داووا مرضاكم بالصدقة » (٥).

__________________

(١) وسائل الشيعة ٦ / ٢٥٦.

(٢) وسائل الشيعة ـ ٦ / ٢٥٥.

(٣) وسائل الشيعة ـ ٦ / ٢٥٥.

(٤) ثواب الاعمال ـ ١٤٠.

(٥) قرب الاسناد ـ ٧٤.

٨٨

ومثل هذا جاء في كثير من الإخبار ، وقد عقّدت كتب الحديث أبواباً عديدة لذكر الأحاديث التي صرحت بهذه الفوائد التي يجنيها المنفق من وراء احسانه وتصدقه.

ولماذا نستبعد ونستكثر مثل هذه الفوائد على الصدقة ؟

فالقضية قضية تعويض من الله سبحانه لعبده المنفق يعوضه بهذه المزايا الدنيوية جزاء هذا التفقد الذي يصدر منه ونتيجة هذا التعاطف من بعض الناس مع الآخرين.

وأما القسم الثاني : فقد روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قوله :

« أرض القيامة نار ما خلا ظل المؤمن فإن صدقته تظلله » (١).

وعن الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام قال :

« الصدقة جُنة من النار » (٢).

وقد جاء عن الإمام الباقر عليه‌السلام قوله :

« ولأن أعول أهل البيت من المسلمين وأشبع جوعهم ، وأكسو عورتهم ، وأكف وجوههم عن الناس أحب اليَّ من أن أحج حجة ، وحجة حتى أنتهى إلى عشر مثلها ومثلها حتى انتهى إلى سبعين » (٣).

بهذه النفسية العالية يواجهنا الإمام أبو جعفر الباقر عليه‌السلام وبهذا القلب الذي تتفجر منه الرحمة من كل جوانبه يتجه

__________________

(١) وسائل الشيعة ـ ٦ / ٢٥٦.

(٢) وسائل الشيعة ـ ٦ / ٢٥٨.

(٣) ثواب الاعمال ـ ١٤١.

٨٩

الإمام ليدخل بيتاً من بيوت المسلمين ليعول من به ، وبذلك يخفف عنهم أزمات الفقر.

وطبيعي أن يكون هذا العمل أحب إلى الإمام عليه‌السلام من سبعين حجة ، والسبب في ذلك أن الحج ينتفع به الشخص نفسه لما يحصل عليه من ثواب ، وأما إعالة البيوت الفقيرة فإن النفع فيها يعود إلى الشخص نفسه بالثواب ، وإلى الآخرين بانتشالهم من براثن الشبح المرعب وهو الفقر ، وبذلك يأمن المجتمع من شرور هؤلاء المحرومين ، ولذلك كان هذا العمل أحب إلى الإمام عليه‌السلام من الحج المتكرر.

على أن الإمام وهو العالم بكل الخصوصيات لو لم يعلم أن في الإعالة المذكروة الثواب الذي يزيد على الثواب الذي يحصل من سبعين حجة لما كان ذاك أحب إليه من هذا.

ومن هذا المنطق نعلم أن الثواب الذي يحصل عليه المنفق لا يحد بحد طالما كان مصدره من وصف نفسه بالرحمن الرحيم.

الفقير هدية الله إلى الغني :

بهذا النص جاء الخبر عن الإمام محمد الباقر عليه‌السلام حيث قال :

« الفقير هدية الله إلى الغني فإن قضى حاجته فقد قبل هدية الله وان لم يقض حاجته فقد رد هدية الله » (١).

الفقير هدية :

__________________

(١) ثواب الأعمال ـ ١٢٧.

٩٠

ولكن ممن ولمن ؟.

ممن : من الله.

ولمن : إلى الغني.

وليحاسب الغني نفسه ، وهو يقف وجهاً لوجه أمام هدية الله ـ وهو هذا الفقير ـ يأتي ليطلب منه ما يسد حاجته فهل يقبل هذه الهدية أم يردها ؟.

ولكن رد مثل هذه الهدية بعيد عن المؤمنين الذين يقدمون كل غال ونفيس في سبيل التقرب إليه جلت عظمته.

٩١

تشويق غير المنفقين على التوسط بهذا العمل

أ ـ الإنساني :

ولم يقتصر التشويق والحث على الإنفاق على الاغنياء ليقوموا بهذا العمل الإنساني بل تعداه إلى غير هؤلاء من الناس فقد جاء عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله :

« من مشى بصدقة إلى محتاج كان له كأجر صاحبها من غير أن ينقص من أجره شيئاً » (١).

إن النبي الأكرم يريد من وراء هذا الحديث أن يطمئن الغني بأن دخول الشخص الثالث بينه وبين الفقير لا يوجب تقليلاً للثواب والأجر.

ولماذا ينقص من أجره ، والمعطي هو الله ؟.

ولو كان الإنسان هو المجازي لكان لمثل هذا الحساب احتمال أما وان الله هو الذي يرسل الهدية وهو الذي يتقبل العطاء ويأخذ الصدقات قبل الفقير فلا مجال لمثل هذا الحساب.

__________________

(١) أمالي الصدوق ـ ٢٥٩.

٩٢

وبعد كل هذا فإن الله هو الذي يستقرض من الغني ما ينفقه فلا بعد اذاً لو كان الأجر محفوظاً لكليهما المنفق ، ومن توسط في اخراج المال إلى الفقير.

اما الإمام الصادق عليه‌السلام ، فقد وسع دائرة الثواب لتمشمل أكثر من واحد لو تعدد الوسطاء بين الغني ، والفقير حيث جاء ذلك في حديث عنه قال فيه :

« لو جرى المعروف على ثمانين كفاً لأجروا كلهم من غير أن ينقص عن صاحبه من أجره شيئاً » (١).

وقد يستغرب الإنسان وهو يردد فقرات هذا الحديث في قوله :

« لو جرى المعروف على ثمانين كفاً » … الخ.

بهذا العدد وبهذه الكثرة ، وهل توجد هكذا عملية يحدث فيها أن يصل رقم الوسطاء إلى هذا الحد.

وللجواب عن ذلك نقول :

ان الاستغراب المذكور يزول لو لاحظنا ما جاء عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في مثل هذا الموضوع حيث قال :

« من تصدق بصدقة عن رجل إلى مسكين كان له مثل أجره ، ولو تداولها أربعون ألف انسان ثم وصلت إلى المسكين كان لهم أجر كامل. وما عند الله خير وأبقى للذين اتقوا وأحسنوا لو كنتم تعملون ».

__________________

(١) ثواب الأعمال ـ ١٤١.

٩٣

وقد يوجه البعض هذا التصعيد في الرقم فيعتبره للمبالغة ليفهم بأن المنفق أجره محفوظ ، ولو تعدد الوسطاء ، وكانوا من الكثرة بمكان.

ولكن الذي نراه أن الحديث لا مبالغة فيه من حيث الموضوع وهو حصول الأجر للوسطاء ، وان تعددوا.

نعم قد يكون هذا الرقم جاء للمبالغة من حيث العد والعدد إذ حصول مثل هذا العدد من الوسطاء قد يكون نادراً في قضية إحسان من شخص لآخر ، وإلا فلو فرضنا انه حصل مثل ذلك ، أو أقل منه فإن الأجر يكون محفوظاً لهم ، كما يقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله :

« وما عند الله خير وأبقى للذين أنفقوا وأحسنوا » ولا لوم على من يستكثر مثل هذا الجزاء وهو ينظر إلى الأجر بمنظار كونه المعطي انسان ومخلوق ضعيف أما لو نظرنا إلى القضية بمنظار كون المعطي هو الله الذي لا حد لعطائه وفضله وانعامه فالمسألة تهون بل تتضاءَل في رحاب لطفه كل هذه الوساوس والشكوك

وقد جاء في فقرات من أدعية أهل البيت عليهم‌السلام قولهم :

« يا من الكرم من صفة أفعاله والكريم من أجل أسمائه ».

٩٤

شاهد أيضاً

نفحات من القران

وَيصرح القرآن: ان الأمر ليس كما يتوهم هؤلاء، وقولهم هذا سببه الصدأ الذي أحاط قلوبهم ...