ورد في القرآن الكريم 113 مرة
«بسم الله الرحمن الرحيم»
في بداية كل سورة ما عدا سورة التوبة، وقد تكررت مرتين في سورة النمل حتى أصبح عددها في القرآن الكريم 114 مرة، وتسمى بالبسملة اصطلاحا، وهي تشتمل على كثير من المعارف الإلهية، لا سيّما الصفات الراجعة إلى ذات الباري عز وجل. وفي اختيار صفتي ﴿الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ﴾ فيهما من البشارة للإنسان قد يطول بنا المقام من ذكرها، منها: كونه مورد رحمته وعطفه تعالى، وفيها إرشاد إلى تعليم الإنسان؛ لتوخّي الرّحمة والمودّة في أفعاله، وجعل نفسه من مظاهر رحمته تعالى؛ ليعرف أنّه مؤمن باللّه تعالى.
وقد وردت في الروايات الإسلامية عدّة خصائص للبسملة، منها: أنها أقرب شيء إلى الاسم الأعظم، وهو مفتاح كلّ كتاب سماوي، وأول ما نزل على النبي صلی الله عليه وآله، وأعظم آية في كتاب الله. وهناك مواضع يستحب فيها ذكر البسملة، منها: عند الكتابة، وفي الصباح والمساء، وعند الخروج من البيت والدخول فيه، وحين الوضوء، والقيام إلى الصلاة، وعند الجماع، وغيرها من الموارد.
وكذلك ورد في السنة الشريفة مجموعة من الآثار والآداب في ذكر البسملة، منها: البركة، والاعتصام، والاحتجاز من الأشرار، والإجهار بها، وغيرها.
وورد عن الإمام زين العابدين عليه السلام قال: «أُعِيذُ نَفْسِي ودِينِي وأَهْلِي ومَالِي ووُلْدِي وجَمِيعَ مَا تَلْحَقُهُ عِنَايَتِي وجَمِيعَ نِعَمِ اللَّهِ عِنْدِي بِبِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ».(1)
فوائد البسملة
جاء في الخبر عن الإمام أَبِي مُحَمَّدٍ الْعَسْكَرِيِّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ: «قَالَ الصَّادِقُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ: ولَرُبَّمَا تُرِكَ فِي افْتِتَاحِ أَمْرِ بَعْضِ شِيعَتِنَا بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ؛ فَيَمْتَحِنُهُ اللَّهُ بِمَكْرُوهٍ، لِيُنَبِّهَهُ عَلَى شُكْرِ اللَّهِ والثَّنَاءِ عَلَيْهِ، ويَمْحُوَ عَنْهُ وَصْمَةَ تَقْصِيرِهِ، عِنْدَ تَرْكِهِ قَوْلَ: بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ».(2)
وورد عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ: «لاَ يُرَدُّ دُعَاءٌ أَوَّلُهُ بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ، فَإِنَّ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وهُمْ يَقُولُونَ: بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ فَتَثْقُلُ حَسَنَاتُهُمْ فِي الْمِيزَانِ، فَتَقُولُ الْأُمَمُ: مَا أَرْجَحَ مَوَازِينَ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ! فَيَقُولُ الْأَنْبِيَاءُ: إِنَّ ابْتِدَاءَ كَلاَمِهِمْ ثَلاَثَةُ أَسْمَاءٍ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى، لَوْ وُضِعَتْ فِي كِفَّةِ الْمِيزَانِ، ووُضِعَتْ سَيِّئَاتُ الْخَلْقِ فِي كِفَّةٍ أُخْرَى، لَرَجَحَتْ حَسَنَاتُهُمْ».(3)
الشيطان والبسملة
عن العلاء بن الفضيل، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: «إذا تَوَضَّأَ أحَدُكُم، ولَم يُسَمِّ كانَ لِلشَّيطانِ في وُضوئِهِ شِركٌ، وإن أكَلَ، أو شَرِبَ، أو لَبِسَ، وكُلُّ شَيءٍ صَنَعَهُ يَنبَغي لَهُ أن يُسَمِّيَ عَلَيهِ؛ فَإِن لَم يَفعَل كانَ لِلشَّيطانِ فيهِ شِركٌ».(4)
تفسير بسم الله الرحمن الرحيم
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِنَانٍ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ عَنْ تَفْسِيرِ بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ،قَالَ: «الْبَاءُ بَهَاءُ اللَّهِ، والسِّينُ سَنَاءُ اللَّهِ، والْمِيمُ مَجْدُ اللَّهِ -وَ رَوَى بَعْضُهُمْ: اَلْمِيمُ مُلْكُ اللَّهِ- وَ اللَّهُ إِلَهُ كُلِّ شَيْءٍ، الرَّحْمَنُ بِجَمِيعِ خَلْقِهِ، والرَّحِيمُ بِالْمُؤْمِنِينَ خَاصَّةً».(5)
الفرق بين الرحمن والرحيم
وقد تعددت الأقوال بين المفسرين في الفرق بين الرّحمن والرّحيم، ومنها:
الأول: المشهور بين جماعة من المفسرين أن صفة (الرحمن) تشير إلى الرحمة الإلهية العامة، وهي تشمل الأولياء والأعداء، والمؤمنين والكافرين، والمحسنين والمسيئين، فرحمته تعم المخلوقات، وخوان فضله ممدود أمام جميع الموجودات، وكل العباد يتمتعون بموهبة الحياة، وينالون حظهم من مائدة نعمه اللامتناهية، وهذه هي رحمته العامة الشاملة لعالم الوجود كافة وما تسبح فيه من كائنات.
وصفة (الرحيم) إشارة إلى رحمته الخاصة بعباده الصالحين المطيعين، قد استحقوها بإيمانهم وعملهم الصالح، وحرم منها المنحرفون والمجرمون.(6)
وفي رواية عن الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام أنّه قال: «وَاللّهُ إِلهُ كُلِّ شَيءٍ، الرَّحمنُ بِجَميعِ خَلقِهِ، وَالرَّحيمُ بِالمُؤمِنينَ خاصَّةً».(7)
الثاني: (الرّحمن) يختص بالدنيا و(الرحيم) بالآخرة؛ لتقدم الدنيا على الآخرة في سلسلة العوالم والنشآت الزمانية، فيكون المقدم للمتقدم والأخير للمتأخر، أو لذكر الرحيم مقرونا بالغفران والتوبة في جملة من الآيات الكريمة، والغفران وأثر التوبة في الآخرة؛ فيكون الرحيم مختصا بها.(8)
الثالث: (الرحمن) على وزن فعلان، وهي صيغة مبالغة تدل على الكثرة، و(الرحيم) على وزن فعيل، وهي صفة مشبهة تدل على الثبات والبقاء.(9)
الرابع: إنّ (الرحمن) من الأسماء الخاصة بالله، ولا تستعمل لغيره، بينما (الرحيم) صفة تنسب لله ولعباده. فالقرآن وصف بها الرسول الكريم، حيث قال: ﴿عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ ﴾.(10) (11)
وإلى هذا المعنى أشار الإمام الصادق عليه السلام، فيما روي عنه: «الرَّحمنُ اسْمٌ خاصٌ بِصِفَةٍ عامَّةٍ، وَالرَّحيمُ اسمٌ عامٌ بِصِفَةٍ خاصَّةٍ».(12)
الخامس: أنّ (الرحمن) ذات الرحمة الشاملة لكل محتاج إليها، وبجميع مراتبها التفضلية بلا اختصاص لها بنوع دون نوع، من الجماد والنبات والحيوان والإنسان وسائر المخلوقات، ومن أهم مصاديق الرحمانيّة تنظيم عالم التكوين بأحسن نظام ومن أجلى مصاديق الرحيمية تنظيم التشريع بأكمل نظام، وأثر التشريع إنما يظهر بالنسبة إلى المؤمنين العاملين به اختص الرحيمية بالآخرة من هذه الجهة، فهو تعالى رحيم في الدنيا بالتشريع، وفي الآخرة بالجزاء عليه.(13)
هل البسملة جزء من سور القرآن أم لا ؟
هناك الخلاف بين فقهاء الإماميّة على أنّ، هل البسملة جزء من سور القرآن أم لا؟ والمشهور منهم ذهب إلى أنّ البسملة جزءٌ من كلّ سورةٍ؛ ولذلك يجب تعيينها قبل الشّروع في السّورة، ولذلك يجوز الاكتفاء بها في صلاة الآيات، وهناك مجموعة من الفقهاء المعاصرين منهم -منهم السّيّد السّيستاني دام ظله- يقول: لا، البسملة ليست جزءًا، لكنها واجبٌ، فلذلك لا يجب تعيينها للسّورة ولا يجوز الاكتفاء بها في صلاة الآيات.
وقالَ السّيّدُ الخوئيّ (قده) فِي منهاجِ الصّالحينَ مسألة 603: البسملةُ جزءٌ مِن كلِّ سورة؛ فتجبُ قراءتُها معهَا عدا سورةِ البراءة.
ورد عَن أبِي حمزةَ عَن أبي جعفرٍ عليهِ السّلامُ قالَ: «سرقُوا أكرمَ آيةٍ فِي كتابِ اللهِ: بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ».(14)
وجاء في الخبر عَنْ عِيسَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ: بَلَغَهُ أَنَّ أُنَاساً يَنْزِعُونَ بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ، فَقَالَ: «هِيَ آيَةٌ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ، أَنْسَاهُمْ إِيَّاهَا الشَّيْطَانُ»(15)
أمّا عندَ المخالفينَ فرغمَ ظهورِ الأدلّةِ على كونِها منَ القرآنِ ومِنَ الفاتحةِ ومِن كلِّ سورةٍ، ومع أنّها قَد كُتِبَتْ، وأثبتَتْ فِي جميعِ المصاحفِ على مرِّ العصورِ، ولكنّهُم خالفُوا الحقَّ المُبينَ، فاختلفُوا أشدَّ الاختلافِ فيهَا، واضطربُوا أيّمَا اضطرابٍ، وحاوَلوا التّملّصَ منهَا وحذفهَا وعدمَ الاعترافِ بقرآنيّتهَا؛ عناداً للحقِّ، وعناداً للشّيعةِ ولأهلِ البيتِ عليهمُ السّلامُ، لمجرّدِ المعاندةِ، والمخالفةِ.
1ـ مهج الدعوات ومنهج العبادات / السيد بن طاووس / المجلّد: 1 / الصفحة: 13.
2ـ البرهان في تفسير القرآن / السيد هاشم البحراني / المجلّد: 1 / الصفحة: 105.
3ـ البرهان في تفسير القرآن / السيد هاشم البحراني / المجلّد: 1 / الصفحة: 100.
4ـ وسائل الشيعة / الحر العاملي / المجلّد: 7 / الصفحة ١٧٠/ ط آل البيت عليهم السلام.
5ـ البرهان في تفسير القرآن / السيد هاشم البحراني / المجلّد: 1 / الصفحة: 102.
6ـ الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل / الشيخ ناصر مكارم الشيرازي / المجلّد: 1 / الصفحة: 32.
7ـ التّوحيد / الشيخ الصدوق / المجلّد: 1 / الصفحة: 230.
8ـ أنظر مواهب الرحمن / السيد السبزواري / المجلّد: 1 / الصفحة: 18.
9ـ الميزان / السيد الطباطبائي / المجلّد: 1 / الصفحة: 21 ـ 22.
10ـ سورة التوبة: الآية 128.
11ـ الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل / الشيخ ناصر مكارم الشيرازي / المجلّد: 1 / الصفحة: 33.
12ـ مجمع البيان في تفسير القرآن / الشيخ الطبرسي / المجلّد: 1 / الصفحة: 54 / ط مؤسسة الأعلمي.
13ـ أنظر مواهب الرحمن / السيد السبزواري / المجلّد: 1 / الصفحة: 19.
14ـ البرهان في تفسير القرآن / السيد هاشم البحراني / المجلّد: 1 / الصفحة: 97.
15ـ البرهان في تفسير القرآن / السيد هاشم البحراني / المجلّد: 1 / الصفحة: 99.