الرئيسية / تقاريـــر / نفق أبطال الحرية.. ما الأثر الذي تركه في نضال الحركة الأسيرة؟

نفق أبطال الحرية.. ما الأثر الذي تركه في نضال الحركة الأسيرة؟

تعدّ عملية “نفق الحرية” حدثاً هاماً أضاف نوعياً إلى مسارات العمل المقاوم داخل الأسر وسجون الاحتلال الإسرائيلي، إذ ذكَّرت العالم بأحراره وشرفائه، أنّ الحرية واجبة والسعي إليها بكل السبل فرضٌ لازم.

  • نفق أبطال الحرية.. ما الأثر الذي تركه في نضال الحركة الأسيرة؟
    عملية “نفق الحرية” تركت أثرها الواضح في نضال “الحركة الأسيرة”، مادياً ومعنوياً، ومثّلت في المقابل هزيمة أمنية للاحتلال الإسرائيلي.

تبدو الصورة اليوم أكثر وضوحاً إزاء التداعيات التي خلّفتها عملية “نفق الحرية” في الشارع الفلسطيني عموماً، و”الحركة الأسيرة” خصوصاً، في ذكراها السنوية الثانية، فعلى الرغم من اعتقال جميع الأسرى الذين تمكّنوا من استعادة حريتهم، مِن المؤكَّد أنّ كيان الاحتلال تحمّل ويتحمّل أعباء تصدّر قضية الأسرى وحراكهم في السجون المشهد الفلسطيني، بعدما دفع نفق الأبطال الستّة بالقضية إلى الاهتمام الفلسطيني والعربي والعالمي.

كذلك، تحوّل جوهر قضية الأسرى ليشهد نقلةً نوعيةً صعوداً، في مستوى المطالب التي يتبناها الأسرى بشكلٍ جماعي، ونوعيتها، وجرأة التمسّك بها، وصولاً إلى ربط حراك الأسرى بالعمل المقاوم المسلح في فلسطين، ودخوله على مسارات فرض المعادلات وتثبيتها.

لقد كان للعملية التي استطاع فيها 6 أسرى فلسطينيين في عام 2021، انتزاع حريّتهم من سجن “جلبوع” الإسرائيلي، وقعٌ خاص، فالأجيال التي ورثت العديد من النكسات والنكبات، ليس آخرها اتفاقية “أوسلو”، التي عدّها العدو الطعنة الأخيرة في خاصرة أي مشروعٍ مقاوم، تعزّز لديها النبض المقاوم الذي يراكم تجاربه وإنجازاته.

وتلقّى الاحتلال الضربة الأكبر بعد العملية، بإعلان المقاومة الفلسطينية، على لسان الناطق باسم كتائب القسام، أبو عبيدة، وضع أسماء الأسرى الستّة الذين أُعيد اعتقالهم “على رأس أي صفقة مقبلة لتبادل الأسرى”، الأمر الذي مثّل نصراً معنوياً لكلِّ الأسرى، وتعزيزاً لترابط ساحات المقاومة.

 

اقرأ أيضاً: “معركتنا المقبلة مع الاحتلال عنوانها الأسرى”.. فصائل فلسطينية تتحدث إلى الميادين نت عن نفق الحرية

تحويل السجن “الأكثر أماناً” إلى سخرية

عمّقت العملية التآكل الأمني الذي يعيشه كيان الاحتلال مؤخراً، فسجن “جلبوع”، الذي أُنشئ حديثاً عام 2004، عُدّ الأكثر تحصيناً والأشد حراسةً ومراقبةً في الكيان، إذ تباهت مصلحة السجون الإسرائيلية، قبيل افتتاحه، بالقول إنّ “السجناء في سجن جلبوع أكثر أماناً من الأموال الموجودة في خزائن بنك إسرائيل”.

ويعود تصميم هذا السجن بهذه التقنية العالية، إلى حدّ وصفه بـ”الخزنة الحديدية”، لكونه يضم مئات الأسرى الأمنيين الفلسطينيين، أو مَن تصفهم “إسرائيل” بـ”الإرهابيين الوازنين”، وهم الذين يواصلون نشاطهم المقاوم حتى خلف القضبان.

لكنّ الأسرى الستة، محمود العارضة، المعتقل منذ 1996، ومحمد العارضة، المعتقل منذ عام 2002، ويعقوب قادري، المعتقل منذ 2003، وأيهم كممجي، المعتقل منذ 2006، ومناضل انفيعات، المعتقل منذ 2019، وزكريا الزبيدي، المعتقل منذ 2019، استطاعوا انتزاع حريتهم عبر حفر نفقٍ بملعقةٍ وأدواتٍ بسيطة، مع كل التباهي الإسرائيلي الذي حولوه إلى سخرية.

اقرأ أيضاً: سجن “جلبوع”.. قصة اختراق مفهوم “إسرائيل” الأمنيّ

وبدوره، صعّد الاحتلال الإسرائيلي ضد آلاف الأسرى الفلسطينيين بُعيد الإعلان عن العملية، إذ اعتدى على الأسرى بهجومٍ عنيف على أقسامهم في سجون “شطّة” و”ريمون” و”النقب”.

وفي سجن “جلبوع” تحديداً، هاجم السجانون أقسام السجن الأربعة، وأغلقوا المرافق الحيوية فيها أمام الأسرى، ولمدّة يومين كاملين، مُنع الأسرى، وعددهم نحو 400، من الخروج للفورة (ساعة يومية يُسمح فيها بخروجهم من الزنازين إلى ساحة السجن).

وفي اليوم الثالث، سمحت إدارة السجن بخروج أعدادٍ محددة وتحت حراسة أمنية مشددة، كما أنّ عملية إحصاء الأسرى وفحص غرفهم، والتي كانت تجري 3 مرات يومياً، أصبحت تُنفّذ مرةً كلَّ نصف ساعة.

“الحركة الأسيرة” إلى الواجهة

عدّت عملية “نفق الحرية” هزيمةً للجهود الجبارة التي وظّفتها قوى الأمن الإسرائيلية، منذ سنواتٍ طويلة، وفي طليعتها مصلحة سجون الاحتلال ومستشاروها، الذين حاولوا بدورهم إضعاف مكانة “الحركة الأسيرة” التاريخية، هادفين إلى كسرها كحربةٍ ثابتة في صدر الاحتلال، وإيصالها إلى حالة يأسٍ وقناعةٍ بأنّ السجن سيكون قدَراً لكلّ من يقاوم، وكابحاً للعمل المقاوم.

 

يُشار إلى أنّ تاريخ المعتقلات والسجون، لم يشهد حركةً نضاليةً كالحركة الوطنية الفلسطينية الأسيرة، فهي منذ نشأتها عام 1967، شكّلت ركناً أساسياً في مسيرة النضال الفلسطيني، ورافداً متجدّداً للكوادر والقيادات الوطنية، ومحطةً مرحلية لكثيرٍ من المقاومين ومنفذي العمليات الفلسطينية، وهو الأمر الذي يُظهر نجاحها في تحويل زنازين الأسر إلى ما يشبه أكاديمياتٍ تعليمية، تتحدّى السياسات الإسرائيلية التعسفية.

اقرأ أيضاً: قائد في سرايا القدس للميادين نت: تحرّر أسرى “جلبوع” مثّل شرارة إشعال الضفة

وعلى الرغم من تأثر “الحركة الأسيرة” في السجون، كمختلف الساحات الفلسطينية، بالانقسام الفلسطيني الداخلي بين حركتي فتح وحماس، عادت إلى واجهة الأحداث بقوة، بُعيد العملية، لتثبت وحدتها وقوة صوتها وجدوى حراكها، عبر اتخاذ عدّة خطوات مُتقدِّمة للدفاع عن الأسرى.

وفي هذا السياق، مثّل تشكّل لجنة الطوارئ الوطنية العليا للحركة الأسيرة التي أدارت الأزمة باقتدار، أبرز خطوات “الحركة الأسيرة”، حيث خاضت بعدها تحدياتٍ ومعارك لعدّة جولات ضد قرارات إدارة سجون الاحتلال، ونجحت في كلِّ مرّة في تعزيز الوحدة، وتحقيق مطالبها انتزاعاً مِن إدارة السجون.

وفي هذا الإطار، تصاعد النَفس المقاوم داخل السجون، ليعلن مسؤولو “الحركة الأسيرة” أنّ السجانين ومديري السجن والضباط الإسرائيليين، الذين مارسوا الاعتداءات بحق الأسرى، باتوا هدفاً للأسرى، وهو ما يعني أنّ لكلّ أسيرٍ حق التصرُّف مع السجان الذي يستهدف الأسرى بالطريقة التي يراها مناسبة.

كذلك، قرّرت “الحركة الأسيرة” وضع مديري سجن “جلبوع” و”شطّة”، وضابطي الأمن في السجنين المذكورين، في دائرة الاستهداف المباشر من قِبل الأسرى، وهو الأمر المتقدم جداً في مستواه المادي، والمعنوي خصوصاً. 

كما يُحسب للحركة الأسيرة، قدرتها على نقل قضية الأسرى من قضيةٍ داخلية إلى قضية فاعلةٍ على المستوى الدولي، فمنذ اللحظات الأولى التي تلت العملية، ضغطت الحركة من أجل تحرّك الدبلوماسية الفلسطينية على مستوى السفارات وهيئات الأمم المتحدة ذات العلاقة بحقوق الإنسان، تزامناً مع دعواتٍ واضحة، وجدت صدىً واسعاً، لتحريك الشارع الفلسطيني.

الأسرى “المعزولون”.. الأكثر تأثيراً

مع حلول الذكرى السنوية الثانية للعملية، ما يزال أبطالها حتى اللحظة محتجزين في زنازين عزلٍ تفتقر إلى أدنى مقومات الحياة الآدمية، عدا عن سلسلةٍ من الإجراءات التنكيلية التي ينفّذها الاحتلال بحقهم، كعمليات نقلهم من عزلٍ إلى آخر بهدف إرهابهم واستهدافهم جسدياً ونفسياً.

وتصاعدت مؤخراً الإجراءات التعسفية التي تطال الأسرى في السجون كافة، منذ عملية “نفق الحرية”، وخصوصاً بعد القرارات التي اتخذها وزير “الأمن القومي” الإسرائيلي، إيتمار بن غفير، والتي تمثّلت بتقليص زيارات الأسرى إلى مرةٍ واحدة كل شهرين بدلاً من مرةٍ شهرياً، فضلاً عن منع الإفراج المبكر عن الأسرى الإداريين، ما يعدّ بمنزلة ضوءٍ أخضر لتنفيذ أحكام الإعدام بحقّ الأسرى المرضى.

أمام هذا التصاعد الخطير في إجراءات الاحتلال وعدوانه الذي يستهدف الأسرى، أعلنت “الحركة الأسيرة” في سجون الاحتلال الإسرائيلي عزمها خوض إضراب مفتوح عن الطعام، بدءاً من الـ14 أيلول/سبتمبر الجاري، في إعلانٍ قوي وواضح عن الذهاب إلى حالةٍ من ترقب التصعيد وتوسّع العمل المقاوم، والذي كان واضحاً خصوصاً لدى مؤسّستي الاحتلال الأمنية والعسكرية، اللتين أعلنتا الخشية من تفجّر الأوضاع.

وسائل إعلامٍ إسرائيلية سلّطت الضوء على هذا الإعلان، مشدّدةً على أنّ “السجون لها تأثير كبير جداً في ما يجري في الخارج”، وأنّها تشكّل “الزناد لإشعال المنطقة”، ما يُثبِت مركزية “الحركة الأسيرة” في التأثير في الأوضاع، بل وأخذها إما إلى التصعيد أو الهدوء.

وبشأن التداعيات المحتملة لحراك الأسرى المُرتقب، فإنّ الرسالة الأخيرة التي كتبها الأسير، محمود العارضة، قائد عملية التحرّر، مِن عزله في سجن “هداريم” الإسرائيلي، تُعدّ الإجابة الأكثر بلاغة: “نحن في زنازين العدو نسير على الجمر من دون أن نخاف الحرق، نطالب بالحرية وسنحصل عليها رغم أنف العدو عن قريب”.

 

شاهد أيضاً

الزهراء الصديقة الكبرى المثل الأعلى للمرأة المعاصرة / سالم الصباغ‎

أتشرف بأن أقدم لكم نص المحاضرة التي تشرفت بإلقائها يوم 13 / 3 في ندوة ...