إن تقويم مسار التصعيد الذي يخوضه حزب الله، وتحديداً خلال الأيام القليلة الماضية، يشير إلى أنه انتقل على الجبهة الشمالية إلى استراتيجية التلويح والضغط.
شرحبيل الغريب
سجّل حزب الله على الجبهة الشمالية مع فلسطين المحتلة منذ الثامن من تشرين الأول/أكتوبر مشاركة فعلية في معركة “طوفان الأقصى”، رسمت خريطة طريق لمواجهة يومية محتدمة مستمرة ومتصاعدة مع الاحتلال الإسرائيلي، استطاع خلالها توجيه رسائل النار إلى مئات الأهداف الإسرائيلية في صورة مغايرة لكل التوقعات والتقديرات الأمنية الإسرائيلية، وهي مشاركة بعثر فيها حزب الله الأوراق وجعل الجبهة الشمالية جبهة ساخنة ملتهبة.
نجح حزب الله بمشاركته في معركة “طوفان الأقصى” في استدراج “إسرائيل” إلى مواجهة لا تريدها وفق قواعد اشتباك متدرجة قابلة للتوسع وفق الظروف والتطورات السياسية والميدانية، وفي وقت لا تريده تحديداً، وتدفع الإدارة الأميركية إلى بذل جهود كبيرة بهدف منع توسع دائرتها في وقت باتت أكثر خوفاً من تداعياتها الكبيرة على المنطقة، إثر الدعوة التي وجهها القائد العام لكتائب القسام محمد الضيف إلى كل أطراف وحلفاء محور المقاومة للمشاركة والالتحام معها في هذه المعركة التي لاقت استجابة سريعة من حزب الله والمقاومتين الإسلاميتين في اليمن والعراق.
لطالما عبرت الأوساط الإسرائيلية عن قلقها ومخاوفها من دخول حزب الله على خط المواجهة وانزلاق الأوضاع إلى حرب مفتوحة معه، وهذا ما اعترف به رئيس أركان الاحتلال الإسرائيلي هرتسي هيلفي، إذ قال إن دخول حزب الله في حرب واسعة ومفتوحة يعني أن مرحلة قاسية باتت تنتظر “إسرائيل”.
يتفق مع هذا الاعتراف ما أدلى به رئيس وزراء إسرائيل السابق إيهود باراك خلال الأيام الأولى من هذه الحرب، والذي اعترف بأن الحرب مع حماس وحزب الله أكبر من قدرات الحكومة ونتنياهو، نظراً إلى 4 عوامل: الأسرى لدى حماس، والجبهة الشمالية مع حزب الله، والشرعية الدولية، ومستقبل قطاع غزة بعد انتهاء هذه الحرب.
إن تقويم مسار التصعيد الذي يخوضه حزب الله، وتحديداً خلال الأيام القليلة الماضية، يشير إلى أنه انتقل على الجبهة الشمالية إلى استراتيجية التلويح والضغط عبر توسع دائرة القصف واستهداف المزيد من الأهداف الإسرائيلية خلال اليومين الماضيين، وهذا يعني أن المراد هو ممارسة مزيد من الضغط العسكري، بما يساهم في تشتيت التركيز الإسرائيلي على جبهة الجنوب مع قطاع غزة.
ثمة معطيات سياسية وميدانية تعزز مساراً واحداً لا ثاني له، هي أن جبهة الشمال تتحرك بصورة متصاعدة، رغم أن التقديرات الإسرائيلية ترى أن حزب الله لم يكسر بعد ما سمّتها الخطوط الحمر بما يأخذ المشهد إلى مواجهة ميدانية مفتوحة، لكن كل المؤشرات على الأرض تفيد بأن الجبهة الشمالية تتجه إلى مزيد من التصعيد، مع احتمالات الوصول إلى مرحلة المواجهة الشاملة خلال الفترة الوجيزة المقبلة. هذا السيناريو مرتبط ارتباطاً وثيقاً بما يحدث من تطورات على جبهة قطاع غزة في الدرجة الأولى.
ما يدور يومياً على الجبهة الشمالية منذ الثامن من تشرين الأول/أكتوبر يعد حرباً ساخنة بموازة ما يحدث في قطاع غزة بوتيرة أقل لاعتبارات الميدان، وانخراطاً متصاعداً يخوضه حزب الله ومعه فصائل فلسطينية مقاومة، ككتائب القسام وسرايا القدس.
هذه السردية ترسخت في خطاب الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله يوم الثالث من تشرين الثاني/نوفمبر الجاري وما حمله من رسائل متعددة أكدت الانخراط الفعلي لحزب الله وقوى المقاومة في المعركة بوتيرة أسرع وأقوى مع احتمال توسع خياراتها في أي لحظة، رغم محاولات بعض الأطراف إثارته بصورة مخالفة للواقع.
كل المؤشرات تدل على أن تحرك الجبهة الشمالية، مع احتمال اتساع رقعة المواجهة في ظل إصرار “إسرائيل” وحليفتها أميركا على الاستفراد بقطاع غزة بتواطؤ عربي رسمي، معناه إلحاق الضرر بقوى دولية وإقليمية فاعلة في المنطقة، تخوض في الأساس اشتباكاً قائماً مع أميركا في أكثر من موقع، ولن تقبل بأي حال من الأحوال بالقضاء على المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة.
بمشاركة حزب الله بوتيرة متصاعدة، بعد 39 يوماً من استمرار المواجهة، تشير كل التقديرات والاحتمالات إلى أن الولايات المتحدة الأميركية بوقوفها الصريح والفاضح مع “إسرائيل” في حربها على قطاع غزة، ومشاركتها مباشرة في الميدان، ورفضها المتكرر وقف إطلاق النار والكف عن قتل المدنيين، ومهاجمة المستشفيات والمساجد والمدارس، قد تفتح المجال واسعاً أمام سيناريو توسع الحرب إلى حرب مفتوحة وشاملة.
هذا الأمر قد يفتح المجال أمام دول إقليمية للاستثمار في دور متقدم تجاه منطقة الشرق الأوسط بديلاً من دور أميركا في اشتعال المنطقة بهذه الشكل، ويوصلنا إلى نتيجة واحدة مفادها أن الشيء الوحيد الذي تبقى لأميركا في المنطقة بعد هذه المجازر وحرب الإبادة الجماعية للفلسطينيين والتواطؤ العربي الرسمي معها هو قواعد عسكرية تعبر عن رمز القوة العارية لها، لكنها لن تعطيها نفوذاً، ولن تمنحها دوراً وهيمنة واستقراراً، كما السابق، لمصالحها في منطقة الشرق الأوسط.
الشعب الفلسطيني وهو يخوض بمقاومته حرباً طاحنة مع “إسرائيل” وأميركا وحلفائها بحاجة إلى كل دور، مهما كبر أو صغر. ويسجل هنا أن لإيران ومواقفها القوية دوراً مهماً جداً، وأن لكل حلفائها في العراق واليمن وسوريا دوراً في توجيه ضربات إلى مصالح أميركا، وإلى أهداف أخرى في عمق “دولة” الاحتلال الإسرائيلي، لكن يسجل لحزب الله الدور الأكثر فاعلية ومشاركة بما يقوم به على حدود فلسطين الشمالية وما قدمه من كوكبة شهداء على طريق القدس.
أقرأ ايضا:
أوضاع المرأة المسلمة ودورها الاجتماعي من منظور إسلامي
وإذا أراد الأميركي وقف العمليات ضده عليه وقف العدوان على غزة
#إِنّ_إِسْرائيلَ_تَجْنِي_فِي_جُنُونْ
ترويج الهدنة لشراء الوقت للعملية البرية وتنفيذها رهن بالفشل
الاحتلال الاستيطاني لفلسطين: طوفان الأقصى ليس من فراغ
مسؤول يمني كبير يكشف الأسلحة المستخدمة بقصف ‘إسرائيل’
المنهج الجديد في تربية الطفل
الشيعة وفلسطين _ الحلقة الاولى_ قراءة في عملية طوفان الاقصى
بناء المجتمع في دولة أمير المؤمنين عليه السلام
الثورة الإسلامية والغزو الثقافي