الرئيسية / من / طرائف الحكم / الثورة الإسلامية والغزو الثقافي

الثورة الإسلامية والغزو الثقافي

وبقية الشعوب، إلى جواركم، وتردادهم لشعاراتكم نفسها، واشتراكهم في مسيرتكم، هو في حقيقته جواب على رسائلكم 20.

 

كان الكثير من المسلمين قبل ذلك يخجلون في الكثير من نقاط العالم من القول: بأننا مسلمون، أو من الإعلان عن ذلك وكان الحال كذلك في داخل بلدنا أيضاً. بيد أنَّ المسلمين اليوم يفخرون من أقاصي آسيا حتى غرب أوروبا وفي المناطق الأخرى من العالم بانتمائهم إلى الإسلام.

 

لقد أضحى الإسلام عزيزاً، واكتسب بحمد الله طابع المجتمع الإسلامي، وقد غدا هذا المجتمع متجذراً مستقراً 21.

 

لقد بلغت النهضة العظيمة للشعب الإيراني إلى النصر بحمد الله وقامت على قاعدتها حكومة على أساس الدين لقد أخذت الحياة تنبض في وجود المسلمين والمتدينين، بعد قرون من تحقير أهل الدين والاستخفاف بهم. وذلك على أثر عزة النفس التي أخذت تسوق صوب الرفعة والكرامة. كما انبثقت الأحاسيس الإسلامية وتأججت العواطف، وأخذ الشعور بالهوية الإسلامية ينمو في دنيا الإسلام.

 

فما نراه اليوم من انطلاق جماعات إسلامية تدعو في البلاد الأفريقية إلى الحكومة الإسلامية وما نشاهده من جهاد المسلمين للحكومات الظالمة، وهم يهتفون بشعار الله أكبر ، هو أمر جديد. ومن نراه في الجهة الثانية من اضطرار للتظاهر بالإسلام حتى من قبل أولئك

20-حديث قائد الثورة في لقائه مع أبناء المدن المختلفة. 3/8/1368.

21-حديث قائد الثورة في مراسم بيعة علماء وطلاب الحوزة العلمية لمدينة مشهد، 20/4/1368.

 

الذين كانوا يتبرؤن منه، هو شيء جديد أيضاً، ناشئ من صبح وضّاء أطلَّ على تاريخ الشعوب الإسلامية ببركة انتصار الثورة الإسلامية. وهذه ترتهن بالحركة العظيمة التي عمّت الوجود الإسلامي لجهود علماء كبار، في طليعتهم جهود ذلك الرجل العظيم الذي أسس هذه الحركة الكبيرة ومسك زمام قيادتها، وحقق الإنجاز بقلب مملؤ بالإيمان والعزم والإرادة وبتوكل لا متناه، قربة إلى الله، وإخلاصاً له تعالى.

 

ولقد جاء الإنجاز كبيراً مدوياً حقاً لا نظير له في التأريخ.

 

ومع تشكيل الحكومة الإسلامية، وتطبيق النظام الإسلامي، أصبحنا نقترب من الأحكام الإسلامية يوماً بعد يوم، وينبغي أن نقترب منها.

 

لقد استيقظت الشعوب الإسلامية، وبدأت الحركة باتجاه اتساع رقعة الإيمان الإسلامي واطراده.

 

هذا ما حصل حتى الآن.. ولعلماء الإسلام، وبالأخص علماء الشيعة دور كبير في ذلك. فمن مزايا هؤلاء وخصائصهم حبهم للعلم.. إخلاصهم لله.. شجاعتهم وعدم خوفهم من القوى المتجبرة الظالمة، وأخيراً استقلالهم وعدهم ارتباطهم بلسطات الحور والظلم؛ وذخائرنا في الحقيقة هي هذه 22.

 

نشعر الآن أنَّ الضغوط تتزايد على المسلمين في جميع أرجاء العالم، كما نلحظ أن هناك عودة إلى الدين في البلدان الشيوعية. رغم أنها عاشت عمراً بعيداً عن الدين، وظلت في غربة عن الله.

22-حديث قائد الثورة إلى العلماء والوعاظ على مشارف شهر رمضان المبارك، 2/12/1369.

 

والملاحظ أن هناك حساسية من المسلمين في هذه البلدان، وفي البلدان الأخرى.

 

لقد انتشعت الكنائس في بلدان أمضت خمسين سنة من حياتها أو أكثر من ذلك أو أقل لم تقرع فيها أجراس الكنائس، أو في بعض مناطقها على الأقل. كناية عن الرغبة بالدين .

 

والذي يحصل في هذه البلدان، وفي قلب أوروبا، وفي البلاد التي تتبجح بالحرية والديمقراطية، وفي الهند، ونقاط أُخرى من العالم، هو وجود ضغوط لا نظير لها ضدَّ المسلمين بالخصوص. ما هو سبب ذلك؟ أخضعوا هذه المسألة للتحليل، أفلا تجدون عندئذٍ أنَّ العلة وراء هذه الضغوطات القاسية، يعود إلى شعور الأجهزة المتجبرة، بأنَّ الإسلام يعيش في جميع أرجاء الدنيا، انبعاثاً آخر وحياةً جديدة؟ ألا يعود السبب إلى شعور العدو بأنَّ الهوية الإسلامية أخذت تنبض بين المجتمعات الإسلامية وهي تنبعث في طاقة وروح جديدة؟ ألا يعد ضرب المسلمين في فلسطين المحتلة بالرصاص الحي دليلاً على أنَّ وجود الإسلام أضحى جاداً في الأراضي المحتلة؟ وألا يعود ذلك إلى إحساسهم بأنَّ الحركة الإسلامية والرؤية الإسلامية أخذت تتجذر أكثر وتجذب لها الإتباع، في البلدان العربية، سواء تلك التي تجاور فلسطين المحتلة أم غير المجاورة، وأن أصحاب الفكر والشعور والفطرة النفطية التفوا حول الإسلام المناضل؟

 

لا يمكن الشك لحظة بأنَّ القضية تكمن في المسار المشار إليه 23.

23-حديث قائد الثورة إلى مجموعة من الطلبة الجامعيين وعوائل الشهداء. 2/3/1369.

 
لقد قادت الصلابة الإسلامية وثبات الشعب الإيراني المسلم، والصيحات المدوية التي أطلقها محطّم أصنام القرن، مع الفضل الإلهي والنصر الذي شمل ذلك العبد الصالح وأصحابه دائماً، قاد على أن تحقق عملية تصدير الفكر الإسلامي والثوري الذي يخشاه العدو ويخاف منه بشدّة من نفس الطرق التي حاول الأعداء أن يَحولوا من خلالها دون تصدير الثورة، أو يكيدوا عبرها لضربها.

 

لقد تحولت مظلومية الشعب الإيراني المسلم، والصيحات المدوية التي أطلقها محطّم أصنام القرن، مع الفضل الإلهي والنصر الذي شمل ذلك العبد الصالح وأصحابه دائماً، قاد إلى أن تحقق عملية تصدير الفكر الإسلامي الثوري الذي يخشاه العدو ويخاف منه بشدّة من نفس الطرق التي حاول الأعداء أن يَحولوا من خلالها دون تصدير الثورة، أو يكيدوا عبرها لضربها.

 

لقد تحولت مظلومية الشعب الإيراني وتحمله للشدائد، إلى باعث لإثبات أحقية هذا الشعب العظيم، ولامتداد الثورة إلى الكثير من البلدان، بحيث منح ذلك المسلمين عزماً أرسخ، ووطن فيهم الشعور بالهوية الإسلامية أكثر.

 

مواقف أيادي الاستكبار العالمي في موجهته للإسلام في الوقت الراهن مواقف انفعالية.. وما يحملوه من حقد للإسلام وضغينة سواء عبَّر عن نفسه بوسائل ثقافية أم سياسية أم من خلال التوسل بالقوة، ينطلق من شعور الإحساس بالضعف والخوف في مقابل أمواج الإسلام الممتدة.

 

وهذا أيضاً من الألطاف الإلهية، حيث تحوّل كل مبادرة تنطلق من العدو للنيل من الإسلام، إلى عامل لإثارة غضب المسلمين، وتنقلب إلى باعث لرسوخ إرادتهم في الدفاع عن الإسلام.

 

المثال البارز لهذه الحال هي قضية تأليف “الآيات الشيطانية” من قبل المرتد الإنكليزي المهدور الدم، حيث بَغَت الدول الاستكبارية إضعاف الإسلام من خلال هذا العامل، إلاّ أن إرادة الله قضت أن

 

 

تتحول مبادرة هؤلاء إلى سبب لفضيحتهم، ومع صدور فتوى الإمام بهدر دم هذا الكاتب، عاد الصوت الإسلامي ليكون أوضح، وحلَّ الانسجام بين المسلمين أكثر.

إنّ جميع جهود العدو في مواجهته للإسلام ستؤول إن شاء الله إلى مثل هذا المآل. ﴿إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا﴾ النساء/ 76.

 

تعيش الدعوة للإسلام اليوم حالة انتعاش، في أوروبا وفي قلب المدينة الغربية والثقافية والغربية التي تنظر للإسلام خصماً لها.. تواجهه بالعداء.

 

أُنظروا إلى الآثار الفاعلة لهذه الحالة. في الواقع إنَّ المستقبل خاضع لهذه الحقيقة التي بشّر بها أنبياء العظام، ووعدنا بها الإسلام؛ من أنَّ النصر سيكون نصيب الإسلام الذي سيكتسح كافة الاتجاهات المعادية وينتصر عليها في العالم كلّه. فإذا قدّر وإن قيل للناس العاديين يوماً، إن عدّة من الناس ستنتظم في قلب أوروبا شوقاً للإسلام، فسيكون من الصعب عليه تصديق ذلك. وإذا قيل لهم إنَّ الإمبراطورية القائمة على أساس المادية والتضاد مع الله ستأفل وتتلاشى، فسيكون تصديق ذلك صعباً أيضاً. وإذا قيل لهم ستظهر في هذه البلدان الرجعية التي تتبجح بالظاهر الإسلامي وهي في الباطن خاضعة للقوى التابعة للغرب ومتواصلة مع الأجهزة المعادية للإسلام حركات إسلامية تقدمية، سيكون تصديق ذلك صعباً.

 

وإذا قيل لهم إن الجماهير ستنهض في أقاصي البلاد الإسلامية، بدافع من إيمانها وتبادر للتضحية من أجل أن تكون كلمة الإسلام هي العليا، فسيكون من الصعب تصديق ذلك.

شاهد أيضاً

أوائل المقالات في المذاهب والمختارات – للشيخ المفيد

أوائل المقالات في المذاهب والمختارات / الصفحات: ٣٦١ – ٣٨٠ إمكان الفصل بين الإرادة والمراد ...