كتاب معرفة الله – السيّد محمّد حسين الحسيني الطهراني قدّس سرّه
6 أيام مضت
زاد الاخرة
34 زيارة
استحالة الاتّصال الحقيقيّ بين جسمين، ووجود العشق بين جسمين
ثمّ لا يخفي أنّ الاتّحاد بين الشيئين لا يتصوّر إلاّ كما حقّقنا، وذلك من خاصّيّة الاُمور الروحانيّة والاحوال النفسانيّة. وأمّا الاجسام والجسمانيّات فلا يمكن فيها الاتّحاد بوجه، بل المجاورة والممازجة والمماسّة لا غير، بل التحقيق أن لا يوجد وصال في هذا العالم ولا تصل ذات إلی ذات في هذه النشأة أبداً وذلك من جهتين:
الجهة الاُولي: أنّ الجسم الواحد المتّصل إذا حقّق أمره عُلِمَ) أنّه مشوب بالغيبة والفقد، لانّ كلّ جزء منه مفقود عن صاحبه مفارق عنه، فهذا الاتّصال بين أجزائه عين الانفصال، إلاّ) أنّه لمّا لم يدخل بين تلك الاجزاء جسم مبائن ولا فضاء خال ولا حدث سطح في خلالها، قيل إنّها متّصلة واحدة وليس وحدتها وحدة خالصة عن الكثرة، فإذا كان حال الجسم في حدّ ذاته كذلك من عدم الحضور والوحدة، فكيف يتّحد له شيء آخر أو يقع الوصال بينه وبين شيء.
الجهة الثانية:) أنّه مع قطع النظر ـ كما ذكرنا لا يمكن الوصلة بين الجسمين إلاّ بنحو تلاقي السطحين منهما، والسطح خارج عن حقيقة الجسم وذاته، فإذاً لا يمكن وصول شيء من المحبّ إلی ذات الجسم الذي للمعشوق، لانّ ذلك الشيء إمّا نفسه أو جسمه أوعرض من عوارض نفسه أو بدنه، والثالث محال لاستحالة انتقال العرض، وكذا الثاني لاستحالة التداخل بين الجسمين. والتلاقي بالاطراف والنهايات لا يشفي عليلاً طالب الوصال، ولا يروي غليله.
وأمّا الاوّل فهو أيضاً محال، لانّ نفساً من النفوس لو فرض اتّصالها في ذاتها ببدن لكانت نفساً لها، فيلزم حينئذٍ أن يصير بدن واحد ذا نفسين وهو ممتنع.
ولاجل ذلك أنّ العاشق إذا اتّفق له ما كانت غاية متمنّاه، وهو الدنوّ من معشوقه والحضور في مجلس صحبته معه، فإذا حصل له هذا المتمنّي يدعي فوق ذلك، وهو تمنّي الخلوة والمجالسة معه من غير حضور أحد، فإذا سهل ذلك وخلي المجلس عن الاغيار تمنّي المعانقة والتقبيل، فإن تيسّر ذلك تمنّي الدخول في لحاف واحد والالتزام بجميع الجوارح أكثر ما ينبغي. ومع ذلك كله الشوق؛ بحاله، وحرقة النفس كما كانت، بل ازداد الشوق والاضطراب كما قال قائلهم:
أُعَانِقُهَا وَالنَّفْسُ بَعْدُ مَشوقَةٌ إلیهَا وَهَلْ بَعْدَ العِنَاقِ تَدَاني
وَأَلْثَمُ فَاهَا كَيْ تَزُولَ حَرَارَتِي فَيَزْدَادُ مَا أَلْقَي مِنَ الهَيَجانِ
كَأَنَّ فُوَادِي لَيْسَ يُشْفَي غَلِيلُهُ سِوَي أَنْ يُرَي الرُّوحَانِ يَتَّحِدَانِ
والسبب اللمّيّ في ذلك أنّ المحبوب في الحقيقة ليس هو العظم ولا اللحم ولا شيء من البدن، بل ولا يوجد في عالم الاجسام ما تشتاقه النفس وتهواه، بل صورة روحانيّة موجودة في غير هذا العالم».[19]
نعم، هذه المسائل ذكرت، لنتبيّن عظمة الروح والنفس الإنسانيّة، وإنّ كلّ ما هو موجود فهو منه، وإلیه ينتهي كلّ مقام ورتبة. فالبدن جسد مسخّر لتنفيذ أوامر ونواهي النفس ليس إلاّ.
ليس في عالم الاجسام شيء تشتاق إلیه النفس
إنّ العشق يولّد روحاً، والعاشق يتحوّل إلی روح للمعشوق الحقيقيّ، والمصدر الاوّل، المجرّد المنزّه، والصرف الخالص. وللروح قوّة هيوليّة، وقابليّة بسيطة غير متناهية، ليحظي بشرف لقاء الله ونعمة التكلّم إلیه، فيصبح عندها كليم الله.
إنّ علی الإنسان أن يعرف قدر نفسه، وأن لا يحكم علی هذه الجوهرة النفيسة أن تكون أسيرة البدن ورغباته وشهواته المادّيّة، ولا يحبس القوّة الناطقة في حدود القوّة الحيوانيّة والبهيميّة، ولا يبدّل عشقه للاوجه الحسان في عالم التجرّد، بعشقه للاشقياء والعاصين في عالم الطبيعة، فتكون عاقبته الخسران العظيم.
يقول صدر المتأ لّهين، في بحث العظمة والتجرّد والنورانيّة:
«اعلم أنّ هذه المسألة دقيقة المسلك بعيدة الغور ولذلك وقع الاختلاف بين الفلاسفة السابقين في بابها، ووجه ذلك إنّ النفس الإنسانيّة ليس لها مقام معلوم في الهويّة، ولا لها درجة معيّنة في الوجود كسائر الموجودات الطبيعيّة والنفسيّة والعقليّة التي كلٌّ له مقام معلوم، بل النفس الإنسانيّة ذات مقامات ودرجات متفاوتة، ولها نشآت سابقة ولاحقة، ولها في كلّ مقام وعالم صورة أُخري، كما قيل في البيت الشعريّ التإلی:
لَقَدْ صَارَ قَلْبِي قَابِلاً كُلَّ صُورَةٍ فَمَرْعيً لِغَزْلاَنٍ وَدَيْراً لِرُهْبانِ [20]
تجرّد النفس يستدعي بقاءها وفناءها في ذات الله تعإلی
وما هذا شأنه صعب إدراك حقيقته وعسر فهم هويّته، والذي أدركه القوم من حقيقة النفس ليس إلاّ ما لزم وجودها من جهة البدن وعوارضه الإدراكيّة والتحريكيّة، ولم يتفطّنوا من أحوالها إلاّ من جهة ما يلحقها من الإدراك والتحريك، وهذان الامران ممّا اشترك فيهما جميع الحيوانات.
وأمّا ما أدرك منها أزيد من ذلك وهو تجرّدها وبقاؤها بعد انقطاع تصرّفها عن هذا البدن فإنّما عُرِفَ ذلك من كونها محلّ العلوم، وأنّ العلم لا ينقسم ومحلّ غير المنقسم غير منقسم، فالنفس بسيطة الذات، وكلّ بسيطة الذات غير قابل للفناء وإلاّ لزم تركّبه من قوّة الوجود والعدم وفعليّة الوجود والعدم هذا خلف.
هذا غاية عرفانهم بالنفس أو ما يقرب من هذا. ومن ظنّ) أنّه بهذا القدر عرف حقيقة النفس فقد استسمن ذا ورم»[21].
وهنا يجهد صاحب «الاسفار» بطرق مختلفة في تعريف النفس وبيانها، وبما أ نّنا لسنا بصدد إثبات تجرّد النفس، فسنعزف عن ذكره هنا.
وعلي العموم، يجب تطهير العين من النظر لغير ليلي، وغسل الاُذن من الاستماع، إلاّ لصوتها، حتّي تأذن بالنظر إلی طلعتها، والإنصات لحديثها.
إلهي، ما العمل؟ وما الحيلة؟ وإجمالاً، هل من بارقة أمل، أم علينا أن نلقي بأنفسنا في أحضان إلیأس؟
لقد قالت نساء الحيّ من قبيلة ليلي: اذهبْ وطهّر عينيك وأُذنيك. تطهير العين هو بالبكاء علی فراق المحبوب الازليّ في الليإلی الحالكة؛ وتطهير الاُذن بغلقها عن سماع حديث السوء الذي يغضب المعشوق؛ تطهير العين عَنْ كُلِّ مَا لاَ يُحِلُّ اللَهُ النَّظَرَ إلیهِ وتطهير الاُذن عَنْ كُلِّ مَا لاَ يُحِلُّ اللَهُ الاسْتِمَاعَ إلیهِ.
إلیس قد ورد في الروايات أن الله العليّ القدير يحبّ العين الباكية من بين سائر العيون؟ وأنّ كلّ عين يوم القيامة ستبكي، إلاّ التي سهرت الليإلی باكية من خوف الله.
ولكن لِمَ هذا البكاء؟ هذا البكاء للنظرات التي كانت لغير الله، وهو غُسل لدَنَس وأوساخ البصر والبصيرة؛ لانّ النظر إلی ليلي بدون هذا الغسل والتطهير غير ممكن. فالتطهير ـ إذاً هو طريق وسبيل يوصل إلی الهدف، وبعد طي هذه الطريق، يسمو الإنسان أعلي وأعلي حتّي يتعرّف إلی الله، وهناك حيث لا أحد غير الله. فكل المراحل قد طويت، وهذا المسكين قد بكي حتّي طهر ناظِرَيه، ونساء الحيّ قد كففن عن ملامته، ويمضي ويمضي حتّي يصل إلی ليلي إذ لَم يَعُد عشقه مجازيّاً ولا مادّيّاً، كما لم تعد ليلي بدناً، بل هي روح ونفس مجرّدة؛ وفي هذه الحال إذا أمست في المشرق وقيس في المغرب، فهناك ارتباط بينهما. فهو يعيش صحوها ونومها، ومرضها وعافيتها.
كان كثير من أصحاب الرسول الاكرم صلّي الله عليه وآله وأصحاب الائمّة المعصومين صلوات الله عليهم علی هذه الحال. هكذا كان أُوَيس إلیمانيّ القرنيّ وكانوا يحسّون بالوجدان نوايا أسيادهم وقادتهم، وكانت ضمائرهم تُدرك الصالح والفاسد في الاُمور علی خطي ضمائر أسيادهم وموإلیهم. فهذا أُويس يكسر له ضرس في إلیمن، في نفس إلیوم وفي نفس الساعة التي كُسِرَ فيها ضرس النبيّ في يوم أُحد.
قيل لمّا فُصِدَ قيس، تعإلی صياحه، وفسّر ذلك بأ نّه يخاف علی ليلي من الالم، وخشيَ أن ـ حين فَصدوا يَده قد فصدوا يدها وهي في ديارها.
گفت مجنون من نميترسم ز نيش صبر من از كوه سنگين است بيش
منبلم بي زخم ناسايد تنم عاشقم بر زخمها بر ميتنم [22]
ليك از ليلي وجود من پُر است اين صدف پر از صفات آن دُر است
ترسم اي فصّاد اگر فصدم كني نيش را ناگاه بر ليلي زني
داند آن عقلي كه او دل روشني است در ميان ليلي و من فرق نيست
من كيم ليليّ و ليلي كيست من ما يكي روحيم اندر دو بدن [23]
تتمة النص
الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص
ارجاعات
[1] ـ «الميزان في تفسير القرآن» ج 20، ص 360.
[2] ـ العشق، بمعني الإفراط في الحبّ، واللفظة مأخوذة من كلمة عَشَقَة، نباتٌ يلتوي علی شجرة العنب ويلزمها فيمتصّ عصارتها وتذبل نتيجة ذلك. وهذا النبات الذي يدعي كذلك اللَّبْلاَبِ أو السِّريشْلَة لا يمتلك حَبّاً حتّي ينبت علی الارض، بل ينمو لوحده تلقائيّاً في مزارع العنب، ويلتصق جذره وساقه بشجرة العنب. ولو فُصِلَ من هذا النبات جزء وتمكّن من الوصول إلی شجرة عنب أُخري التصق بها علی الفور ونما سريعاً ويعمل علی إتلاف الشجرة فتذبل وتتيبّس. وقيل إنّه يكفي زرع حَبّة واحدة من هذا النبات في مزرعة عنب لإتلافها جميعاً، فهو ينمو بسرعة ويعمل علی تيبيس الشجرة. فحقّ إذاً للمزارعين أن يخافوا نموّ هذا النبات ويسارعوا إلی استئصاله فور اكتشافهم له في مزارع العنب، ثمّ يعمدون إلی حرقه لمنع تواجد أيّ أثر له علی الارض تماماً.
[3] ـ قال العرفاء عن الماهيّة بأ نّها العين الثابتة، وكذلك سمّوها بالتعيّن؛ وورد ذكرها في الروايات باسم الطينة.
[4] ـ ظُرَفَاء جَمْعُ ظَرِيف. ظَرُفَ ـ ظَرْفاً وظَرافَةً: كَانَ كَيِّساً حَسَنَ الهَيْئة، كَانَ ذَكِيَّاً بَارِعاً، فَهُوَ ظَرِيفٌ؛ ج: ظُرَفَاء وَظِرَاف وَظُرُف وَظُرُوف وَظَرِيفُونَ.
و فِتْيَان جَمْعُ فَتَي، وَهُوَ الشَّابُّ الحَدَث، السَّخِيُّ الكَرِيم؛ ج: فِتْيَان وَفِتْيَة وَفِتْوَة وفُتُوّ وفُتِيّ وفِتِيّ
[5] ـ جاء في «مكاتيب الرسول» ج 2، ص 614، نقلاً عن «كنز العمال»: كِتابُهُ صَلَّي اللَهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ إلی عُمَّالِهِ: إذَا أَبْرَدْتُمْ إلیَّ بَرِيداً فَأَبْرِدُوهُ فَابْعَثوهُ حَسَنَ الوَجْهِ حَسَنَ الاسْمِ
[6] يقول الملاّ الروميّ («المثنوي» ج 1، ص 7، طبعة ميرخاني) عن الحبّ المذموم ما معناه:
عشقهائي كز پي رنگي بود عشق نبود عاقبت ننگي بود
يقول: «إن يكن حبّاً كثير التلوّن؛ فذاك الحبّ شؤماً ليس حبّا».
وحول الحبّ الممدوح قال:
عشقِ آن زنده گزين كو باقي است وز شراب جانفزايت ساقي است
عشق آن بگزين كه جمله انبياء يافتند از عشق وي كار و كيا
تو مگو ما را بدان شه بار نيست با كريمان كارها دشوار نيست
يقول: «ابحثْ عن عشق ذلك الحيّ الذي هو باقٍ علی الدوام، وهو الذي يسقيك شراب الروح.
اطلبْ عشق ذلك الذي نال به جميع الانبياء مرادهم ومطلبهم.
ولا تقلْ: أين نحن من ذلك السلطان؟ فليس التعامل مع الكرماء صعباً أو مستحيلاً».
[7]. ـ ذكر معلّق ومترجم الرسالة في هذا الخصوص: «يصنّف الاُدباء وأهل الذوق المحبّة إلی مراتب هي:
المرتبة الاُولي مرتبة الهَوَي؛ الثانية مرتبة العلاقة؛ ثمّ مرتبة الكَلَف؛ ثمّ مرتبة العِشق؛ ثمّ مرتبة الشَّـعَف (بالعين المهملة)؛ ثمّ مـرتبة الشَّـغَف (بالغين المعجمة)؛ ثمّ مرتبة الجَوَي؛ ثمّ مرتبة التَّيْم؛ ثمّ مرتبة التَّبْل (بفتح التاء وسكون الباء)؛ ثمّ مرتبة التَّدْلِيَة؛ ثمّ مرتبة الهُيوم، وهي آخـر المراتب التي يمكن للعاشـق الفاني في معشـوقه أن يصـل إلیها، وفي هـذه المرتبة ينشد الشاعر قائلاً:
در هــر چــه نـظــر كــردم ســـيـمـاي تـو مـيبـيـنـم
يقول: «فما نظرت إلی شيءٍ من حولي؛ إلاّ وفي ذاك الشيء رسمك».
أو كما قال بايزيد: لَيسَ فِي جُبَّتِي إلاَّ اللَهُ.
وقال أمير المؤمنين علی عليه السلام: مَا رَأَيْتُ شَيْئاً إلاَّ وَقَدْ رَأَيْتُ اللَهَ فِيهِ أَوْ مَعَهُ.
[8] ـ قامت منشورات بيدار بطبع «رسالة عشق» (= رسالة العشق) مع اثنتين وعشرين رسالة أُخري في بلدة قم الطيّبة تحت عنوان «رسائل الشيخ الرئيس أبي علی الحسين بن عبد الله بن سينا» (ج 1)، وقد احتلّت «رسالة عشق» الصفحات 373 إلی 397. وقام الخطيب الشهير السيّد ضياء الدين الدرّيّ بترجمتها مع ثلاث رسائل أُخري للشيخ باسم «الفوائد الدرّيّة»، وتولّت المكتبة المركزيّة طبعها سنة 1939 م، وبلغ مجموع الصفحات التي استوعبتها «رسالة عشق» من هذه الطبعة الثلاثين.
[9] ـ مقطع من الآية 44، من السورة 17: الإسراء.
[10] ـ صدر الآية 15، من السورة 13: الرعد.
[11] ـ «الاسفار الاربعة» ج 7، ص 152 إلی 154.
[12] ـ «الاسفار الاربعة» ج 7، ص 148 إلی 155.
[13] ـ «الاسفار الاربعة» ج 7، ص 158 و 160.
[14] ـ «الاسفار الاربعة» ج 7، ص 160.
[15] ـ قال الحكيم السبزواريّ، إنّما قيّد به إذ في حالة انفكاك الاتّصال الجسمانيّ عن الاتّصال الروحانيّ ينكشف جليّة الحال من) أنّه أيّهما المقصود.
[16] ـ قال الحكيم السبزواريّ: يعني أنّ الاتّحاد، وإن حصل بمشاهدة مرّة، إلاّ) أنّه يستدعي مَلَكة الاتّحاد، لا نّه أثر هذه الصور علی جميع مدركاته.
[17] ـ قال سماحة الحاجّ السيّد هاشم الحدّاد روحي فداه: إنّ مجنون ليلي كان يقول لليلي: دَعِي نَفْسَكِ عَنِّي ! فَإنَّ فِيكِ غِنيً عَنْكِ !
[18] ـ قال الحكيم السبزواريّ قدّس الله نفسه في تعليقه علی هذا البيت ما معناه:
«قد يتوهّم البعض من) أنّه كان من الافضل أن يقال نحن روح واحد حلّ بدنَيْن، والجواب هو أنّ الشاعر أراد: أ نّنا في الحقيقة شخصان من حيث إنّنا متّحدان، فلو تحقّق وجود أحد البدنَينِ تحقّق وجود الثاني كذلك، فلا تتوهّموا وتقولوا إنّ روحي فقط هي التي حلّتْ في بدني، بل إنّ روحه أيضاً حلّتْ فيه، ذلك أنّ روحي هي روحه. وكذا الحال مع بدنه وروحه هو » انتهي كلام الحكيم السبزواريّ).
وجاء في كتاب «نفائس الفنون» ج 2، ص 26 و 27، طبعة الدار الإسلاميّة:
«قال الجُنيد: المحبّةُ دخولُ صفاتِ المُحَبِّ علی البدنِ من المُحِبِّ. ويتبيّن سرّ «فَإذا أحْبَبْتُهُ كُنْتُ لَهُ سَمْعاً وَبَصَراً» من حقيقة البيتَينِ المذكورَينِ:
أنا من أهـوَي ومـن أهـوَي أنا نحـن روحـان حـلـلـنـا بـدنـا
فـإذا أبصـرتَـنـي أبصـرتَـه وإذا أبـصــرتَـه أبـصــرتَـنـا
إلاّ) أنّه ليس للمحبّة ثمّة سبب واضح.
إنّ المـحـبَّـةَ أمـرُهـا عـجـبٌ تُلـقَـي علـيـك ومـا لها سـببٌ
[19] ـ «الاسفار الاربعة» ج 7، ص 171 إلی 179.
[20] ـ قال الحكيم السبزواريّ في تعليقه علی هذا البيت ما يلي:
«يعني بسبب اللطافة والبساطة في ألوانه صار قابلاً للتحوّل إلی كلّ صورة؛ سواء كانت من جنس تلك الصور المترتّبة والطوليّة الحاصلة له بواسطة الحركة الجوهريّة والعرضيّة، أم من الصور الذهنيّة غير المترتّبة بالترتيب الطبيعيّ المعهود لها.
وبناءً علی هذا فإنّ مَرْعيً لِغِزْلاَنِ هو باعتبار النشأة الحيوانيّة السابقة، وَدَيْراً لِرُهْبانِ باعتبار النشأة العقليّة اللاحقة. أو أنّ خياله كان في السابق مصروفاً إلی أمتعة الدنيا من أنعام وزرع وغيرهما، ثمّ كان قد تذكّر الله تعإلی بعد ذلك والملائكة المقرّبين والاطهار المنتجبين لساحته تعإلی.
وأمّا التعبير بالغزال وذلك من جهة توحّشه، فهو إشارة إلی أنّ شهواته تشبه الحيوانات الوحشيّة غير المعلَّمة طالما أ نّها لم تكبح، إلاّ) أنّه يمكن لقلب الإنسان أن يكون مرعي للحيوانات الإنسيّة بكونها مسخّرة ومقهورة تحت إشارة العقل وإيماءته للتوجّه إلی الله تعإلی، بل ويمكن أن يكمن خلاصه ونجاته بذبح حيوانيّته بتقديم الهَدْي والقربان في سبيل الله: إِنَّ اللَهَ اشْتَرَي’ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَ لَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ. ولعلّ كذلك المراد بهذا هو أنّ قلب الإنسان قد يتحوّل إلی مرعي للمحبوبة التي تمتلك عيوناً تشبه عيون الغزلان الجميلة الطلعة».
[21] ـ «الاسفار الاربعة» ج 8، ص 343 و 344، باب 7، فصل 3.
[22] ـ يقول ـ: «قال مجنون ليلي ـ: أنا لا أخاف المِبضَع، لانّ صبري أقوي من الجبل الشامخ. ولا نّني عاشق فإنّ جسمي لا يهدأ بعيداً عن الجروح التي أستطيع مقاومتها والصبر علی آلامها».
[23] ـ يقول: «وإنّ وجودي مليءٌ بالحيويّة بسبب وجود ليلي، فهذه الصَّدَفَة (التي هي أنا) تعكس كلّ صفات تلك الجوهرة التي هي ليلي.
وإنّي ـ أيّها الحجّام ـ لاخاف أن تشتبه يدك فتجرح ليلي بينما تريد فصد عرقي.
ذلك أنّ كلّ من له عقل وهو لبيب لا يمكنه التفريق بيني وبين ليلي.
فأنا في الحقيقة ليلي وليلي هي أنا، إذ نحن روح واحدة تسكن بدنَيْن».
2025-04-07