الرئيسية / زاد الاخرة / الإنفاق في سبيل الله \عز الدين بحر العلوم

الإنفاق في سبيل الله \عز الدين بحر العلوم

( ٤٠ )

٢ ـ الانفاق التبرعي

لقد حث القرآن الكريم في آيات عديدة ، وموارد كثيرة على البذل والانفاق إلى الطبقات
الظعيفة لانعاشهم وإبعاد شبح الفقر عنهم .
كما وقد تعددت الإساليب التي عرض بها هذه الفكرة ، والطرق التي سلكها لتحبيبها إلى
النفوس .
قبل أن نبدأ :
ولنا وقفة مع القارىء قبل أن نبدأ بعرض تلك الطرق لنوفق بين هذا النوع من الحث على
الإنفاق ، وبين ما عرف عن الإسلام من أنه دين عمل وجد ونشاط .
فيقال : إن هذا الحث من الشارع المقدس على البذل والإنفاق قد يكون سبباً لانتشار البطالة
وتشجيعاً على عدم العمل ، وما على الفرد إلا أن يجلس في بيته ويتكل على عطايا المحسنين ،
أو يتكفف ويتسول ويقطع الشوارع يمد يداً لهذا وأخرى لذلك يتمتم بكلمات يستدر بها عطف
المحسنين كما نشاهده في كثير من الطرقات .
وهذا النوع من الحث على الانفاق الموجب لهذا النوع من
===============
( ٤١ )

البطالة ينافي ما عليه الإسلام ، وما هو معروف من مبادئه من انه ينكر البطالة ويحث عل
العمل وعدم الاتكال على الآخرين .
ويقول النبي ( صلى االله عليه وآله ) :
. (١) « ملعون من القى كلّه على الناس »
ويقول الإمام علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) :

« لنقـل الصخر من قلل الجبال * أعز الي من مـنـن الـرجال
(٢) يقول الناس لي في الكسب عار * فقلت العار في ذْل السؤال »

بهذا الأسلوب يواجه الإسلام الأفراد فهو دين العزة والرفعة ، وهو دين الجد والعمل ، ولا
يريد للمجتمع أن يعيش أفراده يتسكعون ويتكففون .
فلماذا اذاً يعودهم على الاتكال على غيرهم ؟ .
للأجابة على ذلك نقول :
إن الإسلام بتشريعه الانفاق بنوعيه الالزامي والتبرعي لم يرد للأفراد أن يتكلوا على غيرهم
في مجال العيش والعمل بل على العكس نراه يحارب بشدة الاتكالية ، والاعتماد على أيديِ
الآخرين .
بل الإسلام يكره للفرد أن يجلس في داره وله طاقة على العمل ، ويطلب الرزق من االله
فكيف بالطلب من انسان مثله .
يقول الإمام الصادق ( عليه السلام ) :
____________
(١ و ٢) المحجة البيضاء ٧ | ٤٢٠ .

===============
( ٤٢ )

« أربعة لا تستجاب لهم دعوة رجل جالس في بيته يقول : اللهم أرزقني فيقال له : ألم
. (١) آمرك بالطلب ؟ »
وفي حديث آخر عنه ( عليه السلام ) فيمن ترد دعوته :
« ورجل جلس في بيته وقال : يا رب إرزقني » (٢) .
وهناك احاديث أخرى جاءت بهذا المضمون ان االله الذي قال في أكثر من آية « ادعوني
أستجب لكم » ، ووعد بالاستجابة بمجرد دعاء عبده ليكره على لسان هذه الأخبار وغيرها أن
يدعوا العبد بالرزق ، وهو جالس لا يبدي أي نشاط وفعالية بالاسباب التي توجب الرزق .
واذاً فالإسلام عندما شرع بنوعية الإلزامي والتبرعي لم يشرعه لمثل هؤلاء المتسولين بل
حاربهم ، واظهر غضبه عليهم .
فعن النبي ( صلى االله عليه وآله ) إنه قال :
. (٣) « ثلاثة يبغضهم االله ـ الشيخ الزاني ، والفقير المحتال ، والغني الظلوم »
إنما شرع الإنفاق للفقير الذي لا يملك قوت سنته ، وقد اضطره الفقر لأن يجلس في داره .

وقد تضمنت آية الزكاة مصرف الزكاة فحصرت الاصناف الذين يستحقونها في ثمانية اثنان
منهم الفقراء ، والمساكين ، وستة أصناف لم يؤخذ الفقر صفة لهم بل لمصالح خاصة
استحقوها :
____________
(١ و ٢) أصول الكافي ٢ | ٥١١ ـ طبعة طهران ـ تصحيح وتعليق الغفاري .
(٣) الدر المنثور في تفسير الآية ٢٧١ من صورة البقرة .

===============
( ٤٣ )

يقول سبحانه :
( إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين
. (١) وفي سبيل االله وابن السبيل )
وأما مصرف بقية موارد الانفاق الإلزامي من كفارات ، والإنفاق التبرعي فكلفه للفقراء .
والفقراء في المصطلح الشرعي هم الذين يستحقون هذا النوع من المساعدة كلهم اخذ فيهم
أن لا يملكوا قوت سنتهم ، أو كان ما عنده من المال لا يكفيه لقوت سنته أما من كان مالكاً
لقوت سنته وأخذ منها فهو محتال وسارق لقوت غيره .
ولا يعطى من الصدقات ، وإذا اعطى من الصدقات فمن التبرعية لا الإلزاميه وله عند االله
حسابه لو عّود نفسه على التكفف والتسوال والأخذ من الصدقات التبرعية ، وبه طاقة على
العمل .
____________
(١) سورة التوبة | آية : ٦٠ .

الطرق التي سلكها القرآن الكريم
للحث على الإنفاق

وكما قلنا إن الأساليب التي اتخذها القرآن الكريم لحث الفرد على هذه العملية الإنسانية كثيرة
وبالامكان بيان ابرز صورها وهي :
١ ـ الترغيب والتشويق إلى الإنفاق .
٢ ـ التنأيب على عدم الإنفاق .
٣ ـ الترهيب والتخويف على عدم الإنفاق .

١ ـ التشويق إلى الإنفاق والبذل والحث عليه :
ولم يقتصر هذا النوع من التشويق على صورة واحدة بل سلك القرآن في هذا المجال مسالك
عديدة وصور لتحبيب الإنفاق صوراً مختلفة :

===============
( ٤٥ )

الصورة الأولى من التشويق :

الضمان بالجزاء

لقد نوخت الآيات التي تعرضت إلى الإنفاق والتشويق له أن تطمئن المنفق بأن عمله لم يذهب
سدى ، ولم يقتصر فيه على كونه عملية تكافلية إنسانية لا ينال الباذل من ورائها من االله شيئاً ،
بل على العكس سيجد المنفق أن االله هو الذي يتعهد له بالجزاء على عمله في الدنيا وفي الآخرة .
أما بالنسبة الى الجزاء وبيان ما يحصله الباذل ازاء هذا العمل فإن الآيات الكريمة تتناول
الموضوع على نحوين :
الأول : وقد تعرضت إلى بيان أن المنفق سيحازيه االله على عمله ويوغفه حقه أما ما هو
الحزاء ونوعيته فإنها لم تتعرض لذلك ، بل أوكلته إلى النحو الثاني الذي شرح نوعية الجزاء وما
يناله المنفق في الدنيا والآخرة .
١ ـ الآيات التي اقتصرت على ذكر الجزاء فقط :
يقول تعالى :
( وما تنفقوا من خير يوفّ إليكم وانتم لا تظلمون ) (١) .
وفي آية أخرى قال سبحانه :

____________
(١) سورة البقرة | آية : ٢٧٢ .

===============
( ٤٦ )

. (١) ( وما تنفقوا من شيء في سبيل االله يوّف إليكم وأنتم تظلمون )
ويظهر لنا من مجموع الآيتين أنهما تعرضتا لأمرين :
الأول : اخبار المنفق واعلامه بأن ما ينفقه يوقى إليه ، وكلمة ( وفى ) في اللغة تحمل معنيين
:
أحدهما : انه يؤدي الحق تاماً .
ثانيهما : انه يؤدي بأكثر .
وقوله سبحانه : « يُوَفَ إليكُم » تشتمل بإطلاقها المعنيين أي يعطى جزاءه تاماً بل بأكثر مما
يتصوره ويستحقه والمنفق .
الثاني : تطمين المنفق بأنه لا يظلم إذا أقدم على هذه العملية الإنسانية وهذا تأكيد منه سبحانه
لعبده وكفى باالله ضامناً ومتعهداً في الدارين ويستفاد ذلك من تكرار الآية الكريمة وبنفس التعبير
في الأخبار بالوفاء ، وعدم الظلم وحاشا له وهو الغفور الرحيم أن يظلم عبداً أنفق لوجهه ، وبذل
تقرباً إليه .
هذا النوع من الإطمئنان للمنفق بأنه لا يظلم بل يؤدى إليه حقه كاملاً بل بأكثر .
وفي آية أخرى نرى التطمين من االله عز وجل يكون على شكل آخر فيه نوع من الحساب
الدقيق مع المنفقين .
( الّذين ينفقون أموالهم باللّيل والنّهار سراً وعلانية فلهم
____________
(١) سورة الانفال | آية : ٦٠ .

===============
( ٤٧ )

. (١) أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون )
ولم يتعرض سبحانه لنوعية الجزاء من الأجر بل أخفاه ليواجههم به يوم القيامة فتزيد بذلك
فرحتهم .

« ولا خوف عليهم » من فقرٍ ، أو ملامة لأن االله عز وجل هو الذي يضمن لهم ، ثم ممن
الخوف ؟
من اعتراض المعترضين ؟ ، وقد جاء في الحديث ( صانع وجهاً يكفيفك الوجوه ) ، أم من
الفقر ، ونفاد المال ؟ وقد صرحت الآيات العديدة بأن االله سبحانه وتعالى هو الذي يقسم بين الناس
معايشهم كما ذكرنا ذلك في الآيات السابقة .
« ولا هم يحزنون » .
وقد ورد في تفسير هذه الآية أنها نزلت في الإمام علي بن أبي طالب أمير المؤمنين ( عليه
السلام ) : « كانت عنده أربع دراهم فانفق بالليل درهماً ، وفي النهار درهماً وسراً درهماً
. (٢) وعلانيةً درهماً »
وتتفاوت النفوس في الإيمان والثبات فلربما خشي البعض من العطاء فكان في نفسه مثل ما
يلقاه المتردد في الاقدام على الشيء .
لذلك نرى القرآن الكريم يحاسب هؤلاء ويدفع بهم إلى الإقدام على الانفاق وعدم التوقف فيقول
سبحانه :
( قل إنّ ربّي يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر له وما
____________
(١) سورة البقرة | آية : ٢٤٧ .
(٢) الدر المنثور : في تفسيره لهذه الآية .

===============
( ٤٨ )

. (١) أنفقتم من شيءٍ فهو يخلفه وهو خير الرازقين )
ومع الآية الكريمة فإنها تضمنت مقاطع ثلاثة :
١ ـ قوله : « قل أن ربي يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر له » .
٢ ـ قوله : « وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه » .
٣ ـ قوله : « وهو خير الرازقين » .
أولاً :
« قل إن ربي يبسط الرزق لمن يشاء » .
ولا بد للعبد أن يعلم أن الرازق هو االله وأن بيده جميع المقاييس والضوابط فالبسط منه والتقتير
منه أيضاً وفي كلتا الحالتين تتدخل المصالح لتأخذ مجراها في هاتين العمليتين ، وليس في البين
أي حيف وميل بل رحمة وعطف على الغني بغناه ، وعلى الفقير بفقره فكلهم عبيده وعباده

وحاشا أن يرفع البعض على اكتاف الآخرين .
أما ما هي المصالح ؟ .
فأن علمها عند االله وليس الخفاء فيها يوجب القول بعدم وجودها .
وفي الحديث عن النبي ( صلى االله عليه وآله ) إن االله سبحانه يقول :
____________
(١) سورة سبأ | آية : ٣٩ .

===============
( ٤٩ )

« عبدي أطعني بما أمرتك ولا تعلمني ما يصلحك » .
ثانياً :
« وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه » .
فعن جابر عن النبي ( صلى االله عليه وآله ) قوله :
« كل معروف صدقة ، وما وقى به الرجل عرضه فهو صدقة ، وما انفق المؤمن من نفقة
. (١) فعلى االله خلفها ضامناً »
ثالثاً :
« وهو خير الرازقين » .
أما أنه خير الرازقين فلأن عطاءه يتميز عن عطاء البشر .
عطاؤه يأتي بلا منة .
وعطاء البشر مقرون بمنة .
وعطاؤه من دون تحديد نابع عن ذاته المقدسة الرحيمة الودودة التي هي على العبد كالأم
الرؤوم بل وأكثر من ذلك ، وعطاء البشر محدود .
وكذب من قال انه محدود العطاء :
. (٢) ( بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء )
وقد جاء عن النبي ( صلى االله عليه وآله وسلم ) :
____________
(١) مجمع البيان في تفسيره لهذه الآية .
(٢) سورة المائدة | آية : ٦٤ .

===============

( ٥٠ )

شاهد أيضاً

منهج في الإنتماء المذهبي – صائب عبد الحميد

وفي حديث سد الأبواب: عن عبد الله بن عباس، وزيد بن أرقم، وغيرهم: كان لنفر ...