رغم تصعيد الهجمة الإعلامية والسياسية على المقاومة وتطوير الحرب النفسية لمستويات تمس بنية المقاومة وسلاحها، فإن المقاومة تبدي صمودًا وخطابًا واثقًا وثابتًا، وهو ما تجسد في خطاب الشيخ نعيم قاسم في ذكرى عيد المقاومة والتحرير، والذي حمل عبارات واثقة وأرسل رسائل قوية لكل المتربصين بالمقاومة في الداخل والخارج.
وهذا الخطاب الواثق لا يأتي من قبيل المكابرة أو الشعارات الرنانة الجوفاء، وإنما يستند كما هي عادة المقاومة صاحبة الوعد الصادق، إلى أسس متينة وعوامل تكفل الثقة بما يجعل الخطاب صادقاً ومتسقًا مع الحقائق، وهذه العوامل تتنوع بين شواهد حقيقية على الأرض وعوامل إيمانية ومعنوية يصعب على خصوم المقاومة والأعداء استيعابها.
وقبل الخوض في هذه الحقائق التي يستند إليها الخطاب الواثق للمقاومة، ينبغي التوقف عند بعض الرسائل التي جاءت في خطاب الأمين العام الشيخ نعيم قاسم، بسبب أهميتها البالغة في هذا التوقيت الحساس:
الرسالة الأولى: بقاء المقاومة
عند استعراض الشيخ نعيم للوضع الراهن، أوضح أن المقاومة مستمرة، باعتبارها خيار الشعب وخيار المؤمنين بها، وأنها باقية رغماً عن أنوف كارهيها، وذلك عبر الجماهير وعوائل الشهداء والأطفال وأصحاب الارتباط بالله وبالكرامة.
الرسالة الثانية: شرعية المقاومة
كما تناول الشيخ نعيم منهج المقاومة وطبيعتها، وأعاد التذكير بأنها مقاومة دفاعية، وهي رد فعل ورفض للاحتلال، وهذا أشبه بإعادة ضبط المفاهيم المقلوبة التي تتجاهل الاحتلال وانتهاك السيادة، وتثبيت لشرعية المقاومة.
الرسالة الثالثة: للصبر الإستراتيجي حدود
فقد وضع الشيخ نعيم النقاط على الحروف بشأن التزام الحزب وضبط النفس والصبر على الخروقات، حيث قال “التزمنا بالكامل. ليكن واضحاً عند الجميع، لا تطلبوا منا شيئاً بعد الآن، فلتنسحب إسرائيل، وتوقف عدوانها، وتُفرج عن الأسرى، وتنتهي من كل الالتزامات الموجودة في الاتفاق، وبعد ذلك لكل حادث حديث”.
وهي رسالة واضحة بأن هذا هو سقف التحمل وحدوده، وألّا يراهن أحد على تخطي هذا السقف.
الرسالة الرابعة: الجهوزية لجميع الخيارات
حيث أوضح الشيخ نعيم أن عنوان الصبر هو منح الفرصة للدولة للقيام بالتزاماتها وواجبها، ولكن هذا الأمر لن يظل مفتوحاً، وقال: “نحن قلنا ونكرر، إذا فشلت الدولة في أدائها، وهي لديها الفرصة، فالخيارات الأخرى موجودة. لا تَسَلوني عن الخيارات الأخرى ما هي، لكن يمكنكم أن تعرفوا أن المقاومة لا تسكت على ضيم، والمقاومة لا تستسلم.”
الرسالة الخامسة: اليقين بزوال “إسرائيل”
حيث جدد الشيخ نعيم الإيمان واليقين بزوال الكيان بمختلف الأسباب سواء الانهيار الداخلي أو عبر تنامي المقاومة أو عبر العجز الأمريكي عن حماية الكيان.
وهذه الثقة هي أكبر رسالة للعدو بأنه فشل في حروبه النفسية وعجز عن المساس بإرادة المقاومة وثقتها ويقينها بالنصر، كما يعكس هذا الإيمان دوافعَ متجددة لتنامي المقاومة، واشتياقًا لخوض معارك التحرير والفوز بشرف إزالة هذا الطاغوت.
الرسالة السادسة: فشل الرهان الأمريكي
ولعل أبرز الرسائل، تلك الموجهة رأساً إلى أميركا قائدة العدوان وصاحبة السياسة الخبيثة في لبنان. وكانت رسالة المقاومة هي الثبات والتحدي، وقد قال الشيخ نعيم: “إذا كانت أمريكا تظن أنها بالضغط على المسؤولين اللبنانيين وعلى لبنان تستطيع أن تحقق الشروط الإسرائيلية، أقول لها: لن تحققوا ما لم يتحقق في الحرب، وهذه الشروط لن تتحقق مهما بلغت التضحيات وكلفتنا المواجهات. لا أحد يهددنا، نحن لا نُهدَّد. أمامنا خياران لا ثالث لهما: إما النصر وإما الشهادة، إحدى الحسنيين، ونحن مستعدون لهما”.
وهنا يمكن تلخيص عوامل القوة التي تستند إليها المقاومة تالياً:
1- الإيمان بالنصر والاستعداد لتقديم كل التضحيات وعدم الخضوع لأي فزاعات، وربما لخَّص ذلك ما جاء على لسان الشيخ نعيم: ” نحن أبناء الحسين، سلام الله تعالى عليه الذي أعطى كل شيء، وأخذ كل شيء، أخذ النصر العزيز على امتداد الأمة، وعلى امتداد التاريخ والمستقبل. نحن أبناء سماحة سيد شهداء الأمة، السيد حسن نصر الله، وهذا لا يمكن أبداً أن يجعلنا متخلفين عن الركب، بل نحن إلى الأمام.”
2- جمهور المقاومة الوفي وثباته واحتضانه للمقاومة والذي يبرز عند كل فرصة متاحة، وآخرها في الاستحقاق الانتخابي، عندما خرجت الجماهير لتجديد العهد رغم ظروفها الصعبة ودُورها المهدمة والتلكؤ في إعادة.