يصادف يوم الثالث من رجب المرجب ذکرى استشهاد الامام علي بن محمد الهادي عليه السلام (الامام العاشر من ائمة الشيعة الاثني عشر) حيث کانت شهادته سنة 254 هجري قمري وکان عمره الشريف يوم استشهاده احدى واربعين سنة.
ولد الامام على بن محمد الهادي المعروف بالامام الهادي عليه السلام في النصف من ذي الحجة سنة 213 للهجرة النبوية، فهو سليل امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام .
نشأ وترعرع في ظل ابيه وتحت رعايته الکريمة، فابوه الامام محمد الجواد عليه السلام وارث علوم اهل البيت حامل معارف الرسالة وقد نص الامام الجواد (ع) وشخَص شخصية الامام من بعده في موارد کثيرة يؤکد فيها ان (الامر من بعدي لولدي علي).
ان الامام الهادي عليه السلام احد ائمة اهل البيت عليهم السلام الذين ورثوا أبا عن جد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الايمان والعلم والخلق والتقوى لذا ترك رسول الله (ص) فيهم وصيته الخالدة: ( إني تارك فيکم الثقلين کتاب الله وعترتي اهل بيتي ما إن تمسکتم بهما لن تضلوا بعدي ابدا و انهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض).
لقد کان الامام علي الهادي (عليه السلام) قدوة في الاخلاق والزهد والعبادة، ومواجهة الظلم ورفض الظالمين، ومنارا للعلم والالتزام، لذا فقد وصفه العلماء ورجال السياسة واصحاب السير بما يستحق من صفات العلم والفضل والادب.
ولوضوح شخصية الامام الهادي عليه السلام وجلاء عظمتها ، فان ذلك لم يستطع اخفاءه حتى اعداء الامام من اعوان السلطان، فقد هجموا على الامام ليلا، کما يحدثنا عن ذلك کتب التاريخ.
فهاجموا داره فلم يجدوا فيه شيئا في بيت مغلق عليه وعليه مدرعة من صوف وهو جالس على الرمل والحصى وهو متوجه الى الله تعالى يتلو آيات من القران) سبط ابن الجوزي – تذکرة الخواص) .
وعلى هذا الحال حمل الى المتوکل العباسي وأدخل عليه وکان المتوکل في مجلس شراب، وبيده کاس من الخمر فناول الامام الهادي عليه السلام فردَ الامام: (والله ماخامر لحمي ولادمي قط ، فاعفني) فأعفاه، فقال له: انشدني شعرا فقال الامام علي (ع) ( انا قليل الرواية للشعر ) فقال: لابد، فانشده:
باتوا على قلل الأجبال تحرسهم غلب الرجال فلم تنفعهم القلل
واستنزلوا بعد عز من معاقلهم وأسكنوا حفرا يا بئس ما نزلوا
ناداهم صارخ من بعد دفنهم أين الأساور والتيجان والحلل
أين الوجوه التي كانت منعمة من دونها تضرب الأستار والكلل
فأفصح القبر عنهم حين ساءلهم تلك الوجوه عليها الدود تقتتل
قد طال ما أكلوا دهرا وقد شربوا وأصبحوا اليوم بعد الأكل قد أكلوا
فبکى المتوکل حتى بلَت لحيته دموعه وبکى الحاضرون . (سبط ابن الجوزي / تذکرة الخواص)
إن الناظر المتأمل في هذه الوثائق التاريخية يستطيع ان يعرف مقام الامام الهادي عليه السلام وعبادته وورعه وتعلق الناس به واحترام الجميع له، فهو على کل حال ملازم للعبادة، حليف للقرآن معرض عن الدنيا يعرف ذلك منه خاصة الناس وعامتهم ويشهد به احباؤه وخصومه.
اما عن الاوضاع السياسة في زمانه، فقد حفلت حياة الامام الهادي (عليه السلام) بالمعاناة السياسية إذ أنه عايش الحکام العباسيين وقاسى منهم العنت والمضايقات والضغوط وراى محنة العلويين ومآسي ابناء فاطمة الزهراء عليها السلام على يدهم .
عايش الامام الهادي (عليه السلام) في عصر إمامته بقية حکم المعتصم العباسي، کما عايش من بعده الواثق خمس سنين وسبعة اشهر ، ومالك المتوکل اربع عشرة سنة وملك ابنه المنتصر ستة اشهر وملك المستعين سنتين وتسعة اشهر وملك المعتز ثماني سنين وسته اشهر وفي آخر ملکه استشهد الامام الهادي عليه السلام.
وقد حفلت هذه الفترة بالحوادث والصراع السياسي المرير بين العلويين والحکام العباسيين فاصاب الامام منها الاذى والاضطهاد. وكان الحکام العباسيون يخافونه لانه کان سيَد اهل البيت وامام الامة وصاحب الکلمة النافذة.
فقد کان لائمة اهل البيت عليهم السلام موقع خاص في النفوس ولهم علاقة متميزة بابناء الامة ترجح على علاقة الامة بحکام بني العباس الذين اشاعوا الرعب والارهاب وسفکوا الدماء وتسببوا في الفساد وبالغوا في اللهو والبذخ الى جانب الفقر والجوع والاضطهاد للمحرومين.
وکان الامام عليه السلام ينمي حرکة الوعي السياسي والايماني ويستقطب الجماهير من حوله ويمارس دور التربية والتوجيه عن طريق نشر الوعي الاسلامي السليم والمعرفة الدينية الصحيحة والتعرف بمبادىء الاسلام في الحکم والسياسة وسيرة الحاکم العادل واخلاقة.
لقد کان حکام بني العباس يخافون دور الامام الهادي عليه السلام موقعه وتاثيره لذا کانوا يحوطونه بالرقابة وعناصر التجسس وجمع المعلومات والحيلولة بينه وبين جماهير الامة وعلمائها، ليتمکنوا من عزله وابعاده عن مجال التاثير الفکري السياسي.
ومن يدرس حياة الامام علي الهادي (ع) منذ استشهاد ابيه وتحمَله مهام الامامة، حتى استشهاده يجدها حياة مليئة بالتحديات والصبر والثبات العقائدي والسياسي فقد ابتلى بحکام حاقدين على آل أبي طالب وخصوصا ذرية علي وفاطمة ويسعون لاستئصال هذه الشجرة المبارکة.
ابتدأ الامام الهادي عليه السلام حياته السياسية أواخر عهد المعتصم العباسي الذي کان يعامل العلويين وکل من يعارض سياسته الظالمة بتعسف وقسوة.
وکان الفساد قد سيطر على البلاد وتسلط الغلمان الحواشي على الامور وکان المعتصم کأسلافه من بني العباس في تعامله وسلوکه وايغاله في اللهو واللعب والاستهانة بالنفوس والدماء ، حتى وصف المؤرخون المعتصم ( انه إذا غضب لايبالي من قتل ولامافعل).
ثم بنى المعتصم مدينة سامراء وجعلها عاصمة لخلافته ومقرا لجنده لذا سميت بالعسکر وسمي الامام الحسن العسکري عليه السلام بذلك لسكنه بها فيما بعد.
وبعد موت المعتصم خلفه ولده الواثق سنة (227 للهجرة) ولم يکن الواثق في سياسته ورعايته بافضل من ابيه الا ان المؤرخين ذکروا ان الواثق کان اخف وطأة على آل ابي طالب فلم يحصل في عهده ان قتل احدا منهم وتنفس في عهده العلويون الصعداء إذ کان الواثق مشغولا باللهو الفساد.
خلال هذه الفترة کان الامام الهادي عليه السلام يقيم في المدينة مشغولا بالعلم والعبادة وهداية الناس وارشادهم وهو في سن الشباب فکان نجمه يعلو وشخصيته تترکز وقلوب الناس تهوي اليه.
ثم تولى المتوکل جعفر بن المعتصم الخلافة بعد موت الواثق سنة ( 232) وقد لقى على يدي المتوکل الطالبيون الاذى والاضطهاد ومن ابرز مظاهر العداء والصراع بين المتوکل واهل البيت عليهم السلام:
1- کراهيته للامام علي بن ابي طالب عليه السلام ومحاولة الحط من سمعته والاستهانة به.
2- هدمه لقبر سيد الشهداء الامام الحسين عليه السلام وتنکيله بزوار القبر الشريف.
3- فرض الحصار الاقتصادي على العلويين وقطع ارزاقهم ومنع الناس من مساعدتهم ليموتوا جوعا.
4- التضييق على الامام علي الهادي عليه السلام وجلبه من المدينة المنورة (الى سامراء) ووضعه تحت الرقابة وفرض الحصار السياسي عليه.
5- محاولة ايجاد بديل هزيل لزعامة اهل البيت عليهم السلام وترشيح موسي اخ الامام الهادي (عليه السلام) لهذه المهمة وفشل هذه المحاولة.
6- قتل الثوار العلويين والتنکيل بهم بعد ان ضج العلويون من ظلمه وسياسته فلجأوا الى الجهاد.
ولم يکن الامام الهادي عليه السلام ليغفل عن هذه المحن وذلك الظلم العسف الذي مارسه المتوکل العباسي لذا کان يقوي علاقته بابناء الامة وينشر مبادىء الاسلام ويربي جيلا من العلماء والرواة على اسس متينة من العلم والتقوى والثبات على الحق ومقاومة الظالمين.
حين اصبح موقع الامام الهادي عليه السلام في المدينة المنورة خطرا يهدد کيان المتوکل وقوة ترهبه وترهب العناصر المسيطرة على الدولة والمال والسلطة کثرت التقارير والوشايات ومحاولات الايقاع بالامام.
لقد لاقى الامام الهادي (ع) من حکام عصره الملاحقة والارهاب والتضييق واخرج من مدينة جده رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم واجبر على الاقامة في سامراء ليکون تحت الرقابة المباشرة وليعزل عن قيادة تحرك الامة المتجهة نحو اهل البيت عليهم السلام وهناك في سامراء قضى شطرا کبيرا من حياته حتى استشهد فيها في رجب سنة (254 للهجرة) في ظروف غامضة وکان عمره الشريف يوم استشهاده احدى واربعين سنة.
وقال ابن شهر آشوب: وفي آخر ملك المعتمد استشهد مسموما وقال ابن بابويه : وسمه المعتمد ( کتاب مناقب آل ابي طالب /ج4 ابن آشوب).
وبمناسبة حلول هذه الأيام الحزينة على آل بيت رسول الله (ص) وعلى كل موالي لهم, أيام إستشهاد سيدنا ومولانا الإمام علي بن محمد الهادي (ع) , نتقدم بأحر آيات العزاء لقائم آل محمد الإمام المهدي المنتظر (ع) ولجميع المراجع والعلماء الأفاضل في مشارق الأرض ومغاربها ولجميع الموالين أينما كانوا وحلوا .