طهران- خاص العهد ـ حوار: مصطفى شوقي ـ ترجمة: مختار حداد
ينشر موقع “العهد” الإخباري – حصريًا- نص المقابلة التي سمح بنشرها للمرة الأولى، مع قائد دعم جبهة المقاومة في سوريا المستشار الشهيد العميد سيد رضي موسوي. الشهيد الذي عُرف عنه أنه من رفاق الشهيد القائد الحاج قاسم سليماني، كان قد ارتقى قبل أيام في استـهداف صهيوني غادر على منطقة الزينبية في دمشق. وقد أجرى المقابلة معه في وقت سابق، الزميل الإعلامي والمخرج الإيراني البارز مصطفى شوقي، واقتطعت بعض الأجزاء منها للعرض في وثائقي “72 ساعة” حول رواية الأيام الثلاثة الأخيرة في حياة الحاج قاسم سليماني.
أما ما يلي من نص الحوار، فلم يعرض سابقًا:
– سيد رضي تمثّلون التاريخ الشفهي لإيران في سوريا؟
كان الحاج قاسم يقول لي “سيد رضي أنت تاريخي في سوريا ولبنان”.
– ماذا تخبرونا عن ليلة الشهادة الكبيرة؟
يصعب عليّ التحدث، فعادة لا أجري المقابلات ولا أظهر في التلفاز، ولكن، أتحدث اليوم انطلاقًا من حبي للحاج حاج قاسم، أشعر هناك أن أشياء لم يقلها أو لم يكن في وضع يسمح له حقًا أن يقولها، ويجب أن تقال.
كنا في المطار ننتظر وصول السيد أبو باقر إلى دمشق. كان ظلام الليل قد حل، وكانت الساعة قد تجاوزت السادسة مساءً تقريبًا، وكان يوم الثلاثاء. وصلت الرحلة واقتربتُ من مسار خروج المسافرين. كنت واقفًا في أسفل الدرج. رأيت السيد أبو باقر ينزل من الدرج وقمنا بتحية بعضنا البعض.
فقال لي: الحاج يريدك
قلت: ومن الحاج؟
قال: الحاج قاسم
قلت: هل جاء الحاج؟
قال: نعم، هو يجلس في الطائرة ويريد أن يتحدث معك.
هنا شعرنا بصدمة. فعادة عندما يأتي الحاج قاسم، كان السيد بورجعفري يبلغنا مسبقًا لنجهز الأرضية لكي تأتي سياراته ويَحضُر فريق مُرافَقَتِه. في حَيرة من أمري، وقفت لبضع دقائق بسبب الصدمة التي أصابتني، إلى أن خرج السيد حسين بورجعفري إلى منتصف الدرج من الجانب الأيمن من الطائرة وأرسل لي إشارة التحية بيده. تأكدت حينها بأن الحاج قد جاء فعلًا. كان الركّاب ينزلون. صعدت إلى الطائرة وشاهدت الحاج جالسًا في الزاوية اليسرى من الصف الأول، مرتديًا كمامة. وكان هناك شخص لا أعرفه يجلس بجانبه، ويتحدّثان مع بعضهما. ذهبت إليه وسلمت عليه وقلت: “لقد فوجئت… لم نكن مهيئين لمجيئكم”.
قال: صلِّ على النبي(ص) وآله(ع).. ستخرج من الصدمة.
فقلت على عيني، وتلوت الصلوات.
نزل الركاب تقريبًا. نزلنا أيضًا وذهبنا إلى السيارات. السيارة الأولى كانت سيارتي، فجلسنا فيها، وجلست أنا لقيادة السيارة، وجلس السيد بورجعفري بجانبي، فيما السيد أكبر خلفي، وجلس الحاج خلف السيد بورجعفري. كانت لدينا أيضًا سيارة نقل صغيرة، وطلبت أن يجلس فيها الحرس الشخصي للحاج وأن يتحركوا خلفنا. لا فريق ولا حماية ولا أسلحة ولا شيء. توكلنا على الله وتحركنا. وكان واضحًا من سلوك الحاج أنه كان مختلفًا. منذ البداية ظل يسأل: “متى سنصل؟”، وأصرّ على الوصول.
وبعد مدة؛ قال الحاج قاسم متحدثًا مع السيد أكبر: سيد أكبر، حامد العراق أصبح كبيرًا في السن ويجب أن يستشهد.
ولما تقدمنا قليلًا قال: السيد أبو باقر أيضًا كبير في السن، ينبغي أن يُستشهد أيضًا.
ومن ثم تقدمنا قليلًا، فقال: سيد رضي، أنت كذلك أصبحت كبيرًا في السن، ولم تعد تنفع، ويجب أن تستشهد أيضًا أنت.
فقلت: يا حاج، سمع الله منك إن شاء الله.
لقد وصلنا إلى المدينة.. وكان قد سأل مرّة أو مرّتين: متى سنصل؟ لقد كان دائمًا في عجلة من أمره.
قال: ما عشاؤك؟
قلت: لم نخطط لأي شيء على العشاء.. دع الشباب يأتون وسنقوم بالتنسيق.
قال: لا.. ما هو عندكم يكفي فأحضروه.. الخبز والزيتون واللبن.. ما عندكم.
قلت: على عيني.
ولأنه كان يحبنا، فهو عادة لا يأكل على متن الطائرة. وكان كلما يُحضَر له الطعام في أثناء الرحلة يقول: “أليس من المؤسف ألا يأكل المرء طعام سيد رضي؟ لا، نحن لا نأكل هذا الطعام. نذهب إلى هناك ونأكل طعام سيد رضي”.
لقد أعددنا شيئًا من الخبز واللبن والزيتون. كما انضم إلينا السيد أبو باقر في وقت لاحق. كانت ليلة مولد السيدة زينب(ع).
فرشنا مائدة طعام ووضعنا الخبز واللبن والزيتون على المائدة المفروشة على الأرض. جلست أمام الحاج وأكلنا. كان الحاج يحب استقبال ضيوفه بطريقة خاصة، لكنه كان يصر دائمًا على إحضار الطعام الجيد؛ أما هو نفسه فلم يكن من عشاق الطعام كثيرًا. بقينا هناك لمدة ساعة أو ساعتين ثم طلبت من الحاج أن أتصل ببيروت ليأتي المرافقون (الحرس الشخصي).
قال لي سوف أنام ونذهب إلى بيروت صباحًا. جلسنا وتحدثنا مع السيد حسين بورجعفري. وقال لي حسين أيضًا سلسلة من الأمور. والحقيقة أنه قبل شهر أو شهرين في العراق، كان قد طلب الحاج من حسين أن يكون جاهزًا ويعدّ حقيبته، وأن وقت المغادرة يقترب، وأمور أخرى. وكان يبدو أن الحاج سيغادر.
على سبيل المثال، في إحدى الرحلات قبل أربعة أو خمسة أشهر، كنت قد ذهبت إلى طهران في إجازة، ثم قمت بزيارة الحاج أيضًا. وبعد دقائق قال لي: “اجلس…” جلست بضع دقائق وبكينا معًا. قال لي الحاج تعبتُ يا سيد، ادعُ لي يا سيد. وعندما أردت المغادرة، أدخل يده في درج الطاولة وأخرج خاتمًا، وقال أعطِ هذا الخاتم للحاجة وهذا الخاتم لليلى، و… وأعطاني 7 إلى 8 خواتم، وقال اذهب في أمان الله..
في الصباح، عندما استيقظ الحاج، تناول وجبة الإفطار وذهب إلى بيروت. كان يوم الأربعاء الساعة بين 8:30 أو 9 صباحًا. اتصل بي عصرًا حسين بورجعفري وقال: “إننا عائدون إلى دمشق جهز العشاء”، فقلت نعم. وصل الحاج الساعة بين 7:30 أو 8 مساءً.. وذهب للاستراحة.
في الساعة السابعة من صباح الخميس أعددنا لهم الفطور.. عند الساعة 1:30، أو 2 ظهرًا، كان يجب أن يتناول الحاج غداءه. وصلنا أيضًا متأخرين قليلًا وأحضرنا له الغداء وجلسنا وفي هذا المكان نفسه والطريقة ذاتها تقريبًا. كان الحاج يجلس هناك، في أثناء الغداء، لم يكن هناك أحد، على هذا الجانب السيد جواد، على هذا الجانب (…)، على هذا الجانب كان الحاج عباس، كان هناك حسين بورجعفري، وكان السيد أبو باقر يجلس بجانبي. وعلى الجانب الآخر كان هناك اثنان أو ثلاثة من الحرس الشخصي للحاج. في وقت الغداء، كان هناك مجموعة من 7، 8 أو عشرة أشخاص. كان الحاج يأكل الكباب وقال لي: “سيد رضي يجب أن يأكل هذا الكباب مع السماق، فالسماق مفيد للدهون”. وكان يحب تناول الحساء كثيرًا، وكانت لي بعض الأمور الصغيرة معه، فقلت: “يا حاج لدي بعض الأوراق التي يجب أن توقعها لي بخصوص الأموال التي استلمتُها وأنفقتها”.
كلما جاء الحاج كان يأخذ معه أحد الحرّاس، ويطلب من الباقين الذهاب للزيارة، ويطلب مني تهيئة الظروف لهم، ونحن كنا نأخذهم إلى الزيارة.
لدينا أخ هنا اسمه (…)، عادة يُنجز أمور الطيران والرحلات ويهتم بشؤون التذكرة والرحلة. على سبيل المثال، عندما نبلغه بأن لدينا رحلة كان يُتمم إجراءاتها، والحاج قاسم هو من قام باختياره. وكان هذا الأخ يذهب إلى بغداد ضمن طاقم طيران لإنجاز أعمال الرحلات. هذه المرة، تحدثت مع الحاج حول رحلة الجمعة إلى بغداد، فقال “يجب أن يأتي معنا فلان (…)”. كان الأمر مفاجئًا لي، عادة، الحاج عندما كان يريد أن يأتي من بغداد، كان يذهب الأخ (…) ويأخذ الحاج من بغداد إلى هنا، وليس من هنا إلى بغداد.
حددنا موعدًا للاجتماع يوم الخميس. فسألت بورجعفري “هل يأتي الآخ (…)؟ كانت الساعة الخامسة أو السادسة بعد الظهر. فقال “نعم ليأتِ ویأخذنا إلى بغداد ويعود”.
بعدها، دخل الحاج قاسم ليصلي. في هذا الوقت، رأيت هاتفه يرن. أجبت، فكان السيد أبو مهدي المهندس. تبادلنا التحية.
قلت له: الهاتف ثابت أو محمول؟
فقال: الهاتف آمن. ماذا عن صديقنا؟
قلت: الرحلة ستتأخر.
كان من المفترض أن تكون الرحلة في تمام الساعة 7:00 مساءً، ولكن بسبب الظروف الجوية، جرى تأخيرها إلى الساعة 10:00 مساءً.
قلت: إن شاء الله سيأتي بعد ساعتين أو ثلاث.
قال: هل أستطيع أن أتحدث معه؟
قلت: الرجاء الانتظار للحظات.
جئت إلى غرفة الحاج ورأيته يقرأ تعقيبات الصلاة.
قلت له: الحاج أبو مهدي على الخط.
تحدّث اليه، ومرّت دقيقتين أو ثلاث ثم توجّه إليّ بالسؤال: “سيد؟ متى برنامج سفرنا؟”
قلت: بعد ساعتين أو ثلاث.
ويبدو أن الحاج أبو مهدي كان يصرّ على أن يحضر بنفسه لاستقبال الحاج قاسم. وأنا بنفسي سمعت أن الحاج يقول: “سيد أبو مهدي، نحن قادمون، لا تأتِ إلى المطار بنفسك، فقط أرسل محمد رضا الجابري إلى المطار”. ويبدو أنه أصر مرّة أخرى، وكرر الحاج مرة أخرى “أبو مهدي سوف نأتي في الليل ونراك”. أنهى اتصاله وجلس مع الأخوة لبضع دقائق ثم ودع الأخوة، وسأل: “متى سنكون هناك؟”، أجبت: “يجب أن تكون في المطار الساعة 10، وتغادر الرحلة الساعة 10:15”.
ذهبوا للراحة في المنزل وأعدوا العشاء. ذهبت إلى المطار لأنتظر الرحلة، عند حوالي الساعة 10 أو 10 إلّا 10 دقائق، رأيت أن الحاج قد جاء. رافقتهم وأخذتهم إلى داخل المطار. توقفت قبل أن نصل إلى ممر الطائرة. علمت أن الحرّاس لمّا يأتوا بعد. جاء الحاج وحسين بورجعفري فقط، وفي السيارة كان يجلس الحاج في المقدمة، ويجلس حسين بورجعفري في الخلف. قائد الحرّاس كان يقود السيارة. سألت: “الحرس الشخصي لم يأتوا؟”. فقال الحاج: “لماذا تقف هنا؟”. قلت: “ممر ركوب الركاب مزدحم بالركاب، لقد أتيتُ يا حاج مبكرًا قليلًا، والحقيقة أن الحراس لم يأتوا”.
قال: لا، فلنذهب ونركب الطائرة، ولا تقفوا هنا”.
اتجهنا إلى الطائرة. وكعادته كان يرتدي كمامة. صعد إلى الطائرة وكان قد صعد الركاب قبله، ثم وصل الحرس الشخصي خلال هذه المدة. كان الشهيد حسين بورجعفري متعلقًا جدًا بالحاج. فما يلبث الحاج أن ينتهي من مناداته، حتى يرى بورجعفري بجانبه.
طوال هذه السنوات الـ 18 أو 19 الذي جئت فيها إلى هنا، عندما كان حسين بورجعفري يأتي ويذهب في هذه الرحلات مع الحاج، كان يلقي التحية بسرعة ويصعد الطائرة مع الحاج. ولكن هذه المرة، وقف حسين بورجعفري عند أسفل الدرج. وقال: “سيد، لقد أزعجناك كثيرًا، لا تنزعج مني، ففي هذه الزيارة رفعت الهاتف لأخبرك بأننا قادمون، لكن الحاج قال لي لا تتصل فالسيد رضي هناك وموجود.. سامحنا، لقد أزعجناك كثيرًا”.
قبّلنا وغادر. والسيد(…) كذلك ذهب معهم. في الساعة 10:20 تقريبًا أو قبلها بقليل أقلعت الرحلة باتجاه بغداد. أمّا نحن فأنجزنا عملنا وعدنا إلى مكان الاستراحة.
جلستُ لمدة ساعة أو ساعتين للتأكد من هبوط الرحلة. كنتُ أرغب في النوم، استلقيتُ لمدة عشر دقائق ورأيت الهاتف يرن. قال لي أحدهم “يريدونك”. خرجت من الغرفة ورأيت أنه كان جالسًا ومصدومًا.
قلت: فلان! ما حدث؟
قال: “اتَصِل ببيروت، يبدو أن شيئًا ما قد حدث في مطار بغداد”.
نزلتُ واتصلتُ بالأخوة ببيروت. قلتُ “ما القضية؟”.
قالوا: “الأخبار تقول إن شيئًا ما حدث في مطار بغداد، ما هي المشكلة؟”.
اتصلتُ بالسيد (..) ووجدناه، فقلت له “ماذا حدث؟ فسألني إذا كان الحاج قد جاء الى هنا؟
قلت “نعم”
قال: “من كان يعلم؟”
قلت: “أبو مهدي كان يعلم. ماذا حدث؟”
قال: “لقد حدث شيء ما. نحن لا نعرف شيئًا أيضًا. والآن سنذهب جميعًا إلى المطار لنرى ما الأمر”.
ثم اتصلت بالسيد (فلان) في العراق، وقلت “ماذا حدث؟”، فسألني “هل الحاج جاء بطائرة خاصة؟ لماذا أرسلتم الحاج بطائرة خاصة؟”.
قلت: أي رحلة خاصة؟ إنها رحلة ركاب مدنية. كانت تحمل ما بين 150 إلى 160 راكبًا وقمنا بنقل مكان 5 أو 6 ركاب لنتمكن من إصعاد الحاج”.
أَخبَرْنا السيد محمدي أيضًا. وقال إنهم كذلك ذاهبون إلى المطار. كان الجميع يتصل بنا في تلك اللحظات.
بعد ذلك، اتصلت زينب ابنة الحاج. قالت لي “يا عمي ماذا حدث؟ أين هو أبي؟”، قلت لها “انتظري لحظة، حدث شيء، اصبري، حدث شيء، لكننا لا نعرف ما هو. الحاج موجود في بغداد وليس هنا”.
لحظات وبدأت قنوات التلفزة بنشر بعض الأخبار، لكن معلومات دقيقة. كما أن قناة “الميادين” ذكرت أن انفجارًا وحادثًا وقعا في مطار بغداد.
مرّ وقت.. كانوا يعلنون الأخبار خبرًا تلو الآخر..
وصل الحاج إلى بغداد الساعة الواحدة والربع من صباح يوم الجمعة، لم أستطع أن أصدّق ذلك. قلت: “إننا يجب أن ننتظر عودة السيد (…) فربما خرج الحاج مع أحد الركاب في اللحظة الأخيرة، بدلًا من الخروج بسيارة خاصة”.
السيد (…) عندما عاد شرح لي. وقال السيد إنه في أثناء الرحلة شكره الحاج قاسم وطلب منه أن يرضى عنه، وأعطى خاتمين لحسين بورجعفري وطلب منه أن يعطي واحدًا لـلسيد (…) لنفسه، ويسلّم الآخر لزوجته. كان الحاج قد ارتدى كمامة وطلب من السيد (…) أن يخبر مضيفي الطائرة أن لا يُحضِروا له شيئًا فهو يريد فقط أن يستريح.
الحاج منذ لحظة إقلاع الطائرة استراح حتى لحظة هبوطها في بغداد. وكان الآخرون مستيقظين إلى حد ما. أما السيد (…) وحسين بورجعفري فكانا يجلسان بجانب بعضهما البعض. عاد السيد (…) إلى سوريا بعد ساعتين أو ثلاث ساعات.
لقد طلبتُ من رجال الأمن في المطار هنا أن يطلبوا من السيد (…) التحدث معي بمجرد عودته. يقول السيد (…) إنه عندما هبطت الرحلة اتّجه الحاج قاسم كعادته إلى قمرة القيادة وشكر الطيار وودعه. وعندما فُتح باب الطائرة، نزل الحاج سريعًا منها. وصلت سيارة مرسيدس وأوقفها السائق بطريقة لامس فيها بابها درج الطائرة. فنزل الحاج، ولم ينزل أحد قبله، وركب السيارة. ابتعدت السيارة قليلًا، وجاءت سيارة نقل صغيرة، وركب حسين بورجعفري وبعض العناصر من الحرس الشخصي إلى السيارة، وكان هناك خمسة أشخاص إجمالًا.
قبل سفرهم كنت أعطيتُ أيضًا صندوق رمان لحسين بور جعفري، وقلتُ له إن الحاج يحب أكل الرمان في الاجتماعات. عندما نزل بورجعفري ليغادر توجه بالشكر الى السيد (…) وأخبره أن الحاج أرسل لك هذا الخاتم وهذا الخاتم الثاني هو لزوجتك، وبعد نزول الركاب طلب طاقم الطائرة التزود بالوقود، فقالوا لهم إن الوضع في المطار غير عادي ويجب الانتظار وبعد ذلك يتزودون بالوقود، والسيد (…) كان في رحلة العودة. وعندما عاد إلى هنا، لم يكن يعلم بما حدث.
في هذا الوقت نحن هنا ما زلنا ننتظر عودة السيد (…) لنعرف كيف خرج الحاج؟ وكانت القنوات التلفزيونية تصدر العواجل. وفي الساعة 3:30 او4:00 مساءً، كانت قناة “الميادين” وقنوات التلفزيون الأخرى تبث خبر ما حدث. وكنت أعلم أنه من الممكن أن يكون الحاج أبو مهدي في سيارة الاستقبال، كما أصرّ، وعادة ما كان يأتي بمفرده.. أبو مهدي كان دائمًا حاضرًا عند وصول أو مغادرة الحاج قاسم.
مع مرور بعض الوقت، تم تأكيد الخبر.. وأصبنا بهذه المصيبة.
اتصلت بالسيد (..) وقلت حدث شيء في بغداد واستشهد الحاج، كما اتصلت بزينب وأخبرتها أن والدك استشهد في بغداد. أعطيتها الخبر، هي كانت قد قرأت الخبر من عواجل القنوات التلفزيونية، ويبدو أن الخبر الأول نقل عبر مكتب سماحة السيد، لأحد السادة في مكتب لبنان. نحن عادة ننام ليلًا في هذا الوقت، لكن الإخوة في لبنان يستيقظون حتى الثالثة، الرابعة فجرًا، وحتى صلاة الصبح. لقد نقلوا الخبر إلى الحاج وربما نقلوا الخبر إلى زينب ثم اتصلت بي زينب وهي تبكي وقالت يا عمي، أخبرني أين أبي؟
مرّ ذلك اليوم وبدأت قضية تلك الورقة والرسالة، وكان يوم السبت، وقد رتّبنا لسفر عدد من العائلات حيث إذا أراد أي شخص أن يشارك في مراسم التشييع يذهب، وأنا كنت في المطار. ورأيت الأخ رضا الذي كان يعمل معنا مساعدًا في الخدمة قد جاء، وكان يبكي كثيرًا، فقلت له ماذا حدث أخ رضا؟
قال: سيد! إن الحاج كان يعرف أنه سيستشهد، انظر واقرأ هذه الورقة.
أخذت الورقة وقرأتها. ولقد كتب بوضوح.
رضا كان يعرف التفاصيل أكثر. يبدو أنه كتب هذه الورقة في الليلة نفسها التي أراد فيها الذهاب إلى المطار. وعلى هذه الطاولة التي كانت عليها مرآة، كان قد وضع الرسالة والمسبحة والقبعة. في اليوم التالي لمغادرة الحاج، عندما كان يقوم الشباب بتنظيف المنزل عند الظهيرة، وفي أثناء تنظيف رضا الغرفة التي كان فيها الحاج، أحضر لي الورقة والسبحة والقبعة.
كان الحاج لطيفًا جدًا معي ومع عائلتي وكانت هناك بيننا زيارات متبادلة. اتصلت ابنتي بي ليلًا وقالت يا والدي زينب مضطربة كثيرًا لشهادة والدها تحدث معها.
قلت: أعطها الهاتف.
أخذت الهاتف ولكن أُغلِق الخط، فاتصلت مرة أخرى. كنت قد وضعت الورقة في ظرف مع القبعة وكان معي الظرف لأرسلهم على متن الطائرة.
وعندما أخذت زينب الهاتف، قُلت: “عمي، لا تغلقي الخط.. هل تعلمين أن والدك نفسه كان يعلم بأنه سيستشهد؟”.
قالت: “كيف؟”.
قلت: لقد كتب ورقة بخطه ووقعها على ثلاث جهات، ووضعت الورقة وقبعته ومسبحته في الظرف، وستصل اليك خلال ساعة أو ساعتين.
بعد هذا الحديث شعرت أنها هدأت قليلًا.
كيف كان ينظر الشهيد قاسم سليماني إلى قضية سورية وماذا أراد تحقيقه ولم يتحقق؟
في الحرب السورية كان يقول لنا إن كل شخص يستطيع أن يعمل على أساس قدراته، يمكن لشخص أن ينجز بنسبة 5% وآخر بنسبة 10% ويمضي خطوة ويعمل والباقي على الله سبحانه وتعالى، عليكم أن تعملوا بحسب واجبكم. في رأيي، الحاج عمل هنا جهودًا كثيرةً.
الشيء الوحيد الذي لم يكن في قاموس الحاج هو الخوف، ربما نحن كنا خائفين، لكن ما رأيناه من الحاج أنه لم يكن خائفًا. ولو كان الأمر بيده لما أخذ هؤلاء الأربعة الذين كانوا يرافقونه. ففي الأوقات التي كان يذهب فيها إلى الخطوط الأمامية، كان شخصان أو ثلاثة فقط يذهبون معه، أو يذهب هو لوحده بدراجة نارية. كان الحاج حذرًا ولكنه لم يكن خائفًا، في رأيي، لدينا جميعًا ايمان، إذا وصلت لحظة نهاية العمر، فلن نتمكّن من إيقافها بأي وسيلة. لقد كان يشعر في الأشهر الأخيرة بأن الشهادة قريبة، وأخبر حسين بورجعفري مرّة أو مرّتين أن يُجهّز حقيبته لأن وقت الرحيل قد حان.
سبق أن قال لي حسين بورجعفري قبل أن الزيارة الأخيرة الأخيرة للحاج إلى إيران والتي مكث خلالها مدّة أسبوع في طهران، وقضى الكثير من الوقت مع عائلته وودعها. وفي آخر مرّة كان التقيت فيها بورجعفري نقل إلي أن الحاج قاسم قال له بعد الرحلة الأخيرة إلى العراق: “حسين.. لقد تعبنا أنت وأنا، ادعو الله أن نكون أنا وأنت شهداء معًا”.
كانت الاستخبارات الأميركية تتابع الحاج قاسم يوميًا.. حتى خلال عمليتي تدمر والبوكمال، لقد كانوا يتابعونه لمدة عام على الأقل، ويخططون لسيناريوهات مختلفة حتى يحين الوقت ويستهدفونه.