“ثلاثة يُدخلهم الله الجنّة بغير حساب: إمامٌ عادل، وتاجرٌ صدوق، وشيخٌ أفنى عمره في طاعة الله”-8
4 أيام مضت
طرائف الحكم
22 زيارة
الدرس الثامن: قرّة عين الرسول صلى الله عليه وآله وسلم
النصّ المحوري:
روي عن الإمام الصادق عليه السلام: “أَحَبُ الْأَعْمَالِ إِلَى اللهِ عَزَّ وَ جَلَ الصَّلَاةُ وَ هِيَ آخِرُ وَصَايَا الْأَنْبِيَاءِ ع فَمَا أَحْسَنَ الرَّجُلَ يَغْتَسِلُ أَوْ يَتَوَضَّأُ فَيُسْبِغُ الْوُضُوءَ ثُمَّ[1] يَتَنَحَّى حَيْثُ لَا يَرَاهُ أَنِيسٌ فَيُشْرِفُ عَلَيْهِ وَ هُوَ رَاكِعٌ أَوْ سَاجِدٌ إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا سَجَدَ فَأَطَالَ السُّجُودَ نَادَى إِبْلِيسُ يَا وَيْلَاهْ أَطَاعَ وَ عَصَيْتُ وَ سَجَدَ وَ أَبَيْت”.
النقاط المحورية:
– منزلة الصلاة وأهمّيتها.
– الآثار الروحّية والتربوية للصلاة.
– عاقبة ترك الصلاة.
منزلة الصلاة وأهمّيتها
حظيت الصلاة في هذا الدين بمكانة عظيمة ومنزلة رفيعة لا تعدلها أية عبادة أخرى, فهي دعامته وركنه وشعيرته ومظهره الخالد وآيته الباقية، والصلاة عماد الدين، وأوّل ما يسألنا عنه ربّ العالمين، فهي مفتاح الحساب، والواقية من العذاب، في الدنيا وتحت التراب، ويوم القيامة حين يقوم الحساب ويقوم الجزاء والعقاب، وهي بعد راحة للبدن وراحة للبال, وهذا ما نستشفّه من خلال الآيات القرآنية الكريمة والأحاديث الواردة عن أهل بيت العصمة عليهم الصلاة والسلام:
1- المكان الذي فُرضت فيه:
هي تلك العبادة التي عندما أراد الله فرضها لم يُرسل ذلك مع جبريل عليه السلام ككّل الفرائض الأخرى، ولكنّه أسرى بنبيّه الأكرم ورسوله الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم إلى بيت المقدس ثم عرج به إلى السموات العلى وخاطبه سبحانه، في ذاك المقام الشريف، وفوق تلك السموات فُرضت هذه الشعيرةُ العظيمة التي اختصّها الله من بين سائر شرائع الإسلام بذلك حيث إنّ المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم تلقّى الأمر بها من الله تعالى مباشرة، فأيّ مكانة ومنزلة تلك؟! وأيّ شأن ذاك لهذه الصلاة؟! ولا غرابة حينئذ أن يقول عنها خاتم الأنبياء صلى الله عليه وآله وسلم: “إِنَ اللهَ جَعَلَ قُرَّةَ عَيْنِي فِي الصَّلَاة”[2].
2- رأس مال المسلم وعروة الإسلام:
الصلاة دعامة لجميع الشرائع السماوية، فهي أقدم عبادة، ولأنّها من مستلزمات الإيمان لم تخل منها شريعة من الشرائع، ولم تنسخ فيما نُسِخ منها، إذ لا خير في دين لا صلاة فيه، ولأهمّية الصلاة وكبير مكانتها في الإسلام جعلها الله حدّاً فاصلاً بين الكفر والإسلام، فقال جلّ شأنه: ﴿فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾[3].
3- أحبّ الأعمال إلى الله تعالى:
قال مولانا الإمام الصادق عليه السلام قال أمير المؤمنين عليه السلام: “ليس عمل أحبّ إلى الله عزّ وجلّ من الصلاة، فلا يشغلنّكم عن أوقاتها شيء من أمور الدنيا، فإنّ الله عزّ وجلّ ذمّ أقواماً، فقال: ﴿الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ﴾[4] يعني أنّهم غافلون استهانوا بأوقاتها”[5].
يُشير حديث الإمام عليه السلام إلى موقعيّة الصلاة, وأنّها أحبّ الأعمال إلى الله عزّ وجلّ, فمن أراد رضا الحبيب حافظ على صلاته ولم ينشغل عن لقاء الله عزّ وجلّ بالأمور المادّية والدنيوية.
4- أفضل وسيلة لذكر الله تعالى:
يُشير الله سبحانه في الآية الكريمة: ﴿إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي﴾[6] إلى واحدة من أهمّ أسرار الصلاة، وهي أنّ الإنسان يحتاج في حياته في هذا العالم، إلى عمل يُذكِّره بالله والقيامة ودعوة الأنبياء وهدف الخلق في فترات زمنية مختلفة، كي يحفظه من الغرق في دوّامة الغفلة والجهل، وتقوم الصلاة بهذه الوظيفة المهمّة.
فمع توزّع الصلوات الواجبة على أوقات اليوم المختلفة فإنّ العبد يغسل بها غبار الغفلة الذي استقرّ على قلبه. ومن هنا يقول الله سبحانه لنبيّه موسى عليه السلام في أوّل الأوامر في بداية الوحي: ﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي﴾[7]، وفي آيات أخرى نقرأ: ﴿أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾[8] و ﴿يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي﴾[9].
فإذا جعلنا هذه الآيات الثلاث جنباً إلى جنب فسنفهم جيّداً أنّ الصلاة تُذكِّر الإنسان بالله، وذكر الله يجعل نفسه مطمئنّة، ونفسه المطمئنّة ستوصله إلى مقام العباد المخلصين والجنّة الخالدة.
5- أفضل وسيلة لمواجهة الشدائد:
كان الأنبياء عليهم السلام يفزعون إلى الصلاة عند الشدائد والمكائد، وقد أمر الله نبيّه الخاتم صلى الله عليه وآله وسلم بالصبر والمحافظة على الصلاة: ﴿وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ﴾[10].
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾[11]، ويقول عزّ من قائل: ﴿وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ * الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ﴾[12], الأمر الإلهي بالاستعانة بالصبر والصلاة خير دليل على أهمّية وموقعيّة الصلاة في مواجهة الشدائد والتغلّب عليها.
6- خير الأعمال وأفضلها:
تُعتبر الصلاة أفضل الفرائض, وخير الأعمال التي تُثقل الميزان يوم القيامة فقد روى مولانا الإمام جعفر بن محمد الصادق عن آبائه الكرام، عن علي عليهم السلام قال: “قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “نَجُّوا أَنْفُسَكُمْ اعْمَلُوا وَ خَيْرُ أَعْمَالِكُمُ الصَّلَاة”[13], وروى جدّه الإمام الصادق عن آبائه الكرام، عن عليّ عليهم السلام قال: “قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: الصَّلَاةُ مِيزَانُ أُمَّتِي مَنْ وَفَّى اسْتَوْفَى”[14].
الآثار الروحية والتربوية للصلاة
إنّ الصلاة هي أهمّ الأوامر الإلهية وما يتخلّلها من دعاء وأذكار، وتلاوة للقرآن، ستترك بلا شك أثراً بالغاً في الأبعاد الدينيّة والروحية عند الفرد المسلم لأنّ الصلاة ليست مجرّد تحريك للبدن واللسان، فهذه الحركات والكلمات لها امتدادها في وجدان المؤمن وقلبه ونفسه.
1- قوّة الصلة بالله تعالى:
أوّل أثر من آثار الصلاة على المصلّي قوّة الصلة بينه وبين ربّه، وذلك لأنّ الصلاة عبادة تُحقّق دوام ذكر الله، ودوام الاتصال به، وتُمثّل تمام الطاعة والاستسلام لله، والتجرّد له وحده بلا شريك،، بها تتوثّق أسباب الاتصال بالله، ويتزوّد العبد من خلالها بطاقة روحية تُعينه على مشقّة التكليف. فيها يقف الإنسان بين يدي ربّه في خشوع وخضوع، مستشعراً بقلبه عظمة المعبود، مع الحبّ والخوف من جمال وجلال المعبود، طامعاً فيما عنده من الخير، وراغباً في كشف الضر، وجلاً من عقابه الشديد.
وقد روى إمامنا الكاظم موسى بن جعفر عليهما السلام عن أبيه، عن آبائه الكرام عليهم السلام: في حادثة مفصَّلة، عن أمير المؤمنين عليهما السلام في فضل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “إنّه كان إذا قام إلى الصلاة سُمع
لصدره وجوفه أزيز كأزيز المرجل على الأثافي[15] من شدّة البكاء، وقد أمنه الله عزّ وجلّ من عقابه، فأراد أن يتخشّع لربّه ببكائه، ويكون إماماً لمن اقتدى به، ولقد قام عليه وآله السلام عشر سنين على أطراف أصابعه حتى تورّمت قدماه واصفرّ وجهه، يقوم الليل أجمع حتى عوتب في ذلك، فقال الله عزّ وجلّ: ﴿طه * مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى﴾[16]. بل لتسعد به، ولقد كان يبكي حتى يُغشى عليه، فقيل له: يا رسول الله أليس الله عزّ وجلّ قد غفر لك ما تقدّم من ذنبك وما تأخّر؟ قال: بلى أفلا أكون عبداً شكوراً”[17].
2- أثر الصلاة في طهارة النفس وتزكيتها:
الصلاة تُربّي النفس وتُهذّب الروح وتُنير القلب بما تغرس فيه من جلال الله وعظمته، خصوصاً أثناء السجود الذي تكمن آدابه القلبية في معرفة حقيقة النفس وأصل وجود الإنسان وأدب وضع الرأس على التراب إسقاط أعلى مقامات نفسه عن عينه، ورؤيتها أقل من التراب، كما أنّ تحلّي المرء وتجمّله بمكارم الأخلاق خصوصاً إذا منح الله تعالى العبد توفيق الأُنس به حال الصلاة، وذاق حلاوة مناجاة ربّه، فسيُقلع عن اقتراف الذنوب بكلّ سهولة، ولن تعود للخطيئة جاذبيّة في نظره، لذلك يقول العارف بالله الشيخ بهجت رحمه الله: “لو علم ملوك العالم في الصلاة من لذّة لتركوا لذّات سلطانهم، وهرعوا نحو الصلاة”[18].
ومن رحمة الله تعالى وتفضّله على الخلق جعل الصلاة وسيلة لغسل الذنوب وتطهير النفوس فقد جاء في حديث إمامنا أبي جعفر محمد الباقر عليه السلام الذي يرويه عن جدّه النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم أنّه سأل أصحابه: “لَو كانَ عَلى بابِ دارِ أحَدِكُم نَهرٌ، فَاغتَسَلَ في كُلِّ يَوم مِنهُ خَمسَ مَرّات. أكانَ يَبقى في جَسَدِهِ مِنَ الدَّرَنِ شَيءٌ؟ قالوا. لا. قالَ: فَإِنَّ مَثَلَ الصَّلاةِ كَمَثَلِ النَّهرِ الجاري كُلَّما صُلّيَ صَلاةٌ كَفَّرَت ما بَينَهُما مِنَ الذُّنوبِ”[19]. وقال أمير المؤمنين عليه السلام: “الصَّلاةُ صابونُ الخَطايا”[20].
3- درع المسلم السابغة[21]:
تُعدّ الصلاة درعاً سابغة منيعة أمام الذنوب المستقبلية: لأنّها تُقوّي روح الإيمان في الإنسان، وتُنمّي التقوى في القلب، ومن المعلوم أنّ الإيمان والتقوى هما أقوى الدروع التي تواجه الذنوب، وأشار القرآن إلى هذا المعنى بعنوان النهي عن الفحشاء والمنكر، وورد في روايات عديدة أنّ المصلّي إذا كان مبتلى ببعض العادات السيّئة، واستمرّ في أداء صلاته، فإنّ الآثار الروحية والتربوية للصلاة كفيلة بأن تجعل منه فرداً صالحاً في المستقبل كما حصل عندما جاء أحد الصحابة، فقال: يا رسول الله إنّ فلاناً يُصلّي الليل كلّه، فإذا أصبح سرق، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: “سينهاه ما تقول”[22]، أي: صلاته التي يُصلّيها.
ويشير إلى المعنى نفسه قول الله عزّ وجلّ في كتابه الكريم: ﴿إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ﴾[23]، أي: أنّها تنهى عن أضدّادها..
4- إزالة الغفلة:
إنّ في تكرار الصلوات على امتداد اليوم والليلة الأثر الأكبر لإزالة الغفلة من حياة الفرد والمجتمع المسلم لأنّ الصلاة, ومن خلال ذكر الله تعالى الوارد فيها, تُنبّه من رقدة الغافلين، وتُذكّر بهدف الخلقة والإبداع, كما قال سبحانه وتعالى: ﴿وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ وَلاَ تَكُن مِّنَ الْغَافِلِينَ﴾[24]. ويتّضح ذلك أيضاً في دعاء مولانا الإمام زين العابدين علي بن الحسين عليهما السلام وطلبه من الله عزّ وجلّ ألّا يحول بينه وبين المساجد وأماكن الذكر والعبادة وألّا يجعله من الغافلين: “اللهم.. لا تحل بيني وبين المساجد التي يُذكر فيها اسمك، ولا تجعلني من الغافلين عن ذكرك وشكرك”[25].
-
قمع التكبّر وتمزيق حجب الغرور:
الصلاة تُحبط التكبّر لأنّ فيها الركوع، وهو خضوع للربّ العظيم، والسجود وهو غاية الخضوع للربّ الأعلى، والإنسان عندما يخرّ لله ساجداً يضع أشرف عضو من أعضاء جسده – وهو الوجه – على التراب، ويُنكّس جوارحه خاضعاً متذلِّلاً لله تعالى، وينحني لله في سبع عشرة ركعة خلال
اليوم والليلة وفي كلّ ركعة مرّتين، عندها يُدرك الإنسان العاقل عظمة الله وكبريائه وجبروته، وفي نفس الوقت يُدرك ذلّته وفقره وحاجته ومسكنته أمام عزّة الله وغناه، فيضع حجب الغرور جانباً ويقمع التكبّر، لهذا السبب قالت سيّدة نساء العالمين الطهر البتول أمّ أبيها فاطمة الزهراء عليها السلام في خطبتها التي أوضحت فيها فلسفة العبادات الإسلامية، وبيّنت أنّ أولى العبادات بعد الإيمان هي الصلاة، فقالت عليها السلام: “… ففرض الله الإيمان تطهيراً من الشرك، والصلاة تنزيهاً عن الكبر”[26].
6- مفتاح لكلّ خير:
إنّ الصلاة مفتاح لكلّ خير، فهي التي تُعطي القلب أنساً وسعادة، وتُعطي الروح بشراً وطمأنينة، وتُعطي الجسد نشاطاً وحيوية، والإنسان بطبيعته لا يستمر على حال واحدة، فتجده مسروراً أو حزيناً أو خائفاً أو مريضاً…. لذا فإنَّ تعدُّد أنواع الصلاة[27]، يُلائم الإنسان في جميع أحواله ويقضي حوائجه. فبها مثلاً تدفع الشدائد والنكبات لتكون بمثابة صيانة مستمرّة للعبد المسلم..
ولتبيان كثرة هذه الآثار الحميدة نقول روي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: “كذب من زعم أنّه يُصلّي صلاة الليل وهو يجوع، إنّ صلاة الليل تضمن رزق النهار”[28]. وروى مولانا الإمام الصادق، عن آبائه عليهم السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: “لَوْ يَعْلَمُ الْمُصَلِّي مَا يَغْشَاهُ مِنْ جَلَالِ اللهِ مَا سَرَّهُ أَنْ يَرْفَعَ رَأْسَهُ مِنَ السُّجُود”[29].
7- مغفرة ورحمة:
أطلق القرآن الكريم لفظ الصلاة على مغفرة الله جلّ شأنه لعبيده، وذلك من خلال قوله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ﴾[30]، وكذلك على الرحمة في قوله تعالى: ﴿أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ﴾[31].
وفي هذا إشارة هامّة إلى أثرين من آثار الصلاة على العباد، وكأنَّ المغفرة والرحمة لازمتان من لوازم الصلاة المقبولة لا ينفكّان عنها. ولذلك قرأ أمير المؤمنين عليه السلام قول الله تعالى: ﴿إِنَّ
الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ﴾[32]، وأعقبها بقوله: “يقول صلاة الخمس تُكفّر الذنوب، ما اجتنب العبد الكبائر”[33].
عاقبة ترك الصلاة
روى السيد علي ابن طاووس الحسني بثلاثة أسانيد[34] حديثاً جامعاً أنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم عدّد في جوابه على سؤال مولاتنا الطُّهر البتول فاطمة عليها السلام عن عاقبة تارك الصلاة، والآثار الناجمة عن ذلك فقال: “من تهاون بصلاته من الرجال والنساء ابتلاه الله بخمس عشرة خصلة، ستٌّ منها في دار الدنيا، وثلاث عند موته، وثلاث في قبره، وثلاث يوم القيامة إذا خرج من قبره.
فأمّا اللواتي تُصيبه في دار الدنيا: فالأولى يرفع الله البركة من عمره ويرفع الله البركة من رزقه، ويمحو الله عزّ وجلّ سيماء الصالحين من وجهه، وكلّ عمل يعمله لا يؤجر عليه، ولا يرتفع دعاؤه إلى السماء، والسادسة ليس له حظٌّ في دعاء الصالحين.
وأمّا اللّواتي تُصيبه عند موته: فأوّلهنّ أن يموت ذليلاً، والثانية يموت جائعاً، والثالثة يموت عطشاناً، فلو سقي من أنهار الدنيا لم يرو عطشه.
وأمّا اللّواتي تُصيبه في قبره: فأوّلهنّ يُوكِل الله به ملكاً يُزعجه في قبره، والثانية يُضيّق عليه قبره، والثالثة تكون الظلمة في قبره، وأمّا اللّواتي تُصيبه يوم القيامة إذا خرج من قبره: فأوّلهنّ أن يُوكِل الله به ملكاً يسحبه على وجهه والخلائق ينظرون إليه، والثانية يُحاسبه حساباً شديداً، والثالثة لا ينظر الله إليه، ولا يُزكّيه وله عذاب أليم”[35].
والحمد لله رب العالمين
[1] الشيخ الكليني، الكافي، ج3، ص264.
[2] العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 79، ص 233.
[3] سورة التوبة، الآية 11.
[4] سورة الماعون، الآية 5.
[5] العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 10، ص 100.
[6] سورة طه، الآية 14.
[7] سورة طه، الآية 14.
[8] سورة الرعد، الآية 28.
[9] سورة الفجر، الآيات 27-30.
[10] سورة الحجر، الآيتان 97 – 98.
[11] سورة البقرة، الآية 153.
[12] سورة البقرة، الآيتان 45و46.
[13] النورى، مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل، ج3، ص44.
[14] م.ن، ص 31.
[15] الأثافي جمع الأثفية: الحجر توضع عليه القدر.
[16] سورة طه، الآيتان 1 – 2.
[17] العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 17، ص 287.
[18] نقل عنه هذا القول آية الله الشيخ مصباح اليزدي في محاضرة ألقاها في مكتب السيد القائد (حفظهما الله) بتاريخ 21 / آب / 2011م.
[19] الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج4، ص 12.
[20] ابن أبي الحديد، عبد الحميد بن هبة الله، شرح نهج البلاغة، تحقيق وتصحيح محمد أبو الفضل إبراهيم، نشر مكتبة آية الله المرعشي النجفي، قم، الطبعة الأولى، 1404هـ، ج 20، ص 313.
[21] أصلها سَبَغَ: قوله تعالى: ﴿اعْمَلْ سَابِغَاتٍ﴾ (سورة سبأ، الآية 11), أي دروعاً واسعة ضافية… وإسباغ النعمة: توسعتها… والسبوغ: الشمول”، راجع مجمع البحرين للطريحي، (ج5، ص11 ) مادّة “سَبَغَ”،.
[22] محمد بن حبان التميمي، صحيح ابن حبان، مؤسسة الرسالة، ط 2، ج 6 ، ص 300.
[23] سورة العنكبوت، الآية 45.
[24] سورة الأعراف، الآية 205.
[25] ابن طاووس، علي بن موسى، الإقبال بالأعمال الحسنة فيما يعمل مرة في السنة، تحقيق وتصحيح جواد قيومي الأصفهاني، نشر مكتب الإعلام الإسلامي، قم، الطبعة الأولى، 1418 هـ.، ج 2، ص 224.
[26] الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، ج 3، ص 568.
[27] تتعدّد الصلاة بنوعيها الواجب والمستحب فللحضر صلاة، وللسفر صلاة وللمرض صلاة، وللخوف صلاة وللجمعة صلاة، وللعيدين صلاة، وللجنازة صلاة، وللاستسقاء صلاة، وللقيام صلاة…
[28] الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج 8، ص 158.
[29] العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 79، ص 207.
[30] سورة الأحزاب، الآية 43.
[31] سورة البقرة، الآية 157.
[32] سورة هود، الآية 114.
[33] العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 79، ص 274.
[34] وقد حذف السيد ابن طاووس أسانيدها في فلاح السائل لأنّ له منهجاً معيناً في الرواية ذكره في مقدّمة كتابه.
[35] العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 80، ص 21.
2024-11-19