بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله فاتح الاغلاق، مانح الاعلاق، مسبغ العطاء، مسبل الغطاء، الذي خلق الانسان فأجزل عليه الاحسان، حيث أقام من نوعه أقواما فجعلهم لملته قواما ” وعلى أمته قواما “، ثم قرن طاعتهم بطاعته تفضلا بمنه الغمر، فقال عز من قائل (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الامر) (1). ثم أوجب على من سواهم الاهتداء بمنارهم والاقتداء بمبارهم، فاستفز ذوي الهمم للرجوع في الاحكام إليهم والاعتماد في سلوك طريق الانذار عليهم، فقال جل ثناؤه (فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم) (2). أحمده على من طوقه، وأمن وفقه، ويمن دفقه، وظن حققه، ونعمة أولاها ونقمة ألواها، ورحمة والاها.
(1) سورة النساء: 59. (2) سورة التوبة: 22.
[ 26 ]
وأشهد أن لا اله الا الله وحده لا شريك له، شهادة من صدع بالحق لسانه ونزع عن التقليد جنانه، شهادة يحظى بها الشاهد ويلظى بها الجاحد ويرغم بها المنافق ويعظم بها الخالق وأصلي على سيدنا محمد خاتم الانبياء وحاتم الاسخياء. الذي أرسله بكتاب أحكمه وصواب ألزمه، وغمرات (1) الشرك حينئذ طافحة وجمرات الشك لافحة (2)، فلم يزل بزناد الايمان قادحا ” (3)، ولعباد الاوثان مكافحا ” (4)، وبالحقوق طالبا “، وعن الفسوق ناكبا ” (5)، حتى شد من الحق قواعده، وهد من الباطل أوابده (6)، وأظهر من الدين حقائقه، وأنور من اليقين شوارقه، فأقام بارسالة الحجة (7)، وقوم بآله وأنساله المحجة، فأنار بهم الهدى، وأبار الردى، وجعلهم الحجج على خلقه، والباب المؤدي الى معرفة حقه، ليدين بهداهم العباد، وتشرق بنورهم البلاد، وجعلهم حياة للانام، ومصابيح للظلام، ومفاتيح للكلام، ودعائم للاسلام، بعد أن اختارهم من ارجح الخليقة ميزانا “، وأوضحها بيانا “،
- الغمرة: الانهماك في الباطل والشدة، والجمع الغمرات. وغمرات الموت: شدائده والطافح: الممتلئ المرتفع. 2. جمرة النار: القطعة المتلهبة منها. ولفحته النار: أصابت وجهه، الا أن النفح أعظم تأثيرا ” منه. 3. الزند: الذى يقدح به النار، ويجمع على زناد، مثل سهم وسهام. والقادحة: مستخرج النار من الزند. 4. المكافحة: المضاربة والمدافعة تلقاء الوجه. 5. نكب عن الشئ: عدل وأعرض. 6. الابدة: الداهية تبقى على الابد، والجمع الاوايد. 7. في المطبوعة (فأقام بارسال الحجة).
[ 27 ]
وأفصحها لسانا “، وأسمحها بنانا “، وأعلاها مقاما “، وأحلاها كلاما “، وأوفاها ذماما “، وأبعدها همما “: وأظهرها شيما “، وأغزرها ديما (1)، فأوضحوا الحقيقة، ونصحوا الخليقة، وشهروا الاسلام، وكسروا الاصنام، وأضهروا الاحكام، وحظروا الحرام. فعليهم جميعا ” أفضل الصلاة وأتم السلام، صلاة وسلاما ” دائمين بدوام الليالي والايام. وبعد: فيقول فقير رحمة ربه الغني (حسين بن عبد الصمد الحارثي الهمداني) أصلح الله أعماله وبلغه آماله: لما كان التفقه في زماننا هذا واجبا على كل المكلفين، وبه تحصل السعادة في الدنيا والدين، وهو ميراث النبيين وحلية الاولياء والمقربين، فقد روينا بطريقنا الاتي ذكره وغيره عن محمد بن يعقوب الكليني (ره) عن علي بن محمد بن عبد الله عن احمد بن محمد بن خالد عن عثمان بن عيسى عن علي بن ابى حمزة قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: عليكم بالتفقه في دين الله، ولا تكونوا أعرابا “، فانه من لم يتفقه في دين الله لم ينظر الله تعالى إليه يوم القيامة ولم يزك له عملا (2).
- الديم كشيم جمع ديمة: مطر يكون مع سكون، وقيل المطر الذى يكون من غير رعد ولا برق، تدوم يومها. 2. الكافي 1 / 31. وقد وقع خلط بين السند والمتن، فان هذا السند للحديث السابق على هذا الحديث في المصدر، وسند هذا الحديث هكذا: الحسين بن محمد عن جعفر بن محمد عن القاسم بن الربيع عن مفضل بن عمر قال: سمعت ابا عبد الله عليه السلام يقول… وروى أيضا ” في المحاسن: 177.
[ 28 ]
وروينا بالطريق المذكور عنه عن الحسين بن محمد عن معلى بن محمد عن الحسن بن علي الوشا عن حماد بن عثمان عن ابى عبد الله عليه السلام قال: إذا أراد الله بعبد خيرا فقهه في الدين (1). ولا ريب أن التفقه موقوف على الاحاديث المطهرة المروية عن النبي صلى الله عليه وآله والائمة المعصومين عليهم السلام، إذ قد تواتر عنهم (ع) ببطلان القياس النقل وحكم بذلك أيضا ” صحيح العقل، فكان الفحص عن أحاديثهم الواردة عنهم عليهم السلام في المعارف والحلال والحرام من أعظم المهمات واهمال ذلك – خصوصا في زماننا – من اكبر الملمات. ولقد روينا بطريقنا الاتي وغيره من الطرق عن محمد بن يعقوب عن محمد ابن يحيى عن احمد بن محمد بن عيسى عن محمد بن خالد عن ابى البختري عن ابى عبد الله عليه السلام قال: العلماء ورثة الانبياء، وذاك أن الانبياء لم يورثوا درهما ” ولا دينارا “، وانما ورثوا أحاديث من أحاديثهم، فمن أخذ بشئ منها فقد أخذ حظا وافرا، فانظروا علمكم هذا عمن تأخذونه، فان فينا أهل البيت في كل خلف عدولا ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين (2). وقد روينا بطريقنا عنه عن الحسين بن محمد عن احمد بن اسحاق عن سعدان بن مسلم عن معاوية بن عمار قال: قلت لابي عبد الله عليه السلام: رجل راوية لحديثكم يبث ذلك في الناس ويشدده في قلوبهم وقلوب شيعتكم ورجل عابد من شيعتكم ليست له هذه الرواية أيهما أفضل ؟ قال: الراوية لحديثنا
- الكافي 1 / 32. 2. الكافي 1 / 32.