وهو أخذ بباب الكعبة قال: من عرفني ومن أنكرني فأنا أبو ذر، سمعت النبي (ص) يقول: ألا ان مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح من ركبها نجى ومن تخلف عنها هلك (1). ومن المعلوم أنه لم يتمسك بهم ولم يركب في سفينتهم الا الشيعة، لان الباقين قدموا أعداءهم عليهم ورفضوهم وغصبوهم وأغضبوهم وحاربوهم، فهل يكون الفرقة الناجية الا من تمسك بهم وركب معهم. وروى الحاكم في المستدرك عن عبد الرحمن بن عوف أنه قال: خذوا عني قبل أن تشاب الاحاديث بالاباطيل، سمعت رسول الله (ص) يقول: أنا الشجرة وفاطمة فرعها وعلي لقاحها والحسن والحسين ثمرتها وشيعتنا ورقها، وأصل الشجرة في جنة عدن وسائر ذلك في الجنة (2). ان قلت: سلمنا أن الباري طهر هؤلاء الخمسة فأمنتم وقوع الخطأ منهم وحكمتم بعصمتهم، فمن أين علمتم عصمة الائمة التسعة الباقية حتى اعتمدتم عليهم أيضا ” في أمور دينكم ؟ قلت: للاجماع المركب (3)، فان كل من قال بعصمة هؤلاء الخمسة قال بعصمة الباقين ومن لافلا، فالقول بعصمة الخمسة فقط يكون خرقا ” لاجماع الامة واذ قد قام الدليل على عصمة الخمسة ثبت عصمة الجميع.
- المستدرك 3 / 150 وفيه (ومن تخلف عنها غرق). 2. المستدرك 3 / 160. 3. المراد بالاجماع المركب هو أن الفرقة قائلون بعصمة باقى الائمة عليهم السلام كما هم قائلون بعصمة هؤلاء الخمسة، وغير الشيعة والفرقة قائلون بعدم عصمة الجميع من الخمسة وغيرهم وهم المخالفون، وهذا هو الاجماع المركب، ولا ثالث للفريقين قائلين بعصمة الخمسة وعدم عصمة الباقين ليكون خرقا ” لاجماع الامة (منه).
[ 49 ]
وأيضا ” قد ثبت عندنا نص هؤلاء المطهرين على عصمة من بعدهم واحدا ” بعد واحد، ونص كل سابق على لا حقه بما يعلم ثبوته، ولا يمترى فيه (1) الا كما يمترى في المتواترات من أحوال الصحابة بعد النبي صلى الله عليه وآله. [ ولو سلمنا أنهم غير معصومين فهم مجتهدون لهم أهلية الحل والعقد كما لا ينكره مسلم، فعلى كل حال لا يقصر التمسك بمحمد الباقر وجعفر الصادق عليهما السلام وأولادهما المجمع على عدالتهم وطهارتهم واجتهادهم عن التمسك بأبى حنيفة والشافعي، فنحن على يقين من أمرنا ولابد لخصومنا من القول بحصة معتقدنا. وهذا واضح جلي ] (2). وأما ما جاء من النص على الائمة الاثني عشر من طرق مخالفينا فقد روى البخاري في صحيحه بطريقين: أولهما – الى جابر بن سمرة قال: سمعت رسول الله (ص) يقول: يكون بعدي اثنا عشر أميرا “. فقال كلمة لم أسمعها، قال ابى: كلهم من قريش (3). وثانيهما – الى ابن عيينة قال: قال رسول الله (ص): لا يزال أمر الناس ماضيا ” ماوليهم اثنا عشر رجلا. ثم تكلم بكلمة خفيت علي، فسألت ابى: ماذا قال رسول الله ؟ فقال: قال: كلهم من قريش (4). وقد روى مسلم أيضا ” الحديث الاول بثمان طرق ألفاط متونها لا تختلف الاقليلا (5).
- امترى في أمره: شك فيه. 2. الزيادة وقعت في النسخة المخطوطة في المتن وفى المطبوعة في الهامش. 3. صحيح البخاري 2 / 1072. 4. صحيح مسلم 6 / 3، وأخرجه في غاية المرام ص 191 عن صحيح البخاري. 5. غاية المرام ص 191 عن صحيح مسلم.
[ 50 ]
ورواه الحميدي في الجمع بين الصحيحين بست طرق (1). ورواه الثعلبي في تفسيره بثلاث طرق، ورواه أيضا ” في الجع بين الصحاح الست بثلاث طرق (2). وروى مسلم أيضا ” الحديث الثاني بلفظه في صحيحه. و (الامير) كما في الحديث الاول و (الوالي) كما في الحديث الثاني هو الذي يجب اتباعه في أمور الدين والدنيا، لقوله تعالى (أطيعو الله وأطيعوا الرسول وأولي الامر منكم) (3). وغير هؤلاء الاثني عشر ممن ولي أمور الناس بالغضب والسيف اكثرهم بل كلهم علم منهم الفسق عند كل أحد بل الكفر، لمحاربتهم أهل البيت المطهرين ونصبهم العداوة والمناواة لهم، والحال أن علو قدرهم وعظم شأنهم من ضروريات الدين، ولما علم من تعظيم الله ورسوله لهما وثنائهما عليهم، فالمستخف بهم والمنكر لقدرهم والمخالف لهم والمحارب والباغض كمنكر وجوب الصوم والصلاة وغيرهما مما علم من الدين ضرورة، فمكما يكفر المنكر لذلك كذلك يكفر المستخف بهم والناصب لهم العداوة. فكيف يجب اتباعهم وطاعتهم وأخذ معالم الدين منهم وهو على الوصف المذكور، وفيهم مثل معاوية المعلن بعداوة أهل البيت وحربهم وقتل أصحاب النبي، وابنه يزيد المعلن مع ذلك بالفجور والخمور والمناكر وبنو أميه الذين ظهرت منهم المناكر والقبائح التي لم تخف على مسلم، مع أنهم ليسوا من
- غاية المرام ص 192 عن الحميدى. 2. غاية المرام ص 192. 3. سورة النساء: 59.
[ 51 ]
أهل البيت الذين أمر النبي باتباعهم الى انقطاع التكليف وقرنهم مع الكتاب المنيف. فلما وقع النص المذكور من النبي صلى الله عليه وآله عليهم وجب الرجوع إليهم ونقل الاحكام عنهم، لعدم حصول ذلك في غيرهم، وعلمنا أنهم هم المقصودون بالنصوص بحيث لا يرتاب فيه بل ولا يرتاب فيه ذولب وانصاف. (فصل) وكيف لا نأخذ أحاديثنا ومعالم ديننا عن هؤلاء الذين جاء فيهم ما تلوناه عليك، وهم الذين جعل الله ودهم أجر الرسالة بقوله تعالى (قل لا أسألكم عليه أجرا ” الا المودة في القربى) (1)، فانها نزلت في علي وفاطمة والحسن والحسين، كما رواه احمد بن حنبل في مسنده (2) والبخاري في صحيحه (3) والثعلبي في تفسيره. وهم أمان الانام، لقول النبي صلى الله عليه وآله: النجوم أمان لاهل السماء إذا ذهبت ذهبوا، وأهل بيتي أمان لاهل الارض فإذا ذهب أهل بيتي ذهب أهل الارض. كما رواه احمد بن حنبل في مسنده (4). وهم الذين يطعمون الطعام على حبه مسكينا ” ويتيما ” وأسيرا ” (5)، حتى أتى
1. سورة الشورى: 20. 2. راجع احقاق الحق 9 / 98. 3. صحيح البخاري 2 / 713. 4. غاية المرام ص 274. 5. سورة الانسان: 8.