تعالى بانقلابهم لم يحسن منه التوبيخ عليه. وأما ما رووه في شأن الصحابة اجمالا أيضا ” فمنه: ما رواه في الجمع بين الصحيحين من سمند سهل بن سعد (1) في الحديث الثامن والعشرين من المتفق عليه قال: سمعت رسول الله (ص) يقول: أنا فرطكم (2) على الحوض، من ورد شرب ومن شرب لم يظمأ أبدا “، وليردن علي أقوام أعرفهم ويعرفوني ثم يحال بيني وبينهم. قال أبو حازم (3): فسمع النعمان بن ابى العباس (4) وأنا أحدثهم بهذا الحديث فقال: هكذا سمعت سهلا يقول ؟ فقلت: نعم. فقال: أنا أشهد على ابى سعيد الخدري لسمعته يزيد فيقول: انهم من أمتي ؟ فيقال: انك لا تدري ما أحدثوا بعدك. فأقول: سحقا ” سحقا ” لمن يبدل بعدي (5). ومنه ما رواه في الجمع بين الصحيحين أيضا ” من المتفق عليه في الحديث الستين من مسند عبد الله بن عباس قال: ان النبي (ص) قال: انه سيجاء برجال من أمتي فيؤخذ بهم ذات الشمال فأقول: يا رب أصحابي. فيقال: انك لا تدري ما أحدثوا بعدك. فأقول كما قال العبد الصالح (وكنت عليهم شهيدا ما دمت
- هو سهل بن سعد الساعدي الصحابي. 2. فرطكم: متقدمكم إليه. 3. هو سلمة بن دينار. 4. في صحيح البخاري (النعمان بن ابى عياش)، وفي هامشه: اسم ابى عياش زيد ابن الصامت الزرقى البصري. 5. صحيح البخاري 2 / 974، 1045، في الاول (سحقا ” سحقا ” لمن غير بعدى) وفي الثاني (لمن بدل بعدى). وسحقا “: أي بعدا “.
[ 66 ]
فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شئ شهيد * ان تعذبهم فانهم عبادك) (1). قال: فيقال لي: انهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم (2). ومنه في الجمع بين الصحيحين أيضا ” في الحديث الحادي والثلاثين بعد المائة من المتفق عليه من مسند انس بن مالك قال: ان النبي (ص) قال: ليردن علي الحوض رجال ممن صاحبني حتى إذا رأيتهم ورفعوا الي رؤوسهم اختلجوا (أصاحوا خ ل) فلاقولن: أي رب أصحابي أصحابي. فليقالن: انك لا تدري ما أحدثوا بعدك (3). ومنه فيه أيضا ” في الحديث السابع والستين بعد المائتين من المتفق عليه من مسند ابى هريرة، رواه بعدة طرق قال: قال النبي (ص): بينا أنا قائم إذا زمرد حتى إذا عرفتهم خرج رجل ببنى وبينهم فقال: هلموا. فقلت: الى أين ؟ قال: الى النار والله. قلت: ما شأنهم ؟ قال: انهم ارتدوا بعدك على أدبارهم القهقرى. ثم إذا زمرة حتى إذا عرفتهم خرج رجل بيني وبينهم فقال: هلموا. فقلت الى أين ؟ فقال: الى النار والله. قلت: ما شأنهم ؟ قال: انهم ارتدوا على أدبارهم، فلا أراه يخلص منهم الامثل ما يخلص من همل النعم (4). وقد روى الحميدي نحو ذلك من مسند عائشة من عدة طرق، ونحوه من
- سورد المائدة: 117، 118. 2. صحيح البخاري 2 / 693. 3. صحيح البخاري 2 / 976 ط الهند. 4. صحيح البخاري 2 / 975. وهمل بفتحتين جمع هامل، وهمل النعم هي المسرحة.
[ 67 ]
مسند أسماء بنت ابى بكر من عدة طرق، ونحوه من مسند أم سلمة، ونحوه من مسند سعيد بن المسيب من عدة طرق، كل ذلك في الجمع بين الصحيحين. ومنه أيضا ” في مسند ابى الدرداء في الحديث الاول من صحيح البخاري قالت أم الدرداء: دخل علي أبو درداء وهو مغضب، فقلت: ما أغضبك ؟ فقال: والله ما أعرف من أمرامة محمد شيئا ” الا أنهم يصلون جميعا ” (1). وروى البغوي في كتاب المصابيح في حديث طويل في صفة الحوض قال قال رسول الله (ص): أنا فرطكم على الحوض، من مر علي شرب ومن شرب لم يظمأ أبدا “، وليردن علي أقوام أعرفهم ويعرفونني ثم يحال بيني وبينهم، فأقول: انهم أمتي. فيقال: انك لا تدري ما أحدثوا بعدك. فأقول: سحقا ” سحقا ” لمن غير بعدي. وقد رووا في صحاحهم من شكوى النبي صلى الله عليه وآله منهم ومن مخالفتهم له أشياء كثيرة لو عددناها لطال. وأما شكوى علي عليه السلام وتظلمه من الثلاثة الاول فهو أوضح من الشمس قد نقله كل الطوائف، ونهج البلاغة مشحون به، كقوله: أما والله لقد تقمصها أخوتيم وهو يعلم أن محلي منها محل القطب من الرحى (2). وقوله: وطفقت ارتأي بين أن أصول بيد جذاء أو أصبر على طخية عمياء. وقوله: أرى تراثي نهبا “، حتى إذا مضى الاول لسبيله عقدها لاخ عدي (أدلى بها الى فلان خ ل) بعده، فواعجبا ” بينا هو يستقيلها في حياته إذ عقدها لاخر بعد وفاته (3).
- صحيح البخاري 1 / 90. 2. راجع شرح النهج لابن ابى الحديد 1 / 151. 3. شرح النهج لابن ابى الحديد 1 / 162.
[ 68 ]
ونحو ذلك مما هو كثير وصريح بالتظلم، ومن المحال ادعاؤه الكذب بعدهم وقد وصلت إليه الخلافة، حيث أن الباري طهره وأجمعت الامة على زهده وورعه. وروى ابن المغازلي الشافعي في كتاب المناقب عن رسول الله (ص) أنه قال لعلي: ان الامة ستغدر بك من بعدي (1). وروى أبو بكر الحافظ ابن مردويه من أكابر السند باسناده الى ابن عباس أن رسول الله (ص) بكى حتى علابكاؤه، فقال له علي: ما يبكيك يا رسول الله قال: ضغائن في صدور قوم لا يبدونها لك حتى يفقدوني (2). (فصل) وأما التفضيل فنذكر بعضا ” مما رووه من اكبر أكابرهم: فمنهم المتخلفان عن جيش أسامة اجماعا والنبى صلى الله عليه وآله يقول: جهزوا جيش أسامة، لعن الله من تخلف عن جيش أسامة (3). فكيف يقتدى بمن لعنه النبي، ولم لم نتأس به، ومن قال: ان لي شيطانا ” يعترينى (4)، ومن كانت بيعته فلتة بشهادة عمر (5)، ومن طلب الاقالة عما دخل
- غاية المرام ص 572 عن ابى الحديد والخوارزمي والحموينى. 2. الايضاح لابن شاذان ص 454، غاية المرام ص 570، 572 عن ابن ابى الحديد والضغائن جمع ضغينة: الحقد والعداوة والبغضاء. 3. شرح النهج لابن ابى الحديد 6 / 52 وفيه (أنفذوا أسامة لعن الله من تخلف عنه). 4. شرح النهج لابن ابى الحديد 6 / 20. 5. صحيح البخاري 2 / 1009 ط الهند.
[ 69 ]
فيه (1) وليس الالعلمه بعدم صلوحه له، ومن شك عند موته فقال: ليتني كنت سألت النبي (ص) هل للانصار في هذا الامر شئ (2)، وهذا شك فيما هو فيه مع أنه هو الذي دفع الانصار لما قالوا: منا أمير ومنك أمير، بقوله: الائمة من قريش. فان كان ما رواه حقا ” كيف حصل له الشك والا فقد دفع بالباطل. ومن لم يوله النبي صلى الله عليه وآله شيئا ” من الاعمال الابتبليغ سورة البراءة ثم نزل جبرئيل برده فقال: لا يؤديها الا أنت أو رجل منك، كما رواه احمد بن حنبل في مسنده بخمس طرق (3)، ورواه البخاري في صحيحه بطريقين (4) ورواه في الجمع بين الصحاح الست (5)، ورواه الثعلبي في تفسيره (6). وفي هذا مع قوله تعالى (فمن ابتعني فانه مني) (7) أوضح بيان لذوي العرفان، ومن لا يصلح لتبليغ سورد من القرآن كيف يسلم إليه زمام الايمان. ومن منع فاطمة عليها السلام ارثها برواية مخالفها للقرآن، وقد روى البخاري بطرقين أن فاطمة أرسلت تطالبه بميراثها فمنعها ذلك، فوجدت فاطمة على ابى بكر وهجرته فلم تكلمه حتى ماتت (8).