الرئيسية / مقالات متنوعة / على خطى الحسين (عليه السلام) د. أحمد راسم النفيس

على خطى الحسين (عليه السلام) د. أحمد راسم النفيس

الفضل، ومنا خاتم النبيين، وفينا قادة الإسلام، وفينا حملة الكتاب ألا إنا ندعوكم إلى الله ورسوله، وإلى جهاد عدوه والشدة في أمره، وابتغاء مرضاته، وأقام الصلاة، وإيتاء الزكاة وحج البيت، وصيام شهر رمضان، وتوفير الفيئ على أهل. ألا وإن من أعجل العجائب أن معاوية بن أبي سفيان الأموي وعمرو بن العاص السهمي، يحرضان الناس على طلب الدين بزعمهما، ولقد علمتم أني لم أخالف رسول الله، (صلى الله عليه وآله وسلم)، قط، ولم أعصه في أمر، أقيه بنفسي في المواطن التي ينكص فيها الأبطال، وترعد فيها الفرائض، بنجدة أكرمني الله سبحانه بها، وله الحمد ولقد قبض رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وإن رأسه لفي حجري، ولقد وليت غسله بيدي وحدي، تقلبه الملائكة ع المقربون معي. وأيم الله ما اختلفت أمة قط، بعد نبيها، إلا أظهر أهل باطلها على أهل حقها إلا ما شاء الله ” (1).
ولا بأس، أيضا، أن ننتقل إلى معسكر الإفك والباطل لنسمع ذلك الحوار العجيب الذي رواه نصر بن مزاحم، ونقله عنه ابن أبي الحديد قال: ” طلب معاوية إلى عمرو بن العاص أن يسوي صفوف أهل الشام، فقال له عمرو: على أن لي حكمي إن قتل الله ابن أبي طالب، واستوثقت لك البلاد، فقال: أليس حكمك في مصر؟ قال:
وهل مصر تكون عوضا عن الجنة، وقتل ابن أبي طالب ثمنا لعذاب النار الذي (لا يفتر عنهم وهم فيه مبلسون) (الدخان / 75)، فقال

(1) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، 5 / 181، الطبعة الأولى، دار الجيل – بيروت 1407 ه‍ – 1987 م.
(٢٤)
معاوية: إن لك حكمك، أبا عبد الله، إن قتل ابن أبي طالب، رويدا لا يسمع أهل الشام كلامك. فقام عمرو، فقال: معاشر أهل الشام سووا صفوفكم قص الشارب، وأعيرونا جماجمكم ساعة، فقد بلغ الحق مقطعه، فلم يبق إلا ظالم أو مظلوم ” (1).
ونعود إلى معسكر الحق، لنسمع الكلمات المضيئة لأبي الهيثم بن التيهان وكان من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، بدريا نقيبا عقيبا يسوي صفوف أهل العراق، ويقول: ” يا معشر أهل العراق، إنه ليس بينكم وبين الفتح في العاجل، والجنة في الأجل، إلا ساعة من النهار، فأرسوا أقدامكم وسووا صفوفكم، وأعيروا ربكم جماجمكم، واستعينوا بالله الهكم، وجاهدوا عدو الله وعدوكم، واقتلوهم قتلهم الله وأبادهم، واصبروا فإن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين ” (2).
أما عن مواقف عمار بن ياسر، رضوان الله عليه، في صف الإمام، فهي المكانة العليا، ويمكن أن نتبينها من خلال هذه الرواية: ” عن أسماء بن حكيم الفزاري، قال: بصفين مع علي، تحت راية عمار بن ياسر، ارتفاع الضحى، وقد استظللنا برداء أحمر، إذ أقبل رجل يستقري الصف حتى انتهى إلينا، فقال: أيكم عمار بن ياسر؟ فقال عمار: أنا عمار، قال: أبو اليقظان؟ قال: نعم، قال: إن لي إليك حاجة أفأنطق بها سرا أو علانية؟، قال: اختر لنفسك أيهما

(1) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، 5 / 189 – 190.
(2) المصدر نفسه، 5 / 190.
شئت، قال: لا بل علانية، قال: أنطق، قال: إني خرجت من أهلي مستبصرا في الحق الذي نحن عليه، ولا أشك في ضلالة هؤلاء القوم، وإنهم على الباطل فلم أزل على ذلك مستبصرا، حتى ليلتي هذه، فإني رأيت في منامي مناديا تقدم، فأذن وشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، (صلى الله عليه وآله وسلم)، ونادى بالصلاة، ونادى مناديهم مثل ذلك، ثم أقيمت الصلاة، فصلينا صلاة واحدة وتلونا كتابا واحدا، ودعونا دعوة واحدة، فأدركني الشك في ليلتي هذه، فبت بليلة لا يعلمها إلا الله، حتى أصبحت، فأتيت أمير المؤمنين، فذكرت ذلك له فقال: هل لقيت عمار بن ياسر؟ قلت: لا، قال: فالقه، فانظر ما يقول لك عمار فاتبعه، فجئتك لذلك. فقال عمار: تعرف صاحب الراية السوداء المقابلة لي، فإنها راية عمرو بن العاص، قاتلتها مع رسول الله، (صلى الله عليه وآله وسلم)، ثلاث مرات وهذه الرابعة فما هي بخيرهن ولا أبرهن بل هي أشرهن وأفجرهن، أشهدت بدرا واحدا ويوم حنين، أو شهدها أب لك فيخبرك عنها؟، قال: لا، قال: فإن مراكزنا اليوم على مراكز رايات رسول الله، (صلى الله عليه وآله وسلم) يوم بدر ويوم أحد ويوم حنين، وإن مراكز رايات هؤلاء على مراكز رايات المشركين من الأحزاب، فهل ترى هذا العسكر ومن فيه؟ والله لوددت أن جميع من فيه ممن أقبل مع معاوية يريد قتالنا، مفارقا للذي نحن عليه كانوا خلقا واحدا، فقطعته وذبحته، والله لدماؤهم جميعا أحل من دم عصفور، أفترى دم عصفور حراما؟، قال: لا بل حلال، قال: فإنهم حلال كذلك، أتراني بينت لك؟ قال: قد بينت لي، قال: فاختر أي ذلك أحببت فانصرف الرجل، فدعاه عمار ثم قال: أما إنهم سيضربونكم بأسيافكم
(٢٦)

شاهد أيضاً

“ثلاثة يُدخلهم الله الجنّة بغير حساب: إمامٌ عادل، وتاجرٌ صدوق، وشيخٌ أفنى عمره في طاعة الله”-11

الدرس الحادي عشر: الوسيلة إلى الله     النصّ القرآني: قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا ...