تلاوة القرآن الكريم تبعث في النفوس الارتياح والأمن ، وفي القلوب الطمأنينة والامان . لأنّ فيها ذكر الله عز وجل( ألا بِذِكر ِاللهِ تَطمَئِنُّ القُلُوب )
إضافة الى الثواب العظيم الذي يمنحه الله سبحانه وتعالى للسامعين والمنصتين لآيات القرآن المجيد.
ولافرق بين قارئ القرآن والسامع له في الثواب والأجر من الله تعالى كما أشار إلى ذلك النبي الأكرم محمد صلى الله عليه وآله حين قال : ( قارئ القرآن والسامع له في الأجر سواء) وبالخصوص الخاشعين الذين اذا قَرَؤا القرآن أو تُليت عليهم آياته المنذرَة بالعذاب ترى أعينهم تفيض من الدمع وقلوبهم وَجِلة خاشعة ينتابهم الحزن لمِـَا سمعوا من آيات الوعيد بعذاب جهنم والنيران،ويدخلهم السرور لسماعهم آيات الوعد بالجنّة والرضوان ..! طبعاً إذا اكتملت الاوصاف التالية في قارئ القرآن والمنصت له – على حد سواء – بالتدبر والتفكر والتوجّه إلى المعاني والخشوع .
والتدبر بمواعظ القرآن ، والعبرة بأحوال الماضين ، وأن يطلب الرحمة إذا وصل إلى آية فيها رحمة ، وأن يستعيذ إذا وصل إلى آية فيها عذاب ، كما روي بأسانيد كثيرة عن أمير المؤمنين وسائر الأئمة صلوات الله عليهم بأنّه لا فائدة في قراءة ليس فيها تدبّر. قال الامام الصادق – علیه السّلام – : من قرأ القرآن و لم یخضع لله و لم یرَقّ قلبه و لا یکتسي حزنا ًو وجلاً في سِرّه فقد استهان بعظم شأن الله و خسر خُسراناً مبیناً.
ولكي تكون هيئة القارئ والتلاوة التي يتلوها على مسامع الناس ” محمود ة لامذمومة ” لابد للقارئ وقراءته من صفات محمودة يتّصف بها عند القراءة إضافة الى تدبّره وتفكّره بآيات الله تعالى .
ذكرَ علماء التلاوة فيما يخص هذا الموضوع – صفات القراءة والقارئ – شرح مطوّل ومفصّل ..! واَروَع ماقالوا :(القراءة سنّة لايجوز مخالفتها ولا العدول عنها).
وقد أوجزنا هنا بعضا ً من الصفات – المهمّة – المحمودة وضدها المذمومة وبإختصار لتكون تذكرة وسبباًَ لرفع الكثير من العُيوب التي يُبتلى بها مَن يقرأ القرءان ..! خصوصاًَ في المحافل القرآنية ومجالس التلاوة ، لاسِيمَّا أن المستمعون شاخصون بأنظارهم اليه :-
الجلوس: والمقصود به الجلوس لتلاوة القرءان المجيد
الجلوس المحمود : أن يكون لجلوسه عند التلاوة هيبة وسكينة ووقاراً وجمالاً لمن يراه،وان يترك الجوارح على ما جَبَلها الله تعالى حين خلقها في أحسن تقويم وهو أحسن الخالقين ، فلا يُغيِّر ماخَلق الله له .
الجلوس المذموم : تحريك الرأس يميناً وشمالاً أو تحريكه كالإيماء بنعم – أي من سفلٍ الى علوٍ – وبالعكس ، عبوس الوجه
وتقطيعه ، وتصغير العينين ، وتعالي أعالي الخدين ، وتلوين الحاجبين ، ولوي الشفتين ، وإقامة العنق وإحناؤه ،والزَّحف مِن جلِسه ِ ، والعَبث بالأصابع والشَّعَر .
الصوت : والمقصود هنا ” الصوت المستخدم في تلاوة القرآن الكريم .
الصوت المحمود : هو الذي يشتمل على تلاوة تعطي الحروف حقها ومستحقها،ومعنى حقها إخراج الحروف من مخارجها وإعطائها الصفات الأصلية الذاتية الملازمة لها ،و مستحقها أي ما ينشأ من الصفات الاصليّة ، فيعرض للحرف ولا يلازمه،كترقيق المُستَفِل وتفخيم المُستَعلي ، وغيره من ابواب التجويد كالادغام والاخفاء والاظهار .
والتلاوة المحمودة إضافة الى ماذكرنا من حق واستحقاق الحروف فهي تتميّز بأمرين: التدبّر والتذكّر في ءايات الله سبحانه وتعالى
وقد قال العلماء المتخصِّصِين في هذا الفن :
” فمن لم يحصل له في قراءته أو في سماع تلاوته تدبّر ولاتذكّر لم يَفُز بنائلٍ ، ولم يحظَ بكبير طائلٍ ” .
كيف لا وأنّ الصوت الحسن يمتاز بصفة الخشوع الناتج عن التدبّر والتذكّر..! سواء كان قارءا ً للقرآن أو سامعا ً له ، والى ذلك أشار الرسول الاكرم صلى الله عليه وآله : عندما سُئل:
مَن أحسن صوتاً بالقرآن ؟. قال : (مَن إذا تلَا رأيت أنه يخشى الله سبحانه وتعالى )
الصوت المذموم : الجهر الصاعق ، واستكداد الصوت حتى ينقطع ،أي إتعاب الصوت بإستهلاكه حتى ينفذ فينقطع،و(الّلكزفي القراءة ) أي الابتداء بقلع النَّفَس والخَتم به وكذلك المبتدئ بالصّياح والخاتم به وإن لم يكن فيه لكز ، والسرعة في الصوت حتى يصير الساكن متحركا ً
والمشدد مثقل التشديد ، وإخراج الصوت من قصبة الحلق، و (الطّحر) أي إخراج صوت الحرف قلعاً من الصدر ولربما خفي بأكثرها مخرج الحاء والهاء ، لما يبالغ في إخراجها من الشدّة ، و(الزَّحر) أي تمديد الحروف ، خارجا ً عن سنن حدّها ، حتى تتقلّص لذلك جلدة الوجه ، و(الترعيد ) أي تعليق الصوت بترديد الحنجرة،كأنّه يروم منزلة من التطريب أعاذنا الله عز وجل من ذلك .
و(التشديق) أي تطويل الحروف في تمييل أيمن الشدقين أكثر من الأيسر ، والاستعانة بهما عند المخفوض أو التنقل من خفضٍ الى فتح ، مثل : (إنّ وَلــِّىَ الله الذي نَزَّل الكتاب وهو يتولّى الصالحين ) سورة الاعراف 196 ، أو الى رفعٍ ، مثل : ﭧ ﭨ ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚﭛ ﭼ كهف: الكهف: ٢٨، ، كل ذلك وماشابَهَهُ يعتبر صوتاً مذموما ً ونطقاً غير جائز عند علماء التلاوة لانّه يخالف السنّة ولا ينسجم مع الذوق السليم للإنسان ، ومضعِفاً لمكانة القرءان الكريم ومقللاً لشانه .
وزن الحروف :
إن ّ قِوَام الحروف بإصواتها التي يؤديها القارئ ، وَوَزنها المتّصف بالإعتدال في نُطقها ، وضلك باختيار الوسطية في اللفظ لحروف القرءان المجيد ، بعيد ا ًعن الافراط و التفريط ، فإن أغلب المنصتين للقرآن الكريم يعلمون بأن ( ليس للرُّوم ضاد ،ولاللفُرس ثاء ،ولاللسِرياني ذال ) قال عبد الله بن المقفع أحد الناقلين من اللسان الفارسي الى اللسان العربي : < إذا كثر تقليب اللسان رقت جوانبه ،ولانت عذبته > .
وقال بن عمرو العتابي – وهوشاعر وكاتب – < إذا حبس اللسان عن الاستعمال اشتدت عليه مخارج الحروف >.
وقد أوجب علماء هذا الفنّ على القارئ الكريم
بأن ينطق حروف القرآن المجيد ” في وزن ٍعادلٍ وترتيبٍ متماثل ٍ”
يجعل مفتوح الحروف ومنصوبها “لبقة التعالي خفيفة التوالي ” وهذا هو الوزن المحمود للحروف، أمّا المذموم : فهو إذا زاد القارئ الفتحة التي على حرف القاف من كلمة( قَتل) وجعلها حرف الف بعد القاف ( قَاتَل ) فقد قام بإخلال المعنى القرآني والافراط في وزن الحروف،وكذا في مضموم الحروف ومنصوبها فعلى القارئ أن يجعلهما كما قيل ” إشارة لطيفة ” وهو المحمود : أمّا المذموم :هو أن يزيد الضمّة التي على حرف القاف من كلمة ( قـُتِل) فيجعلها واو اً بعد القاف (قـُوتِل) وهكذا المنصوب والمكسور والمرفوع والمخفوض من حروف القرآن الكريم ،
يجب أن تكون خفيفة النطق إلاّ ماكان من ذلك محتاجاً إلى الأشباع فإنّه حينئذٍ يُشبع مِن غَير تعدٍّ فإذا تعدّى الحدّ والوزن المعيَّن له صار صوت الحرف مذموما ً .
وقال علماء هذا الفن : – في التشديد المحمود – ” وإذا مرّ بالتشديد الذي لا سبيل له على طرف اللسان ، أرسَب لسانه في الحنك الاسفل ، فإن كان ذلك التشديد دائراً باللسان لم يفرط فيه بتكرير أو تسيير” .
وأمّا إذا أراد النطق المحمود بالهمزة:أَوقَعَها في جدّة أي في قوّة ، فإنّ الصوت والنّفَس ينقطعان في آنٍ واحدٍ حين النطق بها سواء كانت الهمزة متحركة أو ساكنة.
وأما إذا أراد القارئ النطق المحمود بالنون والتنوين عليه أن لا يلفظهما إلاّ بمقدار الحاجة . وهكذا الممدود أن لايجاوز منزلته ، ولايقصر بالمقصور عن درجته كي يكون نطقا ً موزوناً محموداً .
أمّا الوزن المحمود من نطق الذال والظاء والثاء : هو أن لا يُخرِج طرف لسانه من بين الثنايا – الاسنان العليا والسفلى – إخراج ظهور بل بطرف ويمضي لسانه .
والمحمود من نطق الضاد أن لايَعضّ على الضاد المتحركة حتى يخرج لها من الخيشوم صوت ، فإن فعل ذلك صار نطقه للضاد مذموما ًفتكون لاضاداً ولاظاءً.
والمحمود من نطق التاء هو أن لايرخي لسانه بها حتى تخرج مما بين الاضراس .
أمّا النطق المحمود لحرف اللام فقد أكّد العلماء وأوصَوا القُرّاء بأن لا يُرطِّب اللام
حتى تخرج من مخرجها الصحيح .
ولا يتوانى عن الجيم الساكنة حتى تكون كأنها كاف او جيماً مشوبة بالشين فتكون الجيم ..! هذا الحرف ( ژ ) وهو حرفاً فارسياً فيكون النطق بالجيم مذموماً .
اما الصاد فمحمود لفظه مع المبالغة بالصفيركما في ( فَمَثلُه ُكَمَثلِ صَفوان ) ولا يلفظ الصاد لفظا ًمذموماً يكتسي من السين لباساً فيقرأ (فَمَثلُه ُكَمَثلِ سفوان).
، وكذا السين فان مذمومه ان يلفظ به حتى يبلغ مدرج الصاد كمن يريد قراء ة( أمة وسطاً ، فيقرأ ( أمة وصطاً ) .
ان المحمود في لفظ النون والتنوين عند التقائها بالحروف الحلقية إبقاء التسكين على ماهوعليه .
والمذموم أن يشدّد النون والتنوين عند التقائها بالحروف الحلقية حتى يزول التسكين ويضيف الغنّة بحركتيها -التأخيرية –في التجويد .
اما الباء الساكنة فصفتها ومحمود لفظها بقلقلتها . ومذموم لفظها أن ينفخ بالباء الساكنة كنفخ النائم . وهكذا بقية الحروف يجب إعطائها حقها ومستحقها ليَعتَدِل وزنها ويترتّب متماثلها .
والله أعلم والحمد لله رب العالمين .