الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
6 ساعات مضت
الاسلام والحياة
9 زيارة
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر 2 إن الله تبارك وتعالى لم يرض من أوليائه أن يعصى في الأرض وهم سكوت مذعنون، لا يأمرون بالمعروف ولا ينهون عن المنكر، فوجدت القتال أهون علي من معالجة الأغلال في جهنم (1).
ومن وصيته عليه السلام لابنه محمد بن الحنفية:… وكن آخذ الناس بما تأمر به، وأكف الناس عما تنهى عنه، وأمر بالمعروف تكن من أهله، فإن استتمام الأمور عند الله تبارك وتعالى الامر بالمعروف والنهي عن المنكر (2).
وحينما وجد الإمام الحسين عليه السلام أن المنكر قد استحوذ على الحاكم وعلى أجهزته الحكومية، وتفشى في الأمة، بتحريف المفاهيم وتغيير معالم الدين، وارتكاب الموبقات بشكل علني دون مراعاة للحرمات والمقدسات، قام بأداء مسؤوليته في أعلى مراتبها، وهي القيام بالسيف لأنه الأسلوب الأمثل للحفاظ على مفاهيم وقيم الرسالة الاسلامية.
وقد أعلن عن أهداف ثورته في وصيته الخالدة:… واني لم أخرج أشرا ولا بطرا ولا مفسدا ولا ظالما، وإنما خرجت لطلب النجاح والصلاح في أمة جدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، وأسير بسيرة جدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم وسيرة أبي علي بن أبي طالب… (3).
وفي جميع مراحل تحركه كان يدعو إلى أداء الواجب في الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، فقد خطب في جيش الحر بن يزيد الرياحي قائلا: أيها الناس إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: من رأى سلطانا جائرا
١) وقعة صفين: ٤٧٤.
٢) من لا يحضره الفقيه ٤: ٣٨٧ / 5834.
3) الفتوح 5: 33.
(٢٦)
مستحلا لحرم الله ناكثا لعهد الله مخالفا لسنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان، فلم يغير ما عليه بفعل ولا قول كان حقا على الله أن يدخله مدخله (1).
وكان بقية الأئمة عليهم السلام يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر مستخدمين مختلف الأساليب في اصلاح الأمة وتغييرها، بنشر الأحاديث الشريفة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وبنشر العلم، وبإقامة المناظرات مع التيارات المنحرفة، وببناء الكتلة الصالحة لتوسيع دائرة الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر. وقد تعرضوا لشتى ألوان الأذى والمضايقة والاعتقال ثم القتل الهادئ عن طريق السم، لان حكام زمانهم لا يروق لهم أن يقوم أحد بمهمة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر وان كانت بالقول فقط.
شروط الوجوب:
يختلف الناس فيما بينهم من حيث الطاقات والامكانيات البدنية والعقلية والروحية، وفي ضوء ذلك يختلفون في مراتب التكليف والمسؤولية التي تتناسب طرديا مع الطاقات والامكانيات.
ومن هنا فوجوب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر يتعين على القادرين على القيام به وأدائه بالصورة التي تحقق الهدف المناط به، ومن شروط الوجوب:
أولا: العلم بالمعروف وبالمنكر: يجب الامر بالمعروف والنهي عن
١) الكامل في التاريخ ٤: ٤٨.
(٢٧)
المنكر على العالم بهما، الذي يعرف مصاديقهما ومواردهما، وقادر على التشخيص والتمييز بين الأقوال والافعال والممارسات السلوكية، ويتناسب الوجوب مع درجة العلم والاطلاع، فوجوب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر يكون آكدا على الفقيه ثم المتفقه في الدين.
سئل الإمام جعفر الصادق عليه السلام عن الامر بالمعروف والنهي عن المنكر أواجب هو على الأمة جميعا؟ فقال: لا، فقيل له: ولم؟ قال: إنما هو على القوي المطاع، العالم بالمعروف من المنكر، لا على الضعيف الذي لا يهتدي سبيلا إلى أي من أي يقول من الحق إلى الباطل، والدليل على ذلك كتاب الله عز وجل قوله: ﴿ ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر﴾ (١)، فهذا خاص غير عام.
كما قال الله عز وجل: ﴿ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون﴾ (2)، ولم يقل: على أمة موسى ولا على كل قومه، وهم يومئذ أمم مختلفة… (3).
ثانيا: القدرة على التأثير: يجب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر على من له القدرة على التأثير، بان يكون قوي النفس قوي الإرادة، قوي البيان، له اطلاع كامل على مستويات الناس وطاقاتهم العقلية والنفسية، ويستطيع الصمود أمام العقبات والتعقيدات التي تواجهه، وله قوة في شخصيته يستطيع من خلالها التأثير على الآخرين ، بالقول والفعل،
١) سورة آل عمران: ٣ / ١٠٤.
٢) سورة الأعراف ٧ / ١٥٩.
٣) الكافي ٥: ٥٩ – 60.
(٢٨)
وبالايحاء والتلقين.
لذا نجد ان على رأس الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر هم الأنبياء والأوصياء والأئمة والفقهاء، ومن له سلطة روحية أو سياسية أو له مكانة اجتماعية مرموقة.
ومن مصاديق القدرة هي القدرة البدنية في خصوص مرتبة استخدام القوة، فالمريض والعاجز والضعيف لا يتعين عليه العمل المتوقف على القوة.
وعليه فالامر بالمعروف والنهي عن المنكر يجبان باللسان واليد (إذا تمكن المكلف من ذلك) (1).
ثالثا: القطع بالتأثير أو احتماله: إذا نظرنا إلى طبيعة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر نجده تكليفا ليس بالهين ولا باليسير، لأنه يصطدم بشهوات الناس ونزواتهم، ويصطدم بمصالح البعض ومنافعهم الذاتية الضيقة، ويصطدم بالغرور والكبرياء اللذين تحملهما النفس الانسانية.
والناس يختلفون فيما بينهم تجاه المعروف والمنكر، فالبعض يبحث عن الاستقامة في العقيدة والسلوك، فهو يتأثر بما يقال له وبما يؤمر به أو ينهى عنه، والبعض مكابر لا يذعن للحجة وإن قطع بها، والبعض منغمس في الانحراف، ويبغض الاستقامة، والبعض قد آنس بالانحراف العقائدي والسلوكي حتى أصبح جزءا من كيانه، يجد فيه تحقيقا لمصالحه ورغباته ويرفض من يعارضها ويخالفها.
١) النهاية: ٢٩٩.
(٢٩)
ومن هنا يكون الوجوب مختصا بمن يقطع أو يحتمل تأثير أمره ونهيه على المقابل.
قال الإمام جعفر الصادق عليه السلام: إنما يؤمر بالمعروف وينهى عن المنكر مؤمن فيتعظ أو جاهل فيتعلم، وأما صاحب سوط أو سيف فلا (1).
فإذا وجد المكلف مؤمنا أو جاهلا يبحث عن الحقيقة فيجب عليه الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، أما المكابر الذي لا يروم الاستقامة في العقيدة والسلوك، فلا يجب على المكلف ان يأمره وينهاه، ما دام غالقا لمنافذ الهداية في فكره وعاطفته وسلوكه.
وسئل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن حديث: إن أفضل الجهاد كلمة عدل عند إمام جائر ما معناه؟ قال صلى الله عليه وآله وسلم: هذا على أن يأمره بعد معرفته وهو مع ذلك يقبل منه وإلا فلا (2).
وقد قامت سيرة المعصومين عليهم السلام على هذه القاعدة، فأمير المؤمنين عليه السلام أكثر من نصحه لعثمان بن عفان، وكان يأمره بالمعروف وينهاه عن الممارسات التي يمارسها مع المسلمين خلافا لسنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كتعيينه الولاة الجائرين والفاسقين، وكان يحذره من مروان وأمثاله، ولكنه حينما يئس من اصلاح وتغيير ممارساته قال له: ما أنا عائد بعد مقامي هذا لمعاتبتك (3).
رابعا: الامن من الضرر: إن مهمة الدعوة الاسلامية المتجسدة بالامر
١) الكافي ٥: ٦٠.
٢) الكافي ٥: ٦٠.
٣) الكامل في التاريخ ٣: ١٦٥ – 166.
(٣٠)
2025-02-28