الرئيسية / زاد الاخرة / الإنفاق في سبيل الله \عز الدين بحر العلوم

الإنفاق في سبيل الله \عز الدين بحر العلوم

والشعور بأن ما اعطاه االله من مال ليس له فقط ، بل له وللآخرين عبر رصيده وتملكه .
فهو يريد من صاحب المال ان يبقى دائماً بجانب الآخرين يتحسس آلامهم ، ويعيش مشكلاتهم
، كما لو كانت قد حلت بأسرته البيتية .
وأما الفقير : فليفهم بأن هذا الاهتمام به لسد جوعه ، وان يملأ ما في بطنه من فراغ فقط بل
ليشعره بأنه لم يترك في هذه الحياة وحيداً يعاني لوحده الأنواء والهزات التي تعاكس سفينته
الصغيرة ، وهو يمخر بها وسط أمواج الحياة العاتية بل هناك من يقف إلى جانبه ويمد له الحبل
ليلقي به على الساحل فينجيه مما هو فيه .
إنه الإسلام يريد من الفقير أن لا ينظر إلى الغني نظر المعدم إلى الملىء فقط بل نظر الصديق
إلى الصديق نظر الإنسان الذي يتحسس بآلامه ويشعر بضيقه ليكون ذلك درساً له لو ضحكت له
الدنيا وتحسنت حالته المادية فأصبح ملياً كالآخرين فيسير على نفس الخط الذي سار عليه يداً بيد
مع المعطي وبذلك يتحقق التكافل الاجتماعي من الطرفين كما نبهنا إلى ضرورته فيما سبق .
ان هذه النقطة الدقيقة يعير لها القرآن أهمية بالغة ، وقد أكد عليها عبر آيات عديدة جاء منها
قوله سبحانه :
( ألم يجدك يتيماً فآوى * ووجدك ضالأ فهدى * ووجدك عائلا فأغنى * فأما اليتيم فلا تقهر
. (١) * وأما السائل فلا تنهر )
____________
(١) سورة الضحى | آية : ٦ ـ ١٠ .

===============

( ١١١ )

فالقضية ليست قضية مال يشبع بها الغني بطن الفقير بل قضية كرامة واعتبار .
قضية التحسس بآلام اللآخرين .
قضية الادوار التي مربها الانسان لو قدر أن كان يتيماً فقد أباه في الصغر .
أو سائلاً حيث كانت الضروف قست عليه فيما سبق فكما عطف االله عليه فيهأ له من ينحو
عليه ، ومن قابله بلطف وهو يملأ كفه من المال ، فلا بد أن يحذو نفس الطريقة التي عومل بها
يوم كان يتيماً أو فقيراً .
ولو لم يكن قد مر بهاتين المرحلتين فليحسب للدنيا حسابها فيتصور اليوم الذي قد يمر به
أولاده لو فقدوا كافلهم وهم صغار ، أو ليضع أمامه الظروف التي قد تلجئه لأن يمثل نفس الدور
الذي يقوم به الفقير حينما يلجأ إليه فيسلب منه تلك النعمة ويكون هو ضيفاً على الطرق والأبواب
يسأل هذا ويتكف من آخرين .
وإذاً فإلى الانعاش المالي من الاغنياء لا بد من رعاية الجانب الآخر المتمثل بالانعاش
المعنوي ليجد اليتيم من رعايته ما يسببه ذل اليتم ، وهو في كنفه ، وليشعر الفقير إنه لا يمد يداً
للغني وهو فقير بل إلى أخ يسعف أخاه ، كما يلجأ المريض إلى الطبيب لينقذه من براثن المرض
.
وإذا كانت عملية الانفاق درساً تهذيبياً أكثر من كونها مساعدة مالية فلا بد إذاً لهذا الدرس من
شروط تتناسب ، والغاية التي حشد الشارع المقدس لها هذا القدر من الآيات ، والاخبار الكريمة .

===============
( ١١٢ )

الشرط الأول :

ابتغاء وجه االله

الإنسان الكامل هو الذي يجعل رضا االله والتقرب إليه هو الغاية التي يقصدها من وراء كل
عمل يقوم به في هذه الحياة . . .
ذلك لأن ما كان الله يبقى ويكتب له النمو والبركة أما ما يقصد به غير وجه االله ، ولم يكن في
سبيله فيذهب جفاء .
ثم ليقف الإنسان وليقارن بين من ينظر أجره منه :

من االله القادر الرازق ؟ .
أم من انسان مثله عاجز ؟ .
ومرة أخرى نقول أن اشتراط كون الإنفاق لوجهه وابتغاء مرضاته إنما يأتي في صالح المنفق
قبل الفقير لأن االله يدعوه لأن يركز علاقته معه لتكون أعماله خالصة له فيجازيه بمايستحقه على
ذلك ويضاعفه ، وبذلك ينال خير الدنيا والآخرة .
ولذلك رأينا الآية الكريمة ، والأخبار العديدة ـ فيما تقدم بيانه ـ تشوق المعطي بأن ما يصل
ليد االله قبل الوصول إلى يد الفقير .
وهذا ـ كما قلنا ـ معنى كنائي يرمز إلى أن ما يقدمه الإنسان الى الفقير إنما يقدم الله بطلب
مرضاته ا ـ والفقير طريق يوصل إلى هذه الغاية الرفيعة لذلك كان الشرط الأول للإنفاق إذا
أراد المعطي ان يزكوا ماله وينمو ليحصل من وراء ذلك الثواب الأخروي أن يكون ما

===============
( ١١٣ )

يقدمه الله وفي سبيله لا لغرض آخر من الرياء ، أوالتماس الشهرة ، أو تسجيل يد على الفقير
ليكافئه على هذا اليد فيرد عليه جميله بخدمة يقوم بها تقديراً لعمله .
( ومثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضات االله وتثبيتاً من أنفسهم كمثل جنة بربوة أصابها
. (١) وابل فآتت أكلها ضعفين فإن لم يصيبها وآبل فطل واالله بما تعملون بصير )
والقضية تأخذ مسارها بشكل طبيعي فإن هذا النماء الذي يرجى حصوله مضاعفاً مصدره االله
سبحانه ، وإذا كان مصدره االله فلا بد أن يكون العطاء بداعي التقرب اليه وابتغاء مرضاته .
وأما لو كان في سبيل غيره فما معنى أن يتوقع المعطي الأجر من االله وهو يعمل لغيره ؟
ويأتي هذا المعنى واضحاً في آية اخرى حيث يقول سبحانه :
( وما تنفقوا من خير فلأنفسكم وما تنفقون إلا ابتغاء وجه االله وما تنفقوا من خير يوف
. (٢) إليكم وأنتم لا تظلمون )
وهذا التدرج في الآية الكريمة هو الذي يوضح مسيرة الإنسان العطائية وكيف يجب أن يتبع
هذه التعاليم القرآنية .
فما ينفقه من خير فلنفسه وهذه هي النقطة الأولى ، لأن المعطي هو الذي يحصل الثواب
والأجر في الدارين ، ولكن ذلك الانفاق لا بد أن يكون لا بتغاء وجه االله وهذه هي النقطة الثانية ،
وإلا فلا نحصل على النقطة الأولى وهي الأجر والثواب .
____________

(١) سورة البقرة | آية : ٢٦٥ .
(٢) سورة البقرة | آية : ٢٧٢ .

===============
( ١١٤ )

وبعد ذلك ليعلم المعطي ان ما ينفق من خير على النحو الذي بينته الآية يوف اليه وهذه في
النقطة الثالثة .
أما لو ضربنا كل ذلك عرض الجدار وكان العطاء لغير االله فإن على المعطي أن يذهب لمن
قدم له وليأخذ منه جزاءه وقد جاء في كتب الاخبار الواردة عن أهل البيت ( عليهم السلام ) بأن
المرائي في عمله ليلتمس أجره ممن عمل له .
( ومن الأعراب من يتخذ ما ينفق مغرماً ويتربص بكم الدوائر عليهم دائرة السوء واالله
سميع عليم * ومن الأعراب من يؤمن باالله واليوم الآخر ويتخذ ما ينفق قربات عند االله
. (١) وصلوات الرسول ألا إنها قربة لهم سيدخلهم االله في رحمته إن االله غفور رحيم )
لقد تعرضت الآيتان إلى الحديث عن قسمين من الناس ، أو فريقين ما شئت فعبر .
أحدهما : جعل الانفاق في سبيل الجهاد ، أو في سبيل الخير لاغراضه الشخصية ولم يكن
لوجه االله .
أما الآخر : فقد كان الإنفاق عنده وسيلة للوصول إلى مرضات االله والتقرب إليه .
فقالت عن القسم الأول :
« ومن الأعراب من يتخذ ما ينفق مغرماً » :
والغرامة ما يخسره الرجل وليس يلزمه لأنه لا ينفق إلا تقية من المسلمين رياءً لا لوجه االله
عزوجل وابتغاء المثوبة عنده .
____________
(١) سورة التوبة | آية : ٩٨ ـ ٩٩ .

===============
( ١١٥ )

وهؤلاء جزاؤهم نتيجة انفاقهم لغير وجه االله لأنهم يتربصون الدوائر بامسلمين أن :
( عليهم دائرة السوء »
وعليهم تدور الدائرة يبتلون بنفس ما كانوا يدبرونه للمسلمين من سوء وما يعدونه لهم من

عقبات
أما القسم الثاني فقد قالت الآية الكريمة عنهم :
« ومن الأعراب من يؤمن باالله واليوم الآخر »
وهؤلاء هم المؤمنون باالله وبما أخبر عنه من يوم القيامة والجزاء وما يترتب على ذلك من
غير شك وريب ، وقد أعطت وصفاً دقيقاً عنهم عندما ينفقون فقالت :
« ويتخذ ما ينفق قربات عند االله والرسول »
ولنقف قليلاً مع الفرد من هؤلاء لنرى كيفية انفاقه وما يقصد من وراء هذا العطاء .
أولاً : عندما ينفق تكون غايته التقرب إلى االله عز وجل ، ويجعل من عمله هذا وسيلة لنيل
مرضاته فقط .
ً ثانيا : انه عندما ينفق يطلب من النبي ( صلى االله عليه وآله ) أن يدعوا له بالخير والبركة
ليكون هذا الدعاء أيضاً وسيلة أخرى للتقرب إلى االله والركون إليه .
وهنا تواجه الآية هؤلاء المؤمنين بأن هذا النوع من الإنفاق ، وبهذه الكيفية مشفوعاً بطلب
الدعاء من الرسول تحقق لهم الغاية التي يقصدونها
===============
( ١١٦ )

« ألا إنها قربة لهم »
وهذه أول بشارة لهم في تحقيق ما يريدون الوصول إليه فقد أخبرتهم الآية الكريمة بأن هذه
النفقة قربة لهم ، وقد قبل االله قربهم .
أما البشارة الثانية فقد جاءت مترتبة على هذا الاخبار بحصول التقرب منه سبحانه :
« سيدخلهم االله في رحمته »
ورحمته هنا مطلقة لم تقيد بأنها في الدنيا فقط ، أو في الآخرة فقط ، بل هي شاملة لهما معاً
ولا ينقص من عطائه شيء ويدل علىذلك قوله سبحانه في آخر الآية :
« إن االله غفور رحيم »
فما يعود إلى ذنوبهم فهو غفور .
وما يعود إلى جزائهم فهو رحيم .
يشملهم بكل جزاء في الدنيا بأن يبارك في أعمالهم .
وفي الآخرة بأدخالهم الجنة التي أعدها لعباده المؤمنين .
وعندما تتطور العلاقة بين العبد وربه فتخرج عن نطاق تقرب العبد إلى ربه لنيل جزاء أو

لغفران ذنب بل لتصل إلى مرحلة الحب والفناء في سبيل الطرف الآخر نجد القرآن الكريم
يتحدث باعتزاز لينوه عن هذا النوع من المحبين ويكشف عن نفسياتهم العالية ، والتي تتجه إلى
خالقها اتجاه الحبيب يحن إلى لقيا حبيبه انصهروا في ذاته المقدسة فأخذوا يقدمون النفوس للتقرب
لساحته المقدسة لا

===============
( ١١٧ )

المال والطعام فقط فهم يحبونه ويحنون إليه .
يقول سبحانه عن هؤلاء :
( إن الابرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا * عيناً يشرب بها عباد االله يفجرونها
تفجيرا * يوفون بالنذر ويخافون يوماً كان شره مستطيراً * ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً
ويتيماً وأسيرا * إنما نطعمكم لوجه االله لا نريد منكم جزاءً ولا شكورا * إنا نخاف من ربنا يوماً
عبوساً قمطريرا * فوقاهم االله شر ذلك اليوم ولقاهم نضرة وسروراً * وجزاهم بما صبروا جنة
. (١) وحريراً )
والملاحظ على هذه الآيات الكريمة انها مهدت للحديث عن هذه الشخصيات المؤمنة بأن
ذكرت جزاءهم في الآخرة وان مكانهم الجنة .
وقد ذكر المفسرون أن هذه الآيات نزلت في آل بيت محمد ( صلى االله عليه وآله ) علي
وفاطمة والحسن والحسين ( عليهم السلام ) ، حيث روي عن ابن عباس ان الحسن والحسين (
عليهم السلام ) مرضاً فعادهما رسول االله ( صلى االله عليه وآلة ) في اناس معه ، فقالوا : يا ابا
الحسن لو نذرت على ولدِك فنذر علي وفاطمة وفضة جارية لهما إن عافاهما االله تعالى أن
يصوموا ثالثة أيام فشفيا وما معهم شيء فإستقرض علي ( عليه السلام ) ثلاثة اصوع من شعير
فطحنتة فاطمة ( عليه السلام ) صاعاً وخبزته خمسة أقراص على عددهم ووضعوها بين أنديهم
ليفطروا فوقف عليهم سائل فقال :
____________
(١) سورة الدهر | آية : ٥ ـ ١٢ .

« السلام عليكم أهل بيت محمد مسكين من مساكين المسلمين اطعموني أطعمكم االله من موائد
الجنة فآثروه وباتوا لم يذوقوا إلا الماء فأصبحوا صائمين فلما أمسكوا ووضعوا الطعام بين أيديهم
وقف عليهم يتيم فآثروه وجاءهم أسير في الثالثة ففعلوا مثل ذلك فلما أصبحوا أخذ علي ( عيله
السلام ) بيد الحسن والحسين ( عليهم السلام ) ، ودخلوا على الرسول ( صلى االله عليه وآله )
فلما أبصرهم ، وهو يرتعشون كالفراخ من شدة الجوع قال :
ما أشد ما أرى بكم ، وقام فأنطلق معهم فرأى فاطمة في محرابها ، وقد التصق بطنها بظهرها
، وغارت عيناها فساءه ذلك فنزل جبرائيل بالسورة ، وقال خذها يا محمد هنأك االله في أهل بيتك
. (١) فأقرئها السورة »
وبين يدي هذه الآيات الكريمة والواقعة التي كانت السبب في نزولها نقف لنستفيد من نقاطها
التالية دروساً قيّمة نكيف على ضوئها حياتنا لنسير على الخط الذي رسمه لنا هؤلاء القادة الابطال
وبينوا الخطوط العريضة لنوعية العلاقة التي لا بد من حصولها بين الإنسان وخالقة وبين الإنسان
ومجتمعه .
« ويطعمون الطعام على حبه » :
هذا العلاقة الشفافة التي لا يشوبها رياء ، ولا يشوه منظرها من شيء من المقاصد والغايات
الدنيوية كأنتطار جزاء من أحد ، ولا خوف من آخرين .
بل كل ما في البين هوحب االله والفناء في ذاته المقدسة ، وهو
____________
(١) الميزان في تفسير القرآن عند تفسيره لهذه الآية .

===============
( ١١٩ )

الغاية لهم في كل عمل يقدمون عيله في هذه الحياة .
واطعام الطعام على حبه صورة من صور هذه العلاقة الأكيدة بين االله ، وعباده المؤمنين .
« إنما نطعمكم لوجه االله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا » :
عباد االله المؤمنين بهذه النفسية العالية يواجهون الطبقات الضعيفة المحرومة .
انهم لا ينتطرون منهم جزاءً ولا يريدون منهم التملق والشكر على ما منحوه لهم ذلك لأن
الفقير ليس طرفاً للحساب معهم بل حسابهم مع االله ، والفقير إنما هو المسرح الذي يعرضون عليه
صور حبهم الله سبحانه سواء كانت تك الصورة لمسكين ، أو ليتيم ، أو لأسير ، أوغير ذلك من
القضايا والمشاكل التي تحيط بالمجتمع ككل وبالأفراد على نحو الخصوصية الفردية .

مع الحادثة التي كانت السبب في نزول الآيات :
وعندما تتأمل الحادثة التي كانت السبب في نزول هذه الآيات بما اشتملت عليه من نقاط
حساسة نقول بالإمكان أن نستفيد منها الدروس التالية :
١ ـ فقالوا با ابا الحسن لو نذرت على ولدك نذراً :
يقول العائدون لأمير المؤمنين ( عليه السلام ) لو نذرت على ولدك نذراً ، ويمتثل الأب
العطوف ، والأم الحانية تتبعهما جاريتهما فينذرون الله ان عافى الحسن ، والحسين صاموا الله
ثلاثة أيام .
ومن هذا الامتثال تتجلى روعة التقديس الله ، والحب له إذ

===============
( ١٢٠ )

كان

شاهد أيضاً

قصص المعصومين (عليهم السلام )

عـنـدهـا اغرورقت عينا حامد بالدموع .. وسيطر عليه البكاء.. فضممته الى صدري .. ورحت اجفف ...