الرئيسية / الاسلام والحياة / في رحاب الشيعة – الشيخ باقر شريف القرشي 08

في رحاب الشيعة – الشيخ باقر شريف القرشي 08

روايات عن أمير المؤمنين عليه السلام في فضل كربلاء
وأثرت عن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام باب مدينة علم النبي بعض الأحاديث في
فضل البقعة التي استشهد عليها الإمام الحسين عليه السلام وهي :
1 – روى الإمام الصادق عليه السلام قال : مر أمير المؤمنين عليه السلام بكربلاء في
أناس من أصحابه فأغرورقت عيناه بالبكاء ، ثم قال : هذا مناخ ركابهم وهذا ملتقى
رحالهم ، وهنا تهرق دماؤهم طوبى لك من تربة عليك تهرق دماء الأحبة ( 2 ) .
2 – اجتاز أمير المؤمنين عليه السلام على أرض كربلاء فأخذ قبضة من ترابها فشمها وبكى
حتى بل الأرض بدموعه وهو يقول : يحشر من هذا الظهر سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير
حساب ( 1 ) .
كما أثرت عن أئمة الهدى عليهم السلام كوكبة من الأحاديث في فضل تربة كربلاء ، وفي
بعضها موضع قبر الحسين ترعة من ترع الجنة ( 2 ) .
وعلى أي حال فقد حفلت مصادر الحديث والأخبار بطائفة من الأحاديث في فضل التربة
الحسينية ، فأي نقص على الشيعة من السجود عليها لله تعالى وحده لا شريك له .
وقد مر علي أثناء مراجعتي في بعض المصادر عن سيرة الأوزاعي كان إذا أراد السفر من
المدينة المنورة حمل معه طينة ليسجد عليها فسئل عن ذلك فأجاب أن أفضل بقعة في الأرض
هي البقعة التي دفن فيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأحب أن يكون سجودي لله
تعالى عليها .
لقد عابوا على الشيعة في سجودهم على التربة الحسينية واتهموهم بتهم باطلة ليس لها
أي سند من علم ومن المؤكد أنه لو كان هناك دليل شرعي على عدم السجود عليها لتركتها
الشيعة ولم تسجد عليها .
أول من صلى على التربة
إن أول من صلى على التربة الحسينية ج حسبما يحدثنا الإمام كاشف الغطاء ج هو الإمام
زين العابدين عليه السلام وذلك بعد ما فرغ من دفن أبيه وأهل بيته وأنصاره ، فقد أخذ
قبضة من التربة التي وضع عليها الجسد الشريف الذي خرقته سيوف الأمويين فشد ذلك
التراب في صرة وعمل منه سجدة ومسبحة وهي السبحة التي كانت بيده حينما أدخلوه على
طاغية بني أمية حفيد أبي سفيان ، فسأله عنها فروى له الإمام عن جده رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم حديثا مفاده أن من حمل السبحة وقرأ دعاء مخصوصا فإنه يكتب
له ثواب التسبيح وإن لم يسبح ولما رجع الإمام إلى يثرب كان يتبرك بتلك التربة
ويسجد عليها ويعالج بها مرضى أهل بيته . فشاع ذلك عند العلويين وشيعتهم وبعد وفاته
كان ولده الإمام محمد الباقر عليه السلام يحث أصحابه على
السجود على التربة الحسينية والتبرك بها ، وبعد ما انتقل إلى حضيرة القدس كان ولده
الإمام جعفر الصادق عليه السلام يلازم السجود عليها ، ففي مصباح المتهجدين لشيخ
الطائفة الشيخ الطوسي رحمه الله أنه كان لأبي عبد الله الصادق عليه السلام خريطة من
ديباج صفراء فيها تربة أبي عبد الله الحسين عليه السلام فكان إذا حضرته الصلاة صبه
على سجادته وسجد عليها ثم قال : إن السجود على تربة أبي عبد الله يخرق الحجب السبعة
ولعل المراد بالحجب السبع هي الحاءات السبع من الرذائل التي تحجب النفس عن
الاستضائة بأنوار الحق وهي : الحسد ، والحقد ، والحرص ، والحدة ، والحماقة ،
والحيلة ، والحقارة . فالسجود على التربة من عظيم التواضع ، والتوسل بأصفياء الحق
يمزقها ويخرقها ويبدلها بالحاءات السبع من الفضائل وهي : الحكمة ، الحزم ، الحلم ،
الحنان ، الحياء ، الحب . ولذا يروي صاحب الوسائل عن الديلمي قال : كان الصادق عليه
السلام لا يسجد إلا على التربة الحسينية تذللا لله واستكانة إليه ، ولم تزل
الأئمة من أولاده وأحفاده تحرك العواطف وتحفز الهمم ، وتوفر الدواعي إلى السجود
عليها والالتزام بها ، وبيان
تضاعف الأجر والثواب والمواظبة عليها حتى التزمت بها الشيعة إلى اليوم هذا الالتزام
مع عظيم الاهتمام ، ولم يمض على زمن الصادق قرن واحد حتى صارت الشيعة تصنعها
ألواحا وتضعها في جيوبها ، كما هو المتعارف اليوم ، فقد روى في الوسائل عن الإمام
الثاني عشر الحجة عليه السلام أن الحميري كتب إليه يسأله عن السجدة على لوح من طين
قبر الحسين هل فيه فضل فأجاب عليه السلام يجوز ذلك وفيه الفضل ثم سأله عن السبحة
فأجاب بمثل ذلك ، فيظهر أن صنع التربة أقراصا وألواحا كما هو المتعارف اليوم كان
متعارفا من ذلك العصر أي وسط القرن الثالث حدود المائتين وخمسين هجرية ، وفيها قال
: روي عن الصادق عليه السلام أن السجود على طين قبر الحسين ينور الأرضين السبع ومن
كانت معه سبحة من طين قبر الحسين كتب مسبحا وإن لم يسبح فيها . ( 1 ) .
انتهى ما أفاده الإمام محمد الحسين كاشف الغطاء نضر الله مثواه وهو وثيق ، وملم
بالموضوع من جميع جهاته .
المزايا الخاصة لمرقد أبي الأحرار
منح الله تعالى مرقد أبي الشهداء بمزايا خاصة ، وفضله على كثير من مراقد أوليائه
ومن بين ما اختص به من الفضل ما يلي :
استجابة الدعاء تحت قبته :
والشئ المحقق الذي لا يخامره شك أن الدعاء يستجاب عند مرقد أبي الأحرار إذا كان عن
إيمان خالص ، ونية صادقة ، وقد كان ذلك شائعا عند أئمة الهدى عليهم السلام روى أبو
هاشم الجعفري قال : دخلت على أبي الحسن علي بن محمد عليه السلام وهو محموم عليل ،
فقال لي :
( يا أبا هاشم ابعث رجلا من موالينا إلى الحاير ، أي ج الحاير الحسين ج يدعو الله
لي ) .
وخرج أبو هاشم من عند الإمام فاستقبله علي بن بلال فأعلمه بما قال الإمام وطلب منه
أن يكون هو الرجل الذي يخرج إلى الحاير ، ويدعو للإمام ، وبهر علي بن بلال وراح
يقول : ( إنه ج أي الإمام ج أفضل من الحاير إذ كان
بمنزلة من في الحاير ( 1 ) ودعاؤه لنفسه أفضل من دعائي له بالحاير ) . وقفل أبو هاشم
راجعا إلى الإمام عليه السلام ، وأخبره بمقالة علي بن بلال . فأجابه الإمام : (قل له : كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أفضل من البيت والحجر ، وكان يطوف
بالبيت ويستلم الحجر وأن لله بقاعا يحب أن يدعى فيها ، فيستجيب لمن دعاه والحاير
منها ) ( 2 ) .
نعم إن الحائر المعظم من الأماكن المقدسة التي يستجاب فيها الدعاء .
الشفاء في تربة الحسين
وتواترت الأخبار عن أئمة الهدى عليهم السلام أن الله تعالى قد جعل الشفاء بتربة
المظلوم أبي عبد الله الحسين عليه السلام ، وأيدت ذلك تجارب المؤمنين المستمرة في
شفائهم وشفاء مرضاهم بهذه التربة المباركة ، ونعرض إلى بعض ما أثر من الأخبار فيها
:
أ – قال الإمام أبو عبد الله عليه السلام : في طين قبر الحسين الشفاء من كل
داء ، وهو الدواء الأكبر ( 1 ) .
ب – قال الإمام أبو عبد الله الصادق عليه السلام : طين قبر الحسين عليه السلام
فيه شفاء وأن أخذ على رأس ميل ( 2 ) .
ج – قال الإمام أبو عبد الله الصادق عليه السلام : من أصابته علة فبدأ بطين قبر
الحسين عليه السلام شفاه الله من تلك العلة إلا أن تكون علة السام ( 3 ) .
وإنما ينتفع المريض بطين قبر الإمام الحسين عليه السلام إذا كان مؤمنا مطمئنا
بذلك ، فقد قال ابن أبي يعفور إلى الإمام الصادق عليه السلام : يأخذ الإنسان من طين
قبر الحسين فينتفع به ، ويأخذ غيره فلا ينتفع به ، فقال الإمام عليه السلام : لا
والله الذي لا إله إلا هو ما يأخذه أحد وهو يرى أن الله ينفعه به إلا نفعه الله
به ( 4 ) .
الدعاء عند تناول التربة
ويستحب الدعاء عند تناول تربة الحسين لشربها ، فقد روى أبو جعفر الموصلي عن الإمام
أبي جعفر عليه السلام أنه قال : إذا أخذت طين قبر الحسين فقل : ( اللهم بحق هذه
التربة ، وبحق الملك الموكل بها والملك الذي كربها ، وبحق الموصي الذي هو فيها صل
على محمد وآل محمد ، واجعل هذا الطين شفاء من كل داء وأمانا من كل خوف ) ( 1 )
وروي دعاء آخر عن الإمام الصادق عليه السلام وهو : ( اللهم إني أسألك بحق هذه
الطينة وبحق الملك الذي أخذها وبحق النبي الذي قبضها وبحق الوصي الذي حل فيها صل
على محمد وأهل بيته واجعل لي فيها شفاء من كل داء ، وأمانا من كل خوف ) .
وفسر الإمام الصادق عليه السلام هذا الحديث قال : إن الملك الذي أخذها جبرائيل ،
وأراه النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، فقال : هذه تربة ابنك تقتله أمتك من بعدك ،
والنبي الذي قبضها هو محمد صلى الله عليه وآله وسلم وأما الوصي الذي حل فيها وهو
الحسين بن علي سيد الشهداء ( 2 ) .
رأي الإمام كاشف الغطاء
وعلق الإمام محمد بن الحسين كاشف الغطاء رحمه الله على العلاج والشفاء بالتربة
الحسينية قال : ( والآثار تكون متواترة كتواتر الحوادث والوقائع التي حصل الشفاء
فيها لمن استشفى بها من الأمراض التي عجز الأطباء عن شفائها ، أفلا يجوز أن يكون في
تلك الطينة عناصر كيمياوية تكون بلسما شافيا من جملة من الأسقام قاتلة للميكروبات
وقد اتفق علماء الإمامية وتضافرت الأخبار بحرمة أكل الطين إلا من تربة قبر الحسين
عليه السلام بآداب مخصوصة وبمقدار معين وهو أن يكون أقل من حمصة أخذها من القبر
بكيفية خاصة وأدعية معينة .
ولا نكران ولا غرابة ، فتلك وصفة روحية من طبيب رباني يرى بنور الوحي والإلهام ما
في طبائع الأشياء ويعرف أسرار الطبيعة وكنوزها الدفينة التي لم تصل إليها عقول
البشر بعد ، ولعل البحث والتحري والمثابرة سوف يتوصل إليها ويستكشف سرها ويحل
طلسمها كما اكتشف سر كثير من العناصر ذات الأثر العظيم مما لم تصل إليه معارف
الأقدمين ولم يكن
يخطر على بال واحد منهم مع تقدمهم وسمو أفكارهم وعظم آثارهم وكم من سر دفين ومنفعة
جليلة مع موجودات حقيرة وضئيلة لم تزل مجهولة لا تخطر على بال ، ولا تمر على خيال
وكفى بالبنسلين وأشباهه شاهدا على ذلك ، نعم لا تزال أسرار الطبيعة مجهولة إلى أن
يأذن الله للباحثين بحل رموزها واستخراج كنوزها ، والأمور مرهونة بأوقاتها ولكل
كتاب أجل ولكل أجل كتاب ، ولا يزال العلم في تجدد ، فلا تبادر إلى الإنكار إذا بلغك
أن بعض المرضى عجز الأطباء عن علاجهم ، وحصل لهم الشفاء بقوة روحية ، وأصابع خفية
من استعمال التربة الحسينية أو من الدعاء ، والاتجاه إلى القدرة الأزلية أو ببركة
دعاء بعض الصالحين .
نعم ليس من الحزم البدار إلى الإنكار فضلا عن السخرية بل اللازم الرجوع في أمثال
هذه القضايا والحوادث الغريبة إلى قاعدة الشيخ الرئيس المشهور : ( كلما قرع سمعك
من غرايب الأكوان فذره في بقعة الإمكان حتى يذودك عنه قائم البرهان ) ( 1 ) .
وحكى رأي الإمام كاشف الغطاء الواقع بالشفاء بتربة ريحانة رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم ، وأزال كل شبهة تحوم حولها .
التخيير بين القصر والتمام
ومما امتاز به ضريح الإمام الحسين عليه السلام أنه يتخير فيه المسافر بين قصر
الصلاة وإتمامها في تمام الروضة المقدسة دون الرواق والصحن الشريف ( 1 ) .
وبهذا ينتهي بنا الحديث عن هذه الدراسة الموجزة عن السجود على التربة الحسينية
آملا أن تكون مقبولة عند سيد الشهداء وأن تنالني شفاعته يوم ألقى الله .
نصيحة الإمام السيستاني
وينصح سماحة المرجع الديني الإمام السيد علي الحسيني السيستاني دامت بركاته أرباب
معامل التربة الحسينية أن يجعلوها ساذجة وخالية من النقوش
وأسماء الأئمة وغير ذلك مما هو مدعاة للنقد .
ومن الجدير بالذكر أن هذه النصيحة مطابقة لرأي الإمام الشيخ محمد الحسين آل كاشف
الغطاء ، قال في الأرض والتربة الحسينية : ويلزم أن تكون التربة التي يسجد عليها
المؤمن طاهرة نقية ، ساذجة لا نقش عليها ولا كتابة ولا مصورة ، وما يصنعه بعض
العوام من النقش والكتابة فهو غير مشروع ولا صحيح ، والأمل من اخواننا المؤمنين
الإجابة لهذه النصيحة العالية . والله ولي التوفيق .

شاهد أيضاً

حياة الإمام المهدي عليه السلام

شبهه بالنبي: أما الإمام المنتظر فهو أشبه الناس بجده رسول الله صلى الله عليه وآله، ...