الرئيسية / الاسلام والحياة / هبة السماء ، رحلتي من المسيحية إلى الإسلام

هبة السماء ، رحلتي من المسيحية إلى الإسلام

الجهل بالأشخاص الذين قاموا بنسخها وبعقائدهم.
ثانيا: أن الكنيسة الأولى وإلى القرن الرابع تقريبا – كما ذكرنا – لم تكن تعترف بأن هذه الكتب إنما كتبت بالإلهام والوحي الإلهي، بل تم ذلك في مجمع نيقية المسكوني سنة (325) ميلادية، فقد تم جمع الكثير من الأناجيل والأسفار وتم اختيار هذه الأسفار وعددها (27) ككتاب مقدس وملهم، وأما الكتب الأخرى مع أنه قد كتب بعضها الرسل أنفسهم (كإنجيل أو رسالة برنابا) ولم تكن تغاير التعاليم الرسولية على حد زعمهم، ولكنها رفضت وأهملت.
وهنا نستطيع التساؤل هل اختار هذا المجمع هذه الكتب بوحي سماوي أو لا؟ فإن كان الجواب نفيا (وهو كذلك إذ لو كان الاختيار بوحي سماوي لم لم يتم هذا الوحي إلى الكنيسة الأولى وحتى القرن الرابع؟)، فإنه إذن من اختيار البشر، والبشر معرضون للصواب والخطأ، فعلى أبعد الاحتمالات فإن الإنسان العاقل يشك في أن هذه الأسفار هي الإنجيل الموحى.
ثالثا: النقطة الأخرى هي أن بعض النصوص المعتمدة كانت قد ترجمت من لغتها الأصلية إلى لغة أخرى والأصل المترجم عنه قد فقد، وما هو مشهور ومعروف أن المترجم مهما كان ذكيا وبارعا وذا إلمام باللغة يجد صعوبة في نقل المراد بشكل دقيق، لأنه غالبا ما يجد كلمات ليس لها مكافئ في اللغة المترجم إليها، فيضطر إلى وضع

(٥٦)

الكلمات التي يعتقد أنها أقرب للمعنى، وبالتالي فيمكن أن يتغير المعنى المراد أصلا، ولهذا فلا يمكن الاعتماد بشكل قاطع على الترجمة. ومراجعة سريعة لحال الأسفار (المقدسة) تكشف لنا أن بعض النسخ الموجودة هي ترجمة للنسخ الأصلية المفقودة.
رابعا: أن من الأمور التي يحكم بها العقل هي أن الكتاب السماوي يجب أن لا يشوبه التناقض والاختلاف لأن الله تعالى عالم وحكيم فيستحيل نسبة الاختلاف والتناقض إلى وحيه، وحتى بمعنى الوحي والإلهام الكتابي الذي يعتقد به المسيحيون إذ يكون المعنى من الله والكلمة والأسلوب من المؤلف، وذلك لأن الله سبحانه يستحيل أن يوحي إلى شخص معنى يختلف عن الذي أوحاه إلى آخر في نفس المورد، أو معنى واحد لقصة واحدة تنقل في أسلوبين.
مثلا: في قصة صلب عيسى (عليه السلام) تنقل بعض الأسفار أنه سقي خمرا مرا، وفي البعض الآخر يقول خلا، فهذه قصة واحدة ولكن تختلف من سفر لآخر، فإذا كان الاثنان مكتوبين بالوحي الإلهي، فيكون واحد منها صحيحا (بحكم العقل) لا كلاهما، والأسفار مليئة بهذه التناقضات، ولولا أن قصدي في هذا البحث الاختصار قد الإمكان لبينت العشرات من هذه الاختلافات في العهد الجديد وأكتفي هنا بذكر بعضها ومن أراد المزيد فليطالع العهد الجديد بنفسه، 1 – الاختلاف في نسب عيسى (عليه السلام) في الأناجيل، ومهما

(٥٧)

حاول المسيحيون إيجاد تبريرات لهذه الاختلافات لم يتمكنوا من إيجاد جواب مقنع لها. إذ ينقل كتاب (قاموس الكتاب المقدس) ما نصه النسب المذكور في إنجيلي متي ولوقا هناك شئ من الصعوبة في فهم جدوليهما، إذ نجد فروقا جمة فسرت تفاسير شتى. وهذه الفروق تبرهن استقلال كل من البشيرين عن الآخر في ما كتبه واعتماده على مصادر تختلف عن مصادر أخرى (1).
ويذكر ثلاثة آراء لهذه الاختلافات يبطل اثنين منها ويبقي الآخر، ولكنه أيضا غير مقنع. فإن لوقا يذكر 25 اسما بين داود وزربابل، أما متي فذكر خمسة عشر اسما فقط، وجميع الأسماء تقريبا مختلفة الواحد عن الآخر في الجدول.
2 – في إنجيل متي ومرقس ولوقا يذكر أن رجلا أسمه سمعان هو الذي حمل صليب عيسى (عليه السلام) وأما في إنجيل يوحنا فيذكر أن عيسى (عليه السلام) هو الذي حمل صليبه إلى جلجثة.
3 – أن المسيح (عليه السلام) بعد قيامته وحسب إنجيل متي أمر التلاميذ بالذهاب إلى جميع الأمم وأن يعمدوهم (باسم الأب والابن والروح القدس) أما في إنجيل مرقس فأمرهم بالذهاب إلى العالم أجمع وأن يكرزوا بالإنجيل. وفي إنجيل لوقا وأن يكرز باسمه بالتوبة ومغفرة الخطايا لجميع الأمم. وغيرها الكثير. مما سنذكره في
(1) قاموس الكتاب المقدس: ص 1037.
(٥٨)

مسألة الصلب والقيامة.
خامسا: وإضافة إلى ذلك فإن عددا كبيرا من علماء الكتاب المقدس يرون أن هذه الأسفار الموجودة في العهد الجديد ليست كلها على الأقل مكتوبة بالوحي الإلهي، والاختلافات فيها قائمة إلى يومنا هذا، رغم محاولات الخنق التي قامت بها الكنيسة للآراء والعقائد المخالفة لها.
فمثلا ينقل عن الدكتور موريس بوكاي أن قراءة كاملة للأناجيل يمكنها أن تشوش المسيحيين بصورة هائلة إذ بعد دراسته للعهد الجديد وجد أن التناقضات وعدم التجانس تجتمع على حقيقة أن الأناجيل تحتوي على فصول ومقاطع ما هي إلا الانتاج الوحيد للخيال البشري (1). وكذلك يقول: الدكتور كنيث كراج: أن الأناجيل جاءت من خلال فكر الكنيسة وآراء المؤلفين وأن الأناجيل تمثل التجربة والتاريخ (2). أما كارل أندري أستاذ الفلسفة والدراسات الدينية في جامعة بول فيقول أن الأناجيل الأربعة قد كتبت من قبل أشخاص متحمسين في الحركة المسيحية المبكرة وأنها تعطينا فقط جانبا واحدا من القصة وهي إلى درجة كبيرة نتاجات افتراضات المؤلفين (3).
وكذلك الدكتور جراهام سكروجي الذي يقول: نعم إن الكتاب
(1) نظرة عن قرب في المسيحية: ص 62.
(2) نفس المصدر: ص 75.
(3) نفس المصدر: ص 75.
(٥٩)

المقدس بشري… هذه الكتب قد مرت عبر عقول الناس، وهي مكتوبة بلغة الناس وخطت بأقلام الناس وأيديهم وتحمل في أساليبها خصائص البشر (1). وغيرهم الكثير، فمنذ القرون الأولى لقبول الكنيسة لهذه الكتب كان يدور هناك النقاش والجدال حول صحتها.
وخلاصة البحث نقول أن العهد الجديد الذي تتمسك به الكنيسة على أنه كتاب سماوي وإلهي، وتستمد منه عقائدها، لا يمكن على أقل تقدير نسبته جميعه إلى الوحي الإلهي، إن لم نقل أنه كتاب تاريخي يحكي بعض الوقائع عن زمان يسوع المسيح (عليه السلام) فهو كتاب من نتاج الخيال البشري ليس إلا. إذ أنه مجموعة من القصص كما ذكر ذلك لوقا، فلا يد للغيب فيه..
(1) نفس المصدر ص 76.
(٦٠)

شاهد أيضاً

تشييع والد الشهيدين محمد وعبد الحسين مظلوم في بريتال

تشييع والد الشهيدين محمد وعبد الحسين مظلوم في بريتال 2025-09-19  بلال الموسوي  شّيع حزب الله ...