بسم الله الرحمن الرحيم
تمهيد
الحمد لله الواجد لا من قلة، الموجود لا من علة، والصلاة على المبعوث لأشرف ملة، وآله النجوم والأهلة.
وبعد فيقول المخلوق من الماء المهين العبد الفقير المسكين المستكين المؤمن بوحدانية رب العالمين، المنزه عن أقوال الظالمين، وشبه الظالمين، وضلال المشبهين، وإلحاد المبطلين، وإبطال الملحدين، الشاهد بصدق الأنبياء والمرسلين، وعصمة الأولياء الصديقين، والخلفاء الصادقين، المصدق بيوم الدين، رجب الحافظ صان الله إيمانه، وأعطاه في الدارين أمانه،
هذه رسالة في أصول الكتاب سميتها (لوامع أنوار التمجيد، وجوامع أسرار التوحيد) أودعتها ديني واعتقادي، وجعلتها زادي ليوم معادي، قدمتها لوجوب تقديم التوحيد، على سائر العلوم،
وأتبعتها كتابا سميته (مشارق أنوار اليقين، في إظهار أسرار حقائق أمير المؤمنين) فكان هذا الكتاب الشريف جامعا لحقائق أسرار التوحيد، والنبوة والولاية، موصلا لمن تأمله وأم له إلى الغاية والنهاية، والله المعين والهادي.
فأقول متوكلا ومتوسلا:
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة يوافق فيها السر الإعلان، والقلب اللسان، الحي القيوم، الموجود بغير أنية، المعروف بغير كيفية، سبحان الله العظيم في مجده، قيوم بذاته وصفاته، غني عن جميع مخلوقاته، وحده لا شريك له بعد فاقترب، وظهر فاحتجب، فلا بعده بعد مسافة، ولا قربه قرب كثافة، قرب إلى الأسرار ببره ورحمته، وبعد عن الأبصار بأشعة جلال عظمته، نأى عن العيون بشدة جماله، واختفى عن العيان بكمال نوره، فظهر بغيبه، وغاب بظهوره، فهو ظاهر لا يرى، وباطن لا يخفى، يعرف بفطر القلوب، وهو في سواتر الغيوب، تجلى بجمال صفاته من كل الجهات، فظهر وتجلى بكمال ذاته عن كل الجهات، فاستتر الفرد المجرد عن المواد والصور، فهو الرفيع في جلاله، البديع في جماله، وحده لا شريك له، وجوده وجود إيمان لا وجود عيان، دلت عليه آياته، وشهدت بوحدانيته مصنوعاته، وأقرت بربوبيته أرضه وسماواته، كل حادث دليل عليه، ومستند في وجوده إليه، ومشير بالعظمة والكبرياء إليه، فمفهومه ومعناه، تقدس في عزه وعلاه، أنت ذات واحدة لا تحدها فكرة، ولا تحاولها كثرة، لها الجلال والإكرام، والبقاء والدوام، والملك المؤبد، والسلطان السرمد، والعز المنيع، والمجد الرفيع، فالحق عز اسمه وجل جلاله، وأخذ من جميع الجهات، فرد صمد بكل العبادات، قيوم أحد بأكمل الدلالات، رب وتر بالذات والصفات، معبود حق بسائر اللغات، لا تحكيه العبارات، ولا تحويه الإشارات،
(١١)
فذاته الأزلية الأبدية القيومية الرحمانية، المقدسة بالوحدة الحقيقية، المنزهة عن الكثرة الصورية، مبدأ لسائر الموجودات، ومنبع لسائر الكمالات، موصوفة بأكرم الصفات، مسلوب عن جمال كمالها النقائص والحاجات، متعالية عن الأحياز والجهات، منزهة عن مشابهة المحدثات، مبراة عن المقولات، فسبحان القيوم، الذي لم يزل ولا يزال، الفرد المنزه عن الحلول والانتقال، وحده لا شريك له، كان ولم يزل كائنا، ولا سماء مبنية، ولا أرض مدحية، ولا خافق يخفق، ولا ناطق ينطق، ولا ليل داج، ولا صبح مشرق، كان الله ولا شئ معه، وهو على ما كان لم يتكثر بخلقه أبدا، فسبحان من أين الأين، فلا أين يحويه، وكيف الكيف فلا كيف يحكيه، وتعالى عن المكان والزمان، فلا وقت يباريه، وحده لا شريك له، جل عن أجل معدود، وأمد ممدود، وتعالى عن وقت محدود، الحي الحميد المحمود، قدوس، سبوح، رب الملائكة والروح، حي لا يموت. فسبحانه من أزلي قديم، سبق العدم وجوده، والأزل قدمه، والمكان كونه، وعز عن المزاوجة اسمه، وحده لا شريك له، ليس لقدمه رسم، ولا حد، ولا لملكه قبل ولا بعد، ولا لأمره دفع ولا رد، ولا لسلطانه ضد ولا ند، تقدس القيوم في جلال عظمته، ودوام سلطنته، وحده لا شريك له، لا تدركه الحواس، فيوجد له شكل، ولا يشبه بالناس فيكون له مثل، امتنعت عن إدراك ذاته عيون العقول، وانقطعت دون وصف صفاته أسباب الوصول، حي قيوم، وجوده لذاته بذاته عن ذاته، لا لعلة تقومه فيكون ممكنا، ولا لسبب يتقدمه فيكون محدثا، ولا لكثرة تزاحمه فيكون للحوادث محلا، حي قبل كل حي، وحي بعد كل حي، واجب الحياة لكل حي، وحي لم يرث الحياة من حي، فهو المعبود الحق، والإله المطلق، أحدي الذات، وأحدي الصفات، أزلي اللاهوت، أبدي الملكوت، سرمدي العظمة، والجلال والجبروت، حي قيوم لا يموت، لا تحكيه الشواهد، ولا تحويه المشاهد، ولا تحجبه السواتر، ولا تبلغه النواظر، لا يدركه بعد الهمم، ولا يناله غوص الفطن، وجهه حيث توجهت، وطريقه حيث استقمت، لا تجري عليه الحركة والسكون، فكيف يجري عليه ما هو أجراه، لا إله إلا هو الله، فمن وصف الله سبحانه فقد حده، ومن حده فقد عده، ومن عده فقد ثناه، ومن ثناه فقد أبطله، إذ ليس في الأشياء، وإلا لكان محدودا، ولا منها، وإلا لكان معدودا، فهو بعيد عنها، دان إليها، قائم بها، قيوم عليها، لا يتجزى فيعد، ولا يتكثر فيحد، ما وحده من كيفه، ولا حقيقته أصاب من مثله، ولا إياه عني من شبهه، ولا حمده من أشار إليه وتوهمه، الحكم العدل الذي لا يتوهم ولا يتهم، شهدت العقول والنفوس، وشاهدت العيون والمحسوس: أن العالم متغير، وكل متغير جسم، وكل جسم حادث، وكل حادث له محدث، وذلك المحدث هو الخالق المقدر، والبارئ المصور، والجبار المتكبر،
(١٢)
لافتقار الأثر إلى المؤثر، فهو الرب القديم، العلي العظيم، الغني الكريم، الجواد الرحيم، الذي صدر العالم عنه وابتدعه، وتعالى عنه، فهو المبتدئ الأول، الذي فاض عن جود وجود كل موجود، والمبدأ الأول واجب لذاته، والواجب لذاته حي قيوم، والحي القيوم قديم أزلي، والقديم واجب الوجود ودائم الوجود، واحد من جميع الجهات، والواحد الحق يستحيل أن يكون جسما، لأن الجسم يلزمه التركيب والكثرة، وكل مركب له أول، وما له أول محدث، والقيوم الحق مجرد عن كل مادة، منزه عن كل صورة، مقدس عن كل كثرة، مبرأ عن كل وصف، لا يشمله حد أو يبدأ له عد، أو يتناوله رسم، أو يكشفه اسم، لا تحويه الأقطار، ولا تبديه الأفكار، ولا تدركه الأبصار، وكيف تدركه الأبصار وهي خلقه؟ أو كيف تحويه الأقطار وهي صنعه؟ والصنعة على نفسها تدل، وفي مثلها تحل، فسبحانه قيوم حق، لا أول لوجوده، ولا نهاية لملكه وجوده، والعالم كله بالعدم مسبوق، وبالفناء ملحوق، فكلها سوى الحي القيوم محدث ومركب ومفتقر، والحق عز اسمه فرد مجرد، لا كثرة في ذاته وصفاته، هو هو واحد لا ينقسم، تقديرا ولا حدا واحدا، لا يقارب نظيرا ولا ضدا، واحدا ذاتا ونعتا، وكلمة وعدا، فله الوحدة اللائقة بكرم وجهه، وعز جلاله، كالإلهية المحضة، والإله المطلق هو الله سبحانه، كل الكل، ومعبود الكل، وخالق الكل، والعالي على الكل، والمتعالي عن الكل، والعلي عن الكل، والمنزه عن الكل، والبرئ عن الكل، والعالم بالكل، والمظل على الكل، والمطلع على الكل، والحافظ الكل، والحفيظ على الكل، والقائم بالكل، والقيوم على الكل. فالرب الأزل القديم واحد حقا، وصمد يبقى، وقيوم معبود صدقا، فسبحان من تفرد بالوحدانية والجلال، وتقدس بالمجد والجمال، وتعزز بالبقاء والكمال، وحكم على الخليقة بالفناء والزوال، فكل شئ هالك إلا وجهه، فليس على الحقيقة معبود حق إلا الله وحده لا إله إلا الله، لا إله إلا الله نفي وإثبات، والحق ثابت لم يزل ولا يزال، والضد جل عن الضد، عدم محض، ينفي الغير من وقع النفي والإثبات، فمعنى كلمة التوحيد، وآية التجريد أنه لا إله في وجود، حي موجود، له الركوع والسجود، واحد لذاته، غني عن جميع مخلوقاته، قادر عالم، حي سميع، بصير مريد، كاره غني، واحد منزه عن كل نقص، طاهر من كل عيب، ذاته وصفاته، مستحق للعبادة، لا إله إلا الله اسمه، والرحمن نعته، والأحد ذاته، والواحد صفاته، واسمه الله، عز عن اسم، علم لذاته المقدسة، جامع لجلال صفات الجلال والعظمة، مانع من الشركة في الحقيقة والتسمية الرحمن ولا شبه يسمى أحد بأسمائه، ولا شريك له في ملكه وكبريائه، ولا شبه له في عظمته وآلائه، ولا منازع له في أمره وقضائه، ولا معبود سواه في أرضه وسمائه، رب قديم، وملك عظيم، غني كريم، لا شريك له في الإلهية، ولا شبيه له في الماهية،
(١٣)