2025-11-25
ليلى عماشا
تحتضن الضاحية؛ ولّادة الشهداء ومدينتهم، مواكب التشييع بثبات يجمع أقصى العاطفة التي يستحضرها موقف الوداع، وأقصى العزيمة على مواصلة النهج الذي سار عليه هؤلاء العظماء، حتى بلغوا منتهى المجد.. ومضوا شهداء. رفاق الدرب فوق الأرض يظلّون رفاقًا في ثراها، تتجاور أضرحتهم، بل ويتقاسمون الضريح نفسه أحيانًا: لقد أوصى السيد هيثم الطبطبائي بأن يُدفن فوق ضريح رفيق دربه الشهيد السيد طلال الصغير الذي سبقه في قافلة الشهداء منذ ٣٠ عامًا.
إذًا، في تشييع حيثُ اختلط الدمع بالثبات، احتشد أهل المقاومة على مرأى العالم؛ العالم الذي يترقّب منهم ولو إشارة تعب أو هزيمة كي يشعر بالنصر، ولا يمنحونه إياها مهما كان جرحهم بليغًا.. بالوجع الذي يستحيل ثورة، وبالحزن الذي لا يزيد أهله إلَا حياة، ودّع الناس السيد أبا علي ورفاقه، وحمّلوه السلام إلى السيد، إلى الحاج رضوان، وإلى جميع الشهداء ولا سيّما أقمار البدايات، وصانعو الخطوات الأولى في المسير المقدّس.
انتظر الصهاينة وأبواقهم المحلية على قارعة الغدر إشارةَ انهزام في نفوس الناس هنا، وجاءتهم أولى الأجوبة بُعيد الضربة بلحظات، وبلسان أهل المبنى المستهدف وجيرانه: هذا الطريق سنكمله.. فما كان من إعلامهم، ولا سيّما ذاك الناطق بالعربية، سوى استكمال الضربة العسكرية بضخّ إعلاميّ سام، يحاول زرع الشكَ والشقاق في نفوس الصابرين الموقنين بالمقاومة.. سيل من الأخبار والروايات الكاذبة سرى على ألسن أهل التصهين، من التشكيك بجنسية وهويّة “السيد أبي علي الطبطبائي”، ابن بيروت-الباشورة، على اعتبار أنّه “إيراني” إلى تجريمه وتخطئته بسبب إقامته في حيّ سكنيّ! ولم ينطق أصحاب هذا العقل الملوّث ولو بكلمة تجرّم القاتل الذي استهدف حيًّا سكنيًّا وارتكب مجزرة! ومنهم من تغاضى عن حقيقة أن ما جرى هو جريمة موصوفة ضدّ مدنيين، واعتبر استهداف “السيد هيثم طبطبائي” حقًّا مشروعًا للصهاينة.
وأكثر من ذلك، سوّق الإعلام العبري رواية لا أساس لها من الصحة، وبالطبع تلقّفها متصهينو البلد روجوا لها، عن وجود خرق بشري محيط بعمل وموقع “السيد هيثم”؛ عن عميل بلّغ عنه وحدّد مكانه مقابل خمسة ملايين دولار أميركي، وهو المبلغ الذي كانت الولايات المتحدّة الأمريكية قد خصّصته سابقًا لمن يدلي بمعلومات تقود إلى هذه الشخصيّة التي تؤرق عالم الاستكبار منذ ثمانينيات القرن الماضي. والهدف من إشاعة هذا النوع من الروايات الكاذبة هو زراعة الهزيمة في نفوس الناس عبر إقناعهم بأن بينهم مَن يخون ويغدر، وإيهامهم بأنّهم مخترقون. ولا ننفي هنا الوجود الطبيعي والمتوقّع لبعض العملاء ولا سيّما مع النشاط الحثيث للموساد في تجنيد العناصر البشرية التي تعمل بأمرته، إلّا أنّه حتى الساعة لم يثبت تجنيد أيّ عميل على المستوى الذي تدّعيه “إسرائيل” وأبواقها في لبنان.
شُيع الشهيد، ولم تكفّ ألسنة السوء الصهيونية عنه وعن إخوانه، وهي بكلّ الأحوال شهادة أنّ هؤلاء العظماء قد أوجعوا الاستكبار العالميّ طوال عقود، وأفنوا أعمارهم طوعًا وحبًّا في طريق الحقّ، مهما كثرت فيها الأشواك والمواجع.. شُيّع الشهيد، لا على أكفّ أهل المقاومة في لبنان فقط، بل زفّه كلّ أحرار الأرض إلى مثواه، من فلسطين إلى اليمن، ومن العراق إلى إيران.. وفي كلّ بقعة في الأرض تعرف الحق وتنصره ولو قلبيًّا! غفا الشهيد في ضريح رفيقه، واستراح بعد عمر بذله في خدمة الإنسان والقيم الإنسانية.. استراح ومن عليائه ينظر مع سائر الشهداء إلى طريق المقاومة، ويشهد نصرها الآتي يقينًا! ينظر إلى كلّ البلاد التي زرع في أرضها إرثًا جميلًا كالعقيق في اليمن، طاهرًا كتربة العراق، حيًّا كالدم في فلسطين، عزيزًا كالثورة في إيران، وحرًّا… حرًّا كنسمات عاملة التي تضجّ بالشهادة والوفاء.. حرًّا كالبذل في البقاع، وكدفء الوفاء في الضاحية.
إقرأ المزيد
الولاية الاخبارية موقع اخباري وثقافي لمن يسلك الطريق الی الله




