9
الموعظة السادسة والعشرون: الحبّ والبغض في الله
وَالرَّغْبَةُ فِي الْعِبَادَةِ، وَالتَّوْبَةُ قَبْلَ الْمَوْتِ، وَالنَّشَاطُ فِي قِيَامِ اللَّيْلِ، وَالْيَأْسُ مِمَّا فِي أَيْدِي النَّاسِ، وَالْحِفْظُ لِأَمْرِ اللَّهِ وَنَهْيِهِ -عَزَّ وَجَلَّ-، وَالتَّاسِعَةُ بُغْضُ الدُّنْيَا، وَالْعَاشِرَةُ السَّخَاءُ. وَأَمَّا الَّتِي فِي الْآخِرَةِ، فَلَا يُنْشَرُ لَهُ دِيوَانٌ، وَلَا يُنْصَبُ لَهُ مِيزَانٌ، وَيُعْطَى كِتابَهُ بِيَمِينِهِ، وَيُكْتَبُ لَهُ بَرَاءَةٌ مِنَ النَّارِ، وَيَبْيَضُّ وَجْهُهُ، وَيُكْسَى مِنْ حُلَلِ الْجَنَّةِ، وَيَشْفَعُ فِي مِئَةٍ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ، وَيَنْظُرُ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- إِلَيْهِ بِالرَّحْمَةِ، وَيُتَوَّجُ مِنْ تِيجَانِ الْجَنَّةِ، وَالْعَاشِرَةُ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ؛ فَطُوبَى لِمُحِبِّي أَهْلِ بَيْتِي»[1].
ثواب من دمعَت عينُه في آل محمّد(صلى الله عليه وآله)
عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «مَنْ ذُكِرْنَا عِنْدَهُ فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ، وَلَوْ مِثْلَ جَنَاحِ الذُّبَابِ، غَفَرَ اللَّهُ ذُنُوبَهُ، وَلَوْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْر»[2].
[1] الشيخ الصدوق، الخصال، ص515. [2] الشيخ البرقيّ، المحاسن، ج1، ص63.
175
161
الموعظة السابعة والعشرون: الإيمان بالغيب
الموعظة السابعة والعشرون: الإيمان بالغيب
تعزيز الروح الإيمانيّة وعلاقة العبد بربّه وإمام زمانه (عجل الله تعالى فرجه).
محاور الموعظة
معنى الغيب
أبرز مصاديق الغيب
النموذج الكربلائيّ
تصدير الموعظة
﴿ذَٰلِكَ ٱلكِتَٰبُ لَا رَيبَ فِيهِ هُدٗى لِّلمُتَّقِينَ ٢ ٱلَّذِينَ يُؤمِنُونَ بِٱلغَيبِ وَيُقِيمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَمِمَّا رَزَقنَٰهُم يُنفِقُونَ﴾[1].
[1] سورة البقرة، الآيتان 2 – 3.
176
162
الموعظة السادسة والعشرون: الحبّ والبغض في الله
معنى الغيب
ما كان غير معلوم، وهو قسمان:
أ. إمّا لعدم الحضور في زمان وقوع الحدث كالإخبارات عن قضايا الأنبياء والأولياء(عليهم السلام)، ﴿ذَٰلِكَ مِن أَنۢبَاءِ ٱلغَيبِ نُوحِيهِ إِلَيكَ وَمَا كُنتَ لَدَيهِم إِذ يُلقُونَ أَقلَٰمَهُم أَيُّهُم يَكفُلُ مَريَمَ وَمَا كُنتَ لَدَيهِم إِذ يَختَصِمُونَ﴾[1].
ب. وإمّا لما سيكون عليه المستقبل، المجهول كإخبار القرآن عن انتصار الروم المستقبليّ: ﴿غُلِبَتِ ٱلرُّومُ ٢ فِي أَدنَى ٱلأَرضِ وَهُم مِّن بَعدِ غَلَبِهِم سَيَغلِبُونَ ٣ فِي بِضعِ سِنِينَ لِلَّهِ ٱلأَمرُ مِن قَبلُ وَمِن بَعدُ وَيَومَئِذٖ يَفرَحُ ٱلمُؤمِنُونَ﴾[2].
أبرز مصاديق الغيب
1. ما غاب عن سلطان الحواس المادّيّة.
2. اخباراته -تعالى- عن حوادث القيامة والآخرة والجنّة والنار.
3. الإحاطة الغيبيّة لله -تعالى-:
﴿لَّا تُدرِكُهُ ٱلأَبصَٰرُ وَهُوَ يُدرِكُ ٱلأَبصَٰرَ وَهُوَ ٱللَّطِيفُ ٱلخَبِيرُ﴾[3].
اللَّه القريب
﴿وَهُوَ مَعَكُم أَينَ مَا كُنتُم وَٱللَّهُ بِمَا تَعمَلُونَ بَصِيرٞ﴾[4].
[1] سورة آل عمران، الآية 44. [2] سورة الروم، الآيات 2 – 4. [3] سورة الأنعام، الآية 103. [4] سورة الحديد، الآية 4.
177
163
الموعظة السابعة والعشرون: الإيمان بالغيب
﴿وَلَقَد خَلَقنَا ٱلإِنسَٰنَ وَنَعلَمُ مَا تُوَسوِسُ بِهِۦ نَفسُهُۥ وَنَحنُ أَقرَبُ إِلَيهِ مِن حَبلِ ٱلوَرِيدِ﴾[1].
﴿وَٱعلَمُواْ أَنَّ ٱللَّهَ يَحُولُ بَينَ ٱلمَرءِ وَقَلبِهِۦ وَأَنَّهُۥ إِلَيهِ تُحشَرُونَ﴾[2].
الله الرقيب
ومن خطبة لأمير المؤمنين (عليه السلام) في النهج: «الحمد لله… الْبَاطِنُ لِكُلِّ خَفِيَّةٍ وَالْحَاضِرُ لِكُلِّ سَرِيرَةٍ الْعَالِمُ بِمَا تُكِنُّ الصُّدُورُ وَمَا تَخُونُ الْعُيُونُ»[3].
عودة إلى الآية (في التصدير)
الآية توضّح أنّ هناك هداية خاصّة لمن كان من المتّقين الذين من صفاتهم:
1. إيمانهم بالغيب: ويظهر من الروايات أنّ الغيب هو الإمام الحجّة (عجل الله تعالى فرجه) والإيمان بالغيب ركن من أركان الإيمان ويظهر من الآية أنّه بشرط اقترانه بالعمل.
2. إقامتهم الصلاة وإنفاقهم: وهنا الفات إلى أنّ الهداية الخاصّة إلى الإمام الحجّة (عجل الله تعالى فرجه) تحتاج إلى عمل وتأهيل للنفس.
النموذج الكربلائيّ
شدّة الشعور بحضور الله -تعالى- يؤدّي إلى الطمأنينة أمام الأهوال:
[1] سورة ق، الآية 16. [2] سورة الأنفال، الآية 24. [3] ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، ج8، ص268.
178
164
الموعظة السابعة والعشرون: الإيمان بالغيب
قال عبد الله البارقيّ، وهو ممّن حضر المعركة: فوالله، ما رأيتُ مكثورًا -قطّ- قد قتل ولده وأهل بيته وأصحابه أربط جأشًا ولا أجرأ مقدمًا منه، ولقد كانت الرجال لتشدّ عليه فيشدّ عليها، فتنكشف بين يديه إذا شدّ عليها[1].
عن أبي جعفر الثاني عن آبائه (عليهم السلام)، قال: قال علي بن الحسين (عليه السلام): «لما اشتدّ الأمر بالحسين بن علي بن أبي طالب نظر إليه من كان معه فإذا هو بخلافهم؛ لأنّهم كلّما اشتدّ الأمر تغيّرت ألوانهم وارتعدت فرائصهم ووجلت قلوبهم وكان الحسين (عليه السلام) وبعض من معه من خصائصه تشرق ألوانهم وتهدأ جوارحهم وتسكن نفوسهم، فقال بعضهم لبعض: انظروا لا يبالي بالموت، فقال لهم الحسين (عليه السلام): صبرا بني الكرام فما الموت إلا قنطرة تعبر بكم عن البؤس والضرّاء إلى الجنان الواسعة والنعيم الدائمة فأيّكم يكره أن ينتقل من سجن إلى قصر وما هو لأعدائكم إلّا كمن ينتقل من قصر إلى سجن وعذاب، إنّ أبي حدّثني عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنّ الدنيا سجن المؤمن وجنّة الكافر والموت جسر هؤلاء إلى جنانهم وجسر هؤلاء إلى جحيمهم ما كذبت ولا كُذِّبت»[2].
قال أبو عبد الله (عليه السلام): «اقرأوا سورة الفجر في فرائضكم ونوافلكم فإنّها سورة الحسين بن عليّ(عليه السلام) وارغبوا فيها رحمكم الله -تعالى-فقال له أبو أسامة -وكان حاضر المجلس-: وكيف صارت هذه
[1] معهد سيّد الشهداء (عليه السلام)، المصيبة الراتبة، ص154. [2] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج44، ص297.
179
165
الموعظة السابعة والعشرون: الإيمان بالغيب
السورة للحسين (عليه السلام) خاصة؟ فقال: ألا تسمع إلى قوله -تعالى-: ﴿يَٰأَيَّتُهَا ٱلنَّفسُ ٱلمُطمَئِنَّةُ ٢٧ ٱرجِعِي إِلَىٰ رَبِّكِ رَاضِيَةٗ مَّرضِيَّةٗ ٢٨ فَٱدخُلِي فِي عِبَٰدِي ٢٩ وَٱدخُلِي جَنَّتِي﴾[1]إنّما يعني الحسين بن عليّ (عليه السلام) فهو ذو النفس المطمئنّة الراضية المرضيّة وأصحابه من آل محمد هم الراضون عن الله يوم القيامة وهو راضٍ عنهم وهذه السورة في الحسين بن عليّ (عليه السلام) وشيعته وشيعة آل محمّد خاصّة من أدمن قراءة والفجر كان مع الحسين بن عليّ (عليه السلام) في درجته في الجنّة إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ»[2].
[1] سورة الفجر، الآيات 27 – 30. [2] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج44، ص219.
180
166
الموعظة الثامنة والعشرون: السعادة والشقاء في الإسلام
الموعظة الثامنة والعشرون: السعادة والشقاء في الإسلام
إيضاح المراد من مفهومي السعادة والشقاء من وجهة نظر إسلاميّة.
محاور الموعظة
حقيقة السعادة والشقاء
علامات السعادة
الشقاء وأشقى الناس
علامات الشقاء
تصدير الموعظة
﴿يَومَ يَأتِ لَا تَكَلَّمُ نَفسٌ إِلَّا بِإِذنِهِۦ فَمِنهُم شَقِيّٞ وَسَعِيدٞ ١٠٥ فَأَمَّا ٱلَّذِينَ شَقُواْ فَفِي ٱلنَّارِ لَهُم فِيهَا زَفِيرٞ وَشَهِيقٌ ١٠٦ خَٰلِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلأَرضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٞ لِّمَا يُرِيدُ ١٠٧ وَأَمَّا ٱلَّذِينَ سُعِدُواْ فَفِي ٱلجَنَّةِ خَٰلِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلأَرضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيرَ مَجذُوذٖ﴾[1].
[1] سورة هود، الآيات 105 – 108.
181
167
الموعظة الثامنة والعشرون: السعادة والشقاء في الإسلام
يرتبط مفهوم الشقاء ومفهوم السعادة ارتباطًا أكيدًا بمصير الإنسان في الآخرة وكونه من أهل النعيم أو من أهل العذاب، بل لا يمكن أن تكون الدنيا ساحة سعادة أو شقاء لأحد؛ لأنّها مخلوقة على كون سعادتها مشوبة بالشقاء وشقائها ممزوج بالسعادة بخلاف الآخرة التي هي إمّا شقاء محض أو سعادة محضة.
حقيقة السعادة والشقاء
وإذا كان مفهوم كلّ من السعادة والشقاء له علاقة وثيقة بآخرة المرء فمن الطبيعي أن تكون الطاعة وتزكية النفس سبيل السعادة كما أنّ المعصية سبيل الشقاء.
عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «من أجهد نفسه في إصلاحها سعد، من أهمل نفسه في لذّاتها شقي وبعد»[1].
وعنه (عليه السلام): «لا يسعد امرؤٌ إلّا بطاعة الله -سبحانه-، ولا يشقى امرؤٌ إلّا بمعصية الله»[2].
وعن الإمام الحسين (عليه السلام) -في دعاء يوم عرفة-: «اللهمّ اجعلني أخشاك كأنّي أراك، وأسعدني بتقواك، ولا تشقني بمعصيتك»[3].
وفي هذا السياق، يتّضح أنّ السعادة والشقاء لا يرتبطان بالموت والحياة كما قد يتوهّم أهل الدنيا بل يرتبطان بأداء المرء لتكليفه في هذه الحياة.
[1] الشيخ الريشهريّ، ميزان الحكمة، ج2، ص1303. [2] المصدر نفسه. [3] الشيخ الطوسيّ، مصباح المتهجّد، ص270.
182
168
الموعظة الثامنة والعشرون: السعادة والشقاء في الإسلام
قال الإمام الحسين (عليه السلام): «إنّي لا أرى الموت إلّا سعادة والحياة مع الظالمين إلّا برم»[1].
وعن الإمام عليّ (عليه السلام): «فالموت في حياتكم مقهورين والحياة في موتكم قاهرين»[2].
علامات السعادة
1. حبّ الإمام عليّ (عليه السلام): أي مودّته وطاعته والولاء له، فعن رسول الله (صلى الله عليه وآله) -لأمير المؤمنين (عليه السلام) -: «إنّ السعيد حقّ السعيد من أحبّك وأطاعك»[3].
محبّة أهل البيت (عليهم السلام): عن الإمام عليّ (عليه السلام): «أسعد الناس من عرف فضلنا، وتقرّب إلى الله بنا، وأخلص حبّنا، وعمل بما إليه ندبنا، وانتهى عمّا عنه نهينا، فذاك منّا وهو في دار المقامة معن»[4].
2. إخلاص العمل: فإنّ صفاء النيّة وعدم الشرك فيها ممّا يضفي على المرء سعادة خاصّة ببلوغه هذا المقام الرفيع، فعن الإمام عليّ (عليه السلام): «إمارات السعادة إخلاص العمل»[5].
3. هداية الآخرين: وإعانتهم على تجاوز مشكلاتهم ولا سيّما الثقافيّة والفكريّة، فعن الإمام عليّ (عليه السلام): «من كمال السعادة السعي في صلاح الجمهور»[6].
[1] الشيخ عبد الله البحرانيّ، العوالم، ص67. [2] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، ص88. [3] الشيخ الصدوق، الأمالي، ص466. [4] الشيخ الريشهريّ، ميزان الحكمة، ج2، ص1305. [5] الشيخ الليثيّ الواسطيّ، عيون الحكم والمواعظ، ص70. [6] الشيخ الريشهريّ، ميزان الحكمة، ج2، ص1306.
183
169
الموعظة الثامنة والعشرون: السعادة والشقاء في الإسلام
4. زيارة الإمام الحسين (عليه السلام): حيث ورد في الروايات «أنّ من زار الحسين (عليه السلام) عارفًا بحقّه-: وإن كان شقيًّا كتب سعيدًا، ولم يزل يخوض في رحمة الله -عزَّ وجلَّ-»[1].
5. الزوجة والولد والرزق: عن الإمام الصادق (عليه السلام): «ثلاثة من السعادة: الزوجة المؤاتية، والولد البارّ، والرزق يرزق معيشة يغدو على صلاحها ويروح على عياله»[2].
6. السعي لنيل الآخرة: عن الإمام عليّ (عليه السلام): «سعادة الرجل في إحراز دينه والعمل لآخرته»[3].
الشقاء وأشقى الناس
عن الإمام الصادق (عليه السلام) في قول الله -عزَّ وجلَّ-: ﴿قَالُواْ رَبَّنَا غَلَبَت عَلَينَا شِقوَتُنَا وَكُنَّا قَومٗا ضَالِّينَ﴾[4]: «بأعمالهم شقوا»[5].
فالشقاء نتيجة طبيعيّة للأعمال السيّئة والمصير الحتميّ لأهل المعاصي على ما اقترفت أيديهم وجوارحهم.
الإمام عليّ (عليه السلام) -وقد سئل عن أشقى الناس-: «من باع دينه بدنيا غيره»[6].
لأنّه بذلك يكون قد اجتمع عليه فقر الدنيا وعذاب الآخرة.
[1] الميرزا النوريّ، مستدرك الوسائل، ج10، ص310. [2] الشيخ الريشهريّ، ميزان الحكمة، ج2، ص1304. [3] المصدر نفسه، ص1305. [4] سورة المؤمنون، الآية 106. [5] الشيخ الصدوق، التوحيد، ص356. [6] الشيخ الصدوق، الأمالي، ص478.
184
170
الموعظة الثامنة والعشرون: السعادة والشقاء في الإسلام
4. زيارة الإمام الحسين (عليه السلام): حيث ورد في الروايات «أنّ من زار الحسين (عليه السلام) عارفًا بحقّه-: وإن كان شقيًّا كتب سعيدًا، ولم يزل يخوض في رحمة الله -عزَّ وجلَّ-»[1].
5. الزوجة والولد والرزق: عن الإمام الصادق (عليه السلام): «ثلاثة من السعادة: الزوجة المؤاتية، والولد البارّ، والرزق يرزق معيشة يغدو على صلاحها ويروح على عياله»[2].
6. السعي لنيل الآخرة: عن الإمام عليّ (عليه السلام): «سعادة الرجل في إحراز دينه والعمل لآخرته»[3].
الشقاء وأشقى الناس
عن الإمام الصادق (عليه السلام) في قول الله -عزَّ وجلَّ-: ﴿قَالُواْ رَبَّنَا غَلَبَت عَلَينَا شِقوَتُنَا وَكُنَّا قَومٗا ضَالِّينَ﴾[4]: «بأعمالهم شقوا»[5].
فالشقاء نتيجة طبيعيّة للأعمال السيّئة والمصير الحتميّ لأهل المعاصي على ما اقترفت أيديهم وجوارحهم.
الإمام عليّ (عليه السلام) -وقد سئل عن أشقى الناس-: «من باع دينه بدنيا غيره»[6].
لأنّه بذلك يكون قد اجتمع عليه فقر الدنيا وعذاب الآخرة.
[1] الميرزا النوريّ، مستدرك الوسائل، ج10، ص310. [2] الشيخ الريشهريّ، ميزان الحكمة، ج2، ص1304. [3] المصدر نفسه، ص1305. [4] سورة المؤمنون، الآية 106. [5] الشيخ الصدوق، التوحيد، ص356. [6] الشيخ الصدوق، الأمالي، ص478.
184
171
الموعظة الثامنة والعشرون: السعادة والشقاء في الإسلام
علامات الشقاء
وكما بيّنت النصوص علامات السعادة حتّى يختبر المرء نفسه بها بيّنت كذلك علامات الشقاء حتّى لا تتسلّل إلى قلب المسلم من دون أن يشعر بها.
فعن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «من علامات الشقاء: جمود العين، وقسوة القلب، وشدّة الحرص في طلب الرزق، والإصرار على الذنب»[1].
وعن الإمام عليّ (عليه السلام): «من علامات الشقاء الإساءة إلى الأخيار»[2].
أيّ شقاء أكبر من أولئك الذين أقدموا على قتل سبط رسول الله ورائد الأخيار الحسين بن عليّ (عليه السلام) وسبوا نساءه وحرمه وأنزلوا بهم شتّى صروف العذاب والمآسي.
[1] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص290. [2] الشيخ الليثيّ الواسطيّ، عيون الحكم والمواعظ، ص468.
185
172
الموعظة التاسعة والعشرون: مكانة البصيرة عند المؤمن
الموعظة التاسعة والعشرون: مكانة البصيرة عند المؤمن
حثّ الناس على التحلّي بهذه الصفة الجليلة، لما لها من المكانة في المنظومة الإسلاميّة.
محاور الموعظة
من هو البصير؟
مسبّبات البصيرة
ما يفقد البصيرة
الأعمى أعمى البصيرة لا البصر
البصيرة من مكارم الأخلاق
البصيرة في كربلاء
تصدير الموعظة
﴿قَد جَاءَكُم بَصَائِرُ مِن رَّبِّكُم فَمَن أَبصَرَ فَلِنَفسِهِ وَمَن عَمِيَ فَعَلَيهَا وَمَا أَنَا عَلَيكُم بِحَفِيظٖ﴾[1].
[1] سورة الأنعام، الآية 104.
186
173
الموعظة التاسعة والعشرون: مكانة البصيرة عند المؤمن
البصيرة هي البيّنة، والدلالة التي يبصر بها الشيء على ما هو به[1]. وقيل إنّ البصيرة للقلب بمنزلة البصر للعين. فالبصيرة هي الإدراك والفهم، هي الرؤية الذهنيّة والعقليّة.
فالبصيرة هي قوّة ونور يدرك الإنسان من خلالها الحقائق والدلائل، ويهتدي بهذا النور إلى الحقّ -تعالى-، وهذا المعنى نجده في جواب أمير المؤمنين (عليه السلام) للحبر عندما سأله: يا أمير المؤمنين، هل رأيت ربّك حين عبدته؟ فقال: «ويلك، ما كنت أعبد ربًّا لم أره!»، قال: وكيف رأيته؟ قال: «ويلك، لا تدركه العيون في مشاهدة الأبصار، ولكن رأته القلوب بحقائق الإيمان»[2].
وأعمى القلب هو من فقد بصيرته، وغلب الوهم عنده على العقل، فمهما كثر عمله وفعله، فإنّه كالسراب الذي يحسبه الظمآن ماءً، فالوعي والبصيرة من صفات المؤمن الأساسيّة.
من هو البصير؟
عن الإمام عليّ (عليه السلام): «فَإِنَّمَا الْبَصِيرُ مَنْ سَمِعَ فَتَفَكَّرَ، وَنَظَرَ فَأَبْصَرَ، وَانْتَفَعَ بِالْعِبَر،ِ ثُمَّ سَلَكَ جَدَدًا وَاضِحًا، يَتَجَنَّبُ فِيهِ الصَّرْعَةَ فِي الْمَهَاوِي، وَالضَّلَالَ فِي الْمَغَاوِي، وَلَا يُعِينُ عَلَى نَفْسِهِ الْغُوَاة،َ بِتَعَسُّفٍ فِي حَقٍّ، أَوْ تَحْرِيفٍ فِي نُطْقٍ، أَوْ تَخَوُّفٍ مِنْ صِدْقٍ»[3].
[1] الشيخ الطبرسيّ، المجمع البيان، ج4، ص129. [2] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج1، ص98. [3] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، ص213.
187
174
الموعظة التاسعة والعشرون: مكانة البصيرة عند المؤمن
مسبّبات البصيرة
1. التفقّه في الدّين: عن الإمام الكاظم (عليه السلام): «تفقّهوا في دين الله، فإنّ الفقه مفتاح البصيرة وتمام العبادة والسبب إلى المنازل الرفيعة والرتب الجليلة في الدّين والدنيا»[1].
2. القرآن الكريم: ﴿قَد جَاءَكُم بَصَائِرُ مِن رَّبِّكُم فَمَن أَبصَرَ فَلِنَفسِهِ وَمَن عَمِيَ فَعَلَيهَا وَمَا أَنَا عَلَيكُم بِحَفِيظٖ﴾[2].
ما يفقد البصيرة
1. عشق الشهوات: عن الإمام عليّ (عليه السلام): «وَمَنْ عَشِقَ شَيْئًا أَعْشَى بَصَرَهُ، وَأَمْرَضَ قَلْبَهُ، فَهُوَ يَنْظُرُ بِعَيْنٍ غَيْرِ صَحِيحَةٍ، وَيَسْمَعُ بِأُذُنٍ غَيْرِ سَمِيعَةٍ، قَدْ خَرَقَتِ الشَّهَوَاتُ عَقْلَهُ، وَأَمَاتَتِ الدُّنْيَا قَلْبَهُ وَوَلِهَتْ عَلَيْهَا نَفْسُهُ»[3].
2. حبّ الدنيا: عن الإمام عليّ (عليه السلام): «لحبّ الدنيا صمّت الأسماع عن سماع الحكمة، وعميت القلوب عن نور البصيرة»[4].
الأعمى أعمى البصيرة لا البصر
عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «ليس الأعمى من يعمى بصره، إنّما الأعمى من تعمى بصيرته»[5].
[1] الشيخ ابن شعبة الحرّانيّ، تحف العقول عن آل الرسول (صلى الله عليه وآله)، ص410. [2] سورة الأنعام، الآية 104. [3] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، ص160. [4] الشيخ الريشهريّ، ميزان الحكمة، ج2، ص898. [5] المصدر نفسه، ج1، ص266.
188
175
الموعظة التاسعة والعشرون: مكانة البصيرة عند المؤمن
البصيرة من مكارم الأخلاق
عن الإمام الكاظم (عليه السلام): «إنّ الله جلّ جلاله خصّ رسله بمكارم الأخلاق، فامتحنوا أنفسكم، فإنْ كانت فيكم فاحمدوا الله، وإلاّ فاسألوه وارغبوا إليه فيها». قال: وذكرها عشرة: «اليقين والقناعة والبصيرة والشكر والحلم وحسن الخلق والسخاء والغيرة والمروة»[1].
شيعتنا أصحاب بصيرة
عن الإمام الصادق (عليه السلام): «إنّما شيعتنا أصحاب الأربعة الأعين: عينان في الرأس، وعينان في القلب، ألا والخلائق كلّهم كذلك، إلّا أنّ الله عزَّ وجلّ فتح أبصاركم وأعمى أبصارهم»[2].
العمل القليل أفضل من العمل الكثير
عن الإمام الصادق (عليه السلام): «واعلم أنّ العمل الدائم القليل على اليقين والبصيرة، أفضل عند الله من العمل الكثير على غير اليقين والجهل»[3].
عمل بلا بصيرة بُعْدٌ عن الطريق
عن الإمام الصادق (عليه السلام): «العامل على غير بصيرة كالسائر على غير الطريق، ولا يزيده سرعة السير من الطريق إلّا بعدا»[4].
[1] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج8، ص215. [2] الشيخ الصدوق، فقه الرضا (عليه السلام)، ص356. [3] الشيخ الكليني، الكافي، ج2، ص57. [4] المصدر نفسه، ج1، ص43.
189
176
الموعظة التاسعة والعشرون: مكانة البصيرة عند المؤمن
قصّة وعبرة
من أبرز مصاديق فقدان البصيرة والوعي هم الخوراج، الذين خرجوا على أمير المؤمنين (عليه السلام)، ورفعوا شعار: «لا حكم إلّا لله». وفيما يأتي حادثة لنموذج من هؤلاء:
خرج أمير المؤمنين (عليه السلام) ذات ليلة من مسجد الكوفة متوجّهًا إلى داره، وقد مضى ربع من الليل، ومعه كميل بن زياد، وكان من خيار شيعته ومحبّيه، فوصل في الطريق إلى باب رجل يتلو القرآن في ذلك الوقت، ويقرأ قوله -تعالى-: ﴿أَمَّن هُوَ قَٰنِتٌ ءَانَاءَ ٱلَّيلِ سَاجِدٗا وَقَائِمٗا يَحذَرُ ٱلأخِرَةَ وَيَرجُواْ رَحمَةَ رَبِّهِۦ قُل هَل يَستَوِي ٱلَّذِينَ يَعلَمُونَ وَٱلَّذِينَ لَا يَعلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ ٱلأَلبَٰبِ﴾[1]، بصوت شجي حزين، فاستحسن ذلك كميل في باطنه وأعجبه حال الرجل، من غير أن يقول شيئًا، فالتفت إليه (عليه السلام)، وقال: «يا كميل، لا تعجبك طنطنة الرجل، إنّه من أهل النار، وسأنبّئك فيما بعد»، فتحيّر كميل لمشافهته له على ما في باطنه وشهادته للرجل بالنار، مع كونه في هذا الأمر وفي تلك الحالة الحسنة ظاهرًا في ذلك الوقت، فسكت كميل متعجّبًا متفكّرًا في ذلك الأمر، ومضى مدّة متطاولة إلى أن آل حال الخوارج إلى ما آل، وقاتلهم أمير المؤمنين (عليه السلام)، وكانوا يحفظون القرآن كما أنزل، والتفت أمير المؤمنين إلى كميل بن زياد وهو واقف بين يديه، والسيف في يده يقطر دمًا، ورؤوس أولئك الكفرة الفجرة محلّقة على
[1] سورة الزمر، الآية 9.
190
177
الموعظة التاسعة والعشرون: مكانة البصيرة عند المؤمن
الأرض، فوضع رأس السيف من رأس تلك الرؤوس، وقال: يا كميل، ﴿ أَمَّن هُوَ قَٰنِتٌ ءَانَاءَ ٱلَّيلِ سَاجِدٗا وَقَائِمٗا﴾، أي هو ذلك الشخص الذي كان يقرأ في تلك الليلة، فأعجبك حاله، فقبّل كميل مقدّم قدميه، واستغفر الله[1].
البصيرة في كربلاء
ورد في الرواية عن الإمام الصادق (عليه السلام) في حقّ عمّه العبّاس (عليه السلام)، قال: «كان عمّنا العبّاس بن عليّ نافذ البصيرة، صلب الإيمان، جاهد مع أبي عبد الله (عليه السلام)، وأبلى بلاءً حسنًا ومضى شهيدا»[2].
وقد تجسّد نفاذ هذه البصيرة في مواقف عديدة في كربلاء مع العبّاس (عليه السلام)، فقد ورد أنّ الشمر قدِم حتّى وقف على أصحاب الحسين (عليه السلام)، فقال: أين بنو أختنا؟ فخرج إليه العبّاس وجعفر وعثمان بنو عليّ بن أبي طالب (عليهم السلام)، «فقالوا: ما تريد؟ فقال: أنتم يا بني أختي آمنون، فقالت له الفتية: لعنك الله ولعن أمانك، أتؤمننا، وابن رسول الله لا أمان له»[3]؟!
[1] الديلميّ، إرشاد القلوب، ج2، ص226. [2] أبو مخنف الأزديّ، مقتل الحسين (عليه السلام)، ص176. [3] الشيخ المفيد، الإرشاد، ج3، ص89.
191
178
الموعظة الثلاثون: مِن آداب التَوْبة
الموعظة الثلاثون: مِن آداب التَوْبة
بيان بعض آداب التوبة ومُقدّماتها في دعاء التوبة للإمام السجّاد (عليه السلام)، مع الترغيب بِها والحثّ عليها.
محاور الموعظة
التوبة لُجوءٌ إلى رَحمة الله
آداب التوبة ومُقدّماتها
له الفضْل في التوبة والتوفيق إليها
تصدير الموعظة
﴿يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ تُوبُواْ إِلَى ٱللَّهِ تَوبَةٗ نَّصُوحًا﴾[1].
[1] سورة التحريم، الآية 8.
192
179
الموعظة الثلاثون: مِن آداب التَوْبة
التوبة لُجوءٌ إلى رَحمة الله
قال الله -تعالى- في كتابه الكريم: ﴿نَبِّئ عِبَادِي أَنِّي أَنَا ٱلغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ﴾[1].
هذه الآية خِطاب للنبيّ (صلى الله عليه وآله) بِعنوان نُبُوّته ورَسوليّته، ومِنه إلى كلِّ حاملٍ للإسلام، لكي يُعلِّم الناس -الناس كلّهم- أنّ الله غَفورٌ يَغفر الذنوب جميعًا، ورحيمٌ في مُعامَلتهم في كِلا الدارَيْن. وقد أشارَتْ إلى أنّه -تبارك وتعالى- يُعاهِد الناس، بل المخلوقات كلّها، بِأن يُعاملهم بالرحمة، قائلًا: ﴿كَتَبَ رَبُّكُم عَلَىٰ نَفسِهِ ٱلرَّحمَةَ﴾[2].
وزِيادةً في بثّ روح الأمل في نُفوس البشر -خاصّةً المذنبين منهم-، قال لهم: ﴿قُل يَٰعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ أَسرَفُواْ عَلَىٰ أَنفُسِهِم لَا تَقنَطُواْ مِن رَّحمَةِ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ يَغفِرُ ٱلذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُۥ هُوَ ٱلغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ﴾[3].
ولأنّ المُذنِبين يشعرون أنّهم بَعيدون عن ساحة رَحمة الله، ومُستحقّون لِعُقوباته الآجِلة والعاجِلة، فقد يَظُنّون -وَهُمْ على هذه الحال- أنّهم ممنوعون مِن مُخاطبته -تعالى- وطَلَبِ العفْوِ والمغفرة منه -وهذه مِن حِيَل إبليس وتلبيساته-، فجاء الخطاب الإلهيّ: ﴿قُل يَٰعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ أَسرَفُواْ عَلَىٰ أَنفُسِهِم لَا تَقنَطُواْ مِن رَّحمَةِ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ يَغفِرُ ٱلذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُۥ هُوَ ٱلغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ﴾[4].
[1] سورة الحجر، الآية 49. [2] سورة الأنعام، الآية 54. [3] سورة الزمر، الآية 53. [4] سورة الزمر، الآية 53.
193
الولاية الاخبارية موقع اخباري وثقافي لمن يسلك الطريق الی الله