الرئيسية / شخصيات أسلامية / مشارق أنوار اليقين في أسرار أمير المؤمنين عليه السلام

مشارق أنوار اليقين في أسرار أمير المؤمنين عليه السلام

فصل (حقيقة النقطة وأنها الفيض الأول) * وكذلك الأسماء الإلهية فإن مرجعها إلى الاسم المقدس، فهو جامع لشملها، وشامل لجمعها، متجل في أحدها، ونهاية الحروف النقطة فتناهت الأشياء بأسرها إلى النقطة ودلت عليها، ودلت النقطة على الذات، وهذه النقطة هي الفيض الأول الصادر عن ذي الجلال المسمى في أفق العظمة والجمال بالعقل الفعال، وذاك هو الحضرة المحمدية، فالنقطة هي نور الأنوار، وسر الأسرار، كما قال أهل الفلسفة: النقطة هي الأصل والجسم حجابه، والصورة حجاب الجسم، والحجاب غير الجسد الناسوتي. دليله من صريح الآيات قوله تعالى: ﴿الله نور السماوات﴾ (1)، معناه منور السماوات، فالله اسم للذات والنور من صفات الذات، والحضرة المحمدية صفة الله وصفوته، صفته في عالم النور، وصفوته في عالم الظهور، فهي النور الأول، الاسم البديع الفتاح، قوله الحق: (أول ما خلق الله نوري) (2)، وقوله: (أنا من الله والكل مني). (3) وقوله مما رواه أحمد بن حنبل: (كنت وعلي نورا بين يدي الرحمن قبل أن يخلق عرشه بأربع عشرة سنة) (4).
فمحمد وعلي حجاب الحضرة الإلهية ونوابها وخزان أسرار الربوبية وبابها.
أما الحجاب فلأنهم اسم الله الأعظم والكلمة التي تجلى فيها الرب لسائر العالم لأن بالكلمة تجلى الصانع للعقول، وبها احتجب عن العيون، سبحان من تجلى لخلقه بخلقه حتى عرفوه، ودل بأفعاله على صفاته حتى وحدوه، ودل بصفاته على ذاته حتى عبدوه.
وأما الولاية، فلأنهم لسان الله في خلقه، نطقت فيهم كلمته، وظهرت عنهم مشيئته، فهم خاصة الله وخالصته.
وأما الباب، فلأنهم أبواب المدينة الإلهية التي أودعها مبدعها نقوش الخلائق، وأسرار الحقائق،
(١) النور: ٣٥.
(٢) نظم المتناثر: ١٨٥ ح ١٩٤، وأخبار الدول: ٤، وبحار الأنوار: ١٥ / ٢٤، وينابيع لمودة: ١ / ١٠.
(٣) رواه الإمام أحمد في فضائل الصحابة: ٢ / 663 ح 1130 وفيه: قبل أن يخلق آدم بأربعة عشر ألف عام.
(٤١)

فهم كعبة الجلال التي تطوف بها المخلوقات، ونقطة الكمال التي ينتهي إليها الموجودات، والبيت المحرم الذي تتوجه إليه سائر البريات لأنهم أول بيت وضع للناس فهم الباب، والحجاب، والنواب، وأم الكتاب، وفصل الخطاب، وإليهم يوم المآب، ويوم الحساب، فهم لاهوت الحجاب، ونواب الجبروت، وأبواب الملكوت، ووجه الحي الذي لا يموت.
فصل وإن قلت: معنى قوله: ﴿الله نور السماوات والأرض﴾ (1) يعني منور السماوات والأرض، وهادي أهل السماوات والأرض، قلت: نعم هم الهداة والدعاة إلى الله عز وجل، والنور المشرق من حضرة الأزل ولم يزل، والاسم الفتاح الذي أخرج بنوره الوجود من العدم، فبهم بدا وبهم هدى، وبهم ختم، وهم المعاذ في المعاد للعباد عند زلة القدم، فهم مصابيح الظلم، ومفاتيح النعم.
فصل فإذا استقرينا الموجودات، فإنها تنتهي إلى النقطة الواحدة التي هي صفة الذات وعلة الموجودات، ولها في التسمية عبارات، فهي العقل من قوله صلى الله عليه وآله: (أول ما خلق الله العقل) (2)، وهي الحضرة المحمدية من قوله: (أول ما خلق الله نوري) (3). ومن حيث إنها أول الموجودات صادرة عن الله تعالى بغير واسطة سميت العقل الأول، ومن حيث إن الأشياء تجد منه قوة التعقيل سمي العقل الفعال، ومن حيث إن العقل فاض منه إلى جميع الموجودات فأدركت به حقائق الأشياء سمي عقل الكل، فعلم بواضح البرهان أن الحضرة المحمدية هي نقطة النور وأول الظهور، وحقيقة الكائنات، ومبدأ الموجودات، وقطب الدائرات، فظاهرها صفة الله، وباطنها غيب الله، فهي ظاهر الاسم الأعظم، وصورة سائر العالم، وعليها مدار من كفر وأسلم، فروحه صلى الله عليه وآله نسخة الأحدية في اللاهوت، وجسده صورة معاني الملك والملكوت، وقلبه خزانة الحي الذي لا يموت، وذلك لأن الله تعالى تكلم في الأول بكلمة فصارت نورا، ثم تكلم بكلمة فصارت روحا، وأدخلها ذلك النور
(١) النور: ٣٥.
(2) تقدم الحديث.
(3) تقدم تخريجه.
(٤٢)

وجعلها حجابا فهي كلمته ونوره وروحه وحجابه، وسريانها في العالم كسريان النقطة في الحروف والأجسام، وسريان الواحد في الأعداد وسريان الألف في الكلام، وسريان الاسم المقدس في الأسماء، فهي مبدأ الكل وحقيقة الكل، فكل ناطق بلسان الحال والمقال، فإنه شاهد لله بالوحدانية الأولية، ولمحمد وعلي بالأبوة والملكية، دليله قوله صلى الله عليه وآله: (أنا وعلي أبوا هذه الأمة) (1)، وإذا كانا أبوي هذه الأمة دل بالتزام أن يكونا أبوي سائر الأمم لدلالة الخاص على العام، والأعلى على الأدنى من غير عكس، فلولاهما لم يكن خلق أبدا لاختصاصه ب‍ (لولاك لما خلقت الأفلاك) (2) فعلم أن صدور الأفعال عن الصفات، وصدور الصفات عن الذات، والصفة التي هي إمام الصفات في ظهور الموجودات، هي الحضرة المحمدية فهي عين الوجود وشرف الموجود وهي النقطة الواحدة التي هي صفة الأحد والجمال، الصادرة عن الجلال، والنور المبتدع من سحاب العظمة المشعشع من فيض قدس الرحمة وهي عرش النور والكتاب المسطور واللوح المحفوظ وأول الظهور، وختم الأيام والدهور.
يؤيد ذلك ما ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه سئل: هل رأيت في الدنيا رجلا؟ فقال: رأيت رجلا وأنا إلى الآن أسأل عنه. فقلت له: من أنت؟
فقال: أنا الطين. فقلت: من أين؟
فقال: من الطين. فقلت: إلى أين؟ فقال: إلى الطين. فقلت: من أنا؟
فقال: أبو تراب. فقلت: أنا أنت. فقال: حاشاك، حاشاك، هذا من الدين في الدين، أنا أنا، وأنا أنا، أنا ذات الذوات، والذات في الذوات الذات، فقال: عرفت. فقلت نعم. فقال: فامسك. (3) فأقول: في حل هذا الرمز الشريف إشارة إلى خطاب عالم اللاهوت مع عالم الناسوت، وهو الروح للجسد ليبين للناس الفرق بين هيكل قدسه وسر نفسه، فقوله: رأيت رجلا، وأنا أسأل إلى الآن عنه. وذلك لأن الروح لم تزل لها تعلق بالجسد ونظر إليه لأنه بيت غربتها، ومسكن كربتها، ومركب سيرها، وسرير تحصيلها، والثاني أن العارف أبدا يجب عليه أن يعرف الفرق بين مقام التراب وسر رب الأرباب، لأنه إذا عرف نفسه عرف ربه، لأنه إذا عرف نفسه بالحدوث، والفقر،
(١) كمال الدين: ١ / ٢٦١، والبحار: ٣٦ / ٢٥٤.
(٢) الفوائد المجموعة: 326، وجامع الأسرار: 381 ح 758.
(٤٣)

شاهد أيضاً

برنامج لعلكم تتقون الحلقة (2)

برنامج لعلكم تتقون الحلقة (2) إقرأ المزيد الامام الخامنئي يهنئ بفوز المنتخب الايراني للمصارعة الرومانية ...