تصدّع ركائز المشروع الصهيوني
د. عادل عبد المهدي*
مثّلت «سيفُ القدس» معركةً تاسيسيةً أولى لأخذ زمامِ المبادرة والهجوم… بدليلِ تأكيد المعارك اللاحقة التوجهات نفسها، وصولاً لـ «طوفان الأقصى».. ومعاركُ اليوم، هي الأطول والأكثر ضراوة من كلّ معاركنا السابقة.. كدليل لعجز العدو عن الحسمِ وهزيمته. فميزانُ القوى انقلب تاريخياً، وبالمباني الأساسية، وليس تكتيكياً او ظرفياً. فنشهدُ وحدةً متزايدةً للساحات وللقيادات.. وللأداءِ القتالي والسياسي والإعلامي، رغم استمرارِ التجزئة بين دولنا، وسلبيةِ من الكثير من أنظمتنا ونخبِنا وشعوبِنا.
صمدت إيران، رغم الحصار والعقوبات والحروب ضدها. وانتقلت للردع في «الوعد الصادق». وفُتحت جبهاتٌ جبارة في لبنان واليمن والعراق وسورية ومؤخراً البحرين، إضافةً إلى جماهير الأمة، وأحرار العالم بمختلف فعالياتهم ونشاطاتهم، بما في ذلك حركة وعي متزايدة بين اليهودِ أنفسهم.
***
لا تُلخص قضية فلسطين بنزاع على أرض، أو مواجهة احتلال فقط. إنها مسألةٌ شاملةٌ في الزمانِ والمكان، فلا تُقارن مثلاً باستعمار الجزائر، أو الهند، وغيرهما من منافسات الدول الاستعمارية… فلا بدّ من رؤية الاحتلال الإسرائيلي، كجزء من حلّ فاشلٍ لأزمة داخليّة عاشها ويعيشها الغرب. فالصهيونيةُ ودولةُ الكيان هي شريكهم وأزمتهم وشيطانهم وصعودهم وانهيارهم، في آنٍ واحد.
يجب التذكير بأنّ الاحتلالَ الإسرائيلي مرتبطٌ بإرهاصاتِ وطروحاتِ ما سُمّي بـ «المسألة اليهودية». أيّ إشكالياتُ المسيحية واليهودية، والحرية والمساواة والإخاء، واللاهوتيات، وخصوصية اليهودي الغربي وعلاقته بالدولة الدينية، أو العلمانية، وفهمه لمعاداة السامية. فـ»المسألةُ اليهودية» طُرحت متلازمةً مع حركة سيطرة الغرب على العالم، والاستكشافات، والتنوير، ورأس المال والاستغلال والاستعمار، ومرتبطةً ايضاً بالنازية والفاشستية، والاستيطان، ومعاداة الإسلام، والتفرفة العنصرية.
لم ينجح الغربُ بمسيحييهِ ويهودهِ وعلمانييهِ في تفكيك «الإشكالات». فمارس حلين فاشلين: محاكم التفتيش والتصفية العرقية والإبادة الجماعية أولاً، والوطن البديل والدولة العبرية لاحقاً…
فجاء دورُ المقاومة الاستثنائية، وتضحياتِ شعبِنا الخارقة وصبره، محوّلاً النكبة وكلّ مظاهر القوة والعنف والجرائم الفظيعة الى هزيمة نكراء وعلى معظم الصعد… ليرتدّ المشروعُ على أصحابه، وهو ما يتفجرُ اليوم في الكيانِ والغربِ بأشكالٍ ومستوياتٍ متعددة.
وسنجدُ في كتابات المرحوم عبد الوهاب المسيري شرحاً وافياً عن إشكالية الصعود والانهيار الصهيوني. كما سنجدُ في كتابِ ماركس «حول المسألة اليهودية» (1843) نصوصاً له ولغيره عن تشابك مصالح الجماعات اليهودية مع الاستعمارِ والغربِ المتوحش. كقوله «لقد تحرّرَ اليهودي على الطريقةِ اليهودية، ليس فقط بامتلاكهِ سلطةِ المال، وإنما أيضاً بأن أصبح المال من خلالهِ، وبدونه سلطةً عالمية، وأصبحت روحُ اليهودي العملية الروحَ العملية للشعوبِ المسيحية»، او «فالمجتمع البرجوازي يولد من أحشائه الخاصة اليهود، دون انقطاع» او «لقد انبثقت المسيحية من اليهودية، ثم عادت وذابت في اليهودية»…
فمن لا يربط بين ما يجري الآن وتلك الإشكالات، قد يعجز عن فهم بعض الظواهر… وقد ينساق لبعض الحلول الوهميّة. فما فعله ويفعله الكيان مُستقى من الروح نفسها والحلول الفاشلة ذاتها للغرب المتوحش وللنازية، من أعمال إبادة وجرائم واستعمار وفصلٍ عنصري في الغرب نفسه، ومع خارجه.
وهكذا يظهر البعد العالميّ لمعركة تحرير فلسطين، كما تشهد الأحداث الجارية، وذلك عندما ينجح «سيفُ القدس» و»طوفانُ الأقصى» في الانتقال إلى الهجوم… وعندما تمارسُ قوى الاحتلال في فلسطين جرائمِ الغربِ الداخلية والخارجية ذاتها، ويتكشّف النفاقُ والمعاييرُ المزدوجة، في الحريات والمساواة والديمقراطية وحقوق الإنسان، وغيرها.
هذا الترابط سيُعطينا رؤية حقيقية تدعو للتفاؤل، فالمرتكزاتُ الثلاثة التي ساهمت في صعودِ الصهيونيةِ والكيانِ الغاصب، هي ذاتُها مرتكزاتِ انهيارهما:
1 ـ المرتكزُ الديني: فمشروعُ الوطن القومي والاستيلاء على القدس الشريف، وامتزاج اليهودية بالمسيحية المتصهينة، هو عملٌ صداميٌ نافٍ بالمطلق لأمتنا.. لتتحرك عواملُ الرفضِ والمقاومة. فلا النكبةُ، ولا المآسي والجرائمُ المرتكبة، ولا المشاريعُ المضللة بقادرة على تحييدِ حصاناتِ ومقاوماتِ الأمة. فالكبوةُ شيءٌ، والهزيمةُ شيءٌ آخر. لذلك صمدت الأمة، وانتقلت للهجومِ والمبادرة، وانتظار وعد الله سبحانه ونصره. إضافة لكلّ التعارضات الدينية/ العلمانية، والمسيحية/ اليهودية، واليهودية/ اليهودية، ولعنة العقد الثامن.. وما تفجّره من تناقضات بين مركبات داخلية، هي ابتداءً نافيةٌ لبعضها، وحّدتها قسراً بحبوحةُ وقوّةُ مرحلة الصعود، وتفككها اليوم عواملُ التراجع وتراكمُ الأزمات.
2 ـ المرتكز الوطني: يعني الانتقال من الدفاعِ الى الهجوم بحيث إننا نقترب من مرحلةِ التحرير، والعدوُ مهزوم اليوم رغم كلّ جرائمه، والمقاومة تعزّز هجومها، وتتسع دوائرها في فلسطين والإقليم والعالم.
3 ـ المرتكزُ العالمي: فكما خدمت التطوراتُ العالمية الغربية الصاعدة الهجرة والاستيطان وقيام الكيان، فإنّ التطوراتَ العالمية الجارية ـ حيث تنهار مقوّمات الهيمنة وتحكّم الشمال بالجنوب والغرب بالشرق ـ تفككُ اليوم كلّ مرتكزات الكيان والصهيونية في معاقلها الأساسية.
في الختام… كلّي يقين أنّ لقاءات منتدى الفكر الاستراتيجي ستعمّق من حركة الوعي وتعزز الانتصارات التي تتحقق في كلّ يوم… وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
*كلمة في افتتاح الجلسة التأسيسية لمنتدى التفكير الاستراتيجي في الذكرى الثالثة لمعركة «سيف القدس»
**رئيس الحكومة العراقيّة الأسبق.
إقرأ المزيد ..
الإمام الخامنئي: الشعوب المسلمة تتوقع من حكوماتها قطع العلاقات مع الكيان الصهيوني
الإمام الخامنئي: الإعلام أكثر تأثيراً على العدو من الصواريخ والمسيّرات
قائد الثورة في إيران يستقبل جمعا من قراء القرآن الكريم
الرئيس الإيراني: أي مغامرات صهيونية جديدة ستقابل برد أقوى وأكثر حزماً
السيد نصر الله: اللواء زاهدي عمل ليلًا نهارًا لخدمة المقاومة.. وردُّ إيران حقٌّ طبيعي
الموقف الرسمي لمعظم الدول العربية والإسلامية يتصدر دائرة المتخاذلين عن نصرة فلسطين
تجمع حاشد في جامعة طهران دعماً للطلاب الأمريكيين
الشيعة وفلسطين _.._ قراءة في عملية طوفان الاقصى (جميع الحلقات)
ميزان الحكمة أخلاقي، عقائدي، اجتماعي سياسي، اقتصادي، أدبي
محاولات هدم قبور الصالحين في التاريخ
قصيدةُ [ ضَرَبَتْ إِيرانُ صُهْيُونَ اللَّعِينْ ]
ألف سؤال وإشكال (المجلد الأول)
القوات اليمنية تعلن بدء المرحلة الرابعة من التصعيد باستهداف السفن الإسرائيلية في المتوسط
أول رواية إيرانية كاملة لـ”ليلة الصواريخ والمُسيّرات”! طهران ـ علي منتظري
المواجهة الإسرائيلية الإيرانية… بين التاريخ والمستقبل
ندعوكم لدعم موقع الولاية الإخبارية ماديا