تعيش القارة الاوروبية هذه الايام رعبا لم تشهده الا ايام الحرب العالمية الثانية اذ اخذت المسيرات المجهولة الهوية تدخل سماء العواصم الاوروبية بلا استئذان ولا اشعارات ولا انذارات الرادارات، فبعد كوبنهاجن واوسلو ووارسو ظهرت هذه المسيرات اليوم في سماء ميونخ لتعطل حركة الملاحة في مطاراتها، والخوف يشتد في اوروبا مع انتشار هذه المسيرات لتعم اغلب المدن والعواصم، والسؤال الذي يواجه قادة وزعماء اوروبا من اين جاءت هذه المسيرات؟ ومن اين دخلت؟ وكيف وصلت الى العواصم الاوروبية؟ وعلى رغم التقنية العالية التي تمتلكها الدول الاوروبية لم تستطع الاجابة على هذه الاسئلة، وليس من المهم الاجابة عليها اذ اصبح من السهل انتاج هذه المسيرات في اية ورشة، حتى لو كانت صغيرة وشخصية، المهم على قادة اوروبا ان يبحثوا عن المستفيد من وجود هذه المسيرات في سمائها، وما هو المتغيّر الرئيسي الذي طرأ اخيرا في السياسة الاوربية.
البعض يرى ان موسكو هي وراء هذه المسيرات هدفها نشر الرعب والارهاب في القارة الاوروبية وهذا احتمال ضعيف لانه ليس من مصلحة روسيا اليوم توسيع نطاق حربها في اوكرانيا، بل من مصلحتها تحييد الدول الاوروبية لإيقاف دعمها لاوكرانيا. والاحتمال الاقوى إنّ وراء هذه المسيرات (اسرائيل) التي ما فتأت وهي تحبط اية محاولة لإقامة الدولة الفلسطينية، وقد اغضبها الاجماع الاوروبي على الاعتراف بالدولة الفلسطينية فكانت هذه المسيرات بمثابة رسالة عتب وتهديد لهذه الدول بان تكف عن دعمها للقضية الفلسطينية، والذي يقوي هذا الاحتمال :
ـ اولا: عُرفت اسرائيل في تاريخها بعدم اعتنائها للقانون الدولي، وعدم انصياعها لانظمة الامم المتحدة وللنظام الدولي القائم على مبدا عدم التدخل في شؤون الاخرين وعدم تهديد السلم والامن العالمين. فليس من الصعب على اسرائيل ان ترسل هذه المسيرات نحو العواصم الغربية لتحقيق اهدافها المبيتة.
ـ ثانيا: اسطول الصمود الذي انطلق من اسبانيا وفرنسا وايطاليا وبرضا من دولها نذير بتصاعد ادوات الصراع بين القادة الاوروبية واسرائيل فتخشى اسرائيل ان تتسع هذه الحركة من الاحتجاجات الشعبية الى قيام قوافل الدعم والمساندة للشعب الفلسطيني ثم الى نتائج وتطورات لا يحمد عقباها، فاستخدام المسيرات لنشر الرعب والخوف في اوروبا ربما يصرف انظار الاوروبيين الى مشاكلهم ويبعدهم عن التوجه الفلسطيني.
ـ ثالثا: شرعت بعض الدول الاوروبية باتخاذ اجراءات سياسية واقتصادية وعسكرية ضد اسرائيل من قبيل منع بيع الاسلحة ونقلها، والغاء العقود مع الشركات الاسرائيلية واجراءات عديدة اخرى هدفها الضغط على اسرائيل لتغيير سياستها ازاء الشعب الفلسطيني، من هنا كانت اسرائيل هي المستفيد الاكبر من وجود هذه المسيرات في سماء اوروبا، وهي تحمل ثلاث رسائل:
رسالة الى الحكومات الاوروبية بان تكفَّ عن الدعوة الى قيام الدولة الفلسطينية.
ورسالة الى الشعوب الاوروبية بان تكفَّ عن معاداتها للسامية، وتتوقف عن الاحتجاجات اليومية التي تعم القارة وذلك بصرف انظارها الى هذه المسيرات التي اخذت تنشر الرعب ليس فقط في سماء اوروبا بل حتى في الاراضي الاوروبية اذا ما تم تفجيرها.
ورسالة ثالثة الى المنظمات والاحزاب الاوروبية التي نظَّمت اسطول الصمود والتي ستواصل حربها السلمية والاقتصادية ضد اسرائيل طالما ظلت تتجاهل القانون الدولي وتواصل قتلها للاطفال والنساء والشيوخ.