الحمد للّه ربّ العالمين، وصلّى الله على سيدنا محمّد (صلى الله عليه وآله) وعلى آله الطاهرين(عليهم السلام)، وعلى جميع الأنبياء والمرسلين (عليه السلام)، وبعد…
أربعة وستّون يومًا، حِيكت فيها ملحمة إيمانيّة بطوليّة تاريخيّة، هي معركة «أولي البأس»، وسبقها عام كامل من النصرة والوفاء في إسناد المقاومة لشعب غزّة المظلوم. حقبة زمنيّة مُثقلَة بأحداثٍ متسارعة ومفصليّة وشديدة، تنوّعت فصولها، صعودًا وهبوطًا، لتحاكي بمشهديّتها، وتستنطق، تعاليم القرآن الكريم، ومعارك النبيّ(صلى الله عليه وآله) في جهاده الأعظم، بعِبره وأهدافه الكبرى في إرساء الدين، وواقعة كربلاء بتجلّياتها الإيمانيّة الروحيّة المتنوّعة، وأثرها الممتدّ في ترسيخ الدين وإثبات الحقّ ونصرة المظلوم عبر الزمن، وجريان السنن الإلهيّة التاريخيّة في صناعة المجتمع الموحِّد السائر نحو الله، وحضور إمام الزمان (عجل الله تعالى فرجه)، وتربيته وقيادته في معركة من معارك التمهيد لظهوره المبارك.
أمام مشهديّة كهذه، تتعلّق بالصراع بين الحقّ والباطل، بين محور الخير كلّه ومحور الشرّ كلّه، بين حاكميّة دين الله وعبادة الشيطان والدنيا، ولأجل تقديم سرديّة، أو حكاية تفسِّر ما جرى من أحداثٍ على المقاومة وبيئتها، من منطلق إيمانيّ وفكريّ ورؤية توحيديّة، تجيب عن الكثير من التساؤلات المتولّدة من رحم شدّة وقع الحدث وعمقه، من الجدير الأخذ بعين الاعتبار الثوابت والمنطلقات الإيمانيّة والدينيّة والإنسانيّة، ثمّ قراءة الواقع والحدث كما هو، بصدقٍ وشفافيّة وعقلانيّة وفهم للزمان والمكان، وبمظلّة تلك المبادئ والثوابت والسنن الحاكمة، بعيدًا عن الأهواء أو العجلة أو التعمية أو العصبيّة أو التخوين، فجميع الأسئلة مشروعة حتّى تنجلي الصورة المشرقة لنموذج المجتمع المقاوم الموحِّد الممهِّد؛ وهو ما يتطلّب الاستفادة من روح خطابات ونهج سيّد شهداء الأمّة السيّد حسن نصر الله (رضوان الله عليه) وثوابتها، والركون إلى خطاب القيادة الجديدة الأمين العام سماحة العلاّمة المجاهد الشيخ نعيم قاسم (حفظه المولى) وتوجيهاتها في قيادتها وإدارتها للمرحلة.
والحمد لله ربّ العالمين
مركز المعارف للدراسات الثقافيّة
12 المقاومة حركة إيمانيّة جهاديّة تلتزم بالتكليف الشرعيّ الإلهيّ
إنّ منطلق حركة المقاومة منذ بدايتها، منطلق إسلاميّ قرآنيّ إيمانيّ، وجهاديّ بمختلف أنواعه، قال الله تعالى: ﴿وَجَٰهِدُواْ فِي ٱللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِۦۚ﴾[1]؛ ويؤكِّد سيّد شهداء الأمّة السيّد حسن نصر الله (رضوان الله عليه) هذا الأمر قائلًا: «نحن منذ أربعين عامًا، نسير بسيرة الحسين (عليه السلام) وجدّ الحسين (صلى الله عليه وآله)، فنعمل بكتاب الله، ونصغي إلى كتاب الله وعترة رسول الله (صلى الله عليه وآله)؛ لذا حركتنا حركة إيمانيّة جهاديّة بالمعنى الواسع». إذًا، إنّ كلّ المعارك التي خاضتها المقاومة، منذ بداية تأسيسها وإلى يومنا هذا، لها منطلقاتها الدينيّة الإيمانيّة العقائديّة الشرعيّة. وهي تستمدّ مشروعيّة خياراتها وتكليفها في عصر الغيبة الكبرى من «الوليّ الفقيه»، نائب الإمام المهديّ (عجل الله تعالى فرجه).
وقد حدّد الإمام الخمينيّ (قدس سره) بدايةً تكليف الأمّة الإسلاميّة، بالعمل على محاربة الكيان الصهيونيّ المجرم الغاصب للأرض، حتّى إزالته وتحرير القدس من رجس الاحتلال. وهو حكم دينيّ إسلاميّ شرعيّ مستمَدّ من النصّ (القرآن والسنّة)، والعقل، ويُقرّه الوجدان، ويُجمِع عليه الأحرار من المسلمين وغير المسلمين في العالم. واستمرّ هذا التكليف الشرعي والأخلاقيّ والإنسانيّ بتعيينٍ من الوليّ الفقيه الإمام الخامنئيّ (دام ظله)، وبالتالي تشكّلت حركات المقاومة ومحور المقاومة في العالم الإسلاميّ؛ لإعداد العدّة والقوّة لمواجهة هذه الغدّة السرطانيّة، ومن خلفها مشاريع الاستكبار، وعلى رأسه أميركا الشيطان الأكبر، ولتقديم النموذج الأمثل في تمثيل قيم الحقّ والخير في مسار التمهيد.
فقامت المقاومة في لبنان، ملتزمةً بتكليفها الشرعيّ الإلهيّ والإنساني والوطنيّ، بتحرير جنوب لبنان في العام 2000م من رجز الصهاينة، ثمّ دحرتهم من جنوب لبنان في العام 2006م، وساندت القضيّة الفلسطينيّة والشعب الفلسطينيّ المظلوم بعد «طوفان الأقصى» في معركة إسناد غزّة، وصولًا إلى معركة أولي البأس، والتي كانت مأثرةً تاريخيّةً عظيمة؛ إذ لجم المجاهدون بروحهم الإيمانيّة الاستشهاديّة الكربلائيّة العابقة بعشق الله وتوحيده، وحبّ الحسين والآل الكرام (عليهم السلام)، وبقوّة عزمهم وبأسهم، العدوَّ المتوحِّش عند الحافّة الأماميّة من جنوب لبنان، وأعادوا ذلك الوحش إلى حظيرته.