محاسبة النفس – الشيخ إبراهيم الكفعمي 13
10 ساعات مضت
طرائف الحكم
10 زيارة
ينجو الهارب، وتنجح المطالب، وتنال (1) الرغائب.
يا نفس:
إن من هوان الدنيا على الله: أن لا يعصى إلا فيها، ولا ينال ما عنده إلا بترك ما لديها، فعيشها عناء، وبقاؤها فناء، لذاتها تنقيص، ومواهبها تغصيص، سريعة الزوال، وشيكة الانتقال، تقبل إقبال الطالب، وتدبر إدبار الهارب، وتصل مواصلة الملول، وتفارق مفارقة العجول، تصل العطية بالرزية، والأمنية بالمنية، خيرها زهيد (2)، وشرها عتيد (3)، وملكها يسلب، وعامرها (4) يخرب.
يا نفس:
إن الدنيا لهي الكنود (5) العنود (6)، والصدود (7)، الجحود (8)، والحيود الميود (9)، عزها ذل، وجدها هزل، وكثرها قل، وعلوها سفل، غرور حائل، وظل زائل،
(٦١)
وسناء مائل، عيشها قصير، وخيرها يسير، وإقبالها خديعة، وإدبارها فجيعة، ولذاتها فانية، وتبعاتها باقية، في حلالها حساب، وفي حرامها عقاب، من استغنى فيها فتن، ومن افتقر فيها حزن.
يا نفس:
إن الدنيا دار شخوص، ومحلة تنغيص، ساكنها ظاعن (1)، وقاطنها (2) بائن (3)، وبرقها خالب (4)، ونطقها كاذب، وأموالها مخروبة (5)، وأعلاقها (6) مسلوبة، ولذاتها (7) قليلة، وحسرتها طويلة، غرارة غرور ما فيها، فانية فإن من عليها، تشوب نعيمها ببؤس، وتقرن سعودها بنحوس، وتصل نفعها بضر، وتمزج حلوها بمر.
يا نفس:
إن الدنيا دار محن، ومحل فتن، غرارة خدوع، معطية منوع، ملبسة نزوع، تدني الآجال، وتباعد الآمال، وتبيد الرجال، وتغير الأحوال، لا يدوم
(٦٢)
رخاؤها، ولا ينقضي عناؤها، ولا يركد بلاؤها، قد أمر منها ما كان حلوا، وكدر منها ما كان صفوا، من صارعها صرعته، ومن غالبها غلبته، ومن أبصر إليها أعمته، ومن أبصر بها بصرته، ومن عاصاها أطاعته، ومن ساعاها فاتته، ومن تركها نالته (1).
يا نفس:
إن الدنيا دار بالبلاء معروفة، وبالغدر موصوفة، لا تدوم أحوالها، ولا يسلم نزالها، العيش فيها مذموم، والأمان فيها معدوم، ألا وهي المتصدية للعيون، والجامعة للحزون، والمائنة (2) الخؤون، تعطي وترتجع، وتنقاد وتمتنع، وتوحش وتؤنس، وتطمع وتؤيس، يعرض عنها السعداء، ويرغب فيها الأشقياء.
يا نفس:
إن الدنيا ظل الغمام، وحلم المنام، والفرح الموصول بالغم، والعسل المشوب بالسم، سلابة النعم، أكالة الأمم، جلابة النقم، نعيمها ينتقل، وأحوالها تبتدل، لا تفي لصاحب، ولا تصفو لشارب، ولا تبقى على حالة، ولا تخلو من استحالة، تصلح جانبا بفساد جانب، وتسر صاحبا بمساءة صاحب.
(٦٣)
يا نفس:
إن الدنيا يونق (1) منظرها، ويوبق (2) مخبرها، ولا تدوم حبرتها (3)، ولا تؤمن فجعتها، حائلة زائلة، نافذة بائدة، أكالة غوالة، غرارة ضرارة، فالكون فيها خطر، والثقة بها غرر (4)، والاخلاد إليها محال، والاعتماد عليها ظلال، لم يصفها الله لأوليائه، ولم يضن (5) بها على أعدائه، وهي والآخرة عدوان متفاوتان، وسبيلان مختلفان، فمن أحب الدنيا وتوالاها، أبغض الآخرة وعاداها.
يا نفس:
إن جزعت على ما تفلت من يديك، فاجزعي على ما لم يصل إليك، وإن كنت في البقاء راغبة فازهدي في عالم الفناء، وإن كنت للنعيم طالبة فاعتقي نفسك من دار الشقاء، وأراك إن دعيت إلى حرث الآخرة كسلت، وإن دعيت إلى حرث الدنيا عملت، وإن سقمت ندمت، وإن عوفيت نسيت، تواقعين الحوبة (6)، وتتكلين على التوبة، فأحسني الاستعداد والاكثار من الزاد ليوم تقدمين على ما قدمت، وتندمين على ما خلفت، وتجازين على ما أسلفت.
(٦٤)
يا نفس:
إنك إن سالمت الله سلمت وفزت، وإن حاربت الله خربت وهلكت، وإن أقبلت على الدنيا أدبرت، وإن أدبرت أقبلت، وإنك إن أطعت الله نجاك وأصلح مثواك، وإن أطعت هواك أصمك وأعماك وأفسد منقلبك وأرداك، وإن ملكت هواك قيادك أفسد معادك وأرداك (1)، بلاء لا ينتهي، وشقاء لا ينقضي.
يا نفس:
إنك إن اغتنمت صالح الأعمال نلت من الآخرة نهاية الآمال، وإنك إلى مكارم الأخلاق والأفعال أحوج منك إلى جمع الأموال، وإنك إلى إعراب الأعمال أحوج منك إلى إعراب الأقوال، وإنك إلى اكتساب الأدب، أحوج منك إلى اكتساب الفضة والذهب، وإنك إن رغبت في الدنيا أفنيت عمرك، وأبقيت وزرك، وإن زهدت خلصت من الشقاء، وفزت بدار البقا، فاصبري على البلا، واشكري في الرخاء، وأرضي بالقضا، يكون لك من الله الرضى.
يا نفس:
من كلام سيد الوصيين أمير المؤمنين صلوات الله عليه لرجل سأله الموعظة، ومن رقدة الغفلة أن يوقظه: لا تكن ممن يرجو الآخرة بغير عمل،
(٦٥)
2025-11-08