نفحات ملكوتية
3 أيام مضت
رسائل مهمة
27 زيارة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله على سيّدنا محمد وآله الطاهرين، وبعد…
للإمام الخميني قدس سره إسهامات علمية في العديد من المجالات المعرفية – كما هو معلوم – والتي تركت بصماتها الواضحة والمؤثّرة في النفوس والعقول وفي المؤسسات الدينية والمجتمع الإسلامي بشكل عام. وكان لها في العديد من الأماكن والأزمنة وقع التحوّل الجوهري والمفصلي فيها، مع أنّه، وللأسف الشديد، ما خفي عنّا من إبداعات هذا العالِم الربّاني العلمية والفكرية أعظم بكثير ممّا ظهر لنا أو اكتشفناه! فلم نتوصّل إلى الآن سوى إلى معرفة النذر اليسير منها، مع أنّ قسماً كبيراً منها كان قدس سره قد بيّنه في كتبه المتنوّعة أو خطبه وبياناته، ولكنّها بقيت كنوزاً دفينة تحتاج إلى من يتعلّم فنون استخراجها وتظهيرها بصورتها الحقيقية المشرقة.
إحدى هذه الكنوز المعرفية التي تركها لنا الإمام قدس سره، مع صغر حجمها وقلّة كلماتها إذا ما قارنّاها بكتبه ومؤلّفاته، هي
وصاياه قدس سره، والتي تنوّعت بين سياسية واجتماعية وأخلاقية وعرفانية. والتي يمكن اعتبارها لبّ وزلال فكره المعنوي والسياسي، فغدت تحفة معرفية لكلَّ باحث عن نور الهداية، ولكلَّ عاشق للحقّ والحقيقة في هذه الدنيا الفانية.
وفي هذا الكتاب الذي بين أيدينا تناولنا جانباً من وصايا الإمام الخميني قدس سره، المتعلّقة بالشقّ المعنوي والعرفاني منها، والتي يمكن أن نقول: إنَّها تُمثّل خلاصة تجربة الإمام السلوكية والعرفانية، والتي هي – بلا شكّ – عند أرباب أهل المعنى ولغة الحبّ والوصال مع الله، بمثابة الدليل الهادي للعروج المعنوي الأصيل والمستقيم نحو الحقّ سبحانه وتعالى.
فها هو إمامنا العظيم في بضع كلمات نورانية يبثّ فينا الأمل من جديد، ويدعونا لشحذ الهمّة وعدم اليأس، ويحثّنا على النهوض ونفض غبار التعلّقات المادية عن نفوسنا المتعبة ببعد الهجران، وضنك الفراق, لنروم بعقولنا وقلوبنا، بل وبكلّ وجودنا إليه، طالما أنّ الأمور كلّها في نهاية المطاف تفضي إليه ﴿يَقُولُونَ هَل لَّنَا مِنَ الأَمْرِ مِن شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ﴾1.
هذا المتن “نفحات ملكوتية” هو عبارة عن مجموعة من وصايا الإمام الخميني قدس سره المعنوية والسلوكية التي استقينا قسماً من
1 سورة آل عمران، الآية: 154.
مادّته من كتاب “المظاهر الرحمانية” الذي قامت مؤسّسة تنظيم ونشر تراث الإمام الخميني قدس سره بنشره وتوزيعه، والقسم الآخر من بعض وصايا الإمام المنشورة في كتاب صحيفة الإمام (صحيفة النور)، والتي تنشر لأوّل مرّة.
وما قمنا به في هذا الكتاب هو مراجعة المادّة، وإعادة ضبط النصّ وتصحيحه، ومن ثمّ عنونة جميع فقرات الوصايا، وشرح المصطلحات العلمية وبعض العبائر في الهامش, لكي يتّضح المطلب ويسهل على القارئ فهمه أكثر. وقد تمّ توزيع الوصايا بحسب تاريخ صدورها.
وكلّنا أمل أن يلقى هذا الجهد العَلمي المتواضع الرضا والقبول لدى القلب المقدّس لصاحب الأمر عجل الله تعالى فرجه الشريف.
والحمد لله رب العالمين.
مركز نون للتأليف والترجمة
نور الفناء1
بسم الله الرحمن الرحيم
سبحانك اللهم وبحمدك يا مَنْ لا ترتقي إلى ذروة كمال أحديته2 آمالُ العارفين، ويقصر دون بلوغ قدس كبريائه أفكارُ الخائضين، جلّتْ عظمتك من أن تكون شريعةً للواردين، وتقدّست أسماؤك من أن تصير طُعمةً لأوهام المتفكّرين. لك الأحديّة الذاتيّة في الحضرة الجمعيّة3 والغيبيّة، والواحديّة4 الفرديّة في التجلّيات5 الأسمائيّة والأعيانيّة، فأنت المعبود في عين العابدية والمحمودُ في حال الحامدية. ونحمدك اللهم بألسنتك الذاتية في عين الجمع6
1 وصية عرفانية للآغا ميرزا جواد الهمداني، صحيفة الإمام، ج1، ص36.
2 الأحدية: هو اسم الذّات الإلهية باعتبار انتفاء تعدُّد الصفات والأسماء والنسب والتعيّنات عنها.
3 الحضرة، هي المرتبة والعالم. الحضرة الجمعية، هي مرتبة جمع الأسماء والصفات واندكاكها في أحديّة الذّات.
4 الواحدية: اعتبار الذّات الإلهية من حيث انتشاء الأسماء والصفات منها.
5 التجلّي: هو ما ينكشف للقلوب ويفيض عليها من أنوار الغيوب وهو على مقامات مختلفة، ذاتية وأسمائية وفعلية وغيرها…
6 الجمع: اتصال لا يشاهد فيه صاحبه إلا الحقّ، فهو مقام شهود الحقّ بلا خلق، ومتى شاهد غيره فما جمع.
والوجود على آلائك المتجلّية في مرائي الغيب والشهود1، يا ظاهراً في بطونه وباطناً في ظهوره.
ونستعينُك ونعوذُ بك من شرّ الوسواس الخنّاس، القاطع طريق الإنسانية، السالك بأوليائه في مهوى جهنّم الطبيعة الظلمائية، اهدنا الصراط المستقيم الذي هو البرزخية الكبرى2 ومقام أحديّة جمع الأسماء الحسنى.
وصلّ اللهم على مبدأ الظهور3 وغايته، وصورة أصل النور ومادّته، الهيولى4 الأولى، والبرزخ الكبرى الذي دنا فرفض التعيُّنات5 فتدلّى فكان قاب قوسي الوجود6 وتمام دائرة الغيب والشهود أو أدنى الذي هو مقام العَماء7، بل لا مقام هنا على الرأي
1 الشهود: من المشاهدة وهي مطالعة القلب للجمال القدسي للربّ، والمشاهدة صفة العبد، أمّا التجلّي فصفة الربّ.
2 البرزخية الكبرى: البرزخ هو الحائل بين الشيئين، والبرزخية الكبرى هي الحضرة الواحدية التي تتوسّط حضرة الأحدية وعالم المظاهر الخلقية.
3 الإنسان الكامل لأنّه ظاهر الصورة الإلهية، وهو الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم.
4 الهيولى: الهيولى في الفلسفة هي مادَّةُ الشيء التي يصنَع منها، كالخشب للكرسيِّ، والحديدِ للمسمار، والقطنِ للملابس القطنية. وهي المادة التي ليس لها شكل ولا صورة معيّنة، قابلةٌ للتشكيل والتصوير في شتَّى الصور.
5 التعيُّنات: الحدود والتشخّصات.
6 قوسي الوجود: هما قوسا الصعود والنزول.
7 العماء: هي الحضرة الأحدية عند البعض لأنّه لا يعرفها أحد غيره، وعند البعض الآخر هي الحضرة الواحدية التي هي منشأ الأسماء والصفات. لأنّ العماء هو الغيم الرقيق، والغيم هو الحائل بين السماء والأرض. وهذه الحضرة هي الحائلة بين سماء الأحدية وبين أرض الكثرة الخلقية.
الأسنى (لا يستطيع أحد أن يصطاد العنقاء بل هي الشَّرَك الذي يصطاد الصقور).
وعلى آله مفاتيح الظهور1 ومصابيح النور، بل نورٌ على نور، غصن الشجرة المباركة الزيتونة2 والسدرة المنتهى3 وأصلهما، وجنس الكون الجامع4 والحقيقة الكلّية5 وفصلهما، ولا سيّما خاتم الولاية6 المحمّدية ومُقبض فيوضات الأحمدية الذي يظهر بالربوبية بعد ما
1 لأنهم عليهم السلام أصل الظهور وسببه، كما في الحديث القدسي “لولاك ما خلقت الأفلاك” (بحار الأنوار، ج15، ص27) وما ورد في الزيارة الجامعة “بكم فتح الله وبكم يختم” (بحار الأنوار، ج99، ص131).
2 إشارة إلى قوله تعالى ﴿اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاء وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ سورة النور، الآية: 35. وفي الاصطلاح العرفاني المقصود بالزيتونة هي النفس المستعدّة للاشتعال بنور القدس.
3 سدرة المنتهى: هي نهاية المكانة التي يبلغها المخلوق في سيره إلى الله تعالى، وما بعدها مختصّ بالحقّ تعالى وليس لمخلوق إليهـ قدم.
4 الكون الجامع: الكون، كلّ أمر وجودي، والكون الجامع هو الموجود الجامع لجميع حقائق الوجود في نفسه والذي تتمثلّ فيه جميع الأسماء والصفات الإلهية، وهو المعبّر عنه بالعالم الصغير الإنساني.
5 الحقيقة الكلّية: الحقيقة الإنسانية والإنسان الكامل الجامع بين الحقّ والخلق.
6 خاتم الولاية: هو الذي يُختتم بحضوره مقام الولاية، وهو الذي يبلغ به صلاح الدنيا والآخرة وهو الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف.
ظهر آباؤه عليهم السلام بالعبودية، جوهرةٌ كنهها الربوبية بعدما ظهر آباؤه عليهم السلام بالعبودية، خليفة الله في الملك1 والملكوت2 وإمام أئمة قطّان الجبروت3، جامعِ أحديةِ الأسماء الإلهية، ومظهرِ تجلّياتِ الأوّلية والآخريّة4، الحجّةِ الغائب المنتظر، ونتيجة مَنْ سلف وغَبَر أرواحنا له الفداء وجعلنا الله من أنصاره والعن اللهم أعداءهم، قُطّاع طريق الهداية، السالكين بالأمم مسلك الضلالة والغواية.

2025-11-04