الرئيسية / مقالات متنوعة / خان يونس تختنق تحت الخيام المهترئة… آلاف النازحين الفلسطينيين يواجهون البرد بلا ماء ولا مأوى

خان يونس تختنق تحت الخيام المهترئة… آلاف النازحين الفلسطينيين يواجهون البرد بلا ماء ولا مأوى

الإثنين 12 جمادي الاول 1447

الوقت- في مشهد إنساني قاسٍ يعكس حجم الكارثة التي يعيشها الفلسطينيون في قطاع غزة، تتكشف في خان يونس مأساة إنسانية تتجاوز حدود الوصف فآلاف العائلات التي نزحت من رفح وشمال القطاع وجدت نفسها محاصَرة داخل خيامٍ بالية لم تعد تصلح للاحتماء من برد الشتاء ولا من حرّ الصيف، فيما تنهار الخدمات الأساسية ويغيب أي أفق لحلّ قريب.

وفي هذا السياقيقول علاء الدين البطّة، رئيس بلدية خان يونس ونائب رئيس اتحاد بلديات قطاع غزة، إن المدينة “تعيش واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية منذ عقود، إذ يقيم عشرات الآلاف من النازحين في خيام متهالكة تفتقر لأبسط مقوّمات الحياة”.

وأوضح في تصريحات صحفية أن المخيمات المنتشرة في أنحاء المحافظة تعاني نقصاً حاداً في المياه الصالحة للشرب، وانعداماً شبه تام لخدمات الصرف الصحي والنظافة العامة، مشيراً إلى أن “الخيام لم تعد توفر أي حماية حقيقية، فمعظمها ممزق أو متهالك بفعل الأمطار والرياح”.

وأكد البطّة أن نحو 93% من الخيام القائمة في خان يونس لم تعد صالحة للسكن، وأن الوضع يزداد سوءاً مع انخفاض درجات الحرارة واقتراب فصل الشتاء، وأضاف إن ما يقارب 900 ألف شخص يعيشون حالياً في ظروف إنسانية مأساوية، بينهم عشرات الآلاف ممن هجّروا قسراً من مدينة رفح بعد أن دمر الاحتلال مناطقهم بالكامل.

البلدية، وفق قوله، عاجزة عن تلبية احتياجات هذه الأعداد الهائلة من النازحين، بسبب انهيار البنى التحتية وانعدام الموارد، موضحاً أن “المدينة بحاجة ماسة إلى خيام جديدة، ومواد بناء، وقطع غيار للآليات الثقيلة من أجل إعادة تأهيل الشوارع والمرافق العامة التي دُمرت”.

خيام لا تقي البرد ولا تحمي من الحر

النازحون في خان يونس يعيشون اليوم داخل خيامٍ باتت رمزاً للمعاناة أكثر مما هي مأوى، ففي الصيف الماضي كانت هذه الخيام مصائد للحرارة والغبار، واليوم تتحول إلى مصائد للبرد والرطوبة.

تقول أم محمد، وهي أم لخمسة أطفال نزحت من رفح، إن خيمتها “لم تعد تصلح حتى لإيواء الحيوانات”. وتضيف بصوتٍ تختلط فيه المرارة بالعجز: “الماء يدخل علينا من كل جانب، الأطفال ينامون على أرضٍ رطبة، والبطانيات التي لدينا لا تكفيهم، لا نملك ما نحتمي به سوى الصبر”.

يُجمع الأهالي على أن أوضاعهم تتدهور بسرعة، وأن ما يسمونها “خيام” لم تعد سوى قطع قماش ممزقة مثبتة على أعمدة معدنية مائلة، لا كهرباء، لا تدفئة، لا مياه كافية، ولا مرافق صحية.

وفي ظل غياب الصرف الصحي، تنتشر الروائح الكريهة والحشرات، وتتزايد حالات الإسهال والأمراض الجلدية بين الأطفال، فيما تزداد احتمالات تفشي الأمراض المعدية مع اقتراب موسم الأمطار.

كارثة فوق الركام

تفاقم هذه الأزمة مشكلة أخرى ضخمة تتمثل في تكدس الأنقاض، فبحسب أمجد الشوّا، رئيس شبكة المنظمات غير الحكومية الفلسطينية، فإن ما يزيد على 55 مليون طن من الركام تغطي أحياء ومناطق واسعة في قطاع غزة، نتيجة الدمار الهائل الذي خلّفته الحرب الإسرائيلية خلال العامين الماضيين.

وأوضح الشوا أن هذه الكمية الضخمة من الأنقاض تعيق عمليات الإغاثة، وتمنع المنظمات الإنسانية من إقامة مساكن مؤقتة أو حتى خيام جديدة في المناطق المنكوبة، “الجرافات لا تستطيع التحرك، والطرق مدمّرة بالكامل، وما تبقى منها مسدود بالأنقاض”، يقول الشوا.

وأشار إلى أن المنظمات المحلية والدولية لا تملك المعدات الثقيلة ولا الوقود اللازم لإزالة الركام أو إعادة تأهيل الطرق، وهو ما يجعل إيصال المساعدات أو الماء أو حتى الأدوية أمراً بالغ الصعوبة.
وأضاف إن “غزة اليوم تحتاج إلى كل شيء، من الخيام والمياه والمواد الغذائية، إلى الأدوية والمعدات الطبية”، لافتاً إلى أن القطاع بحاجة فورية إلى 300 ألف خيمة جديدة قبل أن يشتد البرد، “فما لدينا الآن ممزق أو متهالك ولم يعد يصلح لشيء”.

حياة بلا مقومات

الواقع في خان يونس اليوم لا يختلف كثيراً عن الكوارث التي يشهدها العالم في مناطق الحروب والمجاعات، بل إن كثيرين يرون أنه أسوأ، لأن الكارثة هنا من صنع البشر لا الطبيعة.

يعيش النازحون بلا مياه كافية، ولا طعامٍ منتظم، ولا مدارس لأطفالهم، ولا خدمات صحية، المستشفيات القليلة التي ما زالت تعمل في المنطقة تعاني نقصاً حاداً في الأدوية والمستلزمات الطبية، وأحياناً تُضطر إلى رفض استقبال حالات بسيطة لتفريغ أسِرّة لمرضى الحالات الحرجة.

في أحد المخيمات شرق خان يونس، يقف عشرات الأطفال في طوابير طويلة أمام خزان ماء متهالك، ينتظرون دورهم لملء عبوات بلاستيكية صغيرة، وفي الجهة المقابلة، تحاول مجموعة من النساء إشعال نارٍ من بقايا الأخشاب لتدفئة أطفالهن، في ظل غياب الغاز أو وسائل الطهي.

الظروف القاسية لا تقتصر على البرد والجوع، بل تمتد إلى انعدام الخصوصية في المخيمات المزدحمة، الخيام متلاصقة، والأسر تتشارك المساحة نفسها للنوم والطهي والغسيل، ما يفاقم المشكلات الاجتماعية والنفسية، وخصوصاً لدى النساء والأطفال.

معاناة بلا نهاية

البيوت التي نجت جزئياً من القصف تحولت إلى مأوى للنازحين أيضاً، لكن معظمها مهدّد بالانهيار في أي لحظة. أكثر من 90% من منازل القطاع، وفق التقديرات المحلية، تعرضت للدمار الكامل أو الجزئي.
النازحون الذين يسكنون هذه البيوت يعيشون في خطر دائم، إذ قد تسقط الأسقف أو الجدران فوق رؤوسهم، ومع ذلك يفضل بعضهم هذا الخيار على البقاء في الخيام.

تقول سعاد، وهي أرملة فقدت منزلها في شمال غزة: “الخيمة لا تقي من شيء، لذلك لجأنا إلى بيتٍ نصفه مهدّم، على الأقل الجدران من إسمنت، وليست قماشاً تتلاعب به الرياح”.

لكنّ هذا “الإسمنت” كما تصفه سعاد، لم يعد آمناً هو الآخر، فالأمطار التي بدأت بالتساقط مبكراً هذا العام تغمر الشوارع والمنازل المهدّمة، وتحمل معها سيولاً من الطين والركام، ومع غياب شبكات الصرف الصحي، تتحول المخيمات والمناطق السكنية إلى مستنقعات من المياه الملوثة.

نداء عاجل بلا صدى

تواصل السلطات المحلية في خان يونس توجيه نداءات استغاثة للمجتمع الدولي وللمنظمات الإنسانية من أجل التدخل العاجل، لكن الاستجابة، حسب المسؤولين، “ضعيفة للغاية ولا تتناسب مع حجم الكارثة”.

تقول بلدية خان يونس إنها بحاجة ماسة إلى خيام جديدة ومولدات كهرباء وخزانات مياه ومواد تنظيف، إضافة إلى الدعم في إزالة الركام وفتح الطرق المغلقة.

وتؤكد تقارير منظمات الإغاثة أن المعاناة مرشّحة للتفاقم مع اقتراب فصل الشتاء، محذّرة من موجة أمراض وأوبئة قد تجتاح المخيمات إذا لم يتم تحسين الأوضاع الصحية والبيئية بشكل عاجل.

وفي الوقت نفسه، لا تزال القيود المفروضة على دخول المساعدات عبر المعابر تعرقل أي استجابة حقيقية، فالكثير من الشحنات الإنسانية، بما فيها مواد الإيواء والوقود، لم يُسمح بدخولها إلى القطاع أو تأخرت لأسابيع.

صمت العالم

المأساة في خان يونس وغزة عموماً، كما يصفها ناشطون، لم تعد تحتاج إلى بيانات تنديد أو عبارات شفقة، بل إلى تحرك فعلي، ومع ذلك، يبدو أن العالم يكتفي بالمشاهدة.

فبينما تُبث صور الأطفال الذين يرتجفون برداً تحت الخيام عبر وسائل الإعلام، لا تزال المساعدات تسير ببطء شديد، وكأن الزمن في غزة يسير بإيقاعٍ مختلف.

النازحون يشعرون أنهم تُركوا لمصيرهم، وأن الوعود الدولية لم تعد أكثر من حبرٍ على الورق، يقول أحد الشبان في مخيم المواصي: “لا نريد كلمات تعاطف، نريد خيمة تقي أطفالنا من المطر، وقليلاً من الماء لنعيش”.

نحو شتاءٍ قاتل

الشتاء القادم يُنذر بكارثة جديدة، إذ تشير التوقعات إلى انخفاض حاد في درجات الحرارة، فيما لا تزال الخيام الممزقة مكان الإقامة الوحيد لعشرات الآلاف.

ويحذر العاملون في المجال الإغاثي من أن استمرار الوضع على ما هو عليه قد يؤدي إلى وفيات بين الأطفال وكبار السن بسبب البرد وسوء التغذية ونقص الرعاية الطبية.

نحن على أبواب شتاءٍ قاتل”، يقول أحد المتطوعين المحليين، مضيفاً إن “ما نراه اليوم في خان يونس ليس مجرد أزمة إنسانية، بل جريمة صامتة بحق أناس حُرموا من كل شيء، حتى من حقهم في الدفء”.

مأساة تتجاوز المكان

ما يجري في خان يونس ليس حالة استثنائية، بل صورة مصغرة لما يعانيه قطاع غزة بأكمله، أكثر من مليون ونصف فلسطيني فقدوا منازلهم، ونحو مليوني إنسان يعيشون تحت خط الفقر والتهجير.

وفي الوقت الذي تتحدث فيه بعض الدول عن “إعادة الإعمار” أو “المساعدات الطارئة”، لا تزال الحياة اليومية في غزة محصورة بين خيمةٍ ممزقة وصفّ طويل من المحتاجين ينتظرون شاحنة مساعدات قد لا تصل أبداً.

رغم كل المآسي، يتمسّك الفلسطينيون في خان يونس بالأمل، فبين الركام والخيام، لا يزال هناك من يزرع نبتة صغيرة قرب خيمته، أو يعلّق علم فلسطين على عمودٍ مائل.

هي تفاصيل صغيرة لكنها تختصر الكثير: صمودٌ في وجه البرد والجوع والموت، وإصرار على الحياة رغم أن العالم كله يبدو قد اختار أن يصمّ أذنيه.

خان يونس اليوم ليست مجرد مدينة منكوبة، بل شاهد على عجز الإنسانية.

خيامها لا تقي من المطر، لكنها تظلّ ترفع راية الصمود في وجه الريح، بانتظار أن يُسمع النداء.

إقرأ المزيد

شاهد أيضاً

كلمة الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم في افتتاح “سوق أرضي 2025”

كلمة الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم في افتتاح “سوق أرضي 2025” 2025-10-31 كلمة ...