الرئيسية / تقاريـــر / المقامات المعنوية لفاطمة الزهراء عليها السلام مقام الصديقة الكبرى بقلم سالم الصباغ

المقامات المعنوية لفاطمة الزهراء عليها السلام مقام الصديقة الكبرى بقلم سالم الصباغ

إن الهدف الذى من أجله خلق الله الإنسان هو التكامل الأخلاقي ، بل التكامل في كافة المجالات ، حتى يكون مؤهلا لمعرفة الله عز وجل حق المعرفة وبالتالي عبادته حق العبادة ، وإخراج قوى الإنسان الكامنة من حالة القوة والإستعداد والقابلية إلى حالة الفعل ..

ولذلك كان لا بد من خلق نموذج لهذا الإنسان الكامل يُودعه جميع صفاته وكمالاته ، ويدعوا الناس لاتخاذه قدوة وأسوة حسنة إذا أرادوا سلوك الطريق إلى الله . فخلق الله أول ما خلق نور محمد وأل محمد صلوات الله عليهم وجعلهم مظهراَ لصفاته وأسمائه الحسنى …ونموذج لمن أراد معرفة الله .. ومن نورهم خلق الله كل خير ، يقول الله عز وجل :

( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً )  (21 الأحزاب )

الذي يرجوا الله عليه الإقتداء بالرسول صلوات الله عليه وأله ، ولتوضيح هذا المعنى نقول :

فمثلا صفة الرحمة

فالله هو الرحمن الرحيم ، وهذه الرحمة الرحمانية الرحيمية تجلت لعباده في رسوله الأكرم صلوات الله عليه وأله ، فوصفه الله بقوله تعالى : (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين )

صفة الولاية

الله هو الولي … يقول الله تعالي : أَمِ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ ۖ فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ وَهُوَ يُحْيِي الْمَوْتَىٰ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (9 ) الشورى

ولقد تجلت هذه الولاية العظمى الإلهية في محمد وأل محمد صلوات الله عليه وأله ، يقول تعالى : (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ (55)المائدة  ولا ننسى أن هذه الأية نزلت في أمير المؤمنين عليه السلام زوج الزهراء البتول في غدير خُم عندما تصدق بالخاتم وهو راكع ..

صفة الحمد

والله هو المحمود ، والمستحق وحده للحمد ، كما في فاتحة الكتاب التدويني : ( الحمد لله رب العالمين ) ومع ذلك فقد أعطى حبيبه وصفية ( المقام المحمود ) فخاطب رسوله وحبيبه بقوله تعالى : ( عسي أن يبعثك ربك مقاما محمودا )

ثم كانت الأيات القرأنية أكثر وضوحا في أن الإنسان الكامل هو قلب العالم وخليفة الله في الأرض ، وبموجب هذه الخلافة الإلهية ، خاطبه الله عز وجل بقوله : ( إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله ) وكذلك بقوله تعالى : ( من يطع الرسول فقد أطاع الله )

الإنسان الكامل هو الأسوة الحسنة

هذا هو مقام الإنسان الكامل الذى أودعه الله كل الكمالأت والصفات الحسنى الإلهية ، ثم جعله المثل الأعلى والأسوة الحسنة لمن كان يرجوا لقاء الله … يقول الله عز وجل : لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً (21 الأحزاب )

الزهراء الصديقة الكبرى

بعد هذه المقدمة عن مفهوم الإنسان الكامل القدوة والأسوة الحسنة ، نتكلم عن مقام ( الصديقة الكبرى )

فعن الإمام الصادق عليه السلام :
( فاطمة هى الصديقة الكبرى وعلى معرفتها دارت القرون الأولى ) لقد حازت الزهراء الكثير من الأسماء والصفات التي تعبر عن مقامات حقيقية ، فعن الإمام الصادق ( ع ) : ( لفاطمة تسعة أسماء عند الله عز وجل : فاطمة , والصديقة , والمباركة , والطاهرة , والزكية , والراضية , والمرضية , والمحدثة , والزهراء ).

ومن ضمن هذه الألقاب لقب ( الصديقة الكبرى ) ، فما هو مقام الصديقية الكبري ؟

من أقرب التعريفات لمقام ( الصديق ) هو من صدقت أفعاله إيمانه وأقواله …
لقد ذكر مقام الصديقية في القرأن الكريم في عدة مواضع مقترنا بمقام النبوة : يقول الله تعالى :
واذكر في الكتاب إبراهيم إنه كان صديقا نبيا

وقوله تعالى :
( واذكر في الكتاب إدريس إنه كان صديقاَ نبياَ )

ويلاحظ في الأيتين السابقتين تقدم مقام الصديقية على مقام النبوة
وقوله تعالى :
( مَّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلاَنِ الطَّعَام )

وتم وصف المسيح وأمه بمقام الصديقية لتصديقهما بكلمات الله : يقول تعالي : (وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ ) والمعروف أن (كلمات الله ) غير (كلام الله ) ، فكلمات الله لفظ يطلق على أنبياء الله ورسله وأوصيائه ،، أم كلام الله فيطلق على الكتب المنزلة

فيستطيع الإنسان أن يحرف ( كلام الله ) أي المنهج ( يحرفون كلام الله ) ولكنه لا يستطيع تحريف ( كلمات الله ) أي القادة الإلهيون الذى يبلغون كلام الله ، لن يستطيعوا أن يحرفونهم سواء بالوعد أو الوعيد … ، يقول الله تعالى عن المسيح عليه السلام : ( وكلمته ألقاها إلى مريم ) ولذلك جاء عطف الكتب على الكلمات ليفيد التغاير ( كلمات ربها وكتبه ) … واستمرارا لتتبع كلمة ( الصديق ) قوله تعالى :
( يوسف أيها الصديق )
ولنتدبر قوله تعالى في فاتحة الكتاب :
( اهدنا الصراط المستقيم ، صراط الذين أنعمت عليهم )
من هم الذين أنعم الله عليهم ؟
تأتي الإجابة في سورة النساء :
( ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصدقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا ) فهؤلاء هم الصراط المستقيم .

ولقد كان لهذه المقامات القرأنية مصاديق في هذه الأمة ذكرتها الروايات الشريفة وهى :
النبيين : ومصداقها الرسول الأعظم صلوات الله عليه وأله .

الصديقين : ومصداقها ( علي ) عليه السلام ، و ( فاطمة ) صلوات الله عليهما .. فعلي هو الصديق الأكبر …. وفاطمة هي الصديقة الكبرى …

الشهداء : ومصداقها الحسن والحسين ( صلوات الله عليهما ) .

والصالحين : الإئمة المعصومين من ذرية الحسين عليه السلام …

وحسن أولئك رفيقا : الإمام المهدي عليه السلام …

وهم جميعاَ الصراط المستقيم الذى ندعوا الله في كل ركعات الصلاة أن يهدنا إليه …

أليس الصراط المستقيم يتجلي في حديث التمسك بالثقلين …؟
( تركت فيكم الثقلين لن تضلوا ما إن تمسكتم بهما كتاب الله وأهل بيتي أليس نصلي عليهم في التشهد لأنهم طريق المعراج إلى الله …( أللهم صل على محمد وأل محمد )

أليس قولنا في التشهد في الصلاة : ( السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ) إشارة لنفس عباد الله الصالحين في الأية الكريمة :

( الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين )………..؟ أليس هم نفسهم ( الصالحين ) في دعوة يوسف عليه السلام : ( تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ )

( ولكن لماذا الصديقة ( الكبرى ) وهل يوجد صديقة أخرى ..؟

مريم والزهراء عليهما السلام :

لقد تحدث القرأن كثيرا عن السيدة مريم العذراء البتول بصفات تتشابه مع الصفات التي ذكرت للزهراء عليها السلام ، مثل :

1 ـ أنها سيدة نساء العالمين ( واصطفاك على نساء العالمين ) … أي نساء عالمها …والزهراء ( سيدة نساء أهل الجنة ) وسيدة نساء العالمين من الأولين والأخرين …

2 ـ أنها ( صديقة ) …. وذلك في قوله تعالى عن المسيح : ( وأمه صديقة كان يأكلان الطعام ) .. وهذا يدل على عظم مقام ( الصديقية ) لأن التعقيب بكانا يأكلان الطعام إيحاء بان مقام الصديقية مقام روحاني ، كما تم وصف الأنبياء بقوله تعالى : ( إنما أنا بشر مثلكم يوحي إليه ) فلما كانت مريم شبيهة الزهراء عليهما السلام هي صديقة بنص القرأن ولذلك فأن الصديقة الكبرى هى فاطمة عليها السلام ..

3 ـ ولو قيل أن مريم عليها السلام هى أم رسول من رسل أولي العزم وهو المسيح عليه السلام ، ففاطمة أيضا أم معنوية لخاتم الانبياء وسيد المرسلين صلوات الله عليه وأله .. فهي ( أم أبيها ) كما أطلق عليها الرسول الأكرم صلوات الله عليه وأله ، الذي لا ينطق عن الهوى ، ولقد كان يعظم الزهراء عليها السلام تعظيما كبيرا ، كانت إذا دخلت عليه يقوم إليها ، ويقبل يديها ، ويجلسها مجلسه .. ليس لأنها إبنته فقط ، ولكن لمقامها العظيم عند الله ..

ولقد تحدث صلوات الله عليه وأله بعشرات الأحاديث مبيناَ للأمة فضائل الزهراء صلوات الله عليها ، لعلمه بما سيجري عليها وعلى ذريتها من الأمة من محن وإحن ، فرغم ماورد فيها وفي أهل البيت عليهم السلام من أيات قرأنية :
كأية التطهير ، والمباهلة ، ومودة القربى ، وسورة الانسان ، وأية الصلاة على النبي ، وكل واحدة منها تشتمل على كنز من الفضائل ، إلا أنه صلوات الله عليه وأله كان يخصها بكريم كلماته ، ومن ذلك أنتقي هذا الحديث الشريف :

( عن الحسين عن رسول الله (عليهما السلام) قال:
«فاطمة بهجة قلبي، وابناها ثمرة فؤادي، وبعلها نور بصري، والأئمة من ولدها اُمناء ربّيوحبله الممدود بينه وبين خلقه، من اعتصم به نجا، ومن تخلّف عنه هوى»

شاهد أيضاً

20-21-22-23-24 صلوات الليالي ودعوات الايّام في شهر رمضان

صلوات اللّيلة العشرين والحادِية والعشرين والثّانِيَة والعِشرين والثّالِثَة والعِشرين والرّابعة والعِشرين: في كُل مِن هذه ...