ثمّ أسألك أيّها الحافظ ، إذا كان الواقع كما زعمت أنّ الأئمة الأربعة كانوا على زهد وعدالة وتقوى ، فكيف كفّر بعضهم بعضاً ، ورمى بعضهم الآخر بالفسق ؟ ! !
الحافظ ـ وقد تغيّر لونه ولاح الغضب في وجهه وصاح ـ : لا نسمح لكم أن تتهجّموا على أئمّتنا وعلمائنا إلى هذا الحدّ ، أنا أعلن أنّ كلامك هذا كذب وافتراء على أئمّة المسلمين ، وهو من أباطيل علمائكم ، أمّا علماؤنا فكلّهم أجمعوا على وجوب احترام الأئمة الأربعة وتعظيمهم ، ولم يكتبوا فيهم سوى ما يحكي جلالة شأنهم وعظيم مقامهم .
قلت : يظهر أنّ جنابك لا تطالع حتى كتبكم المعتبرة ، أو تتجاهل عن مثل هذه المواضيع فيها ، وإلاّ فإنّ كبار علمائكم كتبوا في ردّ الأئمة الأربعة ، وفَسَّقَ بعضهم الآخر بل كفّر بعضهم بعضهم الآخر !!
الحافظ : نحن لا نقبل كلامك ، بل هو مجرّد ادّعاء ، ولو كنت صادقاً في ما تزعم فاذكر لنا أسماء العلماء وكتبهم وما كتبوا حتى نعرف ذلك !
قلت : أصحاب أبي حنيفة وابن حزم وغيرهم يطعنون في الإمامين مالك والشافعي .
وأصحاب الشافعي ، مثل : إمام الحرمين ، والإمام الغزالي وغيرهما يطعنون في أبي حنيفة ومالك .
فما تقول أنت أيّها الحافظ ، عن الإمام الشافعي وأبي حامد الغزالي و جار الله الزمخشري ؟ !
الحافظ : إنّهم من كبار علمائنا وفقهائنا ، وكلّهم ثقات عدول يُعتمد عليهم ويُصلّى خلفهم .
قلت : جاء في كتبكم عن الإمام الشافعي أنّه قال : ما وُلد في الإسلام أشأم من أبي حنيفة .
وقال أيضاً : نظرت في كتب أصحاب أبي حنيفة فإذا فيها مائة وثلاثون ورقة ، فعددت منها ثمانين ورقة خلاف الكتاب والسنّة !
وقال الإمام الغزالي في كتابه ” المنخول في علم الأصول ” : فأمّا أبو حنيفة فقد قلّب الشريعة ظهراً لبطن ، وشوّش مسلكها ، وغيّر نظامها . و أردف جميع قواعد الشريعة بأصلٍ هَدَم به شرع محمد المصطفى صلى الله عليه وآله ، … ومن فعل شيئاً من هذا مستحلاً كفر ، ومن فعله غير مستحلّ فسق .
ويستمر بالطعن في أبي حنيفة بالتفصيل إلى أن قال : إنّ أبا حنيفة النعمان بن ثابت الكوفي ، يلحن في الكلام ولا يعرف اللغة والنحو ولا يعرف الاَحاديث ، ولذا كان يعمل بالقياس في الفقه ، وأوّل من قاس إبليس .
انتهى كلام الغزالي .
وأمّا جار الله الزمخشري صاحب تفسير ” الكشّاف ” وهو يُعدُّ من ثقات علمائكم وأشهر المفسّرين عندكم ، قال في كتابه ” ربيع الاَبرار ” : قال يوسف بن أسباط : ردّ أبو حنيفة على رسول الله صلى الله عليه وآله أربعمائة حديث أو أكثر !
وحكي عن يوسف أيضاً : أنّ أبا حنيفة كان يقول : لو أدركني رسول الله صلى الله عليه وآله لأخذ بكثير من قولي ! !
وقال ابن الجوزي في ” المنتظم ” اتّفق الكلّ على الطعن فيه ـ أي : في أبي حنيفة ـ والطعن من ثلاث جهات :
1 ـ قال بعض : إنّه ضعيف العقيدة ، متزلزل فيها .
2 ـ وقال بعض : إنّه ضعيف في ضبط الرواية وحفظها .
3ـ وقال آخرون : إنّه صاحب رأي وقياس ، وإنّ رأيه غالباً مخالف للأحاديث الصحاح . انتهى كلام ابن الجوزي .
والكلام من هذا النوع كثير في كتبكم حول الاَئمّة الاَربعة ، وأنا لا اُحب أن أخوض هذا البحث ، وما أردت أن أتكلّم بما تكلّمت ، ولكنّك أحرجتني بكلامك حيث قلت : إنّ علماء الشيعة يكذبون على علمائنا وأئمتنا فأردت أن أثبت لك وللحاضرين أن كلام علماء الشيعة مستدلّ وصحيح ولا يصدر إلاّ عن الواقع والحقيقة ، ولكن كلامك أيّها الحافظ عار من الصحة والواقع ، وإذا أردت أن تعرف المطاعن كلّها حول الأئمة الأربعة ، فراجع كتاب ” المنخول في علم الأصول ” للغزالي ، وكتاب ” النكت الشريفة ” للشافعي ، وكتاب ” ربيع الأبرار ” للزمخشري ، وكتاب ” المنتظم ” لابن الجوزي .. حتى تشاهد كيف يطعن بعضهم البعض إلى حدّ التكفير والتفسيق ! !
ولكن لو تراجع كتب الشيعة الإمامية حول الأئمة الاثني عشر عليهم السلام لرأيت إجماع العلماء والفقهاء والمحدّثين والمؤرخين على تقديسهم وعظم شأنهم وجلال مقامهم وعصمتهم (سلام الله عليهم) .
لأننا نعتقد أنّ الأئمة الاثنا عشر عليهم السلام كلّهم خريجوا جامعة واحدة ، وهم أخذوا علمهم من منبع ومنهل واحد ، وهو منبع الوحي ومنهل الرسالة ، فلم يفتوا إلاّ على أساس كتاب الله تعالى والسنّة الصحيحة التي ورثوها من جدّهم خاتم النبيّين وسيّد المرسلين صلى الله عليه وآله عن طريق الإمام عليّ أمير المؤمنين عليه السلام وفاطمة الزهراء سيّدة نساء العالمين عليهم السلام ، وحاشا أئمّتنا عليهم السلام أن يفتوا على أساس الرأي والقياس ، ولذا لا تجد أي اختلاف في ما بيّنوه ، لأنّهم كلّهم ينقلون عن ذلك المنبع الصافي الزلال :
” روى جدّنا عن جبرئيل عن الباري ” .