إن من الأمور اللازمة للسالك في جميع عباداته ولا سيما في الصلاة التي هي رأس العبادات ولها مقام الجامعية ، الخشوع . وحقيقته عبارة عن الخضوع التام الممزوج بالحب أو الخوف وهو يحصل من إدراك عظمة الجلال والجمال وسطوتهما وهيبتهما .
وتفصيل هذا الإجمال هو أنّ قلوب أهل السلوك بحسب الجِبِلّة والفطرة مختلفة ، فبعض منها عشقّي ومن مظاهر الجمال ومتوجه إلى جمال المحبوب بحسب الفطرة فهؤلاء إذا أدركوا في سلوكهم ظل الجميل ، أو شاهدوا أصل الجمال تمحوهم العظمة المختفية في سرّ الجمال فتصعقهم ، لأنّ في كل جمال جلالا مختفيا وفي كل جلال جمالا مستورا .
ولعله إلى ذلك أشار مولى العارفين وأمير المؤمنين والسالكين صلوات الله عليه وعلى آله أجمعين حيث قال :
” سبحان من اتسعت رحمته لأوليائه في شدّة نقمته ، واشتدت نقمته لأعدائه في سعة رحمته” فتغشاهم هيبة الجمال وعظمته ويأخذهم الخشوع في حيال جمال المحبوب .
{ 40 }
وهذه الحالة في أوائل الأمر توجب تزلزل القلب واضطرابه ، وبعد التمكين تحصل للسالك حالة الأنس وتتبدل حالة الوحشة والاضطراب المتولدة من العظمة والسطوة إلى الأنس والسكينة وتجيئه حالة الطمأنينة ، كما أن حالة قلب خليل الرحمن كانت كذلك .
وبعض من القلوب خوفّي ومن مظاهر الجلال ، وأرباب تلك القلوب يدركون دائماً العظمة والكبرياء والجلال ، وخشوعهم يكون من الخوف ، ومن تجلي الأسماء القهرية والجلالية لقلوبهم ، كما أن يحيى ، على نبيّنا وآله وعليه السلام ، كان هكذا . فالخشوع يكون ممزوجا تارة بالحب وأخرى بالخوف والوحشة ، وان كان في حبّ وحشة ، وفي كل خوف حبّ . ومراتب الخشوع على حسب مراتب إدراك العظمة والجلال والحسن والجمال ، وحيث أن أمثالنا مع ما لنا من هذه الحالة ، من نور المشاهدات محرومون فلا بد أن نكون بصدد تحصيل الخشوع من طريق العلم أو الإيمان . قال تعالى :
{ قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون } (1 المؤمنون 1-2 ) فجعل الخشوع في الصلاة من حدود الإيمان وعلائمه . فكل من لم يكن خاشعا في الصلاة فهو خارج عن زمرة أهل الإيمان طبقا لما قاله الذات المقدسة الحق تعالى شأنه . ( 1 قال الصادق عليه السلام ” إذا دخلت في صلاتك فعليك بالتخشّع والإقبال على صلاتك فإن الله تعالى يقول : ” الذين هم في صلاتهم خاشعون ” .
قال المحقق الكاشاني ((* – لقب العالم الفاضل الكامل العارف المحدّث الحكيم المتألّه محمد بن المرتضى المدعو بالمولى محسن القاشاني صاحب التصانيف الكثيرة الشهيرة كالوافي والصافي والشافي والمفاتيح والنخبة والحقائق وعلم اليقين وعين اليقين وخلاصة الأذكار وبشارة الشيعة والمحجة البيضاء في إحياء الأحياء إلى غير ذلك مما يقرب من مئة تصنيف )) .