الرئيسية / القرآن الكريم / مواعظ قرآنية – الولد الصالح

مواعظ قرآنية – الولد الصالح

يقول الله تعالى في محكم كتابه:

 

﴿…قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاء﴾1.

﴿… رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا﴾2.

 

 

1- سورة آل عمران، الآية: 38.

2- سورة الفرقان، الآية: 74.

 

 

 

  -طلب الذرّيَّة

 

ضمن تأسيس العائلة والبيت الزوجيّ الّذي قلنا إنّه يجب أن يكون رسالة على عهدة المؤمن أداؤها، توجد مسؤولية لا يجوز التقصير بشأنها ولا التهاون بها، وهي المسؤولية من الوالدين تجاه الأولاد، فلا بُدّ أن نعرف نظرة الإسلام إلى هذا الشقّ من المسؤولية وذلك من خلال عدّة نقاط:

 

أوّلاً: ماذا يُمثّل الولد بالنسبة للوالدين؟ وكيف يجب أن يُنظر إليه؟

 

لا ينبغي النظر إلى مسألة الولد بالمنظور العاطفيّ فحسب، أو على أساس أنّ الوالدين وجدا نفسيهما مجبورَين على حضانته بعد جريهما على العادة بالزواج والإنجاب في المجتمع كغيرهما، أو انسياقاً وراء الدافع الغرائزيّ والميل الفطريّ لأن يكون الرجل أباً وتكون المرأة أمّاً دون أن يكون لهما دافع رساليّ في ذلك.

 

بل ينبغي أن يكون الإنجاب ثمّ الرعاية، والتربية، والتنشئه على الصلاح من صلب الأمور الّتي يفرضها الالتزام الدّينيّ والخطّ الرساليّ على من يريد تأسيس عائلة في إطار الخطّ الإلهيّ الدِّيني.

 

نعم توجد رسالة عائليّة متّصلة بحكمة الله تعالى من إبقاء النسل لتتحقّق معرفته تعالى وعبادته ولكي تثقل الأرض بلا إله إلا الله.

 

عن أبي عبد الله عليه السلام قال: “جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يا نبيّ الله إنّ لي ابنة عمٍّ قد رضيتُ جمالها وحسنها ودينها، ولكنّها عاقر، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: لا تزوّجها، إنّ يوسف بن يعقوب لقي أخاه، فقال: يا أخي كيف استطعت أن تزوّج النساء بعدي؟

 

فقال: إنّ أبي أمرني، قال: إن استطعت أن يكون لك ذرية تثقل الأرض بالتسبيح، فافعل”3.

 

وعن جابر عن الإمام الباقر عليه السلام: “قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ما يمنع المؤمن أن يتّخذ أهلاً لعلّ الله يرزقه نسمة تُثقل الأرض بلا إله إلا الله”4.

 

وكذلك تتّصل الرسالة العائلية الّتي منها الإنجاب بالجري على مراد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وتنفيذ ما حثّ عليه وأحبّه ورغب فيه وهو التناسل.

 

ـ فعن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: “تناكحوا تناسلوا، أباهي بكم الأمم يوم القيامة”5.

 

– وعن أبي جعفر عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “تزوّجوا بكراً ولوداً، ولا تزوّجوا حسناء جميلة عاقراً، فإنّي أباهي بكم الأمم يوم القيامة”6 .

 

وكذلك يضع في الحسبان المنافع الأخروية للأولاد بعد الموت لأنّهم إن توفّوا قبل أن يبلغوا فإنّهم شفعاء للأبوين.

 

فعن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لرجل:..”أما علمت أنّ الولدان تحت العرش يستغفرون لآبائهم يحضنهم إبراهيم، وتربّيهم سارة في جبل من مسك وعنبر وزعفران؟”7.

 

وإن مات الآباء قبلهم فإنّهم يبقون كالصدقة الجارية في الأرض ينتفع آباؤهم بهم بعد موتهم، كما ورد في روايات متعدّدة من أنّه: “إذا مات المؤمن انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم يُنتفع به، أو ولد صالح يدعو له”8.

 

3- الكافي، الشيخ الكلينيّ، ج 5، ص 333.

4- وسائل الشيعة، الحرّ العامليّ، ج 20، ص 15.

5- مستدرك الوسائل، الميرزا النوري، ج 41، ص 153.

6- وسائل الشيعة، الحرّ العاملي، ج 41، ص 33.

7- الكافي، الشيخ الكلينيّ، ج 5، ص 334.

8- بحار الأنوار، العلّامة المجلسيّ، ج 2، ص 23.

 

وما يترتّب من الأجر والثواب على الإنفاق والتوسعة على العيال، والقيام بما يُصلحهم مادّيّاً ومعنويّاً فإنّها مثوبات عظيمة جدّاً لا يُضاهيها شيء من عمل البرّ لو أردنا أن نسردها لطال بنا الكلام.

 

فإذاً الأولاد هم من موجبات الثواب ورفع درجات المرء عند الله تعالى.

 

وبكلمة واحدة: الإنجاب يجب أن يندفع إليه المرء من خلال إيمانه وعقيدته وارتباطه بالخالق تعالى، وبأنّه مسؤولية يُثاب عليها ويُعاقب، كما صرّح إمامنا زين العابدين عليه السلام:

 

“فاعمل في أمره عمل من يعلم أنّه مثاب على الإحسان إليه معاقب على الإساءة إليه”9.

 

ويقول عليه السلام: “وإنّك مسؤول عمّا وليته من حسن الأدب والدلالة على ربّه”10.

 

ثانياً: انطلاقاً من هذه المسؤولية ولكي نؤدّي هذه المهمّة ونفي لهذه الرسالة، لا بُدّ أن نعرف ما كلّفتنا به الشريعة المقدّسة تجاه أولادنا، من الواجبات والمستحبّات والمحظورات..

 

شاهد أيضاً

ليلة القدر .. بين اصلاح الماضي و رسم المستقبل

أشار العالم الديني و استاذ الاخلاق الزاهد الفقيد الراحل سماحة آية الله مجتبي طهراني ، ...