الرئيسية / زاد الاخرة / كتاب معرفة الله – السيّد محمّد حسين‌ الحسيني الطهراني قدّس سرّه

كتاب معرفة الله – السيّد محمّد حسين‌ الحسيني الطهراني قدّس سرّه

إثبات‌ صدر المتأ لّهين‌ سريان‌ العشق‌ في‌ جميع‌ الموجودات‌

 وقد بسط‌ المرحوم‌ صدر المتأ لّهين‌ قدّس‌ الله‌ نفسه‌ الزكيّة‌ الكلام‌ في‌ بحث‌ العشق‌ علی‌ نحو أعمق‌ وأجمل‌ ممّا فعل‌ الشيخ‌ الرئيس‌، حيث‌ برهن‌ تحت‌ عنوان‌: «الفَصْلُ 15: فِي‌ إثْبَاتِ أَنَّ جَمِيعَ المَوْجُودَاتِ عَاشِقَةٌ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ مُشْتَاقَةٌ إلی‌ لِقائِهِ وَالوُصُولِ إلی‌ دَارِ كَرَامَتِهِ»، علی‌ أنّ الله‌ سبحانه‌ وتعإلی‌، قدّر لكلّ موجود من‌ الموجودات‌: العقليّة‌ والنفسيّة‌ والحسّيّة‌ والطبيعيّة‌، بصيصاً من‌ الكمال‌، ولاجل‌ بلوغ‌ هذا الكمال‌ والتحرّك‌ نحو إتمامه‌، ركّز فيهم‌ العشق‌ والشوق‌. أمّا العشق‌ بلا شوق‌، فهو من‌ اختصاص‌ المفارقات‌ العقليّة‌، التي‌ تمتلك‌ الفعليّة‌ في‌ جميع‌ جهاتها، وأمّا في‌ غير المفارقات‌ العقليّة‌ من‌ الموجودات‌ التي‌ تفتقر إلی‌ الكمال‌ ولكنّها تمتلك‌ القوّة‌ والاستعداد، فقد أودع‌ فيها العشق‌ والشوق‌ الإراديّينِ بمقدار، وهكذا العشق‌ والشوق‌ الطبيعيّين‌ بمقدار، بحسب‌ تفاوت‌ درجاتها في‌ كلّ من‌ هذين‌ الصنفين‌».

 ويتابع‌ الحديث‌، إلی‌ أن‌ يصل‌ في‌ كلامه‌ إلی‌:

 «وأنت‌ تعلم‌ أنّ إثبات‌ العشـق‌ في‌ شـي‌ء بدون‌ الحياة‌ والشـعور فيه‌ كان‌ مجرّد التسـمية‌، ونحن‌ قد بيّنا ـ في‌ السـفر الاوّل‌ في‌ مباحث‌ العلّة‌ والمعلول‌ عشـق‌ الهيـولي‌ إلی‌ الصـورة‌ بوجـه‌ قياسـي‌ّ حِكَمِي‌ّ لا مـزيد عليه‌.

 وقد مرّ أيضاً إثبات‌ الحياة‌ والشعور في‌ جميع‌ الموجودات‌ وهو العمدة‌ في‌ هذا الباب‌ ولم‌ يتيسّر للشيخ‌ الرئيس‌ تحقيقه‌، ولا لاحد ممّن‌ تأخّر عنه‌ إلی‌ يومنا هذا إلاّ لاهل‌ الكشف‌ من‌ الصوفيّة‌، فإنّه‌ لاح‌ لهم‌ ـ بضرب‌ من‌ الوجدان‌ وتتبّع‌ أنوار الكتاب‌ والسنّة‌ أنّ كلّ شي‌ءٍ حَي‌ٌّ وَنَاطِقٌ وَذَاكِرٌ لِلَّهِ، مُسَبِّحٌ سَاجِدٌ لَهُ كما نطق‌ به‌ القرآن‌ في‌ قوله‌:

 وَإِن‌ مِّن‌ شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَـ’كِن‌ لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ.[9]

 وقوله‌: وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَن‌ فِي‌ السَّمَـ’وَ تِ وَالاْرْضِ.[10]

الرجوع الی الفهرس

ردّ صدر المتأ لّهين‌ علی‌ الشيخ‌ الرئيس‌ في‌ عشق‌ البسائط‌ غير الحيّة‌

 ونحن‌ بحمد الله‌ عرفنا ذلك‌ بالبرهان‌ والإيمان‌ جميعاً، وهذا أمر قد اختصّ بنا بفضل‌ الله‌ وحسن‌ توفيقه‌.

 فإنّ الذي‌ بلغ‌ إلیه‌ نظر «الشيخ‌» وهو من‌ أعظم‌ الفلاسفة‌ في‌ هذه‌ الدورة‌ الإسلاميّة‌ في‌ إثبات‌ العشق‌ في‌ البسائط‌ غير الحيّة‌ ما ذكره‌ في‌ تلك‌ الرسالة‌ بقوله‌: «إنّ البسائط‌ غير الحيّة‌ ثلاثة‌: أحدها الهيولي‌ الحقيقيّة‌، والثاني‌ الصورة‌ التي‌ لا يمكن‌ لها القوام‌ بانفراد ذاتها، الثالث‌ الاعراض‌».[11]

 وهنا يذكر صدر المتأ لّهين‌ نصّ عبارة‌ الشيخ‌، وهي‌ تقع‌ في‌ صفحة‌ ونصف‌ الصفحة‌ تقريباً، مستنتجاً بأنّ الشيخ‌ قد عبّر عن‌ تلازم‌ الهيولي‌ والصورة‌ بالعشق‌، ثمّ يقول‌: «إنّ كلّ واحد من‌ البسائط‌ غير الحيّة‌ قرين‌ عشق‌ غريزي‌ّ، فإذاً الذي‌ ذكره‌ الشيخ‌ ليس‌ بشي‌ء.

 ونحن‌ نثبت‌ وجود العشق‌ في‌ الموجودات‌ غير الحيّة‌، عن‌ طريق‌ إثبات‌ وجود الحياة‌ والشعور لديها، وما ذكره‌ الشيخ‌، هو في‌ غاية‌ الضعف‌، حيث‌ إنّه‌ لا يخفي‌ علی‌ أي‌ّ ذكي‌ّ بأنّ قوله‌ في‌ إثبات‌ معني‌ العشق‌ في‌ هذه‌ الموجودات‌ لم‌ يتحقّق‌ إلاّ اللهمّ بطريق‌ التشبيه‌».[12]

 ويتابع‌ صاحب‌ «الاسفار الاربعة‌» الكلام‌ حتّي‌ يصل‌ إلی‌ هذا المقطع‌:

 الفَصْلُ 16: فِي‌ بَياَنِ طَرِيقٍ آخَرَ فِي‌ سَرَيَانِ مَعْنَي‌ العِشْقِ فِي‌ كُلِّ الاَشْيَاءِ [13].

 وبعد إتمام‌ هذا البحث‌، يصل‌ إلی‌:

 الفَصْلُ 17: فِي‌ بَيَانِ أَنَّ المَعْشُوقَ الحَقِيقِي‌َّ لِجَمِيعِ المَوْجُودَاتِ وَإنْ كَانَ شَيْئاً وَاحِداً فِي‌ المَآلِ وَهُوَ نَيْلُ الخَيْرِ المُطْلَقِ وَالجَمَالِ الاَكْمَلِ، إلاَّ أَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ أَصْنَافِ المَوْجُودَاتِ مَعْشوقاً خَاصَّاً قَرِيباً يَتَوَسَّلُ بِعِشْقِهِ إلی‌ ذَلِكَ المَعْشُوقِ العَامِّ.[14]

 في‌ هذا البحث‌ أيضاً، يقوم‌ صدر المتأ لّهين‌ ببسط‌ القول‌ وتقديم‌ بيانٍ شافٍ ومفصّل‌، وبعد بيان‌ الفصل‌ (18)، يصل‌ بالموضوع‌ إلی‌:

 الفَصْلُ 19: فِي‌ ذِكْرِ عِشْقِ الظُّرَفَاءِ وَالفِتْيَانِ لِلاَوْجُهِ الحِسَانِ، حيث‌ مبتغانا في‌ بيان‌ العشق‌ العامّ في‌ الموجودات‌ للذات‌ القدسيّة‌ للحقّ تعإلی‌، هذه‌ الفقرة‌ من‌ هذا العشق‌ للذات‌ القدسيّة‌ للباري‌ جلّ وعلا سبحانه‌ وتعإلی‌ شأنه‌.

 وبعد سرد تعريفات‌ مختلفة‌ للعشق‌، يقوم‌ صدر المتأ لّهين‌ بالبرهنة‌ علی‌ أنّ العشق‌ ليس‌ عشقاً للجسم‌ أو الصورة‌ أو للشكل‌ أو الشمائل‌، بل‌ هو عشق‌ للنفس‌ وحدها، ولا يمكن‌ أن‌ يكون‌ مراد العشق‌ مادّة‌ أو أمراً مادّيّاً محسوساً. بل‌ المراد، هو أمر معنوي‌ّ وحسب‌، ولهذا فإنّ العاشق‌ حتّي‌ وإن‌ أدرك‌ جسم‌ المعشوق‌، أو وجهه‌، أو كلّ أعضائه‌، فإنّ عشقه‌ لن‌ يسكن‌ ولن‌ يهدأ إلاّ بعد أن‌ تتّصل‌ روحه‌ بروح‌ المعشوق‌، وتذوب‌ وتتلاشي‌ فيها.

 قال‌: «ومنهم‌ من‌ قال‌ أنّ العشق‌ هو إفراط‌ الشوق‌ إلی‌ الاتّحاد، وهذا القول‌ وإن‌ كان‌ حسناً إلاّ) أنّه‌ كلام‌ مجمل‌ يحتاج‌ إلی‌ تفصيل‌، لانّ هذا الاتّحاد من‌ أي‌ّ ضروب‌ الاتّحاد، فإنّ الاتّحاد قد يكون‌ بين‌ الجسمَينِ، وذلك‌ بالامتزاج‌ والاختلاط‌، وليس‌ ذلك‌ يتصوّر في‌ حقّ النفوس‌، ثمّ لو فرض‌ وقوع‌ الاتّصال‌ بين‌ بدنَي‌ العاشق‌ والمعشوق‌ في‌ حالة‌ الغفلة‌ والذهول‌[15] أو النوم‌ فعُلِم‌ يقيناً أنّ بذلك‌ لم‌ يحصل‌ المقصود، لانّ العشق‌ كما مرّ من‌ صفات‌ النفوس‌ لا من‌ صفات‌ الاجرام‌ السماويّة‌، بل‌ الذي‌ يتصوّر ويصحّ من‌ معني‌ الاتّحاد هو الذي‌ بيّناه‌ ـ في‌ مباحث‌ العقل‌ والمعقول‌ من‌ اتّحاد النفس‌ العاقلة‌ بصورة‌ العقل‌ بالفعل‌ واتّحاد النفس‌ الحسّاسة‌ بصورة‌ المحسوس‌ بالفعل‌.

 فعلي‌ هذا المعني‌ يصحّ صيرورة‌ النفس‌ العاشقة‌ لشخص‌ متّحدة‌ بصورة‌ معشوقها وذلك‌ بعد تكرّر المشاهدات‌ [16] وتوارد الانظار وشدّة‌ الفكر والذِّكر في‌ أشكاله‌ وشمائله‌ حتّي‌ يصير متمثّلاً صورته‌ حاضرة‌ متدرّعة‌ في‌ ذات‌ العاشق‌. وهذا ممّا أوضحنا سبيله‌ وحقّقنا طريقه‌ بحيث‌ لم‌ يبق‌ لاحد من‌ الازكياء مجال‌ الإنكار فيه‌.

 وقد وقع‌ في‌ حكايات‌ العشّاق‌ ما يدلّ علی‌ ذلك‌، كما روي‌ أنّ مجنون‌ العامري‌ّ كان‌ في‌ بعض‌ الاحايين‌ مستغرقاً في‌ العشق‌ بحيث‌ جاءت‌ حبيبته‌ ونادته‌: يَا مَجْنونُ ! أَنَا لَيْلَي‌. فما التفت‌ إلیها، وقال‌:

 لِي‌ عَنْكِ غِنيً بِعِشْقِكِ ! [17]

 فإنّ العشق‌ بالحقيقة‌ هو الصورة‌ الحاصلة‌، وهي‌ المعشوقة‌ بالذات‌ لا الامر الخارجي‌ّ وهو ذو الصورة‌ إلاّ بالعرض‌، كما أنّ المعلوم‌ بالذات‌ هو نفس‌ الصورة‌ العلميّة‌ لا ما خرج‌ عن‌ التصوّر.

 وإذا تبيّن‌ وصحّ اتّحاد العاقل‌ بصورة‌ المعقول‌ واتّحاد الجوهر الحاسّ بصورة‌ المحسوس‌ ـ كلّ ذلك‌ عند الاستحضار الشديد والمشاهدة‌ القويّة‌ كما سبق‌ فقد صحّ اتّحاد نفس‌ العاشق‌ بصورة‌ معشوقه‌ بحيث‌ لم‌ يفتقر بعد ذلك‌ إلی‌ حضور جسمه‌ والاستفادة‌ من‌ شخصه‌، كما قال‌ الشاعر:

 أَنَا مَنْ أَهْوَي‌ وَمَنْ أَهْوَي‌ أَنَا نَحْنُ رُوحَانِ حَلَلْنَا بَدَنَا

 فَإذَا أَبْصَرْتَنِي‌ أَبْصَرْتَهُ وَإذَا أَبْصَرْتَهُ أَبْصَرْتَنَا [18]

شاهد أيضاً

القوات اليمنية ترد على العدوان.. استهداف حاملة طائرات أميركية في البحر الأحمر

القوات اليمنية ترد على العدوان.. استهداف حاملة طائرات أميركية في البحر الأحم القوات المسلحة اليمنية ...