05 الدرس الرابع: كيف نهذِّب أنفسنا؟
أهداف الدرس
1- أن يتعرف الطالب إلى أفضل طرق تهذيب النفس .
2- أن يتعرف إلى الوسائل المساعدة على تهذيب النفس.
3- أن يتبين مانعين: أصدقاء السوء، وضعف الإرادة.
تمهيد
وصلنا في الدرس السابق إلى معرفة الطرق التي تُعرفنا على أمراض نفوسنا, وأكدنا على ضرورة علاجها, وبينا أن هذا العمل سيقودنا إلى تهذيب نفوسنا، وتطهيرها من الأمراض التي تصيبها.
أما في هذا الدرس فسوف نتعرف على طرق تهذيب النفس، والأمور التي تساعدنا على القيام بذلك.
1- طرق تهذيب النفس
إذا أراد الإنسان أن يهذب نفسه، فلا بدّ من أن يلتفت إلى الطرق التي يمكن استخدامها للقيام بهذا الأمر، وهذه الطرق هي:
أ – الوقاية: وهي بمعنى التوقِّي من أول الأمر بالحيطة والحذر، وتجنب ما يؤدي إلى الوقوع في المعاصي والأخلاق السيئة، وهي أفضل وأسهل وسيلة لتهذيب النفس، لأن النفس قبل إصابتها وتلوثها تكون أكثر استعداداً للتخلق بأخلاق الله وعمل الخير، وتكون أقدر على مواجهة إغراء الدنيا ووسوسة الشيطان، ولذا فإن ترك المعاصي أيسر من الحصول على التوبة.
يقول الإمام علي عليه السلام: “ترك الخطيئة أيسر من طلب التوبة، وكم من شهوة ساعة أورثت حزناً طويلاً”1.
ولذلك فإن عمر الشباب هو عمر مناسب جداً لهذا الأمر، حيث ينبغي ألا يكون قد حصل التلوث بحبِّ الدنيا في هذا العمر.
ب – الترك المباشر: لو فرضنا أن الوقاية لم تنجح بشكل كامل، وابتلى الإنسان بالمعاصي وسوء الخلق، فإن أفضل وسيلة لعلاج ذلك هو الترك المباشر والدفعي للمعاصي، والتوبة مباشرة بتصميم قاطع، وإرادة قوية، والتغلب على الشيطان والنفس الأمارة بالسوء دفعة واحدة، وربما يحصل هذا الأمر نتيجة سماع آية أو حصول حادثة أو غير ذلك، ويمكن أن نلحظ هنا ذلك التحول الكبيروالسريع الذي حصل في حياة بشر الحافي، ولم يكن هذا التحول إلا نتيجة كلمة قالها الإمام الكاظم عليه السلام وهي: “.. لو كان (بشر) عبداً لخاف من مولاه”.
وبالترك المباشر والدفعي للسيئات، نقطع الطريق على إبليس وأعوانه، ونتخلص من هذه الأمراض كما تخلص منها بشر الحافي.
ج- الترك التدريجي: إذا لم نستطع تهذيب أنفسنا دفعة واحدة، فيمكن أن نقوم بذلك بشكل تدريجي، بأن نقوم بترك ذنب أو مجموعة ذنوب، وبذلك نكون قد بدلنا نقطة سوداء في قلوبنا إلى نقطة بيضاء، ومن ثم نقوم بترك ذنب آخر، وهكذا إلى أن نكون بعد فترة قد ابتعدنا تماماً عن الذنوب، وأخرجنا الصفات السيئة من أنفسنا، وسددنا ضربة موجعة للشيطان، تضعفه عن محاولة إضلالنا وإسقاطنا في وادي الهلاك.
1- الكليني-الكافي- دار الكتب الإسلاميِّة ,آخوندي-الطبعة الثالثة، ج 2، ص 451
2- الأمور المساعدة على تهذيب النفس
وأما الأمور التي يمكن لها أن تساعدنا على تهذيبنا لأنفسنا، فهي:
أ- التفكر: إن الإنسان إذا انشغل بأموره الدنيوية، وغفل عن الآخرة وآثار أعماله فيها، فإنه لن يندفع لتهذيب نفسه، وهنا ما الحل؟
الحل في التفكر، التفكر في العاقبة، وفي نتائج أعماله في الآخرة، وفيما سيحصل له في عالم القبر ويوم القيامة. إن هذا التفكر سيلجم الإنسان عن ارتكاب ما يؤدي إلى سوء العاقبة.
يقول الإمام علي عليه السلام: “من عمر قلبه بدوام الفكر حسنت أفعاله في السر والجهر”2.
ب – التأديب والمجازاة: يمكن للمرء أن يتوعد نفسه بالعقاب فيما لو ارتكبت المعصية، فإن فعلت عاقبها بأحد هذه الأمور: إما بالصوم يوماً، أو بدفع مبلغ مالي، أو بحرمان النفس من وجبة طعام، أو مما تشتهيه وهكذا.. وإن أقلعت يكون قد كبح جماحها، فلا يتهاون معها ولا ينساق مع العادات السيئة التي تحكمت بها.
يقول الإمام علي عليه السلام: “تولوْا من أنفسكم تأديبها واعدلوا بها عن ضراوة عاداتها”3.
ويقول عليه السلام: “نعم العون على أسر النفس وكسر عادتها الجوع”4.
ج – الإلتفات إلى قيم الذات وتقوية القيم الإنسانية
إن نفس الإنسان جوهرة ثمينة، جاءت إلى الوجود من عالم الكمال والجمال، فإذا أدرك الإنسان
2- غرر الحكم، ص 353، حكمة 1050
3- م . ن . صفحة 178، حكمة 129
4- غرر الحكم، ص 773
ذلك فإنه سوف ينأى بنفسه عن ارتكاب ما لا ينسجم مع مقامه كخليفة لله ومحلٍّ لتكريمه، لأن تلك النفس خلقت لتترفع عن الدنس والخطايا، ولترتقي في عالم القرب إلى الله، وهذا ما يدفع نحو تهذيب النفس، فعلى السالك عندها أن يقوم بأمرين:
الأول: أن لا يستجيب لتلك الصفة السيئة في نفسه.
الثاني:أن يعمل على تقوية تلك الصفة الحسنة المقابلة لها، ويفرض على نفسه العمل بها حتى يعتاد عليها تدريجياً، لتتحول إلى ملكة وصفة راسخة في نفسه، وفي ذلك يقول الإمام علي عليه السلام “عود نفسك فعل المكارم، وتحمل أعباء المغارم، تشرف نفسك، وتعمر آخرتك، ويكثر حامدوك”5.
3- موانع تهذيب النفس
كما ينبغي على الانسان أن يهتم بطرق التهذيب، عليه أيضاً أن يزيل الموانع التي تحول دون تهذيب نفسه، وذلك بالكف عن أمرين:
أ- ترك معاشرة أهل السوء:
إن الإنسان يتأثر بأقرانه، سواءً من حيث يشعر أو لا يشعر، ولذا إن كان لا بد من صحبة فيجب أن يكون الأصحاب من الأخيار، الذين يُقرِّبُون من الجنة ويُبعِّدون عن النار، من هنا أكدت الروايات كثيراً على اتخاذ الأصحاب من المؤمنين الصالحين، وضرورة الابتعاد عن قُرنَاء السوء، لما لذلك من أثر طيب على المرء في اخلاقه وأعماله، بل وفي دينه، يقول الإمام علي عليه السلام: “احذر مجالسة قرين السوء فإنه يهلك مقارنه ويردي مصاحبه”6.
5- م. ن. صفحة 261، حكمة 261
6- م. ن. صفحة 91، حكمة 19
ب – الموارد التي يحتمل أن يضعف فيها:
بما أن الإنسان يتأثر بالأمور التي تحيط به، فإنه من الممكن أن يضعف في بعض المواطن، أو الحالات التي تتهيأ فيها أجواء المعصية، كمجالس الفسق والفجور ومراكز السوء، والخلوة بالمرأة الأجنبية والمزاح معها، والنظر إلى المشاهد المثيرة للغرائز والشهوات، من هنا كان عليه أن يبتعد عن تلك الموارد التي يقوى فيها الشيطان عليه، حتى لا يقع في المعصية، يقول الإمام علي عليه السلام: “إذا أبصرتِ العينُ الشهوة، عمي القلب عن العاقبة”7.
إن الإنسان الذي يعنى بتهذيب نفسه لا بد أن يقدم على كل ما من شأنه أن يوصله إلى هدفه السامي، لكي يحث السير ويسرع في الوصول قبل فوات الأوان.
ج- حب الدنيا:
والمراد بها حب الدنيا المذمومة بالنظرة الاسلامية ويأتي الحديث عن هذا الأمر لأهميته في درس مستقل.
خلاصة الدرس
1- إن الوقاية من الذنوب والأخلاق السيئة هي من أهم طرق تهذيب النفس.
2- الإقلاع عن المعاصي دفعة واحدة يعد من أساليب تهذيب النفس، ويكون بعد التلوث بالذنوب ويحتاج إلى همة عالية.
3- الإقلاع عن المعاصي تدريجياً يكون مطلوباً إذا لم ننجح في الابتعاد عنها دفعة واحدة.
4- مما يساعد على تهذيب النفس: التفكر، تأديب النفس، إدراك الإنسان لكرامته ومكانته عند الله.
5- على الانسان أن يجتنب موانع تهذيب النفس وهي عبارة عن معاشرة قرين السوء، والموارد التي يحتمل أن تضعف فيها النفس امام المعصية.
7- م. ن. صفحة 155، حكمة 4
للمطالعة
قصة بشر الحافي
في عصر الإمام الكاظم عليه السلام كان يعيش في بغداد رجل معروف يقال له بشر. وكان ممن يشار إليه بالبنان، وحدث يوماً أن كان الإمام الكاظم عليه السلام ماراً من أمام بيت بشر، وكانت أصوات اللهو والطرب تملأ المكان، فصادف أن فتحت جارية باب الدار لإلقاء بعض الفضلات، وحين رمت بها في الطريق سألها الإمام عليه السلام قائلاً: “يا جارية! هل صاحب هذه الدار حر أم عبد”؟!
فأجابته الجارية وهي مستغربة سؤاله هذا وبشر رجل معروف بين الناس، وقالت: بل هو حر!! فقال الإمام عليه السلام: “صدقت، لو كان عبداً لخاف من مولاه”.
الإمام عليه السلام قال هذه الكلمة وانصرف. فعادت الجارية إلى الدار وكان بشر جالساً إلى مائدة الخمر، فسألها: ما الذي أبطأك؟ فنقلت له ما دار بينها وبين الإمام عليه السلام، وعندما سمع ما نقلته من قول الإمام عليه السلام: “صدقت، لو كان عبداً لخاف من مولاه” اهتز هزاً عنيفاً أيقظه من غفلته، وأيقظه من نومته، نومة الغفلة عن الله. ثم سأل بشر الجارية عن الوجهة التي توجه إليها الإمام، فأخبرته فانطلق يعدو خلفه، حتى أنه نسي أن ينتعل حذاءه. وكان في الطريق يحدث نفسه بأن هذا الرجل هو الإمام موسى بن جعفر عليه السلام، وفعلاً ذهب إلى منزل الإمام فتاب على يده، واعتذر وبكى، ثم هوى على يدي الإمام يقبلها وهو يقول:سيدي أريد من هذه الساعة أن أصبح عبداً ولكن عبداً لله، لا أريد هذه الحرية المذلة التي تأسر الإنسانيّة فِي، وتطلق العنان للشهوة الحيوانية. لا أريد حرية السعي وراء الجاه والمنصب، لا أريد حرية الخوض في مستنقع الذنوب
وأغدو أسيراً لها، لا أريد أن تؤسر فِي الفطرة السليمة والعقل السليم. من هذه الساعة أريد أن أصبح عبداً لله ولله وحده، حُراً تجاه غيره.
وتاب بشر على يد الإمام الكاظم عليه السلام، ومنذ تلك اللحظة هجر الذنوب ونأى عنها وأتلف كل وسائل الحرام، وأقبل على الطاعة والعبادة. بشر هذا هو مهاجر أيضاً لأن “المهاجر من هجر السيئات”.
العلامة الحلي, مفتاح الكرامة, ص 59(بتصرف)