05 الدرس الثاني: اختيار الشريك
أهداف الدرس:
- أن يتعرّف الطالب إلى صفات الزوج المناسب.
تمهيد
يُعتبر اختيار شريك الحياة أمراً مفصلياً في حياة الرجل أو المرأة، لأنّ الزواج هو أهمّ قفزة في النضوج الاجتماعيّ للإنسان، فهو مرحلة انتقالية من المراهقة وعدم المسؤولية، إلى مرحلة الوعي وتحمّل المسؤولية، ومن خلاله يتكامل الإنسان ويمضي في دوره الّذي رسمه الله تعالى له.
ولهذا فإنّ اختيار الشريك يعني بالدرجة الأولى اختيار شخص من المفترض أنّه سيرافق الإنسان إلى آخر العمر، وسيؤتمن على الأسرار الشخصية والحياة الخاصّة، وسيكون الأب أو الأم للأولاد…
فلهذه الأمور وغيرها اكتسبت مسألة اختيار الشريك الأهميّة الكبرى، وقد أضاء عليها الشرع المقدّس ناصحاً في آن، ومحذراً في آنٍ آخر، وواضعاً الخطوط العريضة لحسن الاختيار في الرجل والمرأة؛ ففي الرواية عن الإمام الصادق عليه السلام: “إنّما المرأة قلادة فانظر ما تتقلّد، وليس لامرأة خطر، لا لصالحتهنّ ولا لطالحتهنّ: وأمّا صالحتهنّ فليس خطرها الذهب والفضّة، هي خير من الذهب والفضة، وأمّا طالحتهنّ فليس خطرها التراب، التراب خير منها”1.
1- الكافي، الشيخ الكليني، ج 5، ص 332.
وفي الرواية عن داود الكرخيّ قال: قلت لأبي عبد الله الصادق عليه السلام: إنّ صاحبتي هلكت وكانت لي موافقة وقد هممت أن أتزوّج، فقال: “انظر أين تضع نفسك ومَن تشركه في مالك وتطلعه على دينك وسرّك وأمانتك، فإن كنت لا بدّ فاعلاً فبكراً تُنسب إلى الخير وإلى حسن الخُلُق.
ألا إنّ النساء خُلقن شتَّى
فمنهنَّ الغنيمةُ والغرامُ
ومنهنّ الهلال إذا تجلَّى
لصاحبه ومنهنَّ الظلامُ
فمن يظفر بصالحهنّ يسعدْ
ومن يُغبَن فليسَ لهُ انتقام”2.
كذلك من جانب المرأة، حيث عليها أن تلتفت إلى صفات الرجل الّذي يتقدّم إليها، فعن رسول االله صلى الله عليه وآله وسلم: “إذا جاءكم من ترضون دينه وأمانته يخطب إليكم فزوّجوه”3.
من هي الزوجة المناسبة؟
إنّ الحرص على اختيار الزوجة ناشئٌ من عدّة اعتبارات أهمّها:
أ – أنّ الزوجة هي الأمّ المستقبلية، وإنّ للأمّ أثراً جلياً في نقل الصفات – حسنها أو قبيحها – إلى شخصيّة الولد، فلا بدَّ للزوج من أن يكون حريصاً على حسن الاختيار بين النساء؛ ليختار الوعاء الطاهر الّذي يضع فيه نطفته الّتي ستصبح فيما بعد فرداً له دوره ومكانته المهمَّة في مجتمعه.
2- مكارم الأخلاق، الشيخ الطبرسي، ص199.
3- أمالي الطوسي، ص 519.
ب – أنّ الزوجة هي السند المستقبليّ للرجل، وبقدر ما تجعل حياته داخل الأسرة مستقرّة وسكناً – كما تعبّر الآية الكريمة – بقدر ما يكون دوره فاعلاً ومؤثّراً خارج الأسرة.
ومن هنا فلا بدَّ للزوج من أن يلتفت إلى عدد من الصفات الّتي ينبغي أن تتوفّر في زوجة المستقبل ومن أهمّها:
1- ذات الدين:
فالصفة الأولى الّتي لا بدّ للرجل من أن يلحظها في شريكة مستقبله وحياته، هي التديّن والالتزام بالأحكام الشرعية، فقد وصفت الروايات المرأة الّتي ينبغي الزواج منها بأنّها (ذات الدين)، ففي الرواية عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: “من تزوّج امرأة لا يتزوّجها إلّا لجمالها لم يرَ فيها ما يحبّ، ومن تزوّجها لمالها لا يتزوّجها إلّا وكلّه الله إليه، فعليكم بذاتِ الدين”4.
2- ذات التدبير:
ينبغي للرجل أن يلتفت إلى صفات الزوجة وتدبيرها، ففي الرواية عن أمير المؤمنين عليه السلام: “خير نسائكم الطيّبة الريح، الطيّبة الطعام، الّتي إن أنفقت، أنفقت بمعروف وإن أمسكت أمسكت بمعروف، فتلك من عمّال الله وعامل الله لا يخيب (ولا يندم)”5.
وقد نهت الرواية عن اختيار الحمقاء، فقد ورد عن رسول االله صلى الله عليه وآله وسلم: “إيّاكم وتزوّج الحمقاء، فإنّ صحبتها ضياع وولدها ضياع”6.
4- وسائل الشيعة، ج 20، ص 50.
5- مكارم الأخلاق، الشيخ الطبرسي، ص200.
6- بحار الأنوار، ج100، ص 237.
3- ذات المنبت الحسن:
والمقصود بالمنبت الحسن أن تكون قد نشأت في عائلة وبيئة اجتماعية تتّصف بالصفات الخُلُقية الحسنة، وفي الرواية عن رسول االله صلى الله عليه وآله وسلم: “إيّاكم وخضراء الدمن، قيل: يا رسول الله وما خضراء الدمن؟ قال: المرأة الحسناء في منبت السوء”7.
ينبغي ملاحظة بيئة المرأة الاجتماعية الّتي تعيش فيها، أين تربَّت ومن أين أخذت تعاليمها؟ الأجواء الّتي عاشتها، ما هي أفكارها وقناعاتها؟ ما هي البيئة المدرسية الّتي تخرّجت منها، أو بيئة القرية والحيّ والبلد الّتي تعيش فيه، فكلّها عناصر مؤثّرة في شخصية الإنسان.
ثمّ إنّ عائلة المرأة ستكون جزءً من عائلة الأولاد فيما بعد، وسيكونون من العناصر المؤثّرة في توجيه وتربية الأولاد، فضلاً عن تأثير الوراثة فيهم، ففي الرواية عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: “تخيّروا لنطفكم فإنّ النساء يلدن أشباه إخوانهنَّ وأخواتهنّ”8.
4- الّتي تميل إليها:
أي الّتي تختارها، وتعجب بشخصيّتها، لا الّتي يفرضها عليك أحد أو تعجب الآخرين ولا تعجبك، لأنّها في نهاية المطاف ستكون في منزلك وليس في منزل الآخرين، وفي الرواية أنّ أحد أصحاب الإمام الصادق عليه السلام قال له: إنّي أردت أن أتزوّج امرأة وإنّ أبوَيَّ أرادا غيرها، قال: “تزوّج الّتي هويت ودع الّتي هوى أبواك”9.
7- الكافي، ج 5، ص 332.
8- المتقي الهندي، كنز العمال، ج16، ص295.
9- مكارم الأخلاق، ص237.
مع الالتفات إلى عدم جرح مشاعر الأهل بطريقة الرفض، فلا بدّ من أن تكون بطريقة ليّنةٍ وسلسةٍ لا تسبِّبُ أذيّةً لهما.
الصفة الأرجح
هذه الصفات بمجملها يلاحظها الرجل عندما يريد أن يقدم على الزواج، وكلّها منطقيّة ومهمّة، ولكنّ الأرجح بينها كلّها صفة الالتزام والتديّن، فلا تُرجَّح غير المتديّنة على المتديّنة لجمالها مثلاً، بل التديّن هو المرجّح الأساس، فلو تخيّر المرء بين امرأة جميلة ولكن غير ملتزمة، وامرأة عادية ملتزمة، فالإسلام يدعو في هذه الحالة إلى اختيار المتديّنة، ففي الرواية عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: “لا يُختار حسن وجه المرأة على حسن دينها”10.
وفي رواية أخرى عنه: “تُنكح المرأة على أربع خلال: على مالها، وعلى دينها، وعلى جمالها، وعلى حسبها ونسبها، فعليك بذات الدين”11.
من تختارين من الرجال؟
كما أرشد الشرع المقدّس الرجل إلى الزوجة المناسبة، فإنّه أرشد المرأة إلى الرجل المناسب، فحدّد بعض الأمور الأساس الّتي ينبغي أن تتوفّر في شريك المستقبل، ومن هذه الصفات:
1- الملتزم:
فعن رسول االله صلى الله عليه وآله وسلم: “إذا جاءكم من ترضون دينه وأمانته يخطب (إليكم) فزوّجوه، إن لا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير”12.
10- المتقي الهندي، كنز العمال، ج16، ص301.
11- الكافي، ج5، ص332، ح1،
12- أمالي الطوسي، ص 519.
فتديّن الرجل من أولّ الشروط الّتي ينبغي النظر فيها من قبل المرأة، لأنّ التديّن يحفظها على كلّ حال، وهذا ما أشارت له الرواية، فقد رُوي أنّه جاء رجل إلى الحسن بن عليّ بن أبي طالب عليهما السلام يستشيره في تزويج ابنته، فقال: “زوّجها من رجل تقيّ، فإنّه إن أحبَّها أكرمها، وإن أبغضها لم يظلمها”13.
وعندما نتحدّث عن التديّن فمن البديهيّ أن لا يكون من أهل الخمر والسكر، فقد أكّدت الكثير من الروايات على أن لا يُزوّج الرجل ابنته من شارب للخمر، كالرواية عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: “من شرب الخمر بعدما حرّمها الله فليس بأهلٍ أن يُزوَّج إذا خطب”14.
وعلى المرأة أن تلتفت إلى خطورة هذا الزواج، لأنّ تعليق الآمال على شارب الخمر أمر لا طائل منه، فقد حذّرت الرواية عن الإمام الرضا عليه السلام أشدّ التحذير: “إيّاك أن تزوّج شارب الخمر، فإنْ زوّجته فكأنّما قدت إلى الزنا”15. والإمام يلفت بهذا إلى آثار وتداعيات مثل هذا الزواج.
2- حَسن الخُلق:
إذا فسّرنا التديّن أنّه الإيمان النظريّ الّذي يُترجم في مظهر الإنسان من خلال القيام بالعبادات وبعض التصرّفات (الصلاة، الصوم، اللحية، إلخ…)، فإنّ هذا لن يكون كافياً، وعلينا أن نلتفت إلى أخلاقه الّتي تظهر من خلال عمله وسلوكه وتبرز في العلاقات مع الناس وعند الاختبار. يجب ملاحظة التديّن والأخلاق في آن معاً، لأنّ ذلك يساعد على الاطمئنان إجمالاً إلى أنّ هذا الزواج يمكن أن يكون ناجحاً وموفّقاً.
13- مكارم الأخلاق، ص204.
14- الكافي، ج5، ص348.
15- بحار الأنوار، ج 63، ص 491.
وفي الرواية عن حسين البشّار قال: كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام: إنّ لي ذا قرابة قد خطب إليّ وفي خُلُقه سوء، فقال: “لا تزوّجه إن كان سيّئ الخلق”16.
هل الفقر حجّة لرفض الرجل؟
يجيب الله تعالى عن هذا السؤال في كتابه الكريم بقوله: ﴿وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾17.
والآية إخبار من الله تعالى الّذي وسعت قدرته كلّ شيء وهو عالم بكلّ شيء، إنّه عزَّ وجلَّ يمنُّ بفضله وكرمه على أولئك الّذين يقدمون على الزواج، وبالتالي فالحالة المادية للرجل قبل الزواج ليست هي الحالة النهائية، بل يتأمّل أن يوفّق بعد الزواج، كما تفيد هذه الآية الكريمة.
وفي رواية عن الإمام الرضا عليه السلام: “إنْ خطب إليك رجل رضيت دينه وخلقه فزوّجه، ولا يمنعك فقره وفاقته، قال الله تعالى: ﴿وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللّهُ كُلاًّ مِّن سَعَتِهِ﴾18وقال: ﴿إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ﴾19“20.
تأثير الحبّ قبل الزواج
كثير من الناس يعتقدون أنّ الحبّ قبل الزواج له تأثير على الزواج وعلى نتائج الزواج. هذه نظرة خاطئة. لنعرف أوّلاً ما هو الحبّ؟ الحبّ هو حالة استئناس تنشأ بين الطرفين لأسباب موجودة في ذهن كلّ طرف تجاه الآخر، هو أحبّها لأنّه أُعجب بالصفات الموجودة فيها، رأى منطقها بالكلام محبّباً، شكلها الجميل محبّباً، إلخ…. وجد فيها صفات فتعلّق بها. هي كذلك وجدت فيه
16- بحار الأنوار، ج 100، ص 235.
17- سورة النور، الآية:32.
18- سورة النساء، الآية:130.
19- سورة النور، الآية.:32
20- بحار الأنوار، ج 100، ص 372.
فارس أحلامها لصورة في ذهنها. عندما رأت هذا الشخص انطبعت في ذهنها مجموعة من الصور الّتي تستأنس بها، فتولّدت حالة استئناس، هذه الحالة يُعبَّر عنها بالحبّ.
لكنّ هذا النوع من الحبّ ليس ضماناً لنجاح الزواج، فنجد بعض الأحيان حبّاً عمره خمس سنوات، ولكنّ الزواج يفشل، لماذا؟ لأنّه عند الزواج وبعد هذا الاحتكاك، اكتشف أحد الزوجين في الآخر خلاف الصورة الّتي اعتقدها في البداية. عرف أن تصوّره المبدئيّ كان وهميّاً فانهار الحبّ ومعه الزواج. الخطأ في الحبّ سببه التوجّه لناحية واحدة وينسى أحد الطرفين النواحي الأخرى، فيصطدم بهذه النواحي الّتي هي جزء لا يتجزّأ من شخصيّة الطرف الآخر، عندها تتولّد الكراهية وردّات الفعل السلبية.
بالمقابل يحدث زواج من دون معرفة كلّ طرف بالآخر، فيتعرّف إلى الصفات العامّة الّتي أشرنا إليها، يتحدّث معه في البداية فيتّضح وجود استئناس إجماليّ، فيحدث الزواج، والحبّ غير موجود، وبعد خمس سنوات نجد أن الحبّ كبر جدّاً بينهما، لماذا كبر مع أنّه لم يكن موجوداً؟ السبب الأساس هو الاحتكاك الّذي جعل كلّ طرف يكتشف معدن الطرف الآخر، ويستأنس به، ويراه في صورة جميلة، وكلّما تحسّنت الصورة بنظر الآخر كلّما ازداد الحبّ مع الزمن، لذلك إذا قال شخص أحسسنا بعد عدّة سنوات أنّنا نحبّ بعضنا بعضاً أكثر من كلّ المدّة السابقة أثناء الزواج، فهذا طبيعيّ مع نموّ المعرفة والاحتكاك والإعجاب.
فالحبّ يتولّد بشكل طبيعيّ، وليست الحياة الزوجيّة المبنيّة على حبّ مسبق هي الّتي تستمرّ، ولا الحياة الزوجيّة المبنيّة على عدم وجود حبّ هي الّتي تستمرّ، الّذي يستمرّ هو المبنيّ على صفات متعدّدة موجودة في الآخر تؤدّي إلى انطباعات إيجابيّة في الذهن فتولّد حالة عاطفية وشعورية إيجابيّة.
أسئلة
1- لمَ كلّ هذا الحرص في اختيار الشريك الآخر في الحياة؟
2- أذكر بعض مَن لا يُنصح الرجل بالزواج منهنّ؟
3- يُنصح الرجل بالزواج من بعض النساء، من هنّ؟
4- ما هي مواصفات الرجل المناسب كزوج؟
5- هل الفقر مانع من قبول الرجل ولماذا؟