المقدمة
الحمد لله ربّ العالمين وصلّى الله على سيِّدنا محمّد وعلى آله الطاهرين.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ﴾1.
سلك الإسلاميّون في تصوير الأطروحة الإسلاميّّة لنظام الحكم والإدارة مسالك عدّة، لم ينطلق بعضها من أسس شرعيّة مستنبَطة من الكتاب والسنّة، وإنَّما كانت مجرّد استحسانات، أو أعراف جرت في بعض الحقب التاريخيّّة، ليس لها ما يشيِّد دعائمها في التشريع الإسلاميّ. ولا تعدو في أفضل الحالات أن تكون خيارات عقلائيّة غير حصريّة لجأ إليها من لجأ، وأعرض عنها من أعرض.
لكن لا يخفى أنَّ أيَّ نظام اجتماعيّ أو سياسيّ أو إداريّ لا يكتسب الصفة الإسلاميّّة إلّا إذا قام في بُعديه التشريعيّ والتنفيذيّ على أساس المبادئ والقيم والأحكام الإسلاميّّة. ولا عبرة بالتسميات والعناوين التي لا تعبِّر عن معنونات ومسمّيات واقعيّة، وإنَّما العبرة بالواقع نفسه.
وقد امتازت الشيعة الإماميّة الإثنا عشريّة ببناء رؤيتها في الإمامة والنظام السياسيّ على أسس شرعيّة، معتمِدة على النّص القرآنيّ والنبويّ الواضح والمتواتر، مستندة في ذلك كلّه إلى العقل القطعيّ.
لكنّ الأمّة – نتيجة الكثير من العوامل الاجتماعيّّة والسياسيّة – ابتُليت
1-سورة النساء : الآية ,59.
بحرمانها من بركات الإمامة وفيوضاتها، وذلك عندما غاب الإمام الثاني عشر من أئمّة أهل البيت عليهم السلام، هذه الغيبة التي طالت وأدّى ذلك إلى فتح باب البحث عن الأطروحة الإسلاميّّة للحكم والإدارة في عصر الغيبة، فما هو التصوّر الواضح لهذه الأطروحة؟.
إنّها أطروحة ولاية الفقيه التي هي أطروحة كاملة وشاملة لنظام الحكم والإدارة في عصر الغيبة، وهي تقوم على أسس شرعيّة قدّمها الإمام الخمينيّّ الرّاحل قدس سره نظريّاً وعمليّاً في تجربة رائدة استطاعت أن تصمد أمام كلّ التحدّيات، وأن تلبّي متطلّبات الدّولة العصريّة، وتجيب على كلّ الأسئلة، في مجال التشريع والتنفيذ منسجمة مع مبادئ وقيم وأحكام الدّين الإسلاميّ الحنيف.
فما هي ولاية الفقيه؟
وما هي أسسها الفقهيّة؟
وما هي حدود صلاحيّاتها؟
هذه الدراسة المختصرة تحاول الإجابة على هذه الأسئلة وغيرها من الأسئلة المهمّة في هذا المجال إن شاء الله تعالى.
مركز نون للتأليف والترجمة