ثالثا: الحرب الناعمة بند على جدول أعمال خطة تحركات كبرى وشاملة
أصبحت الحرب الناعمة إذا جزءا رئيسا من الإستراتيجية الأميركية للمنطقة. وهذه الحرب تبلورت في خلايا التفكير الأميركية في العام 2006 وأقرت رسميا في الكونغرس الأميركي في العام 2008 كما كشف عن بعض تفاصيلها الصحافي الأميركي الشهير سيمور هرش1 ومن يطلع على أرشيف المخابرات الاميركية CIA التي تسربت بصورة علنية على شكل وثائق مؤخرا2 وما تسرب من وثائق على موقع ويكيليكس يفهم ترابط الإستراتيجيات والسياسات وآليات التخطيط والتحرك لدى الأجهزة والأذرع التنفيذية للإدارة الأميركية التي عهد إليها مباشرة الحرب الناعمة على إيران والمتحالفين معها. فقد يظن ويتوهم بعضهم أن الحرب الناعمة هي فقط حرب إعلامية أو ثقافية أو سياسية منفصلة عن أي تحرك له صلة بالعمل الإستخباراتي والعسكري والعملاني على الأرض، وهذا خطأ منهجي ووهم كبير، لأن من يقرأ بنود الميثاق الرسمي لوكالة المخابرات المركزية
1- مقالة لسيمور هرش منشورة في مجلة ذي نيويوركر نقلناها عن بحث بعنوان “اميركا تعد الميدان ضد ايران” للباحث محمد عبد الحليم منشورة في موقع اسلام اون لاين WWW.islamonline.net.
2- كتاب “إرث من الرماد تاريخ CIA” الصادر عن شركة المطبوعات للنشر والتوزيع ط. 2010.
الاميركية CIA ويمعن النظر ببعض بنوده يعثر على عنوان مخصص للإنقلابات يتيح “إغتيال وحذف شخصيات مؤثرة في الجبهة المعارضة للنظام المستهدف في سبيل دعم أهداف نفسية ودعائية في إطار خطة تحرك كبرى” وبند يتيح “تسليح جماعات منشقة عن النظام المستهدف” وبند يتيح “شراء ذمم زعامات وكتاب صحف ومدراء إذاعات ودور نشر ومحطات تلفزيونية”3.
إذا الإدارة الأميركية تعمل وفق خطة منسجمة وشاملة ومتوازية على 3 خطوط:
أ ـ الخط الأول يقوم على دعم الجماعات المسلحة الإرهابية الخارجة على النظام الإسلامي (منظمة مجاهدي خلق وجماعة جند الله البلوشية وجماعة بيجاك الكردية وجماعة عرب الأهواز) والتلويح بشن حرب عسكرية أميركية إسرائيلية لأجل الردع وفي إطار الحرب النفسية.
ب ـ الخط الثاني الذي بقي طي الكتمان فيتضمن العمل على دعم التيارات والشخصيات السياسية الإيرانية المعارضة من داخل النظام الإسلامي نفسه، هذا الدعم قد لا يكون منسقا مع هذه التيارات والشخصيات المعارضة، لأن هدفه زج هذه التيارات والشخصيات في معارك داخلية لتدمير وكسر الثقة مع أركان النظام، وهنا تبرز إحدى ميزات وتكتيكات الحرب الناعمة كما سنبين إنشاء الله.
3- ارث من الرماد. تاريخ CIA. المصدر السابق. ص 375 – 475
ت ـ الخط الثالث يقوم على دعم شبكات شبابية وطلابية وإعلامية وإفتراضية على الإنترنت لتشويه سمعة النظام ورموزه ورفع شعارات معادية وبث إشاعات وأخبار مزورة، هذه الإجراءات تحدث عنها بالتفصيل أحد الباحثين الغربيين4.
وبالتالي فالحرب الناعمة على إيران جزء من حرب حقيقية 100% وهي حلقة في مخطط ثلاثي الأبعاد يعمل على توزيع الأدوار على ثلاثة مستويات:
أ ـ الحرب الناعمة لتدمير موارد إيران الناعمة وضرب امتداداتها وتأثيراتها.
ب ـ الحرب الصلبة العسكرية في إطار الحرب النفسية والإحتواء والردع.
ت ـ الحرب الإقتصادية والحصار والعقوبات الاقتصادية لإضعاف مواردها وإمكاناتها وشلّ قدراتها.
هذه الحلقات تقع في إطار وسياق خطة واحدة منسجمة تنفذها غرفة عمليات واحدة تنسق بصورة يومية بين وكالة الإستخبارات الأميركية CIA ووزارة الخارجية ووزارة الدفاع (البنتاغون) في إطار جبهة ومعركة واحدة.
ومن ناحية ثانية، يكفي أن نشير إلى أن من وضع أسس هذه الحرب كلهم قيادات وكوادر عملوا في وزراة الدفاع الأميركية كنواب ومساعدين لوزراء
4- مقالة تحت عنوان “ثورة تويتر….أحلام اميركا في ايران” للكاتب الكندي ماكسيمان فورت إصدار 2009 منشورة على صفحات موقع قناة الجزيرة للدراسات www.aljazeera.net/studies
الدفاع أو كباحثين في مراكز الدراسات والأبحاث المرتبطة بدوائر القرار الأميركي، وبالتالي فهؤلاء من متخرجي المؤسسات العسكرية والأمنية وليسوا من خريجي كليات الفنون الجميلة أو كليات العلوم الإنسانية.
وبناء عليه لا يعني الحديث عن استراتيجية ومشروع الحرب الناعمة فصل تناغمها عن القوة الصلبة، لأن أميركا ستبقى محتاجة الى القوة العسكرية والأمنية لمواجهة ” الإرهاب وتحقيق الاستقرار” حسب ما أفصح عنه منظر الحرب الناعمة جوزيف ناي قائلا “الحفاظ على سطوة القوة الصلبة جوهري للأمن القومي الأميركي” وأضاف “أنا كنائب سابق لوزير الدفاع الأميركي لا يمكن لأحد أن ينافسني أو يزايد أمامي في مدى معرفتي واقتناعي باهمية القوة العسكرية الصلبة ولكننا لن ننجح بالسيف وحده. ولقد نجحنا بمواجهة الإتحاد السوفياتي ليس بالقوة العسكرية والردع العسكري فحسب، وليس من خلال عمليات الحرب الباردة، بل بسبب القوة الناعمة التي قدر لها أن تساعد في تحويل الكتلة السوفياتية من الداخل، ولو استغرق ذلك عشرات السنين. فالعبرة الأهم هي الصبر والنفس الطويل والمزج والتوازن بين القوتين الصلبة والناعمة وتلك هي القوة الذكية”5.
5- المصدر السابق. ص 21